أيها المسلمون إفرحوا .. فقد اعتذرت القاعدة

"قاسم الريمي" القائد العسكري لتنظيم القاعدة في اليمن.

“قاسم الريمي” القائد العسكري لتنظيم القاعدة في اليمن أثناء اعتذاره عن مقتل مدنيين في المستشفى العسكري.

” 1 “

أصبح المسلمون مشوشين، إذ اختلطت عليهم المفاهيم في كل أمورهم الحياتية، بفضل الممارسات السيئة التي قام بها المسلمون أنفسهم، وبفضل الكم الهائل من الفتاوى التي يُصدرها مئات الآلاف من الشيوخ عبر القنوات والمنتديات، حتى اختلط الحابل بالنابل في كل شيء، وقد تكون كلمة “الجهاد” من الكلمات التي ساء استخدامها الآن حتى باتت تعني “الإرهاب”، وهي الكلمة التي كثر استخدامها في وسائل الإعلام، وأصبح كلّ أحد يدّعيها، وأصبح قتل مسلم لمسلم جهادا، بل وقتلُ الأبرياء من أي دين وملة ومذهب أصبح جهادا، وكل ممارسة للعنف باسم المذهبية صارت جهادا، ومحاربة كل مخالف في الرأي صارت جهادا، حتى أصبح الناس – خاصة الشباب الحائر – لا يفرقون بين ظاهرة العنف والإجرام والإرهاب، وبين الجهاد، من هنا رأينا كيف يقتل الإنسان المسلم أخاه المسلم، ورأينا كيف يفجر الإنسان المسلم نفسه لتدمير مساجد مخالفيه في المذهب، ورأينا كيف تيتّم الأبناء وترملت النساء وتشتت العائلات، بل وصل الأمر إلى تفجير مستشفيات يتعالج فيها المرضى من العجزة والنساء والأطفال، وتم الإتجار بالبشر عن طريق الدعارة باسم “جهاد المناكحة”، وكل ذلك باسم الله، واللهُ سبحانه وتعالى بريء من ذلك.

إننا دائما نحمّل الغرب – خاصة أمريكا – مسؤولية أخطائنا، وهم ليسوا بريئين بالطبع، ولكن إذا كنا صريحين وواقعيين فإنّ الإرهاب الذي مارسه المسلمون عبر جماعات العنف المختلفة باسم الله وباسم الجهاد في كل مكان، هو السبب الرئيسي الذي جعلهم يُلصقون تهمة الإرهاب إلى الإسلام والمسلمين، لأننا نحن مَنْ تسبب في تشويه سمعة الإسلام بتصرفاتنا، فلا ينفع أن ندعو الناس أن يقرأوا القرآن أو تاريخ الإسلام أو كتبا عن الإسلام، فيما العالم أجمع يشاهد عمليات القتل والذبح والإجرام بين المسلمين بدم بارد في كل الأوطان الإسلامية مع صيحة “الله أكبر”، بل إنّ الكفر نفسه والشرك بالله ليسا سبباً كافياً للقتال، ولا إكراه في الدين، فلا يمكن أن أكره الناس أن يكونوا مؤمنين، ثم إنّ القتال إنما هو لمن يعتدي على المسلمين، (وحسبي هذا فقط لأني لست متخصصا في هذا المجال، فله شروطه وأحكامه وله علماؤه الذين يحق لهم أن يتكلموا فيه).

” 2 “

يعتبر تنظيم “القاعدة” من أبرز التنظيمات التي شوهت سمعة الإسلام خاصة في مجال الجهاد، ولا نستطيع أن ننكر أن هدف مؤسسيه في الأساس كان نبيلا، وهو محاربة الوجود السوفييتي في أفغانستان، ثم تطور الأمر إلى محاربة الوجود الأمريكي في الجزيرة العربية، حيث انقلب السحر على الساحر، باعتبار أنّ الأمريكان لهم ضلع في تأسيس “القاعدة”، وقد جاءت ذروة المأساة، عندما نفذ التنظيم هجوما استهدف صباح الخامس من ديسمبر الماضي، مستشفى تابعا  لمجمع وزارة الدفاع اليمينة مما أسفر عن قتل 56 شخصا، بينهم أطباء  وممرضات من الفلبين وألمانيا وفييتنام والهند، إضافة إلى عشرات اليمنيين، وقام المهاجمون حسبما هو واضح عبر لقطات “اليوتيوب” بإطلاق النار على عدة أشخاص من المدنيين بدم بارد، وهناك لقطات مؤلمة جدا، إذ تحاول طبيبة أو ممرضة، إنقاذ أحد المصابين عند البوابة الرئيسية للمستشفى، فإذا أحد القتلة يطلق عليها رصاصات بالقرب منها ويُرْديها قتيلة، كما تظهر لقطات أخرى القتلة وهم  يُجهزون برشاشاتهم على المصابين وعلى كل من يتحرك أو يلوذ بالقرار هربا من الموت، وأظهرت المقاطع المصورة بكاميرات المستشفى إقدام المسلحين على تفجير البوابة الرئيسية للمستشفى بسيارة مفخخة، أعقبها هجوم لمسلحين يرتدون الزي العسكري، قدِموا من بوابة أخرى وبادروا على الفور بقتل كل من وجدوه في المستشفى، وأظهرت الصور استغاثة عدد من الأطباء والممرضين بأحد المهاجمين، معتقدين أنه أحد العسكريين التابعين للمستشفى، فباغتهم برمي قنبلة عليهم فأودت بحياة العشرات، بينما لاذ هو بالفرار.

وبعد كل هذا الإجرام، وبعد كل هذا التشويه للإسلام، وبعد انتشار اللقطات للعالم، تقدم تنظيم “القاعدة” باعتذاره عن الهجوم، وفي استخفاف بالأرواح والعقول  عرض التنظيم دفع دية لذوي الضحايا بحسب رسالة وجهها “قاسم الريمي” القائد العسكري للتنظيم في اليمن.

إن المتتبع لتصريح “الريمي” يعلم تماما أن هذا الاعتذار به استخفاف بعقول الناس، فهو يدعي أن أحد المهاجمين هو الذي خالف التعليمات وأطلق النار على الأبرياء بينما اللقطات تثبت أن القتل كان متعمدا ومن أكثر من شخص، ثم إنه حين يعلن أن الهجوم لم يكن يستهدف المستشفى، بل مركز القيادة التي قال إنها تتضمن “غرفة تحكم” توزع الأهداف على الطائرات الأمريكية من دون طيار التي تنفذ غارات في اليمن، ألم يكن يعلم أنّ هذا مستشفى؟ ثم لو فرضنا أنهم لم يكونوا يعلمون أنه مستشفى، فهل عندما علموا توقفوا عن إجرامهم؟ لقد قال “الريمي”: “نحن نؤكد أنّ أيّ وزارة أو أيّ معسكر أو أيّ ثكنة أو غير ذلك، أيّ موقع من هذه المواقع ومن غيرها ثبت لدى “المجاهدين” أنها تتعامل مع الطيران الأمريكي..هذه كلها هدف مشروع لنا”.

إن كلامه هذا منطقي جدا، عندما يكون المستهدف، هو من الذي يُلحق الأذى بالشعب اليمني أو بأي مسلم في أي مكان، مثل أفغانستان وباكستان اللتين تتعرضان يوميا للقصف بالطائرات الأمريكية دون طيار، هذا مفهوم جدا، بل سوف يلقى كل التشجيع من جموع المسلمين، أما أن يتم تجاهل ذلك كله، ويتم الإنتقام من أناس أبرياء ليس لهم “ناقة ولا جمل” في الهجوم على اليمنيين، مثلما حدث في مستشفى “العرضي” في صنعاء، فهذا خطأ كبير، ولا يمكن أن يسمى هذا جهادا، بل هذا تشويه للإسلام، وقد أكد “الريمي” أنه  “لدينا قائمة طويلة بهذه المواقع”، ونتمى أن نرى شجاعته، وأن ينتقم لكل دم يمني أريق عن طريق الطائرات الأمريكية بدون طيار.

هل لنا أن نهلل ونكبر، وأن نرقص فرحا لأن تنظيم القاعدة أقرّ بذنبه فاعتذر؟، وهل على عائلات الضحايا أن تفرح لأن القاعدة ستدفع الدية عن أرواح أبنائهم؟، ثم هل على أهل الضحايا من الألمان والفلبينيين والفيتناميين والهنود أن يشهروا إسلامهم، لأن القاعدة قتلت أبناءهم، لكنها اعتذرت ومستعدة أن تدفع الديات؟! منذ سنوات طويلة، والقاعدةُ تنفذ هجمات ضد المدنيين في كل مكان، مما يدل على أن هناك خطأ في تفكير وعقل هذا التنظيم، وهو الخطأ والخلل نفسه الذي أصاب فكر المسلمين، بحيث فقدوا فقه الأولويات، واتجهوا إلى “جهاد” مزعوم، تاركين “الجهاد” الحقيقي، وناسين فلسطين والقدس والأقصى.

إن شباب المسلمين ضائعون، فلا بد من إبعاد الدين عن كل عمليات الإرهاب والعنف التي تجري باسم الجهاد في سبيل الله، لأن انتشار فكر العنف والإرهاب والقتل باسم الله، له عواقب وخيمة على المجتمعات الإسلامية، وعندما يستشري العنف فإنه سيلحق الجميع، وسيكون مِن ضحاياه مَن أيّده وشجّعه لأجل تحقيق نصر مزعوم على المخالف في المذهب، وعلى دولنا وحكوماتنا أن تقف بحزم ضد كل بوادر العنف والتكفير وإقصاء الآخر، فكل تلك الصفات هي الخطوة الأولى في مسيرة الألف ميل نحو الإرهاب وتشتيت الأوطان، ونحن لسنا بعيدين عن العالم، ولسنا محصّنين ضد أي تطرف والذي بدأت بوادره في الظهور، ولا يَغُرّنا كثرة المديح، ولا كثرة المجاملات فيما بيننا، كأنْ يعزمك أحدٌ مّا على فنجان قهوة نصف ساعة، أو أن يناشدك عن العلوم ربع ساعة، فالآخرون كانوا مثلنا تماما أو أحسن منا، فما هي حالهم الآن؟!

” 3 “

أنا لا أدري لمصلحة من ما يتم في الوطن الإسلامي من الإرهاب والعنف والكراهية والقتل المجاني، فما يحدث الآن إنما هو ضد الإسلام كدين وضد المسلمين، بل هو ضد الإنسانية كلها، وقد حان الوقت إلى التفريق بين هذه الجرائم والجهاد، فقد فعلت هذه الجرائم ما لم تفعله الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وما لم تفعله بعض الأفلام أو الأقلام التي كتبت ضد الإسلام ونبيّ الإسلام صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولكن مع ذلك وبكل أسف، قد نجد أناسا يثورون على الرسوم المسيئة، ولكنهم لقصر فهمهم أو لكثرة ما تم غسل أدمغهم، يعتقدون أن ما تقوم به جماعات العنف في الوطن الإسلامي إنما هو جهاد في سبيل الله، فيما يعتقد الآخرون، أن تفجير مسجد للسُنّة هو تقرب إلى الله، أو العكس أنّ تفجير مسجد للشيعة هو تقرب إلى الله، وفي كل الأحوال فإنّ المجرمين يحلمون بمعاشرة 70 من الحور العين الحسان، على حساب الأبرياء.

ونقول على الحكومة في عمان أن تعمل جاهدة في تحصين الشباب وإبعادهم عن هذا الفكر الهدام، وأن تكون يقظة ومنتبهة، لأن فكر التكفيريين ليس بعيدا عنا جغرافيا، ثم إننا مستهدفون الآن بعد الإعلان عن بعض المواقف السياسية المستقبلة منها رغبة السلطنة في الابتعاد عن الصراعات.

الرابع والأربعون سياسة

عن الكاتب

زاهر بن حارث المحروقي

كاتب وإعلامي عماني
Zahir679@gmail.com