لسنا ببعيدين عن الإرهاب

كتب بواسطة أحمد البحري
download

صورة من التلفزيون اليمني عن الهجوم على مستشفى العرضي بمجمع وزارة الدفاع اليمنية

(( إذا تحسن جارك بل رأسك ))

مثل عماني يعني إذا حلق جارك رأسه فالدور قادم إليك.

قبل عدة أيام تم تفجير مستشفى في جمهورية اليمن بسيارة مفخخة ثم دخله الإرهابيون , وقاموا بقتل الأطباء والممرضين والمرضى بطريقة وحشية , لا تنم إلا عن فقدان هؤلاء الإرهابيين لآدميتهم.

لا يمكن لهذا الحادث أن يمرّ مرور الكرام بسبب التغيرات التي حدثت في المنطقة , فهنالك عواملُ داخلية ٍ وخارجيةٍ تثير القلق لدى المتتبع للجو العام في المنطقة .

سنبدأ بالعوامل الخارجية , فالإرهابيون تلقوا عدة صفعات في الوطن العربي , منها تقدم النظام السوري على أرض المعركة في عدة جبهات , والصدام بين الأكراد والجيش الحر من ناحية وبين القاعدة من ناحية أخرى _ بشقيها جبهة النصرة و الدولة الإسلامية في العراق والشام _ مما أضطرها إلى التقهقر و خروج عناصرها من سوريا بخاصة عندما وجّه الأكراد ضربة قاسية في محافظة الرقة في شمال سوريا , فعاد بعض عناصرها إلى بلدانهم _ مثلما حصل في تونس _ أو إلى أرض مناسبة لتحركات عناصرها , كذلك سقوط الحكومة الإسلامية بعد ثورة 30 يونيو أو الانقلاب العسكري في مصر التي كانت تغض الطرف عنهم وتسمح لخطاب التطرف أن يعلو على خطاب التسامح وخاصة في مؤتمر نصرة سوريا الذي تقيأ فيه الحاضرون أبشع خطابات العنف , ولجأ بعض رجال الدين الطائفيين لممارسة لعبتهم المفضلة _ التحريض الطائفي _ التي مارسوها في منابر مصر , فمع سقوط الحكومة المحسوبة على التيار الإسلامي , ضيق الجيش المصري على الإرهابيين في سيناء , وبذلك أصبحت سيناء أرض غير آمنة لهم , بعدما عاثوا فيها فسادا – كما حصل في تونس – فضاقت عليهم البلاد بعد أحداث جبل الشعابني.

نأتي أخيرا إلى الصومال التي كانت الوجهة المفضلة لديهم, فمع توسع نفوذ الحكومة المركزية على الأراضي الصومالية بمساعدة الاتحاد الإفريقي وتقهقر حركة شباب المجاهدين _ إحدى أذرع القاعدة _ فقد الإرهابيون مصدر تمويل مهم و هو القرصنة كما فقدوا أرضاً استراتيجية. وفي ظل تقهقر الإرهابيين في عدة دول اتجهت أنظارهم إلى جارتنا اليمن لعدت أسباب أهمها :

ضعف الحكومة المركزية, فبعد الثورة الشعبية التي أطاحت بالنظام الفاسد , مازالت الأطراف السياسية الفاعلة تتصارع على كعكة السلطة , مما أضعف إحكام سيطرة الدولة على أراضي اليمن ,فأصبحت القبائل تحل محل الدولة , وطغت الفوضى وخاصة في أطراف البلاد, فصار الوضع مثاليا للإرهابيين , ولا ننسى عنصريين مهمين في خلق بيئة جاذبة للإرهاب _ بل اعتبرها رئيسيين  _ هما الفقر والجهل. كذلك فأن للضربات الجوية التي تنفذهما طائرات أمريكا نصيب في خلق بيئة اجتماعية حاضنة للإرهاب , لأنها تصطاد الإرهابيين والمدنيين على حد سواء .

وتأتي خطورة الموقف في اليمن علينا ؛ من كونه جارا لنا , فالحدود بيننا تصل إلى 288 كم ,في ظل تضاريس صعبة تنوعت بين الجبلية و الصحراوية و البحرية , و معروف أن الجبال مكان مثالي للتسلل والاختباء , خاصة في وقت ما يسمى بالخريف في ظفار فالجبال تتغطى بغطاء أخضر , أما الصحراء فتأتي خطورتها من خلوها من الانتشار السكاني و صعوبة السيطرة عليها , و البحر خاصرتنا الأضعف في ظل إمكانياتنا المحدودة , و حادثة القرصنة التي وقعت قرب ميناء ريسوت شاهدة على ذلك , كما أن بحارنا من جهة الشرق و الجنوب بحار مفتوحة.

وهنالك عامل مهم يجب أن لا نهمله , وهو الشحن الطائفي ضد عمان بعد نجاح دبلوماسيتها في تخفيف التوتر في الخليج العربي , وخصوصا ما يتعلق بتقريب وجهات النظر بين أمريكا و إيران أو استضافة المفاوضات السرية بينهما, كذلك رفض عمان الاتحاد الخليجي لأسباب سياسية بحتة.

الخطاب الطائفي في الدول المجاورة روج على أن عمان تابعة لإيران , وأن رفضهم للاتحاد الخليجي جاء لأسباب طائفية , مما جعل الإرهابيين _ وخاصة القاعدة_ تلتفت أنظارهم إلى عمان ,فعلى جيراننا أن يكونوا أكثر حذرا في خطابهم بخاصة رجال الدين والصحفيين ومفكريهم كما حصل عند المفكر الكويتي _ إن جاز لنا أن نسميه مفكرا _ لأن نار الإرهاب ترمي بشرر تطال الجميع .

العوامل الداخلية

أبدأها من ما تداولته القنوات _ مثل قناة العالم و قناة سوريا الآن و صحيفة الصباح _ و مواقع التواصل الاجتماعي عن مقتل (( أحمد البريكي ))عماني الجنسية قائد لواء المهاجرين قرب أسوار دمشق في إحدى عمليات تنظيم القاعدة بالتحديد على مستشفى دير عطية , و قبله أبو عبيدة (( يوسف أحمد علي)) في افغانستان و هو في سن 19 سنة , فكانت هنالك استنكارات واسعة من قبل مستخدمي برامج التواصل الاجتماعي ضد انتماء العمانيين لتنظيم القاعدة و تبني فكرهم الإرهابي , و لكن هناك فئة باركت هذا الفعل وهللت له على اعتباره جهادا في سبيل الله !!! , في الحقيقة لا يُقلق ( أحمد البريكي ) _ فهو بين يدي ربه _و لكن ما يثير القلق بقية الجهاديين الذين يقدر عددهم ب 28 عمانيا في سوريا و غير معروف العدد في أفغانستان , و الفئة التي رحبت بعملهم على اعتباره جهادا في سبيل الله !!! , فمن يسمون أنفسهم بالمجاهدين مستعدون لتنفيذ جرائم القتل، و الفئة المتعاطفة معهم تربة خصبة لإنتاج الإرهابيين.

أما العامل الثاني فنحن نعيش في محيط تتجاذبه الصراعات الطائفية , فمجتمعنا ليس ملائكياً طاهراً , و نبرة الطائفية موجودة و إن كانت أقل بشكل كبير عن بقية محيطنا , و لكن لا يمنع أن نأخذ الحذر – فمن مأمنه يؤتى الحذر – لتحصين أنفسنا ضد هذه الجرثومة.

كذلك لاحظت في الآونة الأخيرة في مواقع التواصل الاجتماعية استخدام لغة التكفير لمجرد الاختلاف في الرأي , و أكثر ما نجدها – لغة التكفير – عند صغار السن من الشباب, و أذكر هنا تكفير أحدهم لشاعر عماني معروف وعندما سألت هذا الشاب الذي لم يتعد عشرين سنة هل قرأت أشعاره ؟؟ أجاب بالنفي !!

عندما نتمعن فيمن يغذي عقول هؤلاء الشباب الصغار نجده الخطاب الديني المتطرف القادم من الداخل والخارج من قبل رجال الدين المتعصبين , الذين كان حظهم من العلم والدين الشيء اليسير, و لكن استغلوا عاطفة صغار السن وحماسهم لتمرير خطابهم التكفيري .

بعد أن استعرضنا العوامل الداخلية و الخارجية لقلقنا من ما يحدث حولنا , فعلى الحكومة العمانية أن تعمل مع جيرانها وأصدقائها على تجفيف منابع الإرهاب , فاليمن يحتاج إلى جيرانه و أصدقائه لتجاوز خلافات مكوناته السياسية , و القضاء على الفقر والجهل , فهما العاملان الرئيسان للإرهاب ,فمساعدتنا له ليس منة إنما حماية له و لنا من الإرهاب المعشش فيه , كذلك الإسراع في بناء السياج الأمني بين الحدود اليمنية العمانية الذي يعتبر ضرورة وقتية ,ينتهي مفعولة عندما تنظف اليمن من الإرهاب , كما يجب أن لا ننسى تعزيز قواتنا الحدودية البحرية و البرية و دعمها بأحدث الأجهزة و تدريب أفرادها في كيفية التعامل مع الإرهابيين .

وعلينا أن نكون حذرين في التعامل مع العمانيين المتواجدين في سوريا و أفغانستان بداعي الجهاد إن رجعوا إلى وطنهم , فيجب أن نعيد تهيئتهم فكريا و نفسيا واجتماعيا لدمجهم في المجتمع.

ومن السلامة أيضا مراقبة ” ثرمومتر” الخطاب التكفيري والطائفي في عمان , وحث رجال الدين – خاصة من لهم تأثير على المجتمع _-على الحذر في خطابهم مع الشباب , و إعلاء خطاب التسامح بينهم و دفعهم إلى الحوار و تقبل الآخر , و إصدار قوانين صارمة ضد الخطاب الطائفي التكفيري مع تربية المجتمع على تبني الحرية الفردية كمبدأ للتعامل , فعندما نصل إلى مجتمع يؤمن بالحرية الفردية أساسا للتعامل مع الآخر عندها يمكننا أن نتجاوز إشكاليات الخطاب الطائفي التكفيري.

البريمي -24\12\2013

الرابع والأربعون سياسة

عن الكاتب

أحمد البحري