حكاية اسمها “معاوية الرواحي”

قد يكون المدون معاوية الرواحي، أحد ضحايا هذا التعسف في مجال حرية التعبير، فقصتُه يكتنفها الغموض، وقد طالت أكثر ممّا يجب وينبغي،

” 1 ”
لا يمكن أن يتجاهل المرء الدور الذي قام به الإعلام البديل، كمواقع التواصل الاجتماعي، من قفزة كبيرة في مجال نقل الأخبار والمعلومات، وما قامت به من فتح حوارات تفوق في أهميتها – في بعض الأحيان – الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام الرسمية أو التقليدية؛ لأنّ الوسائل الرسمية لها محددات تعتمد عليها في البث والإذاعة والنشر، منها مراعاة المقامات، ومراعاة العلاقات بين الدول، وغير ذلك الكثير ممّا لا يرضى عنه الرقيب، ومن هنا نجد أنّ هناك من البعض من المسكونين بثقافة الماضي، يضيقون ذرعاً بكلِّ رأي حتى وإن كان هذا الرأي جاء ضمن تغريدة لا تتعدى 140 حرفاً، في زمن الشفافية في العالم.
وإذا كان صحيحاً أنّ هذه الوسائل قد أتاحت للناس ما لم يُتح لهم من قبل في مجال الحريات؛ إلّا أنّ الصحيح أيضاً أنّ معظم التغريدات لا تعدو كونها ثرثرة فقط، إذ أصبح الناس ينفِّسون عن كبتهم ومشاعرهم عبر التغريدات في التويتر والفيس بوك بلا ضوابط، وهو ما كانوا يقولونه في جلساتهم الخاصة ومع الخاصين فقط، قبل هذه القفزة في مجال الإعلام، ثم إنّ الصحيح أيضاً هو أنّ هناك من يستغل الوجود الكثيف للشباب في هذه الوسائل ليبث رسائل حتى وإن كانت خفية لتحقيق غرض مّا، وهذه حقيقة، ولكن مهما يكن من أمر، فإنّ التركيز على معاقبة المغرد دون الاهتمام بما جاء في التغريد يُعتبر من الأخطاء الكبيرة التي تقع فيها بعض الحكومات أو الشخصيات النافذة، بمعنى أنه يجب التفريق بين تغريدة تتناول قضية مّا وبين تغريدة تتناول الأشخاص لذواتهم بقصد التشهير والإساءة، إذ أنه هناك فرقاً بين تناول الموضوع وتناول الشخص، وفي كلِّ الأحوال فإنّ السب والشتم والقذف أمورٌ مرفوضة من أيِّ أحد وضد أيِّ أحد.

” 2 ”
قد يكون المدون معاوية الرواحي، أحد ضحايا هذا التعسف في مجال حرية التعبير، فقصتُه يكتنفها الغموض، وقد طالت أكثر ممّا يجب وينبغي، حيث تقول الأخبار إنّ سلطات الإمارات اعتقله على حدودها منذ الثالث والعشرين من فبراير الماضي وحتى هذه اللحظة، دون إبداء أيّ سبب لذلك، فيما اعتبر الآخرون أنّ معاوية كان له تغريدات تناول فيها بعض المسؤولين في الإمارات، حيث ذكرت حسابات قيل إنّها مصنفة ضمن “اللجان الإلكترونية” للحكومة الإماراتية علي “تويتر”، قالت إنه “تم القبض على العماني الذي يشتم الإمارات في حسابه ليل نهار وعبر اليوتيوب”، وفي الواقع إنّ فترة طويلة من الاحتجاز كهذه هي ضد القوانين، فهل يمكن أن يستمر التحقيق حول تغريدة أكثر شهر..؟!
هناك ما يثير التساؤلات في قضية معاوية؛ فما هو سر هذا الصمت عن متابعة قضيته..؟، لقد ذكر معالي يوسف بن علوي في حديثه مع إذاعة “وصال”:”إنَّ معاوية تصرف بطريقة يحظرها القانون في دولة الإمارات، ونحترم قرار الدول الأخرى، ونحن نعمل على قضيته ونتابعها”؛ إلّا أنّ الموضوع عندما يطول أكثر ممّا ينبغي في قضية تتعلق بتغريدات؛ فإنّ المسألة تفتح الكثير من التأويلات عند الناس، ومنها ما ردده البعض – ولستُ أرى رأيهم -، من أنّ هناك تنسيقاً مّا بين السلطنة والإمارات حول اعتقال معاوية، نظراً للإزعاج الذي سببه بتغريداته وفيديواته الكثيرة؛ وعندما يُطلق الناس كلاماً كهذا فلا أظن أنهم ملومين، لأنّ معاوية الرواحي مواطن عماني، قد نتفق مع رأيه وقد نختلف، وليس بالضرورة أن نتفق معه، إلّا أنّ حقه كمواطن عماني يتطلب من كلِّ الجهات المعنية أن تتحرك لأجل إطلاق سراحه، أو على أقل تقدير لمعرفة ما هي الأسباب التي أدت إلى اعتقاله..؟ وإلى أين وصلت التحقيقات معه..؟، فسيادةُ الدول تتجلى في الحفاظ على سلامة مواطنيها في أيِّ مكان، ثم إنّ الواقعة نفسها تشكل سابقة خطيرة، فهل كلُّ الدول ستعتقل مواطني الدول الأخرى فقط لأنهم غرّدوا بما لا يعجب تلك الدول..؟، ففي حالة كهذه هل نستطيع أن نقول إنّ كلَّ مواطني دول مجلس التعاون، وخاصة من الإمارات الذين غرّدوا ضد مواقف السلطنة السياسية، سيتم اعتقالهم بمجرد وصولهم إلى أرض السلطنة، وهل يجب أن ننزل إلى مستوى المراهقين في منتديات الحوار، الذين يُطلقون الأحكام جزافاً ضد مواقف السلطنة، وهم لا يدرون شيئاً عن التاريخ والجغرافيا والسياسة..؟!
وقد يكون ممّا زاد الطين بلة، في قضية معاوية، أنّه كان يجب أن يكون هو الموضوع الرئيسي لحلقة الجمعة 27 مارس من البرنامج الإذاعي الأسبوعي “في هواء الكتابة”، الذي يُعده ويقدمه الشاعر صالح العامري، حيث سجل شهاداتٍ ونصوصاً عنه ككاتب وإنسان، من أربعة كتاب هم: إبراهيم سعيد، وخميس قلم، وعبد الله الناصري، وعايشة السيفية؛ إلّا أنّ الحلقة لم تبث، رغم أنّ كتب معاوية كانت موجودة في معرض الكتاب الماضي، وحسب علمي لا يوجد أي حظر عليه إعلامياً، وهذه الخطوة تزيد من التساؤلات عند الناس، لأنّ الشهادات الأربعة لم تزد عن قراءة نقدية لكتب معاوية الرواحي والحديث عنه كشاعر وإنسان، ولم يكن فيها ما يشير إلى قضية اعتقاله.

” 3 ”
إنّ العلاقات البينية بين دول مجلس التعاون، يكتنفها الكثير من المشاكل والخلافات التي طفت على السطح؛ إلّا أنّ الجانب الأمني في هذه العلاقات بقي نشطاً ولم يمسسه سوء، وهذا بدوره يفتح مجالات كثيرة للنقاش، فكما هو معروف فإنّ سياسات دول مجلس التعاون مختلفة في أكثر من قضية، فعلى أيّ أساس سيتم اعتقال أيّ مواطن في دولة أخرى، هل حسب قناعاته أو قناعة الدولة التي ينتمي إليها..؟، وهل الأمر سيقتصر فقط على التغريدات أو يتعدى ذلك إلى منع الناس من إبداء رأيهم في أيّ قضية أخرى عبر أيِّ وسيلة إعلامية أخرى..؟!
لقد تعاطف الناس مع معاوية كإنسان عماني بغض النظر عن موقفهم منه ومن توجهاته، وهو تعاطفٌ محمود؛ لأنّ الدول الناجحة هي التي تهتم بمشاكل مواطنيها في أيّ مكان في العالم، وقد دشن الناشطون العمانيون وسمًا على موقع “تويتر” بعنوان “الحرية لمعاوية الرواحي”، لمطالبة السلطات الإماراتية بالإفصاح عن سبب الاعتقال فوراً، ولمطالبة السلطات العمانية بضمان سلامته.
وإذا كان الاعتقال التعسفي قد تم لأنّ هناك اتفاقية أمنية خليجية وقعتها السلطنة مع دول الخليج، فإننا يجب أن نعيد دراسة بنود هذه الاتفاقية من جديد؛ وإلّا فإنها ستفتح فوضى عارمة، وستؤدي بالشباب الخليجي إلى أن يلجأ إلى أماكن أخرى في العالم تؤمن بالانفتاح وبالحرية، فالحلُّ الأمني دائماً ليس هو الحل الصحيح، حتى وإن أدى إلى نتائج عاجلة، فيجب على عقليات المسؤولين أن تتغير وتساير الواقع؛.. فهل يجب أن ننتظر أن يفرض الرئيس أوباما ذلك في كامب ديفيد..؟!.
Zahir679@gmail.com

 

الثامن والخمسون سياسة

عن الكاتب

زاهر بن حارث المحروقي

كاتب وإعلامي عماني
Zahir679@gmail.com