” 1 “
أحيانا كثيرة يتكلم معنا بعض المواطنين – نحن كتاب المقالات – عن معاناتهم مع الجهات الرسمية؛ إيمانا منهم بأهمية الإعلام أولا، وبثقتهم في أننا نستطيع أن نجد لمشاكلهم الحلول، وهذا من حسن ظنهم بنا وبالإعلام، وفي الواقع هذا دور من أدوار وسائل الإعلام، فإننا نجد في بعض الدول أنّ الصحافة تخصص مساحات واسعة لنشر مشاكل المواطنين ومعاناتهم مع الجهات الحكومية وغيرها، باعتبار دور الإعلام يجب أن يكون تنويريا يسعى لتصحيح الأخطاء وبناء المجتمع، ولا يكتفي أن يكون فقط مرآة للمجتمع؛ إذ أنه في هذه الحالة سيكون مجرد ناقل لصورة المجتمع بحسناته وسيئاته، وفي بريدي الألكتروني الكثير من القضايا التي يبعث بها المواطنون تبحث عن الحلول، وفي حالة فتح باب النشر حول هذه القضايا؛ فإنّها ستحتاج إلى مساحات واسعة في الصحافة، وربما نكتفي بها عن كتابة أي مواضيع أخرى.
هناك مشاكل ترددت كثيرا عن سوء التخطيط في العاصمة مسقط، حتى اختفت جماليات المدينة التي كانت تتميز بها، إذ فجأة تجد عمارة كبيرة هنا بجانب بيت سكني صغير، وتجد هنا محلا تجاريا وسط تجمع سكني، وتجد عمارات تقوم على أراض صغيرة لا تتجاوز ال400 متر، ثم لا تجد لسكان هذه العمارة مواقف لسياراتهم، وقد تجد محطة بنزين ملاصقة لأرض سكنية… وغير ذلك كثير.
في الأيام الماضية شاء الله أن أشهد أكثر من قضية؛ منها قضية بطلها الأستاذ “عبد الرحيم عيسى”، وهو أحد ألمع المذيعين والإعلاميين المميزين والمؤسسين لإذاعة سلطنة عمان، والذي عاش نزيها ولم يعرف الطرق الملتوية، إذ أنه يملك قطعة أرض سكنية على الشارع العام، وقد حاول كثيرا مع مسؤولي وزارة الإسكان أن يحوّل القطعة إلى سكني تجاري، لأن جاره سُمح له أن يحوّل أرضه إلى سكني تجاري، إلا أنّ محاولاته كلها باءت بالفشل، رغم انتفاء أسباب الرفض لأنّ جاره اللصيق حصل على الموافقة، فما السبب إذن أن يحرم هو؟! لقد حكى لي معاناته بمرارة، لدرجة أوصلته أن يلجأ إلى المحاكم لكي يأخذ حقه، وهذه قصته باختصار، وهو الراوي فيها :-
” 2 “
يقول: “في الأسبوع الأول من شهر يناير عام 2014م، شددت الرحال إلى وزارة الإسكان، بعد أن أجبرتني رياح الحاجة إلى هناك، مخاطبا المسؤولين فيها منحي الموافقة على تغيير استخدام أرضي من سكني إلى سكني تجاري، بعد أن تلقيت عرضا من مجموعة “شفاء الجزيرة الطبي” المتخصصة في بناء المستشفيات الخاصة، والتي كانت راغبة في استثمار الأرض البالغ مساحتها 3596 مترا مربعا، الواقعة على الطريق الرئيسي الممتد من دوار نادي السيب وحتى دوار تقاطع المعبيلة – الخوض – الموالح، لغرض بناء مشفى تخصصي وفق أحدث المواصفات الطبية، إلا أنّ الرد كان بعد 4 أشهر من الانتظار محبطا ومخيبا للآمال، خلافا لكل التوقعات حسب المعطيات على أرض الواقع، إذ كان الرد صورة مكررة من ردود السنوات الماضية وهو ( طلبك مرفوض )، لوقوع القطعة ضمن الشريط المحدد للاستعمال السكني، وهي العبارة التي سمعتها على مدى 20 سنة، فإذا كانت هذه القطعة – كما تدعي وزارة الإسكان – مخصصة للاستعمال السكني؛ إذن كيف ولماذا منحت جاري اللصيق، موافقة استخدام أرضه من سكني زراعي إلى سكني تجاري مع إعطائه الموافقة لبناء محطة تعبئة الوقود، مع ما تحتاجه هذه المحطة من خدمات، بالإضافة إلى إقامة مبنى سكني تجاري، وسط منطقة سكنية، وتحديدا تحت مزرعتي، والمحطةُ تحتوي على البترول ومشتقاته وهي مواد سامة وضارة، في وقت ترفض منحي حقي بأن أتساوى مع جاري على قاعدة المعاملة بالمثل، احتراما لمبدأ حقوق المواطنة المتساوية، علما بأنّ هناك جارا آخر على مسافة قريبة مني، منحته الوزارة موافقتها لتقسيم أرضه إلى سكني وتجاري، بحيث يقيم عليها مجمعا تجاريا متكاملا بموجب حكم صدر من محكمة القضاء الإداري، وهناك جار آخر أعطته الوزارة الموافقة لإقامة مبنى من أربع طوابق للشقق الفندقية مع تخصيص الطابق الأرضي للأنشطة التجارية، هذا بالإضافة إلى عشرات المحلات التجارية المنتشرة على جانبي الشارع”.
يقول أ. عبد الرحيم عيسى “إنني أستغرب من هذه الإزدواجية والانتقائية التي تمارسها وزارة الإسكان في تطبيق القانون، يُمنع عليّ بناء مستشفى فوق أرضي لتقديم خدمات إنسانية وتوفير فرص عمل للمواطنين، في حين يمنح جاري اللصيق، الموافقة بإقامة محطة تعبئة الوقود، فالقانون هو سيد ويجب أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، ووظيفته نشر العدالة بميزان العدل والمساواة بين الناس، لإيجاد مناخ صحي يحافظ على مصالح المواطنين واحترام حقوقهم من أجل صون كرامة الفرد والمجتمع، و ( طلبك مرفوض )، هو خرق وانتهاك فاضح لقواعد أحكام المادة 12 والمادة 17 من النظام الأساسي للدولة الصادر بالمرسوم السلطاني السامي رقم 99/2011، الذي أصدره رأس الهرم، وهو أعلى سلطة تشريعية في الدولة، وفي إطاره التنظيمي لا أحد فوق القانون، فالمادةُ 12 تنص صراحة أنّ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص دعامات للمجتمع تكفلها الدولة، أما المادةُ 17، فتنص على أنّ المواطنين جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم.
” 3 “
إن هذه القضية هي واحدة من القضايا الكثيرة المتشابهة وليست قضية شخصية، وتدل على أنّ هناك خطأ في التخطيط، وأنّ المواطنين ليسوا سواء، وأنّ علينا أن نحافظ على مسقط جميلة ومنسقة حتى لا تظهر بمظهر غير متناسق، بحيث نجد هنا بيتا صغيرا وبجانبه عمارة طويلة، ونجد هناك محلات تجارية وعمارات ولا نجد لها مواقف، ونجد هنا محطة لتعبئة الوقود بجانب مبنى سكني، فالتخطيط السليم مهم جدا، لأننا لا نستطيع أن نتصور مستقبل مسقط كيف سيكون مع هذا التوسع في بناء العمارات دون التخطيط السليم للمستقبل، فنحن بحاجة إلى إعادة النظر في كل التوزيعات الجديدة وفي استخدامات الأراضي حتى لا تتفاقم المشكلة، وهي في الأصل الآن ليست صغيرة.