يعد التعليم بكافة أنواعه ومستوياته، أحد دعائم الدولة المتحضرة، وركيزة أساسيه تستند عليها الحركة التنموية في أي بلاد ينوي التقدم, وإصلاح المجتمع المدني الذي تشرف عليه , ويقوم تحت كنفها , لذلك وجب على كل دولة وسلطتها العليا المتمثلة في الحكومة بكافة وزاراتها ووزرائها أن تتضافر فكرا بفكر , وجسدا بجسد , من أجل تحسين الحركة التعليمية في الدولة , فهي ليست مهمة وزارة واحدة فقط , أو جهة حكومية معينة , بل لابد من جميع الوزارات بمختلف قطاعاتها أن تسهم في دفع عجلة التطور في وزارتي التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي , سواء كان هذا الإسهام بتبادل الخبرات المتمثلة في الأفكار , أو بتبادل الأعضاء الموظفين فيها , وليس هذا فحسب بل لابد من توعية المواطنين المدنيين بضرورة الإشراك في تحسين العملية التعليمية سواء بإبداء آرائهم في المجالس الشعبية , المتمثلة هنا في مجلس الشورى , أو عن طريق تشجيع الشباب العماني الصاعد على نشر وبث أفكاره ورؤاه عن طريق وسائل التواصل الحديثة سواء كانت الرسمية منها أو الاجتماعية العامة , والمتمثلة بكتابة المقالات أو القصص أو غيرها من الوسائل التي تعتبر من الطرق المجدية لتوصيل سيل الأفكار التي يتبناها شبابنا .ولو تم استبعاد هذه الأفكار الشبابية ,استبعادا كليا , ولم يلتفت لها ,واكتفت المسيرة التنموية في التربية والتعليم على المصادر الرسمية فقط , فهذه علامة من العلامات التي بها يدق ناقوس الخطر, فلا أحد يستطيع أن ينكر دور الشاب المثقف الذي يتمتع برؤية شاملة لموضوع خاص جدا , بل أن معظم الحركات التنموية في الدول المتقدمة جاءت من ثورات ثقافية قادها مثقفين شباب ,نبهوا العالم إلى مواطن الخلل في سياسات كثيرة. لذلك وأنا أكتب المقال كلي أمل بأن هناك من العقول الواعية والمسئولة من يمكنها الاستماع لي وأخذ ما أقوله بعين الاعتبار,ودراسة هذه المقترحات التي سأقدمها , ولو كانت دراسة جزئية بسيطة.
من الأخطاء التي وقع فيها المسئولون عن تنمية التعليم في عمان , أنهم اكتفوا بالمقترحات التي تدور فقط في الأروقة الرسمية , متجاهلين تماما لمطالبات ومقترحات الشباب وخاصة المثقفين منهم لتطوير التعليم , ولعل الاستهانة بعقول هؤلاء بحكم صغر السن أو ادعاء من البعض أنهم غير محيطين بكافة التفاصيل التي تمكنهم من اتخاذ القرارات أو إصدار الآراء التي تتعلق بمسيرة التنمية. وهذه أحد الأخطاء –وإن لم تكن جميعها- التي لو عولجت,لدرت الخير الكثير على عمان وشعبها في مختلف القطاعات –ليس التعليمية فقط-.
من النقاط التي ينبغي أن تناقش باستفاضة , ولابد أن تعقد لها جلسات خاصة , وتعمل لها دراسات عميقة , هي مسألة طول المدة التي يدرسها الطالب بدءً من الابتدائية إلى الجامعية , والتي يتعود فيها الطالب على التلقين , والتلقي , وأخذ المعلومات فقط , دون التركيز على نقطة مهمة وهي نقطة الإنتاجية , فهل يعقل أن يستمر الطالب 12سنة مضاف إليها خمس سنوات –كحد أقصى- من الدراسة دون أن يتخلل هذه الفترة فترة يتوقع من الطالب أن ينتج فيها , علما أن بعض التخصصات التي يدرسها الطالب في الجامعات والمعاهد ليست بحاجة للمادة العلمية التي يدرسها ويتعمق فيها في المرحلة الثانوية .فمتخصص الفنون التشكيلة أو متخصص الرياضة المدرسية أو متخصص الفنون الموسيقية أو متخصص رياض أطفال والتخصصات التي تحتاج إلى جهد بدني بحت مع القليل من المادة العلمية الجامعية المتقدمة –وغيرها من التخصصات التي لا تحضرني الآن وتحتاج إلى دراسة عميقة لفرزها من بقية التخصصات –هي ليست بحاجة إلى التعمق الذي يدرسه الطالب في المرحلة الثانوية , بل يعد – برأي معظم طلبته – تأخيرا للإنتاجية فقط , ومعظم مرتادين هذه التخصصات يرون أن المادة العلمية التي يتلقونها في مرحلة الثانوية , لا تفيد تخصصهم ولا مسيرتهم العلمية , بل لا يكاد يذكرون معظمها , ولا يستخدمون معظم المعلومات التي دروسها في تلك المرحلة .ويمكن للمسئولين التأكد من هذا الكلام , عن طريق عمل استبيان لمعرفة ردود أفعال هؤلاء الطلاب –إ ن كان يهمهم الأمر لهذا الحاد -. فتسريع العملية الإنتاجية بهذه الطريقة العلمية البحتة , هو في الأول والأخير يعود بالفائدة لعمان وشعبها –قبل أي شيء- , وفيه أيضا حفظ لطاقات الشباب من الإهدار في ثلاث سنوات في التعليم الثانوي , ينتهي بها المطاف أن تدرج من ضمن السنوات التي يعدها الطالب من السنوات التي لا تخدم مسيرته المهنية ولا تخدم وظيفته المستقبلية. ولو نظرنا لفوائد هذا التسريع لوجدنا – بجان زيادة الإنتاجية – فإنه يقلل العبء الملقى على عاتق وزارة التربية والتعليم , إذا علمنا أن نسبة ليست بالقلية من طلابها , هم في الأساس ليسوا بحاجة إلى المرور بالمرحلة الثانوية.
كنت في مرحلتي الدراسية بالمدارس العمانية , دائما ما تشغلني فكرة , وهي أن نسبة كبيرة من المدرسين مستواهم أقل بكثير من نخبة الطلاب فيها , فلذلك تكون حصيلة الطلاب –أي مخرجات الثانوية العامة بالتحديد- أقل مستوى من أساتذتهم , وهذه حقيقة إشكالية كبيرة لابد لوزارة التربية والتعليم أن تنتبه لها . فالوزارة لابد لها أن تضع في عين الاعتبار عند تعين المدرسين على المدارس , أن هؤلاء قدوة لجميع الطلاب بمختلف ميولهم وطموحاتهم ومشاربهم.فالمدرس هو من ينقل للطالب – سواء كان طالب من النخبة أو طالب عادي -المعلومات ويلقيها له بأسلوبه.فلو كانت هذه المعلومات بمستوى أقل من مستوى الطالب المتفوق , أو كان الأسلوب أسلوبا عاديا لا يرتقي لمستوى الطالب , فهذا يعود ثلة كبيرة من الطلاب النخبة على هذا المستوى , ويقلل فرصة ظهور طلاب لهم طريقة في التفكير أعلى من مستوى أستاذهم. لذلك نجد في الكثير من الدول الأوربية المتقدمة أن المعلمين يتم اختيارهم من الأوائل والأعلى مستوى من مخرجات التعليم العالي ولا يسمح لأي أحد بالقيام بمهمة التدريس هذه , مقارنة بدول العالم الثالث – ومنها بلدنا الحبيب – فإن المعلمين لا يحتلون المكانة العلمية العالية التي يحتلها المعلم في الدول المتقدمة , ولعل هذا أحد عوامل فشل المسيرة التنموية التعليمية في عمان. ولإثبات ذلك بلغة التحليل والأرقام , فعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن الطلاب المقبولين في كلية الطب والهندسة والعلوم هم أعلى الطلاب نسبة في الثانوية , أما الطلاب الداخلين للكليات التربوية أو الأدبية فهم أقل الطلاب نسبة .وهذا يشير على أن نسبة كبيرة من طلاب المدارس نسبهم أعلى بكثير من نسب المعلمين المستقبليين, أي أن معلمين المدارس الذين يدرسون الطلاب متخرجين بنسبة أقل بكثير من مستوى نسبة كثيرة من الطلاب الذين يدرسونهم. فكيف تتوقع وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي أن يقوم مدرس ,يدخل بنسبة أقل من النسبة التي سيحصل عليها نسبة كبيرة من طلابها, بتوسيع مدارك الطلاب وتنمية مهاراتهم وصقل مواهبهم وتحسين أدائهم إذا كان هو بذاته أقل من النخبة الموجودة من الطلاب. ينبغي للمعلم أن يكون من أعلى الناس مداركا , وأتقنهم لمهنة التدريس , وأكثرهم إجادة لنقل المعلومات وتدريسها بالصورة الصحيحة , ولابد أن يتم اختياره بعناية فائقة , وإجراءات مطولة , وامتحانات كثيرة ومتسلسلة , وليس بنسبة أقل من تخصصات علمية كثيرة. لذلك حل هذه المشكلة لا يكون إلا في وزارة التعليم العالي , وذلك بوضع نسبة المقبولين في الكليات التربوية أعلى النسب التي لا يدخل لها إلا المجيدين , والبارعين في موادهم العلمية , ولا يتم انتقائهم فقط بالاكتفاء بالنسبة , بل لابد من إجراء سلسلة من الاختبارات النظرية , وعدد لا بأس به من المقابلات الشفهية , وذلك لضمان أنه ليس أي شخص يتم قبوله ليتخرج صفته معلم أجيال , وحامل رسالة.
ولكن المشكلة الكبيرة التي ستصادف المسئولين في وزارة التعليم العالي , أنه إذا تم منح الطلاب أصحاب النسبة العالية ,كلهم مقاعد في الكليات التربوية , فهذا يؤدي إلى ارتياد الطلاب ذوي النسب المنخفضة لكليات وتخصصات حساسة جدا , ومهمة أيضا , وبها ترتفع أمم ودول , وتنهار دول أخرى , مثل التخصصات الطبية والهندسية , فهل يعقل أن يدير أضخم الشركات النفطية في عمان شباب من ذوي النسب المنخفضة في الثانوية , أو هل من المعقول أن يقوم بمعالجة الناس ثلة من الطلاب الأقل مستوى من التخصصات التربوية. فهذا سيضخم من المشاكل الصحية , والمشاكل الهندسية في عمان.لذلك حلا لهذه المشكلة اقترح أن توضع أعلى النسب كشرط للتسجيل في الكليات التربوية وكلية الطب فقط ,لأنها كليات لو نظرنا إلى بيئة عملها فجميع الخريجين من الكليات والجامعات الذين يتخرجون من التربية والطب يشتغلون في نفس المستوى , وفي مكان واحد فقط وهي الوظائف الحكومية , فما يقوم به الطبيب في مستشفيات الظاهرة هو نفس العمل الذي يقوم به الطبيب الذي يعمل في مستشفيات الباطنة أو الشرقية, وكذلك المعلم الذي يدرس في مدارس الشرقية الحكومية هي نفس وظيفة وعمل المدرس الذي يدرس في مدارس الظاهرة أو الباطنة. فالتعلم والطب هم مهنتان تشتركان في أهميتهما وفي عدم وجود مستويات مطلوبة في الخريجين ,فجميعهم يشترط أن يكونوا من النخبة ومن أعلى الناس فهمها وإدراكا من رواد الجامعات أو الكليات . الاختلاف الحاصل هو في التخصصات الهندسية وكلية العلوم وحلا للمشكلة التي ستصادف المسئولين أنه سيدخل هاتين الكليتين طلاب من ذوي النسب المنخفضة , فإني أقترح أن يقسم من يدخل هاتين الكليتين إلى مستويين :مستوى أول ومستوى ثان , وتكون خطة التدريس لكل مستوى خطة مختلفة ودرجة صعوبة المواد تختلف من المستوى الأول عن المستوى الثاني , ويوضع في شهادة الطالب المتخرج هذه العلامة وهي المستوى.فالملاحظ أن خريجي هاتين الكليتين في الأغلب يتوظفون في القطاع الخاص أو القطاع الحكومي , ويعملون في مستويات مختلفة تحددها الشركة التي توظف الشخص , فليس من الحاجة تخريج دفعة كاملة منهم كلهم في نفس المستوى علما أنهم لن يعملون في مستويات متشابهة , وبذلك تكون المشكلة قد حلت وحلها سهل بيد جميع الإدارات تنفيذه وبسهولة ولا يحتاج إلى جهد كبير أو دراسات عظيمة .علما بأنه سيحل مشكلة أخرى كبيرة وسيرتاد كلية التربية نخبة الطلاب الذين هم من أفضل الطلاب المقبولين في الجامعات والكليات. وتحسين هذه النقطة سيرفع من مستوى التعليم في المدارس وبالتالي سيرفع من مستويات الطلاب الذي سيدخلون الجامعات والكليات.وهذه هي الخطوة الأساسية التي لابد من اتخاذها قبل الشروع في تغير المناهج الدراسية العلمية لطلاب المدارس , وقبل إدخال كل جديد فيها , فليس من الطبيعي والمنطقي أن يرفع من مستوى المواد العلمية التي تدرس في المدارس ويطور من المناهج , ومن يدرسون هذه المناهج غير قادرين على مواكبة هذا التطور .وإنها لخطوة كبيرة ومليئة بالمغامرة لا بد على المسئولين أن يأخذوا بها في عين الاعتبار.
تقول الأديبة الأمريكية الصماء البكماء العمياء هيلين كلير :”الحياة مغامرة جميلة أو لا شيء”, فالمغامرة تحتاج إلى جرأة وشجاعة في مواجهة المشكلة , وجرأة في التنفيذ , ولسنا بحاجة لحل مشكلاتنا إلى جلب عمالة وافدة من الخارج , أو استيراد برامج وخطط دول غربية , بل نحن بحاجة إلى الاستماع وتقبل الطرف الآخر مهما كان مخالفا لنا , والتجربة خير برهان على كل شيء , فليس العيب أن نجرب ونفشل ,بل العيب أن يظل نظامنا في التعليم إلى الآن كما كان عليه قبل عقود لا يتغير.
نظام التعليم في عمان : الواقع والمأمول
من الأخطاء التي وقع فيها المسئولون عن تنمية التعليم في عمان , أنهم اكتفوا بالمقترحات التي تدور فقط في الأروقة الرسمية , متجاهلين تماما لمطالبات ومقترحات الشباب وخاصة المثقفين منهم لتطوير التعليم , ولعل الاستهانة بعقول هؤلاء بحكم صغر السن أو ادعاء من البعض أنهم غير محيطين بكافة التفاصيل التي تمكنهم من اتخاذ القرارات أو إصدار الآراء التي تتعلق بمسيرة التنمية. وهذه أحد الأخطاء –وإن لم تكن جميعها- التي لو عولجت,لدرت الخير الكثير على عمان وشعبها في مختلف القطاعات –ليس التعليمية فقط-.