عادت أحداث فبراير ٢٠١١ إلى الأذهان عندما قامت مجموعة من الشباب اليائس من الأوضاع الاقتصادية التي وصلت إليها عمان بالاعتصام في مجموعة من الساحات مطالبين بالإطاحة بطغمة من المتنفذين في الحكومة والذين استأثروا بالقرار فيها. عادت صور هذه الأحداث تنتشر مرة أخرى في وسائل التواصل الاجتماعي وعاد زمن البيانات المنددة بقرارات مجلس الوزراء مرة أخرى تذكرنا حين خرج الشارع يرفع لافتات للإطاحة بأسماء بعينها وبلوبيات تعمل على تنمية مصالحها الشخصية على حساب مصلحة العماني ومصلحة عُمان. خرج الشارع حينها عن صمته بعد بضعة أشهر من الاحتفاء بهذه الأسماء وتسليمها نياشين الخدمة الجليلة والتي قدمها الإعلام على أنها خدمة لعمان. حينها قلنا أن عمان لن تعود إلى العهد الذي كانت عليه، وأن عهدا جديدا على عمان أتى، وعلى الأغلب كنا مخطئين في تقديرنا. كل ما حصل كان عبارة عن انحناءة أمام العاصفة قامت بعدها الحكومة إلى ما كانت عليه بكل دهاء.
إن كان من مكتسب لأحداث فبراير ٢٠١١ فإن الهيئة العامة لحماية المستهلك ستكون في أعلى القائمة والذي جاء بمرسوم سلطاني 26/2011 في 28/فبراير/2011 بعد أيام من اندلاع الاضطرابات في عمان. جاءت الهيئة لحماية المواطن من جشع التجار، ومن رفعهم اللامبالي للأسعار بعد أن عملوا لعقود على احتكار السوق المحلية. جاءت الهيئة لتقطع اليد التي تسعى لمقاسمة الفقير في لقمته التي يجتر عرق جبينه ليلقمها أبناءه. جاءت لتكون السدرة التي يستظل بها المواطن المستجير من رمضاء الأسعار وغلاء المعيشة. جاءت لتردع بقوة القانون أولئك الذين باعوا لنا قطع غيار مغشوشة، ومن لم يردعهم جشعهم وطمعهم عن المجازفة بأرواح أطفال عمان عندما باعوا لهم حلويات منتهية الصلاحية. جاءت الهيئة فكان من أولى قرارتها إيقاف رفع الأسعار دون إذن منها مبني على دراسة أسباب الرفع. الأمر الذي حدا بغرفة تجارة وصناعة عمان (مجلس التجار) لتقديم دراسة عن “الأضرار الاقتصادية” التي ستنجم عن هذا القرار. إلا أن المجلس قرر تأجيل التحرك في اتجاه مصالح التجار حتى تتم له بعض الأمور البسيطة التي قد تنتج من جراء هكذا قرارات قد تؤدي إلى غضب الشارع. فكان لا بد من تجريم التجمهر الذي قد يحصل مرة أخرى – لا سمح الله – جراء إعادة ورث التجار إليهم، وحتى يتم توظيف المئات من الباحثين عن العمل في المهام الخاصة التابعة لشرطة عمان السلطانية والتي ستأتي الحاجة إليها لقمع أي تحرك بإتجاه فبراير ٢٠١١، وحتى يُحجم من عمل مجلس الشورى الخامل الذي انتفض لقصة “ملح” ونقّطنا بسكوته في قضية الدنجو. بعد أن قام بكل هذا جاء على أهم مكتسب من مكتسبات فبراير٢٠١١ وسوى به الأرض، بعد أن قلص عمل الهيئة في مراقبة أسعار ٢٣ سلعة من ضمنها العدس والفول والفاصوليا والدنجو (الحمص بالدارجة العمانية).
لقد تعاون مجلس التجار ومجلس الوزراء الموقر لتحجيم دور الهيئة من خلال دعوى أنّ ما تقوم به الهيئة يضر بالاقتصاد العماني ولا يقوم به أي اقتصاد صحي يحيي روح التنافسية. بعد ٤٠ عاما من احتكار الاقتصاد العماني على أسر أوليجارية – مثلما أشارت وثائق وكيليكس – يأتي من يتحدث مساندا لقرار مجلس الوزراء من مدخل “الروح التنافسية”. وأتسائل: أين كانت هذه الروح التنافسية عندما تكون أسعار منتجات عمانية في دول الجوار أرخص منها في عمان؟ وأين كانت هذه الروح التنافسية عندما تباع قطع غيار السيارات في عمان أغلى بعشرات الأضعاف منها عن بقية دول الخليج؟ سأقبل بخطوة المجلس – كونها صحيحة في نظريات الاقتصاديين – بل وحتى بحل هيئة حماية المستهلك عن بكرة أبيها بعد أن ينتهي الاحتكار وبعد أن تقوم رزمة تصحيح اقتصادية شاملة للاقتصاد العماني، أما ما تقوم به حاليا من انتقاء لما يشاء المجلس إصلاحه من الاقتصاد، وفي ظل اقتصاد ريعي أساسه النفط، فإنه لا يعدو أن يكون حماية لمصالح مجلس التجار، وإضرارا بمصالح المواطن الذي ما إن يزداد دخله السنوي إلا وتتناهشه أيدي الطامعين بحثا عن أتاوتهم من هذه الزيادة. ألا يحق لنا نحن المواطنون أن نقف ضد هكذا قرار؟ ألا يحق أن تكون لنا هيئة بقوة القانون تحافظ على مصالحنا ومصالح أبنائنا؟
إن ما يقوم به مجلس الوزراء هو نتيجة طبيعية لاختزال المطالب في الخبز والعمل وإفراغها من أهم مطلب وهو الإصلاح السياسي والذي ظن الناس أنه تحقق بمجموعة من التعديلات التي “منحت” لمجلس عمان في صياغة القوانين، وفي التعديلات التي طرأت على جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة. ففي أفضل الأحوال التي من الممكن أن تتحصل بوجود مجلس شورى يهتم أعضاؤه بمصالح الوطن، فإن هذا المجلس ليست لديه في الحقيقة الصلاحيات التشريعية التي يستطيع من خلالها أن يحد من قرارات مجلس الوزراء التي تؤثر سلبا على حياة المواطن العماني كمثل هذا القرار. فالمجلس لديه من صلاحيات التشريع “مقدمات التشريع” فقط، فهو يستطيع أن يقترح القوانين ولكنه لا يستطيع إقرارها، ويستأنس برأيه فيها دون أن يكون ملزما، هذا الأمر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكوّن صلاحيات تشريع كاملة، وكل ما حصل هو تعديلات في بروتوكول التشريع وليس في جوهر إقراره.
وحتى يحجم دور مجلس الشورى بشكل أكبر، ابتدع مجلس الوزراء ما أسماه بالوزارات السيادية، فالنظام الأساسي للدولة لا يفرق في ماهية الوزارات من حيث كونها سيادية أو غير سيادية، إلا أن مجلس الوزراء لديه وجهة نظره التي تحمي بعض وزرائه من مساءلة مجلس الشورى. فهل يستطيع مجلس الشورى الذي يستنجد به الناس اليوم أن يكون مجلس الفقراء الذي يدافع عن المواطن العماني من شطط مجلس التجراء ( مجلس التجار ومجلس الوزراء)؟ ومن سيستدعي مجلس الشورى لمساءلته عن مثل هذه القرارات التي تمس المواطن في خبزه مع عدم تكليف جلالة السلطان لرئيس وزراء واحتفاظه بهذا المنصب؟
لتوضح لنا الحكومة إن كانت هنالك المزيد من الانتكاسات التي ترغب بمفاجئتنا بها، وإن كانت هنالك المزيد من الالتفافات على المطالب التي خرج من أجلها الشارع في فبراير ٢٠١١. ليتفضل المجلس ويخبرنا على من سيكون الدور القادم، هل سيكون تحجيم عمل جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة؟ أو ربما خلخلة عمل اتحاد النقابات العمالية يبدو أكثر إغراءً لهم؟ لتخبرنا الأجهزة المعنية إن كنا سكانا ومقيمين في هذه الدولة أو مواطنين لهم الحق في المشاركة في صنع القرار والمساهمة في بناء مستقبل هذه البلاد؟ لتوضح لنا من الآن إن كانت المشاركة في قرارات هذا الوطن تعتمد على مصالح التجار، ونعدكم حينها أننا سنسعى أن نكون تجارا نحظى أيضا بمقعد في مجلس التجراء.
لقد أثبتت التجربة في عمان أن وجود مجلس وزراء شاب يقوده رئيس وزراء شاب هو الأجدر بقيادة البلاد نحو آفاق أرحب على كل المستويات، كيف لا وقد كان هذا الشاب هو السلطان قابوس حفظه الله وأمد في عمره؟ إن صور السلطان المنتشرة في هواتف الكثير من العمانيين وهو يزور هذه المدرسة وذلك المصنع وهذه المؤسسة الحكومية دليل على اشتياق المواطينين لقيادة ديناميكية قادرة على قيادة هذا الجيل الشاب الطافح بالطاقة والحيوية. ووجود مجلس وزراء حكومةـ ذات أداء مترهل مثلما يصفها بن علوي ـ لا يفهمه ولا يتحدث لغته ولا يعي متطلباته يحدث هذه الفجوة العميقة بين المواطن وبين القرارات الحكومية. وإن انتهت هذه القضية اليوم فحتما ستأتي قضية أخرى تشغل الرأي العام، وسيتعامل معها الشارع بنفس العاطفة دون اللجوء إلى حل المشكلة الأساسية. لقد قدم السلطان زهرة شبابه على رأس الحكومة لبناء الدولة، ولا ريب أن وجود حكومة شابة يراقب أداءها برلمان منتخب ذو صلاحيات تشريعية حقيقية في حياة السلطان تستنير به وتحت سمعه وبصره أصبح ضرورة ملحّة لمستقبل الأجيال القادمة.