معادلة الإعلام العماني

“المقابلات” في عمان هي أنجع وأسهل الطرق لأداء مهمة معينة في وقت معين واسع وغير محدد بالإضافة أنها غير مرتبطة بشخص معين بذاته ,نظرا لكثرة توفر المذيعين والمذيعات العمانيين المناسبين لهذه المهمة المفتوحة ,ومن كثرة هذه البرامج التي لا تعتمد إلا على فكرة المقابلات وكأنه يتحتم على المشاهد للإعلام العماني أن يصدق وبيقين وبكل ثبات هذه المعادلة التي لا تكثر عادة إلا على القنوات العمانية

لا يتجاوز من يزورون الدول الأمريكية والأوربية سنويا 7% من شعب الخليج, رغم ذلك فإن العظمة التي ولدها الإعلام الغربي فينا كدول خليج أولا وعرب ثانيا ومسلمين ثالثا والخوف منها لا تزال بجميع أبعادها تدق ناقوس الخطر, الخطر ليس من الغريب بل الخطر من تردي نفسيات الشباب وعزوفهم عن المشاركة في الأنشطة الإبداعية أو الشروع في عمل إبداعي مميز ومستقل , ولا يزال هذا الخطر يتنامى سنويا مع تنامي التكنولوجيا والتقنيات الحديثة التي يسخرها الإعلام في الترويج لشتى قطاعات الحياة الغربية، مما يجعل عقول شبابنا المبدعة مأسورة بالخوف من هذه الدول الغربية تارة والخوف من الإبداع ، حتى لا ينصدم بالواقع الفاشل، تارة أخرى وإن كانت هناك فرص كثيرة للنجاح والسير قدما في مضمار الإبداع ولكن بقليل من العزم وكثير من الصبر , يأتي هنا دور الإعلام العربي الخليجي في نزع بذور هذه المخاوف وفي تشجيع وتسخير طاقات الشباب بإظهار الكامنة منها وتأييد الظاهرة منها وإن كان هذا يحتاج إلى الكثير من الصبر والوقت والجهد والمال , ولكن هذه وظيفة لا بد منها ، وظيفة لا بد أن تشغل الإعلام الخليجي والعربي شغلا عظيما وإلا بقيت بذور هذه المخاوف مثل المعاول الهدامة التي تقتص من طاقات الشباب ومثل السوس الذي يأكل قدراتهم من الداخل فتتحطم النفسيات ويتولد لديهم عقد النقص والشعور بالدونية.
بالنسبة لعمان الوضع أصعب , أصعب من ناحيتين وهما قلة سكان عمان كبلد وقلة مواردها كدخل أيضا , فقلة التعداد السكاني يتولد بسببه قلة في الحصول على التنوع الإبداعي في مجال الإعلام وهذا ما يصادف المشاهدين أو المستمعين كثيرا من تكرار المذيعين على مدار البرامج ,حيث يظهر المذيع الواحد خلال فترة وجيزة في أكثر من برنامج , مما يظهر ويفاقم هذه المشكلة بوضوح وأمام الجميع , أما الصعوبة الثانية التي تواجه عمان كبلد هي قلة موارد داخلها , فلا تصنف عمان من ضمن الدول الغنية مقارنة بجاراتها من دول الخليج , فقلة مواردها ينجم عنه قلة في الميزانية المخصصة لإعداد هذه البرامج الإعلامية فتلجأ دائما لإعداد برامج ذات تكلفة قليلة جدا , حتى لا نكاد نعرف برنامج عماني يعرض في أكثر من قناة خليجية غير برنامج قيم الذي وإن كان ذو ميزانية ليست عالية لكنه على الأقل ليس بفكرة مبتذلة تتكرر كعادة البرامج العمانية التي معادلتها السهلة هي خيط مستقيم برقم ثابت وهو “المقابلات”.
“المقابلات” في عمان هي أنجع وأسهل الطرق لأداء مهمة معينة في وقت معين واسع وغير محدد بالإضافة أنها غير مرتبطة بشخص معين بذاته ,نظرا لكثرة توفر المذيعين والمذيعات العمانيين المناسبين لهذه المهمة المفتوحة ,ومن كثرة هذه البرامج التي لا تعتمد إلا على فكرة المقابلات وكأنه يتحتم على المشاهد للإعلام العماني أن يصدق وبيقين وبكل ثبات هذه المعادلة التي لا تكثر عادة إلا على القنوات العمانية, وقبل أن نتطرق للحلول أرغب في أن أتوجه بأسئلة كثيرة للإعلام العماني مفادها إلى أي مدى المسؤولون العمانيون عن الإعلام العماني راضون عن هذا الوضع؟ , وإلى أي متى سيستمر وضع الإعلام العماني هكذا؟ , وهل هم حقا مستعدون للاستماع للطرف الآخر وهم الشباب المبدعون ؟ , وإذا كانت الإجابة بنعم , فلماذا لا نرى أي تغير في معادلة الإعلام العماني ولو بإدخال متغير واحد؟ . وإذا جاءنا لتحليل الوضع الذي انتهى بالإعلام العماني إلى هذا المطاف فبإمكاننا إجمالها في عدة عوامل ونبدأ بأهم عاملين وهم : استثمارا واختصارا للوقت والعامل الثاني وهو ميزانية المال , فالبرامج التي تعتمد على المقابلات بإمكانك عملها في أي وقت وبسرعة هائلة دون الحاجة إلى إعدادات هائلة ولا طاقات جبارة ولا حتى إعمال فكر أو عقل , وكما أنها لا تحتاج إلى إبداع أو فكر أو إعمال عقل فإنها أيضا لا تحتاج إلى الكثير من الميزانية غير لبس ومكياج المذيعة أو المذيع علاوة إلى الديكور الذي ستتم فيه المقابلة.
العوامل الأخرى التي سببت في هذه الأزمة ورسمت هذه المعادلة بإتقان واحترافية هي عوامل نفسية تتعلق بالخوف ولكن في هذه المرة فهو خوف من نوع آخر : الخوف من الفشل الخوف من المغامرة والخوف من التغيير , وكلها عوامل نفسية تعتمد على الطبقة العليا التي تدير دفة الإعلام , فنادرا ما سمعنا عن مغامرة قامت بها وزارة الإعلام أو تغير مذهل عملته الثلة التي تديره تغيرا يسجله التأريخ أو يخلده الزمان وكل هذا بسبب الخوف من مشقة التغير والخوف الذي سينجم عنه وهو الخوف من القدر المجهول إذا ما تم التغير.
وحتى لا يكون المقال مبتورا لابد من الاستشهاد , ويكفي ما حصل من فعاليات أثر قدوم جلالة السلطان المعظم بعد ثمانية أشهر قضاها في العلاج في ألمانيا لدليل دامغ وواضح وظاهر على هذه المعادلة التي رسمها الإعلام له وهي معادلة خط مستقيم برقم ثابت لا يحتوي على متغير واحد فقط ,فكيف بمن يرجو تغيرات من هذه المعادلة ؟, فلقد كان معظم تلك الفقرات “مقابلات” سوى لمسؤولين عمانيين أو لموهوبين في الشعر أو الإلقاء أو مقابلات في الشارع مع الشعب العماني. وكان يجب على الإعلام العماني أن “يعد” بكل ما تحويه هذه الكلمة من معاني فعاليات أخرى وبرامج أقوى تحوي في مضمونها على الولاء والإخلاص لعمان والسلطان والشعب , ومن هذه البرامج المقترحة :العمل التطوعي في القرى النائية للتثقيف بتأريخ السلطنة , عمل محاضرات وندوات في الجامعات والكليات العريقة في السلطنة للتعريف بعمان وقائدها وتأريخها, عمل وبحث جلسات حوار مع ثلة منتخبه من الطلاب من الكليات والجامعات , عمل مسابقات فنية وشعرية تتعلق بعمان وتأريخها وعرضها عرضا حيا في التلفزيون العماني , عمل معارض للحرفين المبدعين العمانيين للتوطيد بتأريخ السلطنة في قلوب الشعب شيبا وشبانا , هذه بعض المقترحات وأنا كلي إيمان بأن عقول الشباب تحوي الكثير من هذه الأفكار لو فتحت المعادلة لتحوي متغيرا واحدا على الأقل.
في نهاية مقالي لا أرجو أكثر من فتح الباب على مصراعيه والاستماع لكل مبدع عماني لا ينوي سوى الخير لهذا البلد المعطاء, ولقد حان الوقت في نظر الكثيرين لرفع شراع التغير, التغير البناء في كل ميادين الإعلام , فالإعلام العماني ليس “تفق برزة ” كما يزعم البعض , بل هو أكثر من ذلك بكثير.

الستون ثقافة وفكر

عن الكاتب

نورا حمدون الهاشمي