امرأة من ظفار

كتب بواسطة أحمد الزبيدي

 

تنشر “الفلق” هنا أحد فصول رواية “امرأة من ظفار” لـ”أحمد الزبيدي” والصادرة في عام 2013م عن دار الفارابي

– 5 –

الذي يعرف هذه الجبال يدرك أنها تكاد تنطق وتقول, والذي سامر هذه  السهول يحس كيف تخفي حملها الذي بدا أن أيام مخاضه قد حلت وأقبلت

وفي مرباط وما حولها من القرى والسكون كان الجميع يشعرون أن خطبا جللا سوف يحل، كل شي في حياه هذه البلاد: الماء، والهواء، والليل، والنهار، العيون، والمشاعر، الرغبات والأحلام تشير إلى أن هذه البلاد مقبلة على ثورة عارمة، ثورة ستحدد مصيرها لعقود، ثورة ستكتب مأساتها بالدم والدموع.

في هذه الأجواء تسلل رجل عبر الحدود مع اليمن قاطعا طريقا طويلا إلى مرباط، كان هذا الرجل يحمل صندوقا، صندوقا سحريا يتكلم ويغني، تقاطرت السهول والجبال لرؤية وسماع هذا الساحر الجديد، أسقط في يد العرافات، وساد صمت ساحرات خور روري، كان الصندوق يهتف بلسان الساحر الجديد: “ارفع رأسك يا أخي فلقد ولّى عهد الاستعمار…”

جارنا في مرباط الصياد سعيد والذي ينتمي لإحدى القبائل القوية في الجبال المجاورة كان ممشوق القامة كرمح، جميلا بجدائله الطويلة، رفع رأسه باعتداد ولم يُحنه حتى لحظة إعدامه بعد ذلك بسنين… انهالت الرصاصات عليه فلم ينحنِ، وهوى نحو معشوقته الأرض في عناق لا ينقطع.

ظفار التي احتوت أعظم مدونة من الرسوم والكتابات لحضارات عظيمة سجلت تاريخها بعناية ودقة في الجبال والسهول والأودية والبوادي لكأنها “سبورة” تنطق بماض عظيم، هذا الماضي الذي أصابه الوهن، فقعدت قبائله تتقاتل في ظل جهالة وتخلف شديدين وحصار إمامتين إحداهما في اليمن، وأخرى في عمان الداخل أشد تخلفا، وسلطنة في مسقط كانت كل الدلائل تشير إلى هيمنة المشروع الاستعماري البريطاني عليها.

عوض الموت؛ الذي كان وطنيا ظفاريا خالصا, والذي أعياه صراع القبائل، شكل وفدا وذهب إلى حكام مسقط يعرض عليهم مشروعاً وحدوياً: ظفار ومسقط كيانان في واحد.

كان حكام مسقط يعانون من مصاعب جمة أُسقطت الأسرة الحاكمة إثر ثورة الإمام عزان بن قيس الوطنية، فتدخلت بريطانيا وأعادت حكم هذه الأسرة إلى مسقط، ومع ذلك ظل العمانيون يرفضون حكم هذه الأسرة، وظل الوطنيون الإباضيون قوة غالبة ومشروعا وطنيا للتغيير.

كان مشروع عوض الموت نعمة هبطت من السماء على حكام مسقط، تم إلحاق ظفار كملكية خاصة بالأسرة، نفي عوض الموت إلى ضلكوت حيث مات فقيراً معدماً.

ودخلت ظفار في نفق مظلم

كان شعب ظفار يستحق أكثر من هذا

أصبح الاستعمار عربيا

بل أن المسألة معقدة ومركبة

سلطة الاستعمار تختار من نخبة البلاد التي تستعمرها نخبة تحتل بلدا آخر وتستعمره بالوكالة، حدث هذا مع الإمبراطورية العمانية في زنجبار.

واليوم يحدث في ظفار

انتفضت قبائل القرى

فصمتت قبائل الكثير

وثارت قبائل الكثير

فحيدت قبائل القرى

والآن جاء الصندوق السحري كما نبي جديد.

جاء يقول “يا شعب” وليس يا “قبائل”

ساد الدولة رعب من هذا الصندوق.

وانعكس كل ذلك في سهرات “المشعير” حيث انبرت إحدى الشاعرات تروي حكاية هذا الصندوق:

عمي حسن جاب راديو

صندوق خربطني كلامه

مره من لندن

ومره من عدن

وإلا كما صوت العرب

حلوه علومه

صادق ومتهندس

“رفع رأسك أخي”

“السلال” جالك

بالبشارة والسلامة

والقاهرة سبعين ألف

جندي بتحامي عشانك

شعب الظفاري

نزل القوات بالساحة

وخلي كلاشنك

يعزف لحن ثوري

يا محلا كلامه

أدب الثالث والأربعون

عن الكاتب

أحمد الزبيدي