” 1 “
من ضمن النقاط التي أثيرت بكثرة في منتديات الحوار وفي مواقع التواصل الإجتماعي، موضوعُ المساعدات الخليجية للسلطنة، لدرجة أن يتحدث فيها من هب ودب، بأنها منّة تفضّل بها البعض علينا ولولاها لكنا في خبر كان، وكأنّ عمان بتاريخها وحضارتها وعراقة شعبها لم تكن يوما مّا إلا بهذه المساعدات، والتي أشبهها تماما بالمنحة الأمريكية لمصر، بعد توقيع اتفاقية “كامب ديفيد”، والتي أردد دائما أنها “منحة الذل”، ولا بد أن نذكر، – تعليقا على الهجوم الشرس على كل ما هو عماني – أن معظم المغردين في “تويتر” أو “فيسبوك” هم من الشباب الذين لم يقرأوا كتابا واحدا، ولا يعلمون شيئا عن تاريخ وحضارة عمان، ولا يعلمون عن المواقف السياسية والأدوار الهامة التي قامت بها عمان منذ القدم وحتى في العصر الحديث، لأنّ عمان أساسا لا تعلن ولا تقول عن أدوارها، وهذا من الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها السلطنة، إذ أننا إذا كان الخارج لا يهمنا، فإنّ الوضع الآن قد اختلف، فالشبابُ العماني لا يعلم شيئا عن الأدوار الهامة التي قامت بها السلطنة، ويعتقدون أن عمان لم تقم إلا بالوساطة بين إيران والغرب، حسب تصريحات المسؤولين الأمريكيين وما نشر في الصحافة العالمية، ومع ذلك يجب أن نشير إلى الكم الكبير من المقالات الهامة التي امتلأت بها الصحافة العربية والتي أشادت بالموقف العماني واستقلالية القرار العماني دائما.
إن الموقف العماني من رفض فكرة الاتحاد الخليجي، ليس موجها ضد أي أحد، ولم يكن يحتاج إلى كل هذه الضجة المفتعلة، باعتبار معظم الدول الخليجية تؤمن بوجهة النظر العمانية ولا تجرؤ على التصريح بذلك، وقد تركزت الضجة حول المساعدات التي أعلنتها دول الخليج العربية للسلطنة، بعد أحداث فبراير 2011، وهي النقطة الأساسية التي يجب أن يتم التركيز عليها الآن داخليا، إذ المطلوب أن يعرف المواطنون بكل شفافية عن هذه المساعدات، هل هي وصلت للسلطنة أم لم تصل؟ هل تم استخدامها أم لم يتم استخدامها؟ وهل نحن فعلا نحتاج إليها أم لا نحتاجها؟ وإذا كنا لا نحتاج إليها، فهل يمكن إرجاعها في حالة وصولها إلى البنك المركزي العماني؟
” 2 “
إذا كنا نطالب بالشفافية في توضيح أمر هذه المساعدات، فإننا نعتمد على نشر في الخارج – وهو كثير -، فقد ذكرت وسائل إعلام إماراتية أن السلطنة حصلت على مساعدات تقدر ب4 مليارات و 68 مليون درهم إماراتي، محتلة المركز الأول في تلقي ما وصفته ب”مساعدات حكومية” من الإمارات، في حين لوّح رئيس تحرير صحيفة “الاقتصادية” السعودية بقطع الدعم عن السلطنة في حال خروجها من منظومة مجلس التعاون، وقال “بما أن السلطنة تهدد بالخروج من المجلس، فالطبيعي أنّ الدعم الخليجي سيتوقف ولن يستمر”، بل إنه قدّر بأنّ خسائر السلطنة ستربو على السبعة مليارات دولار في السنوات السبع القادمة، وهي إشارة واضحة إلى انفجار الغضب السعودي على السلطنة، لأن تعليقات الصحف السعودية تعكس دائما وجهة النظر السعودية الرسمية، ويمكن جدا أن نقيس الأمر من هذه الزاوية ونقرأ مقال د. “توفيق السيف” بعنوان “حول مجلس التعاون وموقع المملكة”، حيث يشير فيه إلى أنه على السعودية أن تتجه إلى ناحية أخرى غير دول المجلس، وبالمفارقة هي التهمة التي تم توجيهها لحكومة السلطنة بأنّ توجهها أصبح إلى “طهران”، يقول الكاتب ضمن ما قال :”ما يهمني هو موقف المملكة التي يبدو أنها تولي اهتماما بالغا لمجلس التعاون والعلاقات مع أعضائه. وأجد أنها أعطت هذا الموضوع أكثر من حقه، وصرفت وقتا وجهدا في غير طائل. في نهاية المطاف فإنّ الحجم البشري والاقتصادي والسياسي للمملكة لا يقاس أبدا بمجموع الدول الأعضاء الأخرى، فضلا عن آحادها، بعبارة أخرى فإنّ العلاقة الخاصة مع دول المجلس لا تضيف شيئا عظيما إلى اقتصاد المملكة أو سياستها الدولية”، ويرى د.”توفيق السيف” أن البديل الأنسب هو الاتجاه إلى تحالفات مع الدول التي تشكل إضافة جديدة على المستوى السياسي أو الاقتصادي، “فالعمق الاستراتيجي لبلد مثل المملكة هو اليمن والسودان ومصر والعراق، وليس البحرين وقطر والإمارات”، ويخلص إلى “أن المزيد من الانشغال بمجلس التعاون لن يأتي بمنافع إضافية على أي مستوى، بل ربما يؤدي إلى تقزيم الدور الإقليمي والدولي الذي يمكن للمملكة أن تلعبه، وفاء بتطلعاتها أو ضمانا لأمنها القومي. وأحسب أنّ على المملكة أن تفكر في محيط أوسع ودور أكبر، دور يتناسب مع حجمها ومكانتها وحاجاتها الاستراتيجية”.
في تقرير لصحيفة “رأي اليوم” الألكترونية، تقول الصحيفة، إن صحفيا عربيا زار عمان قبل سنتين، فسأل معالي “يوسف بن علوي” عن العشرة مليارات دولار التي خصصتها قمة الرياض لدعم السلطنة، فأجاب “ابن علوي” بعد “تنهيدة” تنطوي على معان عديدة: “إنها موجودة.. وعندما نحتاجها سنأخذها”، وتقول الصحيفة إنّ الصحافي كرر السؤال أكثر من مرة، وقال له: هي موجودة أين، هل وصلت إلى خزينتكم؟، فكرر الوزير الإجابة نفسها “إنها موجودة” دون أن يقدم معلومات إضافية، لأنه كان لا يريد فيما يبدو، أن يقول إنها لم تصل على الإطلاق، وكانت وعودا للاستهلاك الإعلامي المحلي الخليجي فقط.
” 3 “
لقد آن الأوان أن يعلم العمانيون كل الحقائق التي تدور في الغرف المغلقة، ومنها بالذات موضوع هذه المساعدات، بدلا من الاعتماد على الوسائل الخارجية، وفي ظني وظن الكثيرين أن أمورنا بخير، ولا نريد هذه المساعدات، وإنما نحتاج إلى أبناء مخلصين لعمان وللشعب العماني، وأن يعملوا على استقراره ورفاهيته، لأنّ ما ينشر يوميا عن حجم الفساد المالي، يثير فزع الناس، فلماذا نذل أنفسنا بمساعدات لا تصل، وإذا وصلت فهي أقرب إلى الصدقة التي يتْبعُما مَنٌ وأذى، في وقت نقرأ فيه سرقات، وعمولات، ورشاوي بالملايين، كانت كفيلة بأن تجعل الشعب العماني من أفضل الشعوب رفاهية؟! يجب على الحكومة أن تمضي قدما في محاربة الفساد، وهو مطلب شعبي ملح، ويجب علينا أن نبتعد عن الإستجداء، حيث نقلت صحيفة ”رأي اليوم” عن دبلوماسي عماني “أن السلطنة لا تريد منحا مالية من شقيقاتها، وإنما معاملتها أسوة بدول غير خليجية، واستثمار فوائض أموالها وهي بمئات المليارات، في مشاريع سياحية وصناعية وزراعية في السلطنة، حيث فرص الربح كبيرة ونسب العوائد عالية جدا، الأمر الذي سيعود بالفائدة على المستثمر والاقتصاد العماني معا، الأول يجني الأرباح، والثاني الوظائف للشباب العاطل”، فهذا نوع من الاستجداء المرفوض، لأننا قادرون أن نقوم بذلك بأنفسنا دون الاعتماد على الغير، إذا خلصت النوايا وأحسنّا التدبير.
لقد كشفت حادثة عدم رغبة السلطنة الإنضمام إلى الإتحاد الخليجي المقترح، أنّ الشعب العماني كان يتمنى مثل هذا التوجه وهذه السياسة، بدليل ارتفاع أسهم التأييد الشعبي للحكومة، وهذا يعني ضرورة أن تقوم الحكومة بمراجعات حول بعض السياسات الداخلية أولا، وهي التي لم ترتق أبدا إلى موازاة النجاحات التي تحققها السلطنة في السياسة الخارجية، أما في السياسة الخارجية فإننا نحتاج إلى تغيير سياسة الصمت التي بسببها اتّهمَنا البعض بالانعزال والصمت، والبصمة على كل أمر، فها هي السلطنة تغير نهجها، بتصريح معالي “يوسف بن علوي”، فيرتفع سهم التأييد للحكومة، لأنّ كثرة المرونة، ومسايرة الأشقاء في كل قراراتهم، إيمانا بمجلس التعاون، وبحسن الجوار، وبالتضامن العربي، وغيرها من الشعارات، جرّأت كثيرا من الناس علينا، ثم هناك خطأ في تطبيق مبدأ “التسامح” واعتباره منهجا استراتيجيا دون اعتماد مسار آخر معه، إذ جرّ ذلك بعض السلبيات على الوضع الداخلي، بل جعل الآخرين يتجرأون على عمان، ويصل الأمر إلى انتحال كل ما هو عماني، وعلى السلطنة أن تراجع بعض أنواع نهج “سياسة التسامح” هذه.
” 4 “
من الخطأ أن تكون وطنية المواطن مرتبطة بما يأخذه من الوطن فقط، خاصة في الناحية المادية، ولكننا لا نستطيع أن ننكر تأثير ذلك على الناس، ولنا أن نقيّم الفرحة التي عمت الناس، عندما تم الإعلان عن توحيد رواتب موظفي القطاع العام وتوحيد الراتب التقاعدي، إذ خرج الناس في مسيرات فرح حقيقية تأييدا للحكومة وشكرا لجلالة السلطان المعظم حفظه الله ورعاه، رغم أن الناس لم يعرفوا حجم الزيادة، مما يدل على أن المواطنين عندما يكونون مرتاحين فإنّ تلاحمهم وتأييدهم لحكومتهم يكون في ارتفاع، والعكس كذلك تماما، فإنّ أي تقصير أو أي ظلم قد يقع على البعض، فقد يجرّهم إلى عدم التفاعل مع قرارات الحكومة، بل وإلى أن يقفوا ضد توجهاتها سواء في السياسة الداخلية أو الخارجية، وأظن أنّ على الحكومة الآن أن تواصل النهج نفسه، وتكشف عن حجم الفساد والمفسدين، وأن تعمل على إراحة الشعب، وهذا هو المبدأ الأساسي من مباديء الاعتراف والموالاة.
إن أي صدقة أو معونة يتبعها مَنٌ وأذى، نحن في غنى عنها، فالعربُ تقول: “تموت الحرة ولا تأكل بثديها”.