مع .. “سليمان المعمري”

” 1 “

لم أتفاجأ عندما طالعت صحف الإثنين 3/3/2014، وقرأت خبرا تقول تفاصيله إن اللجنة الوطنية للشباب أعلنت عن فوز القاص والكاتب والروائي الإعلامي “سليمان المعمري” بلقب الكاتب العماني الأكثرة قراءة في عمان، وذلك في الاستفتاء الذي أجرته اللجنة منذ اليوم الأول لافتتاح معرض مسقط الدولي للكتاب، والذي استمر لمدة ثلاثة أيام، وقد أجرت اللجنة الإستفتاء عبر وسائل التواصل الالكتروني، بما فيها صفحة اللجنة في “الفيس بوك” و”التويتر”، حيث طرحت عّدة أسئلة على قطاع عريض من الجمهور حول الشخصية العمانية الأكثر قراءة في عُمان، وعندما أقول إني لم أتفاجأ بنيل “سليمان” لهذا اللقب فإنّ سبب ذلك يعود إلى التنوع في كتاباته المختلفة ما بين السياسية والأدبية والثقافية، وكذلك في مجال القصص، والكتابات الساخرة التي يتميز بها، مما تجعله الكاتبَ الساخرَ الأولَ في السلطنة لو أنه واصل الكتابة في هذا الاتجاه، هذا غير الرواية التي كتبها العام الماضي تحت عنوان “الذي لا يحب جمال عبد الناصر” الصادرة عن دار “الإنتشار العربي”، التي جعلته روائيا مميزا ليس على مستوى السلطنة بل على مستوى الوطن العربي، لما لاقته من نجاح وقبول لدى القاريء. 

يُحسب للجنة الوطنية للشباب هذه البادرة، وهي ضمن مبادرات كثيرة قامت بها  للتشجيع على القراءة والتأليف والنشر، لأنّ من أهداف مسابقة كهذه تعزيز علاقة القراء بالكاتب العماني، ومن أجل تعزيز ثقة العماني بنفسه، ثم من أجل رصد مدى متابعة القراء للكتاب العمانيين، وهي نقطة هامة، إذ أنّ الإنتاج العماني أصبح وفيرا في المجالات كافة، ويزداد عدد الإصدارات العمانية من معرض إلى آخر، فيما يزداد عدد القراء في السلطنة، إذ أنّ المبيعات تحقق نجاحا كبيرا، وتسجل الإصدارات العمانية أيضا نسبة كبيرة في الإقبال عليها، كما أنّ الجهات التي تصدر الكتب في ازدياد، سواء كانت هيئات رسمية أو دور نشر أو مكتبات خاصة، بل إنّ العمانيين هو الزوار الأكثر عددا في معرض الشارقة الدولي الذي يقام في نهاية كل عام.

إن “سليمان المعمري” نفسه – الذي نال لقب أكثر الكتّاب قراءةً في عمان -، ربما يكون مؤشرا على مدى القراءة الواعية عند العمانيين، وذلك من خلال برنامجه الإذاعي “كتاب أعجبني”، فمن يتابع البرنامج يُعجب بالقراء العمانيين الذين يتناولون كتبا مختلفة وباقتدار، حيث تُكوّنُ حلقات البرنامج، مكتبة سمعية متكاملة، وتظهر أيضا للمستمع الثقافة العالية التي يتمتع بها “سليمان المعمري” وإلمامه بكل صغيرة وكبيرة من الكتاب المعروض في الحلقة، مما يؤكد صحة مقدمة البرنامج التي تقول:” يقلّب صفحات الكتب سليمان المعمري، ويغلّفها المخرج حمد الحسبي”، إذ أنّ المستمع يخرج بزاد ثقافي مركز من عصارة الفكر وما تنتجه الكتب.

” 2 “

 لا يمكن الحديث عن “سليمان المعمري” دون الحديث عن روايته الشهيرة “الذي لا يحب جمال عبد الناصر”، فرغم أنّ لسليمان كتبا قبل هذه الرواية، إلا أنّ الرواية جاءت كذروة السنام لأعماله، وفي ظني أنّ هذه الرواية، وفوز “سليمان” الآن بلقب أكثر الكتاب المقروئين في عمان، تضعه في موقف صعب، إذ أنّ عليه أن يقدم أفضل مما قدمه في السابق، وربما صدور رواية أخرى بقوة رواية “الذي لا يحب عبد الناصر”، من الصعوبة نوعاً ما، باعتبار أنّ هذه الرواية كانت مكتملة الأركان، وشاملة في تناولها للمواضيع الراهنة في الشأن المحلي والعربي خاصة ما عُرف ب”الربيع العربي”، حيث نستطيع أن نقول إنّ الرواية كانت عربية بامتياز، فقد تناولت الثورة التونسية ضد الرئيس “زين الدين بن علي”، وكذلك الثورة المصرية ضد الرئيس “حسني مبارك”، مع إشارات أقرب إلى التنبؤات حول مصير هذه الثورات في الداخل، أما في الشأن المحلي العماني، فإنّ “سليمان” يجعل القاريء لروايته يلهث من سرعة القراءة حتى يعرف الكثير من الأمور في البلد، من الاعتصامات التي حصلت في السلطنة، مروراً بأحداث سبقت تلك الاعتصامات، ك”تنظيم الإخوان في عمان”، و”التنظيم الشيعي”، وكذلك قضية “الإمامة”، ولم يكن مرور سليمان على تلك الأحداث مروراً عابرا، بل كان مروراً يدل على البحث والتنقيب والرصد، لدرجة أنّ القاريء يختلط عليه الأمر، فلا يعلم أين الحقيقة وأين الخيال..؟! وهي مقدرة لا يملكها إلا كاتب كبير متمرس في الكتابة، ولكن قبل ذلك في البحث والرصد، إذ أنّ عين الكاتب الناجح هي التي ترصد بدقة ما يجري في المجتمع وحواليه، ومصدرُ حيرة القاري هي أن “سليمان” استطاع أن يوظف بنجاح أحداثاً سياسية مرت بها السلطنة والوطن العربي لتأطير وإثراء مواقف تلك الشخصيات التي غالباً هم من الشخصيات العامة المعروفة لدى القاريء، والتي ذكرها بأسمائها الحقيقية، لدرجة أن يقول لي أحد الإخوة القراء،”لم أبذل جهدا في معرفة الشخصيات الحقيقية، ولكني بذلت الجهد لمعرفة بقية الشخصيات، فعرفت البعض وخمنتُ البعض الآخر”، فيما قال لي زميل في العمل،”إنّ أبطال سليمان، أشغلوني عن متابعة خيط الرواية، لأني كنت مشغولا في فك رموزهم، لأنّ نماذجهم موجودون في كل مكان”، وفي ظني أنّ هذه شهادة نجاح لسليمان في نجاحه في تصوير أبطاله.

إنّ رواية “الذي لا يحب جمال عبد الناصر”، هي رواية واقعية عن أحداث عاشها العرب وعاشتها الأمة العربية، وتتحدث عن تاريخ هام للسلطنة، وغالباً ما يرفض “سليمان” صفة التوثيق في روايته، ولكن هذه الصفة لا تقلل من قوة الرواية بل تقوّيها، لأنّ الجهد المبذول للبحث والتنقيب والتوثيق جهدٌ واضح جدا، خاصة في الشأن المحلي “الملغّم”، فهي رواية بها التوثيق وبها الواقعية وبها الخيال، ومن يقرأها كعماني يرى أنّ الرواية عمانية، ومن يقرأها كتونسي يراها أنها رواية تونسية، وكذلك المصري والسوداني، لأنّ هذه الشخصيات كلها تمثل أبطال الرواية.

لقد انتهت كل النسخ من رواية “الذي لا يحب عبد الناصر” في معرض العام الماضي، فور صدورها، وهذا يدل على نجاحها، فلا غرابة أن يختار القراء “سليمان”، كأكثر الكتاب المقروئين في عمان.

” 3 “

إذا كانت اللجنة الوطنية للشباب قد أعلنت عن هذه البادرة لتعريف القراء في السلطنة بكُتّابهم العمانيين، –  وهي خطوة جيدة بكل تأكيد – فإنّ السؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن هو: لماذا لا يبرز كتابُنا عربياً ودولياً وهم متميزون؟! يرى الكاتب “محمد اليحيائي” أنّ المشكلة في عدم بروز هؤلاء تكمن في «التسويق» الذي يعيق كتابنا في الظهور في الشكل الذي يليق بتجاربهم المتقدمة، ف”لدينا ضعف في عمل المؤسسة الثقافية، الأهلية والحكومية، ضعف شبه مزمن”، ويذكر أنّ جمعية “الأدباء والكتاب” و”النادي الثقافي” قاما بمحاولات وجهود جيدة في السنوات الأخيرة لكنها ليست كافية، لعل المطلوب خطة أو برنامج عمل أكثر تماسكاً ووضوحاً، وفي الحقيقة فإنّ الحكومة مطالبة بأن تتبنى خطة طموحة لتسويق الإصدارات العمانية، التي أضحت من القوة بمكان، وتتعدد في المجالات الثقافية كافة، من رواية وقصة وشعر وفقه وعقيدة وتاريخ ونقد ودراسات وأبحاث، لأنّ قوة كتاب واحد ناجح تساوي العديد من “المقالات المدفوعة الأجر”، ويجب أن تشارك في تنفيذ الخطة الهيئات الرسمية والمؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام كافة، إضافة إلى المكتبات المحلية التي لها إصدارات.

” 4 “

إن تكريم “سليمان المعمري” من قبل القراء، باختياره أكثر الكتاب المقروئين في السلطنة، يلقي مسؤولية أكبر على سليمان ككاتب، وهو أهلٌ لهذا الاختيار، وإذا كنتُ قد تحدث عن روايته الوحيدة حتى الآن، إضافة إلى العديد من الكتب، لا بد أن أشير إلى أن “سليمان” يملك قلما سياسيا جيدا، ولا يمكن لمن قرأ مقاله بعنوان “بعض السقوط علو” أن ينساه بسهولة، فقد تناول فيه وقفة الرئيس “صدام حسين” أمام الموت بشجاعة، وقال في مقاله المنشور في جريدة عمان، إنّ الرجل تصالح مع نفسه، وليس كل سقوط سقوط، وإنما بعضُ السقوط علو، وكأنّ “صدام حسين” لم يعش إلا ليصل إلى هذه اللحظة، ونحن لسنا بصدد تقييم “صدام حسين” الآن، ولكن أمام كاتب رأى لحظة تاريخية نادرة تقع أمام أعينه، فرصدها وتناولها من تلك الزاوية في مقال قصير مركز، وهو (= سليمان) بقدرِ تميّزه في الكتابة ومقدرته من الأدوات، يملك قدرة نقدية عالية، وعلى مدى السنوات القليلة التي بدأت الكتابة فيها، كان تعليق “سليمان” على كل مقال أكتبه هو النبراس الذي أهتدي به في المقالات المقبلة، وإذا لم يعلق على المقال، فكأني لم أكتبه، ثم تطوّر الأمر وأصبحتُ أعرض عليه المقال قبل نشره، ويبدي رأيه دون أن يتدخل في المضمون، وفي كل الأحوال، فإنّ ملكة النقد موجودة لديه.

لقد كان القراء محقين عندما اختاروه كأفضل الكتّاب، والكرة الآن في ملعبه.

السابع والأربعون ثقافة وفكر

عن الكاتب

زاهر بن حارث المحروقي

كاتب وإعلامي عماني
Zahir679@gmail.com