من ينصفني من هؤلاء؟

ليس كل من تزيا بزي أهل الاستقامة فأطلق لحيته وقصر ثوبه يعتبر مستقيما حتى يرى ذلك في أقواله وأفعاله أما الاغترار بالمظاهر وإطلاق الألقاب على كل أحد فهو الذي جر لنا هذه الاشكالية التي نتجرع غصصها اليوم وعمر بن الخطاب رأى رجلا يمدح رجلا فقال له: هل صاحبته في سفر؟ فقال: لا، فقال عمر: هل عاملته في بيع أو شراء فقال الرجل: لا، فقال عمر: إنك لا تعرفه وإنّما رأيته يركع ركعات في المسجد .

manunsefni

من ينصفني من هؤلاء؟


حمد الرشيدي


إنّ مما تعارف عليه العقلاء وتوافق عليه النبهاء أن لا يعاب مبدأ بانحراف اتباعه عنه ولا يؤخذ أحد بجريرة غيره ولا يعمم فعل الفرد على الجماعة فقد يكون المبدأ قويما ولكن بعض من ينتسب إليه قد ينحرف عنه ويأتي بسلوكيات تتنافى وذلك المبدأ فهل يعقل في هذه الحالة أن نصف المبدأ بالانحراف ، إن هذا هو ما يفعله بعض المأفونين في عقولهم فإذا رأوا شابا عليه زي الاستقامة والصلاح ثم قام بارتكاب شيء من المخالفات قاموا بتعميم الحكم على كل من قال: آمنت بالله ثم استقام وهذا في الحقيقة فهم منتشر عند طائفة غير قليلة من الناس المتعلمين فما أن تحاول نصح أحدهم حتى ينقلب إلى حية رقطاء تنهش في أعراض أهل الصلاح ذاكرا بعض مثالب من يتشبهون بهم وهذا مما يزيد القلب أسى وحسرة ويعتصر له الفؤاد مرارة إذ كيف يحكم على الجميع بفعل الواحد وكيف يجعل ذلك سبيلا إلى القدح في النهج القويم والصراط المستقيم الذي سار عليه أولئك الرجال الأفذاذ الذين باعوا دنياهم واختاروا أخراهم متعالين عن الحطام الزائل. أين الإنصاف الذي ذكره الله في كتابه في معرض ذكره لأهل الكتاب ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِماً ﴾ وقال بعد أن ذكر الأعراب ومساوءهم وقبح سريرتهم ﴿ وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ﴾ فقد ذكر الله ما ذكر إنصافا حتى لا يظن أن أهل الكتاب شر كلهم ولا أن الأعراب على شاكلة واحدة وهذا الذي نريده ممن يقدح في الصالحين اعتمادا على مشاهد رآها أو أخبار سمعها هي كالشعرة السوداء في الثور الأبيض وكبرت من كلمة تخرج من أفواه أولئك الذين حسدوا الشمس لعلوها فحاولوا حجب ضوئها وأنى لهم ذلك، وإني في هذا المقام اذكر بعض المسائل المهمة التي ينبغي الإشارة إليها والتنبيه عليها:

1 ـ ليس كل من تزيا بزي أهل الاستقامة فأطلق لحيته وقصر ثوبه يعتبر مستقيما حتى يرى ذلك في أقواله وأفعاله أما الاغترار بالمظاهر وإطلاق الألقاب على كل أحد فهو الذي جر لنا هذه الاشكالية التي نتجرع غصصها اليوم وعمر بن الخطاب رأى رجلا يمدح رجلا فقال له: هل صاحبته في سفر؟ فقال: لا، فقال عمر: هل عاملته في بيع أو شراء فقال الرجل: لا، فقال عمر: إنك لا تعرفه وإنّما رأيته يركع ركعات في المسجد .
فهذا هو الفهم الصائب وكما قال الشاعر:
إن الرجال صناديق مقفلة وما مفاتيحها إلا التجاريب

2 ـ مما ينبغي أن يدركه كل ذي لب أن بعض الناس قد يكون على استقامة محمودة ولكن قد تزل قدمه في يوم من الأيام وينحرف وهذا أمر طبيعي فهو ليس معصوما من الخطأ فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون فلا ينبغي نبذ هذا الشخص بل الأخذ بيده إلى بر الأمان ونصحه حتى يعود إلى رشده كما لا ينبغي أن يعمم الحكم على المستقيمين ولنا في صحابة رسول الله المثل فقد زنى بعضهم كماعز الأسلمي والمرأة الغامدية وتابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم وهناك من ارتكب معصية القذف كحسان بن ثابت ومسطح وبعضهم شرب الخمر وهكذا فإذا كان هؤلاء فعلوا ذلك في ذلكم العهد الزاهر بالإيمان فما بالنا بعصر تعاظمت فيه الفتن.

3 ـ إن ظاهرة تعميم الأحكام وقذف المستقيمين وإساءة الظن بهم من الخطورة بمكان إذ في ذلك تشويه لصور حملة الشريعة الغراء وهداة الناس إلى الجادة ويفقدهم المصداقية ناهيك عما يجره ذلك من بلاء على القادح إذ لحومهم مسمومة وعادة الله في هتك ستر منتقصهم معلومة وقد توعد الله بالحرب من آذاهم بالقول أو الفعل جاء في الحديث القدسي « من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب » .
من أروع ما سمعت « إذا كان من شأن المحبوب أن يذوب في هوى محبوبه فإن إرادة الإنسان حرية أن تفنى في جنب إرادة الله ورسوله ».

العدد الثاني ثقافة وفكر

عن الكاتب

حمد الرشيدي

.
.
.
.