منعُ عمانيين من الاحتفال بالعيد الوطني

” 1 “

لم يترفع الإنسان العماني من الجنسين، عن العمل في أي قطاع من القطاعات، إذ شاهدناه في كل المرافق العامة والخاصة، بهدف الوصول إلى الحياة الكريمة،  وهي حق لكل مواطن، كما هي حق لكل إنسان في الكرة الأرضية، وقد قامت الحكومة بإجراءات كثيرة لتشجيع القطاع الخاص، لأنْ يقوم بدوره في استيعاب الباحثين عن العمل، وكذلك لتشجيع المواطنين على الانخراط في العمل في القطاع الخاص، باعتبار الحكومة لا تستطيع أن تستوعب كل الباحثين عن العمل، كما هو حاصلٌ في دول العالم أجمع، وهذا أحدث نوعا من الإزعاج  لأصحاب الشركات والمؤسسات الذين يريدون الاعتماد فقط على العمالة الأجنبية الرخيصة.

ولكن العمل في القطاع الخاص، لا تزال أمامه عقبات كبيرة تعترض طريقه إلى النجاح التام، بسبب سيطرة الأجانب على هذا القطاع سيطرة شبه تامة، لدرجة أن تصل بعض القصص في هذا القطاع، إلى إهانة الإنسان العماني وهو في وطنه وبين أهله، وبالتأكيد فإنّ القصص كثيرة جدا، يمكن لمن يريد أن يعلم عنها، أن يرجع إلى منتديات الحوار وسوف يقرأ عجبا.

” 2 “

تعليقا على مقالي السابق الأسبوع الماضي في “الرؤية” بعنوان “الإنسان العماني محور الاهتمام السامي”، أوضح لي أحد الإخوة أن بعض العمانيات اللاتي يعملن في إحدى الشركات في مسقط، أردن الاحتفال بالعيد الوطني ال43 المجيد، بوضع زينة وأعلام عمانية وصور صاحب الجلالة، إلا أن بعض المسؤولين من الجنسية الآسيوية الذين يتقاضون راتبا أعلى من 2000 ريال عماني، اعترضوا على ذلك، وقال أحدهم لهن “لقد جاء لمكتبي العديد من العاملين، محتجين على وضع زينة العيد الوطني بمكاتب الشركة، فلماذا لا نستطيع نحن الاحتفال بعيدنا الوطني، وكذلك بعيدنا الديني diwala؟”، ولم يكتف المسؤول الأجنبي بهذا، بل ذهب إلى مسؤول عماني شريك في الشركة، وقال له “إنه لا يمكن وضع أي زينة بالمكتب لأي احتفال بأي مناسبة، لأن هذه شركة عالمية”، فما كان من المسؤول العماني إلا أن ذهب للعمانيات المحتفِلات بعيدهن الوطني وفي وطنهن وليس خارج السلطنة، وقال بلهجة صارمة “أمامكن ساعة واحدة فقط لتزلن  الزينة”، مما أثار استياء كل العمانيين العاملين بالشركة والموجودين هناك لحظتها، فيما كان الأجانب يتعاملون بانتصار ويتغامزون بينهم، وابتلع العمانيون الإهانة، بعد أن حولت الشركة فرحة العمانيين بالعيد الوطني إلى حالة حزن وكأنهم في مجلس عزاء.

هذه قصة واحدة من القصص، وقد يقول البعض إنها حالة فردية، وقد تكون كذلك، ولكن لها مغزى كبير، وتُظهر إلى أي مدى وصل تحكم الأجنبي بالمواطن العماني، وقد تفتح العديد من الأسئلة، منها مثلا، هل يحق لأي شركة كانت أن تمنع المواطنين من الاحتفال بأعيادهم الدينية أو الوطنية؟ وإلى متى سيكون العماني ذليلا أمام الأجنبي؟ وإذا لم يكن له قيمة في وطنه، فأين يمكن أن يحصل على هذه القيمة؟ وما هي جدوى فتح أبواب الاستثمارات للأجانب على حساب المواطنين العمانيين؟ وما هي المؤهلات التي تؤهّل هؤلاء الأجانب بأن يتقاضوا رواتب كبيرة تفوق مبلغ 2000 ريال، حيث بلغ عددهم أكثر من 36 ألف شخصا؟!، فيكفي أن كل القوانين المعمول بها الآن في السلطنة، تصب في مصلحة الإنسان الأجنبي، حتى في أبسط الأمور، مثل خادمات المنازل بحيث لا يوجد شيء لصالح صاحب العمل، وإنما كل الأمور لصالح الأجانب، بدءا من الشروط المفروضة على المواطنين، وانتهاء بالخسائر التي يتحملها صاحب العمل، سواء بهروب العاملة أو غير ذلك من المشاكل، لأنّ تلك الدول التي تأتي منها هذه العمالة تهتم برعاياها الذين يعملون في الخارج، وتدرج شروطا صعبة في عقود العمل، لا يحصل المواطن العماني على أقلها أبدا.

وهنا موضوع آخر ذات أهمية، هو ما كتبته “طاهرة اللواتية” في جريدة “الوطن” عدد أمس، تحت عنان “تزيين سوق مطرح في العيد الوطني”، حيث ذكرت أنه في أجواء العيد الوطني، ولتزيين سوق مطرح؛ تبرع العمانيون أصحاب المحلات في السوق بمبالغ مالية، وتم شراء الزينة ممن يبيعونها من الآسيويين في السوق، مع التكليف بمهة تعليقها، وقد ازدان السوق، ولكن في غمرة الأفراح، فوجئ العمانيون بأنّ الآسيويين الذين باعوا الزينة لهم، نشروا تصريحا مطولا في إحدى الصحف المحلية باللغة الانجليزية؛ قالوا فيه إنهم تقديرا وإظهارا للولاء لجلالة السلطان المعظم – حفظه الله ورعاه – لإعطائه لهم فرصة لتحسين حياتهم، فإنّهم قاموا بجمع هذه الأموال من جيوبهم الخاصة لشراء الزينة واحتياجاتها وتعليقها، وشراء الحلويات وتوزيعها على مرتادي السوق، ولكن القصة لم تنته هنا، بل نشرت صحف “كيرالا” الموضوع المزور بتوسع كبير. (وجبت الإشارة هنا أن معظم الصحف التي تصدر باللغة الإنجليزية ليس بها عمانيون إنما هي تحت سيطرة لوبي معين).

” 3 “

قد يكون مبدأ “الأمان الوظيفي” مفقودا عند الكثيرين من العاملين في القطاع الخاص، فكيف يمكن للموظف أن يُنتج، وأغلب شركات ومؤسسات القطاع الخاص يديرها أجانب، ويشكلون فيما بينهم ما يشبه “اللوبي”، والكلُ يعلم المعوقات التي يضعونها في طريق العماني، والمضايقات التي يتعرض لها العمانيون، بهدف إزاحتهم وإحلال الأجنبي محلهم، لدرجة منع المواطنين من  الاحتفال بعيدهم الوطني، ولدرجة التحرش، مما يعني أن هناك من الشركات والمؤسسات الخاصة ما أصبح حكومة داخل الحكومة، أو “محمية أجنبية”، ويجب التفريق هنا بين المضايقات التي يتعرض لها الإنسان العماني، وبين تقصير وتراخي البعض وتهاونهم في أداء واجبات العمل بأمانة، فهذا شيء مرفوض تماما.

إن الحديث عن العمل وعن القطاع الخاص له جوانب عديدة، لا يكفيه مقال واحد، ولكن ما حدث من تلك الشركة من منع العمانيين من الاحتفال بعيدهم الوطني، يدل على جرأة كبيرة من مسؤولي تلك الشركة، وكذلك ما حدث في قصة سوق مطرح، له مؤشر خطير، ينذر بعواقب خطيرة، مما يستدعي الإنتباه ومسارعة وضع الحلول العاجلة لتخفيف قوة الأجانب الآخذة في النمو، لأن في ظني أننا كنا نستطيع أن نستغني عن أي استثمارات خارجية، لو أحسنّا ترتيب أمورنا، لأن السؤال هو: ما هي الفائدة التي جنيناها من وجود الاستثمارات الخارجية في السلطنة؟، مقابل سؤال آخر هو: ما هي الفوائد التي جناها الأجانب لقاء استثمارهم في السلطنة؟

إن أبرز النقاط الآن هي، التركيز على إحلال العمانيين مكان المديرين التنفيذيين الأجانب، إذ سجلت رواتب بعضهم لدى بعض الشركات الحكومية والمساهمة العامة في السلطنة، أرقاما خيالية تتراوح بين 3- 13 ألف ريال شهريا، بخلاف الإمتيازات الأخرى، مثل السيارة والهاتف والإجازات والعلاج والعلاوات و المسكن، بوجود عمانيين على المستوى نفسه من التعليم والخبرة، لكنهم لا يتقاضون ربع هذه الرواتب، وهذا بالتأكيد يؤثر على سلامة الاقتصاد العماني جراء المليارات التي يتم تحويلها إلى الخارج، هذا غير الفساد الذي انتشر وفاحت رائحته، كان الأجانب جزءا أساسيا فيه، لنرى أن بعض شركات القطاع الخاص، وبعض المسؤولين الأجانب ساهموا مساهمة فعالة في تدمير الاقتصاد العماني، بما دفعوا من رشاوى حتى ترسو المزادات لشركاتهم، ثم لا يمكن لنا أن نغفل الغش والتزوير في كل شيء، من قطع غيار السيارات إلى الأطعمة والأشربة والأدوية، مما أدى إلى موت الضمير، إن كان في الأصل حيا، في وقت وقفت فيه الحكومة مع هذا القطاع وقدّمت له الدعم الكثير في سبيل توظيف الشباب العماني.

” 4 “

إن الإنسان في أي مكان في العالم، لن يكون عزيزا إلا إذا كان ذا قيمة في وطنه وبين أهله، أما إذا فقد هذه القيمة، فلن يجدها في أي مكان آخر في العالم،وإننا نخشى أن يأتي يوم نكون فيه أقلية، ونكون فيه ضيوفا في بلادنا، ونخشى أن يأتي يوم يُحتفل فيه رسميا بعيد ال”diwala”، في الشركات في البداية، ثم في المؤسسات الحكومية، ومن ثم علينا أن نعترف به كعيد رسمي ونأخذ فيه إجازة رسمية، وهذا ليس له علاقة بانتقاص معتقدات الآخرين أبدا، والآن هناك مشاهد مؤلمة، وهي أن نرى العمانيين يتسولون من الآسيويين، وآخرين يشتغلون عندهم في أعمال دونية (والعمل ليس عيبا)، وأن نرى بعض الآسيويين يركبون السيارات الفارهة، ولا يلتزمون بأبسط قواعد المرور حيث يستخدمون هواتفهم النقالة، فيما يقف بعض المواطنين مع عائلاتهم، انتظارا لسيارات الأجرة، وهي مفارقة عجيبة، باعتبار مؤهلات هؤلاء ليست أفضل من مؤهلات العمانيين، وما يقومون به من أعمال يستطيع القيام بها العمانيون.

إن القطاع الخاص قطاع هام بالنسبة للعمانيين، لأنّ أي حكومة في العالم لا تستطيع أن تستوعب كل الباحثين عن العمل، لذا على الحكومة أن تركز لدراسة مشاكل هذا القطاع، وأن تعمل على وضع الحلول الحقيقية والمناسبة وبأسرع وقت ممكن لتذليل كل الصعوبات أمام العمانيين، وكذلك فإن موضوع الاستثمارات الخارجية في عمان بحاجة إلى دراسات أخرى مستفيضة، ويجب أن لا نعتمد على الأجانب في ذلك، فالمثل يقول “ما حكّ جلدك كظفرك”.

الثالث والأربعون سياسة

عن الكاتب

زاهر بن حارث المحروقي

كاتب وإعلامي عماني
Zahir679@gmail.com