تداعيات سحب السفراء من الدوحة

” 1 “

تلقيت ظهر أمس رسالة من د. “المعتصم البهلاني” رئيس تحرير “الفلق” يطلب مني أن أكتب عن تداعيات سحب سفراء كل من السعودية والبحرين والإمارات من الدوحة، فسألته هل الخبر مؤكدٌ أو أنه من شائعات “الواتس أب”؟، فأكد لي أنه صحيح، وقد دار نقاش بيني وبينه،  قلت له فيه إني قد لا أملك الجديد، لأني كتبت عن موضوع مجلس التعاون والاتحاد الخليجي حتى الآن ثلاث مقالات، الأولى هنا في “الفلق” بعنوان “عن أي اتحاد يتكلمون؟”، والثانية في جريدة “الرؤية” تحت عنوان “مجلس التعاون الخليجي.. وداعا”، والأخيرة كانت أيضا في “الرؤية” تحت عنوان “الشيخ القرضاوي والاتحاد الخليجي”، فكان من رأي د. “المعتصم” أن أكتب عن تداعيات الموقف، وفي الحقيقة عندما تكون هناك قضية تعددت فيها الآراء وكثرت التحليلات عنها، فإنّ مهمة الكاتب تكون أصعب، ولكن هذه محاولة بسيطة للفهم، ولا تتعدى ذلك.

” 2 “

ما هي الاحتمالات المتوقعة بعد خطوة سحب السفراء من قطر؟ هناك ممن يُحسنون الظن دائما، يرون أنّ القضية ستمر مرور الكرام، وأنّ هذه الخطوة هي مجرد ضغط على قطر، لأنّ مواقفها السياسية تختلف عن مواقف السعودية والإمارات، خاصة فيما يتعلق بمصر وبحركة الإخوان بالذات، أي أنّ هؤلاء يرون أنّ سياسة “تبويس اللحى والبشوت” وسياسة “يا طويل العمر”، ستنجح أيضا هذه المرة في العلاج، وأنّ الأمور ستعود إلى وضعها الطبيعي، وفي الحقيقة فإنّ هذا الرأي هو رأي الحالمين فقط، الذين يرفضون الواقع كما هو، ويفضّلون أن يعيشوا في الأوهام والأحلام، لأنّ العيش في الأحلام أفضل من الواقع المر، فما حدث بالأمس يدل على وجود شرخ كبير في مجلس التعاون، لن تفيده سياسة المجاملات التي مشت عليها الدول الأعضاء في السنوات الماضية، وأستطيع أن أشبّه الأمر تماما، كزوج وزوجته، تمر عليهما ظروف صعبة من الخلافات والمشاكل تؤدي بهما إلى الطلاق، بعد أن تراكمت فترة طويلة، فإذا الناس يتدخلون، معتقدين أنّ الطلاق تم فجأة أو في لحظة غضب فقط، وفي الواقع فإنّ المشاكل كانت كبيرة ومنذ فترة طويلة، حاول الزوجان إخفاءها عن الناس حتى يظهرا بمظهر جيد، وهو مظهرٌ خادع للناس، إلا أنّ أصحاب الشأن كانوا أدرى بحقيقة أنفسهم وما يحيط بهم من المشاكل والتعقيدات، ولكن لما طفح الكيل انفجرت الخلافات وعرف بها كل من في الخارج، ومعنى هذا الكلام أنه حتى في حالة نجاح سياسة “تبويس اللحى والبشوت”، فإنّ الواقع من الداخل لن يتغير أبدا، فإننا نتوقع الطلاق الثاني ثم الثالث، ثم على الزوجة أن تبحث عن “المحلل” إذا أراد الطرفان أن يعودا إلى نفسيهما.

الاحتمال الثاني، وهو ليس بعيدا عن التطبيق طالما أنّ الأمر خرج إلى العلن، هو أن تلجأ السعودية والإمارت وطبعا معهما البحرين، إلى إغلاق الأجواء عن الطيران القطري، وهذا أمره سهل نوعا مّا لأنّ الطيران القطري يستطيع أن يستخدم المياه الإقليمية في الخليج العربي ويلغي الطيران فوق الأجواء السعودية، رغم أنّ هذا سيكون مكلفا جدا، خاصة بالنسبة للرحلات التي تتجه إلى مصر وشمال أفريقيا والشام، ولكنّ الأصعب هو غلق الحدود البرية، فإنّ قطر في هذه الحالة ستكون محاصرة تماما، ولكن ما هي تداعيات خطوة كهذه؟ من تداعيات خطوة كهذه أن تتجه قطر إلى إقامة علاقات إستراتيجية قوية مع إيران، – وإيرانُ دولة حقيقية في المنطقة -، وتكون بذلك قد ضربت أكثر من عصفور بحجر واحد، وهو التخلص من الحصار أولا – وهذا حقها تماما -، وثانيا نكاية في السعودية، وقطر بالتأكيد تعلم تماما أنّ الموضوع الإيراني يقلق السعودية، وتعلمُ أيضا أنّ إيران تسحب البساط من تحت أقدام السعودية في أكثر من موقع، لذا فإنّ اللعب على الورقة الإيرانية ستكون ضربة مؤلمة جدا للسعودية، ويكفي ما هي عليه الآن من فقدِ البوصلة سواء في سوريا أو في لبنان أو حتى عند أقرب المقربين لها، لأنّ قطر في الأساس ترفض “التبعية” للسعودية، وهذا ما ذكرتُه في مقال سابق تحت عنوان “الشيخ القرضاوي والاتحاد الخليجي”، وفي الأساس لم يقم الشيخ “حمد بن خليفة آل ثاني” أمير قطر السابق بحركته ضد والده، إلا لأنّ الشيخ “خليفة” لم يكن يقول للسعودية: “لا”.

قد تكون قضية مصر ومساندة السعودية والإمارات للمشير “عبد الفتاح السيسي” في الإطاحة بجماعة الإخوان والدعم المقدم له، سببا في الخلافات القطرية السعودية الإماراتية، نقول “قد تكون”، ولكن ليس معنى هذا أنّ السبب الرئيسي هو “السيسي”، ففي النهاية إنّ “المشير” عندما يتمكن من السلطة تماما وتتحسن الأوضاع الإقتصادية لمصر، فإنه سيرفض “التبعية” للسعودية، خاصة إذا كانت مصر تريد أن تقوم بدورها القيادي في المنطقة، وسوف يعيد ذلك إلى الأذهان، الحروب السعودية – المصرية، أيام الزعيم “جمال عبد الناصر”، حيث احتضنت السعودية كل المعارضين ل”جمال عبد الناصر” وللقومية العربية، خاصة من رجال “الإخوان المسلمين” الذين وجدوا ملجأ آمنا في السعودية، التي أيدت الجماعة بشدة، وهي التي تقف ضدهم الآن.

هناك عدة أسئلة تحتاج إلى الإجابة، منها مثلا كيف ستعقد القمم الخليجية؟ وهل من حق الدول الأعضاء أن تمنع عضوا من المشاركة؟ وهل ستواصل قطر عنادها وهي القادرة على ذلك؟ وهل تستطيع قطر أن تواصل سياسة ضبط النفس التي ظهرت على بيانها أمس التي أكدت فيه تمسكها بقيم مجلس التعاون؟ وهل ستواصل السعودية تمسكها بموقفها ضد قطر، وكذلك الإمارات..؟ وهل وهل وهل؟ إنّ الإجابة متروكة للأيام.

” 3 “

وسط هذه الأزمة، سيبرز الدور العماني، وهو الدور الذي تقوم به السلطنة غالبا في صمت، والصمتُ ليس دائما محمودا، ومن المتوقع أن تقوم السلطنة بدور كبير لتقريب وجهات النظر، وسيتدخل صاحب الجلالة السلطان المعظم حفظه الله شخصيا، للحفاظ على علاقات الأخوة بين الأشقاء، لأنّ الأمر كبير وجلل ولن يُحَلّ إلا بمستويات كبيرة، ونتوقع أن تنجح الوساطة العمانية ولو في تخفيف حدة التوتر، ومنعِ المسألة من أن تصل إلى غلق الحدود والمقاطعة وما شابه ذلك، أما في حالة الفشل “فليس باليد حيلة”، فالعرب لا يتمتعون بطول النفس مثل الأوروبيين والإيرانيين، حيث قامت السلطنة بالوساطة بين الطرفين لفترة طويلة من الوقت.

في المقالات السابقة ذكرت أن التعاون مطلوب، والاتحاد مطلوب، ولكن المسألة يجب أن تكون مدروسة بعناية وليست مجرد “خبط عشواء” أو “رد فعل” فقط، فإنّ الأوطان لا تُبنى بمزاجية أبدا وإنما وفق أسس معينة، ونقول إنّ ما يربط بين مواطني الدول الخليجية، هو أكبر من السياسة، فلا ينبغي أن تدفع الشعوب ثمن الخلافات السياسية، بحيث يصيب الشعوب الضرر، فمن يشاهد التعليقات في صفحات التواصل يصاب بغثيان، إذ وصل الأمر إلى السب والشتم، تماما مثلما حدث عندما أعلنت السلطنة عن موقفها العقلاني من “الاتحاد الخليجي”، ولو أنّ الموقف القطري هذا صدر عن عُمان – وفق رؤيتها السياسية – لانبرى الكل يتهمها “مذهبيا”، ولكن في الحالة القطرية لم يجدوا هذا المبرر، وهي نقطة أساسية في فهم عقليات الناس، التي أصبحت تربط كل شيء ب”المذهبية”، حتى لو أن الأمر يتعلق بكرة القدم أو الغناء أو الرقص.!

 وعلى المستوى الشخصي فإني حزينٌ لما آلت إليه الأمور، ولكن أحيانا قد نحتاج إلى خضّة عنيفة تعيد لنا الوعي، وتجعلنا نعيش الواقع كما هو.

 

السابع والأربعون سياسة

عن الكاتب

زاهر بن حارث المحروقي

كاتب وإعلامي عماني
Zahir679@gmail.com