أمم تتقدم فتأخذ بأسباب ما يجعلها تحقق أهدافها ، تفكر وتنظر ثم تنفذ وتعمل بجد واجتهاد وفق رؤى واضحة تقوم عليها كل مؤسسات الدولة وشراكة المواطن، وأمم أخرى لا زالت ترزح في قضايا هامشية تبحث عن المبررات التي تداري بها فشل التخطيط والعجز عن إيجاد الحلول لكثير من المشكلات كالمشاريع وقضايا السوق والبطالة والفساد وإستحقاقات وطنية وإنسانية.
تعيش بلادنا تحديات عديدة إقتصاية وفكرية وإجتماعية وقانونية وهناك تحد آخر وهو نزعة الاستئثار بالرأي، وتحد من نوع مختلف وهو اصطفاف بعض من لهم أعمدة في الصحف اليومية وكأن مهمتهم قلب الحقائق وتبرير الأخطاء وابتكارالأساليب لقلب القبيح إلى حسن والحسن إلى قبيح، وهذا ما قرأته لبعض الكتاب المحسوبين على “الثقافة” في صحفنا المحلية في موضوع الاستبعادات فكانت مقالاتهم بعيدة عن القراءة الموضوعية بل من المؤسف عندما يكتب الواحد منهم دون إلمام بخلفية الموضوع لا من الناحية القانونية ولا النظرة الشمولية للقضية برمتها فيكون في وادٍ والموضوع في واد آخر..! لا إعمال للعقل ولا نظرة الكاتب الحر الذي يبني رأيه على معرفة وإدراك ..!،وليس المطلوب أن يقف أي منهم مع أي من المستبعدين – فكل منهم حر في رأيه وما يذهب اليه – لكن المصيبة إن كان يجهل بمفهوم وتفاصيل العملية الانتخابية برمتها، وتجده يكتب دون دراية مؤيد أو معارض لا يفقه أبجديات هذه العملية ، أو أنه يصطف مع الرأي الرسمي لحاجة في نفسه فينطبق عليهم المثل” إذا كنت لا تعلم فتلك مصيبة وإذا كنت تعلم فالمصيبة أعظم” آفات خطيرة تعد من ضمن الأسباب التي تؤخر المجتمعات وتطفئ النور الذي يساهم في بناء الإجماع الوطني ، إن كل هذه التحديات تشير لكل لبيب يقرأ الواقع على حقيقته بموضوعية متجردة أنها مخاطر واقعية تضر بالدولة، وتدخلنا في متاهات لا أحد يستطيع التنبأ بها إلا من لديه حس الحصافة والفهم ، وأوتي من الحكمة ما يُمّكِنه استخلاص العبر واستشراف القادم ببصيرة، فالإستئثار بالرأي وإقصاء الآخر لم يكن ليبني دولاً ولا مجداً ولا حضارة، وممارسة قطع الطريق عن أي مواطن ومنعه من المشاركة في الحياة العامة ليست في عقيدة العماني المتسامح وهي أفكار دخيلة أضرت بمجتمعات وشعوب لا زالت تدفع ثمنا باهضا لذلك الفكر الإقصائي حتى اللحظة، فالقيم المشتركة للمجتمع العماني تشكل منظومة متفردة للتفاهم الإجتماعي قائم على التعددية التي تعتبر قيمة إيجابية قادرة على تقوية تماسك النسيج الوطني وبناء الإجماع العام،وينبغي تجنب أي فعل قد يخدش بهذه المنظومة، ولا شك بأن هناك من أصحاب القرار من يرون أبعد من غيرهم فيكون لهم رأي وقرار رشيد حكيم.
وما زلت أعتقد بأنه رغم هذه التحديات، فإننا بما نملك من كفاءات ومواهب وضمير نابض بحب الوطن والمصلحة العامة، يمكننا ان نَعْبُر من جديد كما عَبَرَ أسلافنا البحار والمحيطات بحضارتهم ،وأن الحظوظ كبيرة للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة إن توافرت النية الخالصة والصادقة وجُندت كل الإمكانيات لتصب في الصالح العام، ولا خوف من قلة الموارد أو ضعفها إنما الخشية من التسويف والسياسات العقيمة التي تضّيع الوقت وتبدد الجهد وتهدر الثروات فيما لا مردود ولا أدنى نفع للمجتمع ..وفي بعض الدول التي حققت معدلات نمو ورخاء لمواطنيها لم تكن في أراضيها أية موارد طبيعية ولا ثروات معدنية، ورغم ذلك قامت من تحت الصفر وارتقت بفضل إستثمار عقول مواطنيها ووضوح الرؤيا والأهداف والتخطيط السليم واحترام المواطن والإخلاص للوطن، فالفقر لا يقاس على أساس دولة لا تملك موارد طبيعية وثروات معدنية، وبالمعنى الحقيقي ليس هناك دولة فقيرة، إنما الفقر الحقيقي هو فقر العقول التي تدير وبيدها القرار، واليوم وفي هذه الظروف نحن بأمس الحاجة إلى التفكير المنهجي وإلى التأمل والتحليل العلمي والاستنتاج لأن ذلك يساعدنا كثيراً في العثور على إجابات حقيقية من الواقع بدل الإرتجال والاعتماد على رأي واحد ، وأغلب المجتمعات المتقدمة هي في الأساس استفادت من الفروقات الفردية لشعوبها واستثمرت العقول والأفكار المختلفة بشكل إيجابي ، فانتفعت بما تملك لأنها أدركت أن الاختلاف هو سبب تقدم وتطور المجتمع، في حين اللون الواحد يجعل الصورة باهتة وإلغاء العقل وإقصاء الرأي الآخر، وتكميم الأفواه أمر غير صحي، وفرض وجهة نظر واحدة دون مبرر ، لا يخدم نهضة المجتمع، وإذا كان جلالة السلطان –حفظه الله- بفكره المستنير المتقدم يدعو إلى التدافع الإيجابي وإعمال العقل والتفكر في كثير من خطاباته الموجه للمواطنين والحكومة، وينظر إلى تعدد الآراء قوة وتماسك للمجتمع حين يقول ” نؤمن بأهمية تعدد الآراء والأفكار وعدم مصادرة الفكر، لأن في ذلك دليلاً على قوة المجتمع” فما بالنا نتجاهل هذه المقولات التي تخدم قوتنا ووحدتنا ولقائد وظف فكره وجهده ووقته حتى صنع نهضة حديثة قفزت بالسلطنة بعيداً واختصرت الزمن..!
إن الإستئثار بالرأي ضد منهج الشورى الذي أراد جلالته حفظه الله أن يكون علامة فارقة و تجربة ديمقراطية خالصة للعمانيين بما يتناسب مع عاداتهم وتقاليدهم ومبادئهم ،والعمل بعكس هذه الرؤية يبيد كل أسباب التقدم والرقي ،ولا تصلح الأمور بفئة واحدة تزعم العلم والفهم بكل شيء،وتشير للآخرين بأنهم دونهم وعيا وفهما ومعرفة..!
رأي الجماعة لا تشقى البلاد به ..رغم الخلاف ورأي الفرد يشقها.
أغمض عينيك واتبعني ..!
بعد إقصاء ( 174 ) مترشحا من أصل ( 857 ) جاء التوضيح على لسان وكيل الداخلية بأن هؤلاء لم تتوافق عليهم شروط الترشح وبذلك هم غير مستوفين لهذا الحق، ثم أوضح بالنسب أسباب ذلك على النحو التالي: ” وتركزت الطلبات غير المستوفية في شرط المتعلق بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف والأمانة بنسبة (45%) من إجمالي الطلبات المرفوضة ، كما شكل شرط التسجيل في السجل الانتخابي قبل المدة المحددة لفتح باب الترشح ما نسبته (23%) وكذلك نسبة (9%) في شرط المستوى العلمي ، وما تبقى من نسبة فقد توزعت في شرط صفة الجنسية الأصلية والإجراءات الأخرى”
وهذا التوضيح بلا شك رقي وإحترام كبير للعملية الديمقراطية وأيضا يحسب للداخلية هذه الشفافية التي بات المواطن ينشدها ليس على هذا المستوى فقط، إنما في مجالات أخرى تخصه كمواطن ويهتم بها ،فالمواطن الصالح المستنير عليه معرفة نفسه وقدراته ومكانته من مجتمعه وواجبه تجاه هذا الوطن وحقه عليه،،ومن المعلوم أن من أبرز معايير نزاهة انتخابات مجلس الشورى “الديمقراطية” والوصول إلى هدف النجاح التي قامت من أجله، أن يكون القائمين على إدارتها ملتزمين بالحياد في جميع مراحل العملية الإنتخابية، بدءا من استقبال المترشحين للعضوية ومرورا بعملية تسجيل الناخبين إلى اليوم المحدد الذي يتوجه فيه الناخبون إلى صناديق الاقتراع ،وانتهاء بالفرز وإعلان النتائج النهائية، وفي سير هذه العملية هناك حق أصيل للمترشحين والناخبين في الشكوى والتظلم والطعون،وهنا الجميع يمعن النظر إلى مبدأ سيادة القانون واحترام النظام لتبقى العدالة هي الفيصل عبر بوابات التقاضي المشروع لكل مترشح أو ناخب، دون أي تمييز على أي أساس كان وفق المادة ( 17 ) من النظام الأساسي للدولة،وحتى تكسب الإدارة المشرفة على عملية الإنتخابات ثقة واحترام وتقديرالمواطنين ومع التزامها بالحياد أن تكون أيضا شفافة وتنأى بنفسها عن أي تصرف قـد يفهم بأنه تغليب لمصالح فئة معينة، أو استقصاد لأشخاص بعينهم، أو لمصلحة شخصيات نافذة،ومهما تنوعت أشكال إدارة العملية الإنتخابية على المستوى الدولي من حيث هيكلة اللجنة المشرفة على الإنتخابات فإن الأمر فيه متسع من القبول، إن كانت تركز على معيار النزاهة على النحو الذي بينه النظام الأساسي للدولة لشروط الترشح لعضوية مجلس الشورى في المادة ( 58 ) مكرر (10) وإلى قانون إنتخابات أعضاء مجلس الشورى الصادر بالمرسوم السلطاني رقم ( 58 / 2013م) من الفصل الرابع في حق الترشح حسب المادة (34 ). ووفقا للمعايير التي تحقق الحياد والإستقلالية.
وما حدث مؤخرا في الدورة الثامنة من تدخل واضح في العملية الانتخابية باستبعاد مجموعة من المترشحين دون أسباب توضح لهم ذلك، أثار الكثير من علامات الاستفهام والاندهاش، فالأصل أننا كلما مررنا بتجربة استفدنا منها وتكون خطواتنا بعدها للأمام لا التقهقر والرجوع للخلف ، ونتذكر جيدا الإشادة المحلية والدولية بالدورة السابعة، وبشهادة الجميع بأن تجربة الشورى تمضي وفق الرؤية السامية، وبدأت تحقق مكاسب وتؤتي ثمارها ولا شك بأن نضج التجربة الديمقراطية تكون بالممارسة لا التنظير ،فلا يمكن أن تعلم أي شخص ليكون سباحاً ماهراً عن طريق كتاب مليئ بقواعد وأساليب وطرق تعليم السباحة ثم ترميه وسط حوض عميق دون أن يمارس فعليا السباحة لأن مصيره الغرق..! ، وكذلك الشورى دون ممارسة ودون الوقوع في أخطاء وهنات لا يمكن أن نتقدم ونعالج تلكم الأخطاء أو القصور وعندما تكون هناك ممارسات خاطئة ينبغي مواجهتها لعلاجها لا تجاهلها وإهمالها أو اتخاذ موقف أشبه بوصف دواء لمريض لا يتوافق مع حالته الصحية بناء على تشخيص خاطئ فيزيد حالته سوءا يتعسر بعدها الشفاء ، وهذا ما جعلنا نعيش المفاجئة الصادمة بعد تأخير إعلان قوائم أسماء المترشحين بأن هناك استبعاد للبعض تم تكليف الولاة في الولايات بتبليغ المستبعدين..! ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد إنما سُدت الأبواب وغُلّقت السبل وبقي المترشح المستبعد في حيرة عندما لم يترك لـه أي باب للتظلم من قرار الإستبعاد الذي لا يعرف سببه..! وحصّنت اللجنة المشرفة من رقابة القضاء وعطل القضاء الذي يعتبر الملاذ للإنصاف والمبدأ الدستوري الذي يتضمن السهر على سيادة القانون، وكلنا مع دولة المؤسسات والقانون ،وما يميز الدولة القانونية عن غيرها من الدول المتسلطة هو خضوع جميع نشاطاتها للقواعد القانونية وعدم الزام أي مواطن أو فرد بشيء خارج نطاق القانون ولكي يتحقق ذلك لا بد من توفر ضمانات حتى لا تخترق هذه المبادئ ومع وجود ” النظام الأساسي للدولة” يأتي احترام مبدأ احترام سيادة القانون بوجود سلطة قضائية مستقلة ، ولو جئنا للنسبة المئوية لبيان الداخلية على لسان سعادة الوكيل رئيس اللجنة لوجدنا أن الطلبات غير المستوفية لشروط الترشح حسب توضيحه في مجملها ( 77 % ) فهناك نسبة ( 23 % ) صفة الجنسية الأصلية والإجراءات الأخرى ..وهنا لم تذكر نسبة صفة الجنسية الأصلية، ولم توضح أيضا ماهية ” الإجراءات الأخرى..!”، ولا أحد يعترض أو يتظلم طالما هناك شرط غير مستوفي وفق القانون والعملية المنظمة لذلك ، إنما التظلم في استبعاد المترشح بدون أسباب توضح له شخصيا على الأقل ليكون على بينة من أمره ففي النهاية هو مواطن له حق معرفة المآخذ التي خرجت لنا بعبارة ” تحفظ أمني ” فبهذه الطريقة الحق ضائع والمعيار القانوني معتل ولا ينطبق على الجميع ، وقد يكون الإستبعاد لصالح أشخاص منافسين أو تغّرض مقصود من مسؤول نافذ، وقس عليها أمور مشابهة،، فلماذا نذبح مبدأ سيادة القانون بدل حمايته..!!
وأمرهم شورى بينهم
تعيش بلادنا تحديات عديدة إقتصاية وفكرية وإجتماعية وقانونية وهناك تحد آخر وهو نزعة الإستئثار بالرأي، وتحد من نوع مختلف وهو إصطفاف بعض من لهم أعمدة في الصحف اليومية وكأن مهمتهم قلب الحقائق وتبرير الأخطاء وإبتكارالأساليب لقلب القبيح الى حسن والحسن الى قبيح، وهذا ما قرأته لبعض الكتاب المحسوبين على “الثقافة” في صحفنا المحلية في موضوع الإستبعادات فكانت مقالاتهم بعيدة عن القراءة الموضوعية بل من المؤسف عندما يكتب الواحد منهم دون إلمام بخلفية الموضوع لا من الناحية القانونية ولا النظرة الشمولية للقضية برمتها فيكون في وادٍ والموضوع في واد آخر