كيف يسأل البهلاوي؟

كتب بواسطة يعقوب المفرجي

وإذا كنت في بهلا وتحديداً في مركز الولاية ستلاحظ أن أهلها يتبعون طريقة متسقة في صياغة السؤال. فقد تكون صياغة معتادة مثل: هين القلعة؟ متى معبايه الجحلة؟ حيث يتكون السؤال من أكثر من شق بأهمية متساوية تقريباً. ولكن أحياناً قد تطغى أهمية شق على أهمية آخر، فأهل بهلا يدللون على ذلك بتناول المفردة الأساسية في السؤال – وسيشار إليها هنا بالكلمة المحورية – فيضفون على المقطع الأخير منها نبرة صوتية أعلى، ويدخلون عليها هاء سكت أو حرف مد.

اللهجة إرث عظيم وكنز لا يقدر بثمن، وفي المعاجم اللهجة طرف اللسان. وقد بذلت جهود مختلفة في دراسة اللهاجات العمانية كمعجم “إزاحة الأغيان عن لغة أهل عمان” للشيخ سعيد الحارثي رحمه الله، و”قاموس الفصاحة العمانية” لمحمود الجامعي. ونشرت الباحثة ليلى كابلان دراسة بعنوان “لمحات من اللهجة البهلاوية (عمان)” لكن لم يتسنّ لي الاطلاع عليها.

وإذا كنت في بهلا وتحديداً في مركز الولاية ستلاحظ أن أهلها يتبعون طريقة متسقة في صياغة السؤال. فقد تكون صياغة معتادة مثل: هين القلعة؟ متى معبايه الجحلة؟ حيث يتكون السؤال من أكثر من شق بأهمية متساوية تقريباً. ولكن أحياناً قد تطغى أهمية شق على أهمية آخر، فأهل بهلا يدللون على ذلك بتناول المفردة الأساسية في السؤال – وسيشار إليها هنا بالكلمة المحورية – فيضفون على المقطع الأخير منها نبرة صوتية أعلى، ويدخلون عليها هاء سكت أو حرف مد.

هذا الأمر هو الذي تعالجه هذه السطور انطلاقاً من أن اللهجة ملفوظة وليست مكتوبة، فنقول هاء، أي هاء ملفوظة حتى لو كانت كتابياً تاء مربوطة كما في “سياره” وبصرف النظر عن حكمها الإعرابي، ونقول فتحة أو ضمة أو كسرة وفق سماعها كما في “أنَ أجِ هْنَ” (=أنا أجي هنا)، وإن كانت كتابياً حروف مد، فالفيصل اللفظ مجدداً، فعلى حسب اللفظ يُصوغ البهلاويون السؤال.

ولا يُفهم من المقالة أنها تضع المقصل على المفصل فهي مجرد محاولة، ولا أن الوصف ينحصر في لهجة البهلاويين وحدهم؛ فلا ريب أن اللهجات الأخرى تتشابه معها في أمور وتختلف في أخرى، وكذلك لا يعني هذا أنني مختص في اللسانيات، وإنما أنا أحد أبناء الولاية.

إضافة هاء السكت: ويُلاحظ أنها تدخل على الكلمة بمختلف أقسامها، وذلك في حالتين:
1. دخولها على ما لم ينتهِ بهاء، مع كسر الحرف الذي قبلها
2. دخولها على ما انتهى بهاء مسبوقة بحرف مد، فتكسر الهاء الأصلية
3. دخولها على ما انتهى بحركات (فتحة / ضمة / كسرة) أصلها حروف مد، مع استعادة المد

تطبيقات على الحالة الأولة (دخولها على ما لم ينتهِ بهاء، مع كسر الحرف الذي قبلها):
 السؤال باسم من جملة “أزعق حمدان”
“حمدان” اسم غير منتهٍ بهاء، فيكون السؤال هكذا: أزعق حمدانِه؟
بإضافة هاء سكت في آخره، وكسر ما قبلها، أي حرف “ن”.

 السؤال بفعل من جملة “أروح أخرف”
“أخرف” فعل غير منتهٍ بهاء، فيكون السؤال هكذا: أروح أخرفِه؟
بإضافة هاء سكت في آخره، وكسر ما قبلها، أي حرف “ف”.

 السؤال بضمير من جملة “هم جايين”
“هم” ضمير غير منتهٍ بهاء، فيكون السؤال هكذا: جايين هُمِه؟
بإضافة هاء سكت في آخره، وكسر ما قبلها، أي حرف “م”.

 السؤال باسم إشارة من جملة “جيبلي ذاك”
“ذاك” اسم إشارة غير منتهٍ بهاء، فيكون السؤال هكذا: أتجيبلي ذاكِه؟
بإضافة هاء سكت في آخره، وكسر ما قبلها، أي حرف “ك”.

تطبيقات على الحالة الثانية (دخولها على ما انتهى بهاء مسبوقة بحرف مد، فتكسر الهاء الأصلية):
 السؤال باسم من جملة “قاشب أمباه”
“أمباه” اسم منته بهاء مسبوقة بحرف مد، فيكون السؤال هكذا: قاشب أمباهِه؟
بإضافة هاء سكت في آخره، وكسر الهاء الأصلية.

 السؤال بفعل من جملة “ما جيوه”
“جيوه” فعل منتهٍ بهاء مسبوقة بحرف مد، فيكون السؤال هكذا: جيوهِه؟
بإضافة هاء سكت في آخره، وكسر الهاء الأصلية.

 السؤال بحرف من جملة “أيجلس فيه”
“فيه” حرف منتهٍ بهاء مسبوقة بحرف مد، فيكون السؤال هكذا: أيجلس فيهِه؟
بإضافة هاء سكت في آخره، وكسر الهاء الأصلية.

تطبيقات على الحالة الثالثة (دخولها على ما انتهى بحركات أصلها حروف مد، مع استعادة المد):
 السؤال باسم من جملة “شارنه أبونَ”
“أبونَ” اسم منتهٍ بفتحة أصلها ألف مد، فيكون السؤال هكذا: شارنه أبوناه؟
باستعادة ألف المد وإضافة هاء سكت في الآخر.

 السؤال بفعل من جملة “ما كَلُ”
“كَلُ” فعل منتهٍ بضمة أصلها واو مد، فيكون السؤال هكذا: كلوه؟
باستعادة واو المد وإضافة هاء سكت في الآخر.

 السؤال باسم الإشارة “هاذِ”
“هاذِ” اسم إشارة منتهٍ بكسرة أصلها ياء مد، فيكون السؤال عن هكذا: هاذيه؟
باستعادة ياء المد وإضافة هاء سكت في الآخر.

إضافة حروف المد: ويلاحظ أنها تظهر فيما انتهى بهاء بإطالة حركة ما قبل الهاء.

تطبيقات:
 السؤال باسم من جملة “حاجه أمارَه”
“أمارَه” اسم منتهٍ بهاء سبقها مفتوح، فيكون السؤال هكذا: حاجه أماراه؟
بإطالة الفتحة التي على الراء حتى أصبحت ألف مد.

 السؤال باسم من جملة “أجيبله مصرُّه”
“مصرُّه” اسم منتهٍ بهاء سبقها مضموم، فيكون السؤال هكذا: أجيبله مصرّوه؟
بإطالة الضمة التي على الراء حتى أصبحت واو مد.

 السؤال بظرف مكان من جملة “أجلس هنهه”
“هنهه” ظرف مكان منتهٍ بهاء سبقها مفتوح، فيكون السؤال هكذا: أجلس هنهاه؟
بإطالة الفتحة التي على الهاء حتى أصبحت ألف مد.

يلاحظ في جميع الأمثلة السابقة أن هاء السكت ينتهي عندها الكلام، ولكن قد تعقب الكلمة المحورية مفردة أخرى – كما في “كلوه لحم؟” – فتصبح الهاء خفيفة جداً أو ربما تختفي لعدم السكوت عليها، لكن دون أن تتغيّر القاعدة على ما يبدو. وبالمثل، يُلاحظ في الحالة الثانية (دخولها على ما انتهى بهاء) أن الكسرة تستحيل خفيفة جداً، وتكاد الهاء تذوب في الهاء حتى تصبح الهاءان أشبه بدفقة هواء مندفعة يشعر بها المستمع في وجهه لو كان قريباً من فم المتحدث. ومن لا يجيد لفظ هاء السكت البهلاوية لفظاً عفوياً سيتبيّن تكلفه واصطناعه إن حاولها.

ويستفاد من الأمثلة كذلك أن القواعد تنطبق على مختلف أقسام الكلمة، فلعل السبب أن العبرة بلفظ الهاء كون اللهجة ملفوظة، فيُستنتج أن هذه القواعد لفظية كذلك؛ وإلا فالهاء التي سميناها أصلية (أي غير هاء السكت) هي تارة تاء مربوطة، وأخرى ضميراً أو هاء أصلية. وفي بداية البحث عن طرف الخيط حاولت دراسة مختلف أنواع الكلمة كلا على حدة، فدرست أسماء الأعلام بنفسها، فأسماء الإشارة فالظروف فالأفعال فالحروف وهلم جرا، لكن تبيّن لي وجود مناطق اشتراك لفظية بين مختلف تلك الأنواع، فشرعت في دراستها من السؤال كحلقة أولى، آملاً من الله التوفيق في دراسة اللهجة من زوا�!
�ا أخرى مستقبلاً.

ومما يلاحظ أيضاً شح الأمثلة على إضافة مد الياء، فقد بحثت كثيراً في كلام البهلاويين فلم تقع يدي على مثال من واقع الاستخدام، ولعل من القراء من يستحضر مثالاً فيفيدنا بها أو يبني على هذه المقالة.

الخامس والخمسون ثقافة وفكر

عن الكاتب

يعقوب المفرجي