#فرحة_تخرج2014

إن أكثر ما شدني في فعاليات هذا الحفل الفسيفساء التي تشكلت من فئات المجتع العماني بقبائله ومناطقه وطبقاته وكأنها تقول: هذه هي عمان الأم الرؤوم، خيراتها تشمل الجميع دون إستثناء، ومعايير الإستمتاع بهذه الخيرات هي الكفاءة والإستحقاق والإنتماء لهذا الوطن فقط. وأضافت التخصصات المختلفة التي تخرج فيها هؤلاء لمسة إضافية إلى هذه الفسيفساء فمنحتها زاوية جمالية أخرى.

بهذا الوسم (الهاشتاق) شارك خريجوا الدفعة الـ25 من طلاب جامعة السلطان قابوس بعضهم البعض فرحتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وسرعان ما انتشر وسم “#فرحة_تخرج2014” بين طلاب جامعة السلطان قابوس، فراح كل واحد يدلي بدلوه ويعبر عن فرحته بهذا الإنجاز الكبير على طريقته الخاصة، مستعرضين شريط الذكريات طوال سنوات الدراسة في الجامعة. فبعضهم إستذكر المواقف المحرجة التي تعرض لها في السنة الأولى من دراسته في الجامعة، والبعض الآخر تحدث عن المواد الدراسية ومعمعة الامتحانات، وآخرون وجدوها فرصة لتذكر زملاء الدراسة والأوقات التي قضوها معا. إختلفت الأمور التي تداولوها في تعليقاتهم، لكن جميعهم إتفقوا على أن سنوات الدراسة الجامعية وذكرياتها لا يُمكن أن تُمحى من الذاكرة أبدا.
ومن حسن الطالع فقد تزامن حفل تخرج الدفعة الـ25 مع الإطلالة الكريمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة – حفظه الله ورعاه – التي أثلجت القلوب والكلمة السامية التي تفضل بها، فأدخل بكلماتها الفرح والطمأنينة على قلوب محبيه، وجاءت إحتفالات البلاد بالعيد الوطني الـ44، لتضاعف فرحة الخريجين وهم يستلمون شهادات التخرج. الكل كان يشعر بالغبطة والفرح والسرور، فلا شك ولا ريب أن الكل بذلوا جهودا جبارة والكل تعب وسهر من أجل هذه اللحظة التي انتظروها طويلا وكانوا يحلمون بها وهم يشاهدون من سبقهم من طلاب هذه الجامعة في مثل موقفهم هذا.
ما أحلى أن يذوق المرء حلاوة النجاح، فكلما كانت المعاناة أكبر في سبيل تحقيق هذا النجاح كانت حلاوة النجاح أعذب. لا شك أن الكل تعب والكل سهر وربما عانى البعض ألم البعد عن ذويهم وأحبائهم ولكن كل ذلك يهون في سبيل العلم. أيام وليالٍ صعبة مرت عليهم، ولكنهم باجتهادهم وعزيمتهم استطاعوا التغلب على كل الصعاب التي وقفت في طريقهم، فاستحقوا أن يقفوا على منصة التتويج، تتويج مرحلة الجد والعمل المتواصل بشهادة البكالوريوس، كلٌ في مجاله. كم كان المنظرمؤثرا ونحن نشاهد دموع الفرح تلمع في مآقي أمهات وآباء الخريجين وكأنها لآلئ إستحقها هؤلاء ثمنا لوقوفهم خلف أبنائهم يشدون من عزيمتهم ويوفرون لهم سبل الراحة والإستقرار طوال فترة الدراسة. وكم كانت ابتسامات الغبطة والفرح المرسومة على وجوه الخريجين مبشرة بأن هذا الوطن معطاء والمستقبل فيه زاهر لكل مخلص ومجد من أبنائه.
إن أكثر ما شدني في فعاليات هذا الحفل الفسيفساء التي تشكلت من فئات المجتع العماني بقبائله ومناطقه وطبقاته وكأنها تقول: هذه هي عمان الأم الرؤوم، خيراتها تشمل الجميع دون إستثناء، ومعايير الإستمتاع بهذه الخيرات هي الكفاءة والإستحقاق والإنتماء لهذا الوطن فقط. وأضافت التخصصات المختلفة التي تخرج فيها هؤلاء لمسة إضافية إلى هذه الفسيفساء فمنحتها زاوية جمالية أخرى.
وأنا أتفحص في مآقي الأمهات والآباء أستمتع بمنظر اللآلئ المتجمعة في عيونهم وأسلي عيني بتلك الإبتسامات المرسومة على شفاه الخريجين قلت في نفسي لقد كانت الدولة على مستوى عالي لتحقيق هذا الإستحقاق فقامت بتوفير كل ما يلزم ليقف أبناؤها على منصة التتويج هذه، ولكن هذه المرحلة مهمة من حياة أبنائها وبناتها وقد انتهت، إلا أن المرحلة القادمة أهم وأخطر ألا وهي مرحلة العمل والعطاء. ولا بد أن تستلم جهة أخرى هذه الأمانة وتعبر بها إلى المرحلة التالية وتُعيِّن هؤلاء الجنود في مواقع قتالية مناسبة وصحيحة حتى تكون معركة البناء، بناء هذا الوطن الغالي كما يجب وكما خطط لها قائدها المفدى حفظه الله ورعاه.
لا شك أن الجامعة أدت ما عليها من إستحقاق للمرحلة التي إنتهت، إلا أن رسالتها ورسالة الجامعات الأخرى لا تنتهي عند هذه الحلقة، بل لابد من التأكد من أن جهودها لا تذهب سدى وأن الشتلات التي رعتها طوال السنوات الماضية سوف تُزرع في تربة مناسبة وأنها تعطي ثمارا شهية حيثما تُزرع. فالطلبة الذين خرجتهم الجامعة من كلية الزراعة والعلوم البحرية لابد وأنها علمتهم بأن الشتلات التي تزرع في تربة غير مناسبة أو تلك التي تبقى خارج التربة تموت ويصبح ضررها أكبر من نفعها. وتجارب السنوات الماضية وأرقامها تؤكد بأن بعض الشتلات التي أعدتها هذه الجامعة أو غيرها من الجامعات إما أنها قد زُرعت في تربة غير مناسبة أو لا زالت خارج التربة لعدم وجود التربة المناسبة التي تستوعبهم. وحتى تكون الإستفادة كاملة من الجهود والأموال التي تبذلها الدولة فمن الضروري أيضا وجود جهاز مستقل يتابع مخرجات هذا الصرح العلمي العتيد والمؤسسات التعليمية الأخرى ويوجه من حين إلى آخر نحو طرح تخصصات جديدة يحتاجها سوق العمل أو إلغاء تخصصات لا زال حاملوها يبحثون عن عمل على الرغم من مرور سنوات على تخرجهم ولا زالوا يشكلون عبأً على أهلهم بدل أن يكونوا عونا لهم، ناهيك عن الآثار السلبية الأخرى لمثل هذه الحالات.
لاشك أن يوم التخرج يُعد يوما مفصليا في حياة جميع الخريجين الجامعين، فمع غروب شمس هذا اليوم تُطوى صفحة مهمة من كتاب حياته، وهي صفحة الحياة الدراسية بحُلوها ومرها، ويَفتح الخريح صفحة جديدة يتأمل بين سطورها فيتخيل مستقبله ويتمنى أن تبحر سفينة آماله إلى بر الأمان حسب ما خطط له وأن يكون لبنة سليمة وفي المكان المناسب من نهضة هذا البلد المعطاء.
مبارك لنا جميعا تخرجنا من هذا الصرح العلمي، مبارك لنا حصولنا على ثمرة اجتهادنا وعملنا، ولنتطلع جميعا لأن نكون يدا واحدة، نعمل معاً من أجل بناء هذا الوطن الغالي.

الخامس والخمسون ثقافة وفكر

عن الكاتب

رضا بن عيسى اللواتي