عاد صغيري ذو الخامسة من المدرسة ليخبرني بالتفصيل عن الشياطين القوية التي تسوسو (توسوس) للأطفال فيرتكبون الأخطاء، وأوضح لي أن الشيطان في غاية القوة ويوجد في كل مكان، ولا يستطيع أحد أن يتغلب عليه، لكن إذا ارتكب الطفل الخطأ فإن الله يدخله النار.
ثم بدأ يتحدث عن النار، وكيف سيعذب الله فيها الناس، وأصبح يهددني ويهدد رفاقه بهذه النار، ووجدت في المنهج المقرر عليه للروضة حديث: “دخلت امرأة النار في هرة حبستها”.
وفي الأسبوع المنصرم جاءني مذعورا لأن الشيطان دخل في فمه وعاش في جسمه ولا يعرف كيف سيخرجه، لأن المعلمة أخبرته أن من يتثاءب يدخل الشيطان في فمه.
وأخيرا وصل البيت بالأمس مصرا على أن أصطحبه فورا للحلاق لأحلق شعره كله، لأن المعلمة قالت: من لا يقص شعره ندخله القفص الموجود في غرفة المديرة ونغلق عليه.
عندما رزقني الله عز وجل بابني هذا، كان همي أن أقدم له أفضل تربية وتعليم، كان مولده رزقا عظيما من الله فأردته أن يعرف الله ويعرف فضله علينا جميعا، ربيته مع والده على أن يحب خالقه واهب النعم، علمناه أن الله يحبه، فهو الرحمن الرحيم، واجتهدنا ليحب صغيرنا دينه. وحين وصل إلى سن الروضة أدخلناه مدرسة خاصة بعد بحث مستفيض عن طبيعة المدارس ومناهجها، فبدت لنا هذه أفضلها، وغني عن القول أننا بذلنا في سبيل هذا التعليم المال كما أعطينا الثقة.
ولكن ماذا جنينا؟ تدمير منهجي ومدروس لكل شيء غرسناه في طفلنا، تعليم الرحمة بالحيوان يتم عن طريق التهديد بالنار ، فهل كل حديث مناسب للأطفال في الروضة؟ أين عشرات الأحاديث الأخرى التي تحث على الرحمة؟ أولم يدخل رجل الجنة في كلب وجده يلهث من شدة العطش فملأ خفه ماء وسقاه؟ لماذا لا يدرس هذا الحديث مثلا؟
لماذا الإصرار على تعريض الطفل لمفهوم الشيطان المعقد وهو في هذه السن الباكرة؟ المعلمة من حيث لا تشعر تجمل صورة الشيطان في عين الطفل وهي تنسب إليه القوة، كما أنه يتحمل مسؤولية كل الأفعال الخاطئة التي يقوم بها الطفل، فهو الذي يطلب منه أن يكذب، ولكن في المقابل، إذا كذب فإن الله يدخله النار! تلميع للشيطان وتشويه لصورة البارئ المنعم جل الله.
لما تحدثت مع المعلمة ردت علي بالهجوم والتجهيل، ولكن الأسوأ أنها عنفت إبني بعد ذلك، وسألته أمام زملائه إن كان صغيرا لدرجة أنه لا يفهم كلامها عن الشيطان والنار، وأخيرا تم تهديده بالقفص إن لم يحلق شعره.
إلى متى سنظل ندفع الأموال لهذه المؤسسات التجارية التي تسمى مدارس لمزيد من تشويه عقول أبنائنا وشخصياتهم؟ إلى متى ستظل أمثال هذه المعلمة تخوف الطفل وتنفره من دينه وتهدم كل القيم التي يحاول الأهل غرسها فيه؟
إنما أشكو بثي وحزني إلى الله.