صفحة غير منسية من تاريخ حرب ظفار(1962- 1976 )

وقعت معركة مرباط مع بزوغ شمس يوم 19 يوليو1972 مخلفة جرحا غائرا في الذاكرة الجمعية لسكان المحافظة خاصة سكان سلسلة مرتفعات ظفار حيث لم تخلوا قبيلة و لا قرية جبلية من قتيل في صفوف المهاجمين (مقاتلي جيش التحرير الشعبي الذراع العسكري للجبهة الشعبية لتحريرعمان) ، اكبر خسارة بشرية يتكبدها الثوار في معركة واحدة في اكبر هجوم يشنه جيش التحرير الشعبي في تاريخ الحرب و أطول معاركه حيث شارك في معركة متقاربة ببسالة و عناد مدة خمس ساعات في ارض مكشوفة تماما 280 مقاتلا

صفحة غير منسية من تاريخ حرب ظفار(1962- 1976 ):

فيلمان وثائقيان و سبعة كتب تفصل معركة مرباط الفارقة *

( إن موقف المؤرخ يبدو جد مختلف لأنه يجد نفسه مطالبا بأن يقدم تاريخا، فإن لم يكن قادرا على تقديم تاريخ، فهو مطالب بأن يقدم رؤية تاريخية، فإن لم يكن فإن عليه أن يقدم مدخلا تاريخيا، وسيكون لعمله حتى وإن كان ضئيلا أو ضيقا فائدة متحققة).
المفكر المصري محمد الجوادي

أنا لست بمؤرخ لكني سأحاول ان أؤرخ بكتابة تحترم ذكرى الأموات ( أي قتلى الطرفين ) و تراعي مشاعر الإحياء (أقارب القتلى من الطرفين العمانيين).

وقعت معركة مرباط مع بزوغ شمس يوم 19 يوليو1972 مخلفة جرحا غائرا في الذاكرة الجمعية لسكان المحافظة خاصة سكان سلسلة مرتفعات ظفار حيث لم تخلوا قبيلة و لا قرية جبلية من قتيل في صفوف المهاجمين (مقاتلي جيش التحرير الشعبي الذراع العسكري للجبهة الشعبية لتحريرعمان) ، اكبر خسارة بشرية يتكبدها الثوار في معركة واحدة في اكبر هجوم يشنه جيش التحرير الشعبي في تاريخ الحرب و أطول معاركه حيث شارك في معركة متقاربة ببسالة و عناد مدة خمس ساعات في ارض مكشوفة تماما 280 مقاتلا. و هي المعركة الوحيدة التي يخوضها جيش التحرير الشعبي بأسلوب الجيوش الكلاسيكية أي الهجوم على تشكيلات انساق تتقدم وقوفا. و كان بين المقاتلين فتاة جسورة تدعى (فاطمة غانانا العمري)، كانت وحيدة أمها، قتلت لاحقا في كمين نصبته دورية من دوريات الفرق الوطنية قريبا من مدينة سدح.و قد تم حشد هذه القوة من مناطق مختلفة من السلسلة الجبلية التي كانت آنذاك تحت سيطرة مقاتلي جيش التحرير الشعبي في اكبر هجوم يشنه على حامية حكومية. كان مقابل هذه القوة تجريدة من كتيبة جندرمة ظفار(1) متمركزة في القلعة (البرج ) و تسعة من القوات البريطانية الخاصة متمركزون في احد البيوت القريبة من الحصن و بصحبتهم ضابط استخبارات بريطانية و عسكر الوالي المتمركزون في الحصن و أفراد الفرقة الوطنية إضافة إلى أفراد وحدة امن المدينة (الأمن ) و ثمانون عسكريا بريطانيا تم إبرارهم بالمروحيات لاحقا أثناء المعركة نفسها.

و كما قلت فانا لست بمؤرخ و ان كنت أهوى الخفايا التاريخية و الآثارية. لكنني اذكر كالبارحة أين كنت ذلك الصباح الخريفي، 19 يوليو 1972: كنت في السوق القديم في طاقه المقابل للحصن عند مسجد الشيخ العفيف و كان ضباب الخريف في أوجه. و كان معنا مقاتل من فرقة خالد بن الوليد (فرقة بيت المعشني كرماء المحتد) معه جهاز لاسلكي الكف (توكي ووكي) يبرق لمقاتل من الفرق في مرباط و بعد انتهاء حديثهما التفت إلينا قائلا اشتباك يجري في مرباط و قد سقط قتيل واحد. لم يكن يدري انه لم يكن اشتباكا و ان عدد قتلى الطرفين سيرتفع إلى 55 قتيلا، حصيلة يوم دام في صفحة غير منسية من تاريخ حرب ظفار المؤلمة، اكبر عدد من القتلى و الجرحى و الأسرى من الطرفين في معركة واحدة (2).

مع طلوع شمس ذلك اليوم كانت جميع مجموعات الهجوم متموضعة استعدادا لبدء الهجوم حيث شن هجوم من الشمال باتجاه حصن الوالي و القلعة (البرج ) و البيت الذي اتخذه أفراد القوات البريطانية الخاصة SAS مقرا لهم و شن هجوم من الشرق باتجاه مقر الفرقة الوطنية و متراس وحدة الأمن. و قبل بدء الهجومين الرئيسين تمكنت مفرزة من قتل جميع أفراد القوة الحكومية المتمركزة في (جبل علي) برجمة واحدة من القنابل اليدوية حيث نصبوا رشاش دوشكا Shpagin (عيار12.7 مم ) مضاد للطائرات في واحد من المتاريس الثلاثة. و تشير سجلات سلاح الجو السلطاني العماني ان الرامي أصاب جميع الطائرات المغيرة ذلك اليوم لكن دون ان يصيبها في مقتل. أحي مهارته و رباطة جأشه!

باستثناء هذه الرجمة الجريئة فقد بدأ الهجوم بداية سيئة حيث أخطأت قنابل مدفعية المهاجمين المتمركزة شمال المدينة أهدافها و سقطت على القوة المهاجمة من الشرق فقتلت و جرحت عديد المقاتلين (3). و الغريب أن القوات المهاجمة كلها لم يكن معها أي أجهزة اتصال لاسلكية. القوة المهاجمة من الشمال نجحت في تسور سور الأسلاك الشائكة و الاقتراب من القلعة (البرج) مسافة إلقاء القنابل اليدوية كما نجحت في الانسحاب انسحابا منظما و إخلاء جرحاها بخلاف قوة الهجوم الرئيس الآخر التي لم يكن انسحابها منظما و لم تنجح في إخلاء جميع جرحاها. الحق انه عندما بدأ الهجوم كان المهاجمون قد تناولوا آخر وجبة طعام قبل أكثر من 15 ساعة و كانت عبارة عن أرز مسلوق فقط مما يشيء بسؤ الإعداد للمعركة و بالجلد و الصبر اللذين تحلا بهما مقاتلو جيش التحرير الشعبي.

أثناء المعركة قامت طائرتا هيلوكبتر في طلعتين بإبرار ثمانين عنصرا من القوات البريطانية الخاصة SAS شرق المدينة حيث واجهوا مقاومة عنيفة من المقاتلين المتقهقرين فقتلوا ثلاثة منهم و جرحوا ثلاثة خلفوا في ارض المعركة. كما قامت الطائرات الحربية طراز (سترايك ماستر) بالإغارة على المهاجمين في الأرض المكشوفة مستخدمة الرشاشات الثقيلة و صواريخ (سورا) طوال ساعات المعركة الخمس و لولا هذه المشاغلة لكانت خسائر القوات الحكومية و حلفائها البريطانيين اكبر و خسائر المهاجمين اقل. و تجنبت الطائرات المغيرة إلقاء القنابل الثقيلة بسبب قرب المهاجمين من المدافعين. كما قامت طائرة نقل من طراز (سكاي فان) بإسقاط عتاد و ذخيرة بالمظلات للقوة البريطانية الخاصة قريبا من البيت الذي تحصنوا فيه. وقع 11 مقاتلا في الأسر معظمهم جرحى. و خلف المهاجمون في ارض المعركة عتادا و ذخيرة. و نجحوا في إخلاء 25 جريحا أثناء انسحابهم بعضهم عولجوا في المستشفى العسكري في عدن في اليمن الجنوبية آنذاك التي كانت قاعدة لوجستية للجبهة الشعبية لتحرير عمان. و بخلاف ما ذكره اللواء انثوني جيبز في كتابه SAS Secret War (حرب القوات البريطانية الخاصة السرية) لم يتوف أي من الجرحى الذين تم إخلاؤهم أثناء الانسحاب في حين يخمن جيبز ان نحو خمسين جريحا قد توفوا في الجبل جراء إصاباتهم و هو ما لم يحدث.

من حيث تقييم نتائج المعركة علينا ان نلاحظ ان جيش التحرير الشعبي (الذراع العسكري للجبهة الشعبية لتحرير عمان) لم يحظى بكادر واحد درس فن الحرب نظريا في كلية عسكرية أو دورة مطولة و ان كان بعضهم قد درس مباديء (ماو تسي تونج) السبعة لحرب العصابات. كل القادة العسكريين كانوا جنودا سابقين أما في كشافة ساحل عمان (البريطانية) التي كان مقرها في الشارقة (دولة الإمارات العربية المتحدة حاليا) أو في جيوش قطر و البحرين و الكويت و شرطها بما في ذلك قائد جيش التحرير الشعبي المرحوم علي مسعود بيت سعيد الذي قضى نحبه في المعركة و يظهر ذلك جليا في القصور الواضح في الإعداد للمعركة و إدارتها. الشجاعة و الجلد و حدهما غير كافيين لكسب المعارك و الحروب و إلا لما فازت إسرائيل في أربعة حروب ضد العرب (1948، 1956، 1967، 1982) رغم ان الجنود العرب باعتراف الإسرائيليين أنفسهم اظهروا في هذه الحروب الأربعة شجاعة و جلدا فائقين أفضل حتى من الإسرائيليين أنفسهم ( على القارئ المستزيد مراجعة كتاب Arabs at War، العرب يحاربون، للباحث اليهودي الأمريكي كنث بولاك، Kenneth M. Pollack ) (4)!

كما ان اختبار المرحوم علي مسعود لقيادة جيش التحرير كان قرارا جانبه الصواب لان الرجل رغم شجاعته و جلده و تفانيه و اقتناعه بالقضية التي يحارب من اجلها غير مستقر ذهنيا فقد عاني من نوبة ذهانية أثناء خدمته في احد جيوش الخليج و رجع به إلى عمان شيخ من شيوخ قبيلته قريبا له، كما ما كان ينبغي لقيادات الجبهة الأخرى الموافقة على هذه المغامرة التي كشفت عن سؤ تقدير واضح لدفاعات المدينة و قدرات سلاح جو سلطان عمان ( تم تغيير هذا الاسم لاحقا) في الأراضي المكشوفة و مهارة و بسالة القوات المشتركة المدافعة عن المدينة: قوات السلطان المسلحة و الفرق الوطنية و عسكر الوالي و رجال وحدة امن المدينة و حلفائهم القوات البريطانية الخاصة SAS : الاستهزاء بالعدو خطأ قاتل. و ذكر لي شاهد عيان من مقاتلي جيش التحرير الشعبي ان علي مسعود قاد الهجوم الثاني و أصيب إصابة قاتلة في احد شرايين رجله. قال و وجدته جالسا على صخرة يدخن لفافة تبغ و قد دلى رجليه في ضحضاح من ماء البحر بدأ يتلون بلون الدم. ألح عليه ان يحمله على ظهره أثناء انسحابهم لكن علي مسعود رفض بإصرار قائلا ألا ترى أني أموت! أنجو انت بنفسك.

و قولي في مقال سابق عن هذه المعركة أنها اكبر معركة في تاريخ حرب ظفار إنما نسبة إلى الثوار. فلم يشن جيش التحرير الشعبي قبل معركة مرباط و لا بعدها هجوما بهذا الحجم و هذه المدة. و إلا فقد شهدت حرب ظفار معارك اكبر من معركة مرباط فعلى سبيل المثال لا الحصر فان عملية جاجوار (أسد الجبل) أكتوبر 1971 التي تمخض عنها إنشاء مركزي جبجات و مدينة الحق شارك فيها ألف مقاتل من الجيش و فرقتين وطنيتين و ثمانون عسكريا بريطانيا و عديد بطاريات مدفعية سلطان عمان و كامل قاذفات سلاح جو سلطان عمان طراز سترايك ماستر ( تم تغيير هذا الاسم لاحقا إلى سلاح الجو السلطاني العماني). كما ان العملية الكبرى التي شنتها مجموعة القتال الامرابطورية الإيرانية IABG للاستيلاء على رخيوت و مرتفعاتها كانت اكبر معركة في الحرب حيث شارك فيها لواء مظليين معزز بعدد كبير من قطع المدفعية و مروحيات الابرار. و قد ذكر لي مقاتل سابق في جيش التحرير انه شاهد بأم عينية جدارا من نار أثناء التمهيد المدفعي قبل إبرار الجنود الإيرانيين على التلال و قمم الجبال المحيطة بالبلدة الساحلية الصغيرة (التي كانت تعد عاصمة المناطق المحررة). و يؤكد البريجادير (جون آكهرست) قائد لواء ظفار (سنتي 1974-1975) ان الإيرانيين اسقطوا في الدقيقة الأولى ألف قذيفة مدفعية ثقيلة على المواقع المستهدفة! و بعد انتهاء العملية التي تكبد فيها الإيرانيون خسائر بشرية غير متوقعة قاموا بإنشاء خط ديمافند Demavand Line ( نسبة إلى جبل قريب من ظهران) عززوه بنصف مليون لغم مضاد للبشر(5)! في الواقع كان القتال متقاربا إلى حد ان مقاتلة جبلية سلبت احد المظليين الإيرانيين سلاحه و لم تقتله. لكن هذه المعركة على ضخامتها لم تحفر نفسها في ذاكرة السكان. المعركة الأخرى التي حفرت نفسها في الذاكرة الجمعية هي معركة شرشتي الأولى، التي قد أتناولها في مقال لاحق، و التي كانت كارثة على القوات الحكومية و حلفائها البريطانيين.

ورد ذكر معركة مرباط في سبعة كتب و فيلمان وثائقيان و فيلم روائي واحد هو فيلم Killer Elite (نخبة القتلة) الذي صورته ستديوهات ينيفيرسال الأمريكية و تدور أحداثه بين عمان و بريطانيا حيث يتكرر ذكر عمان و مرباط و معركة مرباط. و يدعي الفيلم انه يستند إلى وقائع حقيقية و هو في الواقع يستند إلى كتاب السير رانولف فاينس المثير للجدل (رجال الريش) الذي يعد حاليا عملا من أعمال الخيال و ليس كتابا تاريخيا. و كان فاينس قد خدم في كتيبة مسقط كضابط معار لقوات السلطان المسلحة بين عامي 1968-1969 من حرب ظفار و نشر مذكراته عن هذه الخدمة في كتابه Where soldiers fear to tread ، (حيث يخشى الجنود من المسير). و قد أهداني نسخة من كتابه هذا أرسلها لي من بريطانيا اثر لقائنا في صلاله عندما أجريت معه مقابلة لتلفزيون سلطنة عمان عن بعثة استكشاف كان يرأسها و هي البعثة التي تمخض عنها الكشف عن موقع الشصر الأثري وبار الذي يقع على بعد 140 كيلومترا شمال مدينة صلاله. و حتى كتابه هذا لا يخلو من النقد فالحادثة الرئيسية فيه لا يوجد لها ذكر البتة في مذكرات قائد كتيبة مسقط في الفترة نفسها العقيد (بيتر تويت) التي عنوانها Muscat Command ، (قيادة كتيبة مسقط). فأن يقوم فصيل من الكتيبة بقيادة فاينس نفسه بنصب كمين على مقربة من ستين مقاتلا من مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير عمان و قتل قوميسار ( مرشد سياسي) رفيع المستوى و أن يغنم ما معه من أوراق يتبين لاحقا أنها ذات قيمة استخباراتية عالية أقول ما كان ذكر هذا ليفوت على العقيد تويت و هو قد ذكر ما دون ذلك من أحداث. لقراءة المزيد عن الفيلم و الكتاب المثيران للجدل الرجاء استخبار هذا الرابط: http://www.dailymail.co.uk/news/article-1295371. كما أني اعد مقالا ناقدا عن هذا الكتاب الذي أعتبره إهانة مستمرة للعمانيين خاصة العنصر الجبلي الظفاري فترقبوه. و للأسف فان الكتاب يدرس في الأكاديمية العسكرية الأمريكية West Point (وست بوينت) ضمن منهج الحرب المضادة لحرب العصابات!

الفيلمان الوثائقيان و خمسة من الكتب قارفت ما اسميه المبالغة عن طريق الحذف ، أي الإعلام عن معركة مرباط عن طريق التركيز فقط على دور حظيرة رجال القوات البريطانية الخاصة التسعة و حذف أي ذكر للدور الذي لعبه رجال كتيية جندرمة ظفار( 30 جنديا من البلوشستانيين غير العمانيين و العمانيين ) و عسكر حصن الوالي (25) و رجال قوات الفرقة الوطنية ( 50 ) و رجال وحدة امن المدينة (39 ) و القوات البريطانية التي إبرارها أثناء المعركة بالمروحيات (80 عنصرا من القوات البريطانية الخاصة)! أي ان مجموع القوات الحكومية و حلفائها البريطانيين الذين شاركوا في المعركة كانوا: 239 و ليس تسعة أي ان عدد المهاجمين و المدافعين متقارب في حين تفوق المدافعون على المهاجمين بطائرات سلاح الجو القاذفة التي شاغلت المهاجمين من الجو بالتتابع مدة الهجوم الذي استمر خمسة ساعات كاملة! لذلك ليس بمستغرب ان تدعي صفحة موسوعة ويكيبيديا بالانجليزية ان عدد المهاجمين كانوا 400 من الثوار و المدافعين كانوا تسعة بريطانيين أما الخسائر فكانت 80 قتيلا و نيف من الثوار و جريح و قتيلان من المدافعين! يا للمبالغة. الحق ان القوات الحكومية خسرت 26 قتيلا من بينهم اثنان من عناصر القوات البريطانية الخاصة عند متراس المدفع عيار 25 رطلا بجوار القلعة (البرج) كما أصيب بريطانيان بإصابات بالغة نقل احدهما بطائرة إخلاء طبي للعلاج في بريطانيا و عولج الآخر في المستشفى الميداني في قاعدة صلالة الجوية بعد فشل احد رئتيه جراء إصابتها برصاصة مباشرة. و نجا قائد التجريدة النقيب (كيلي) من موت محقق فقد تكمن من قتل أول ثائر يصل إلى جدار البرج لكن الثائر الذي خلفه ألقى على (كيلي) قنبلة يدوية وقعت إلى جواره في المتراس لكنها لم تنفجر! كما أصيب المدفعي العماني وليد خميس إصابة بالغة نجا منها. هذا المدفع يعرض حاليا في بريطانيا في متحف المدفعية الملكية في (وول وك). أما القوات المهاجمة فقد خسرت 29 قتيلا خلفت جثامينهم في ارض المعركة، كما خلف المهاجمون في ارض المعركة عتادا و ذخيرة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ* أهدي هذا المقال إلى شجاعة الطرفين العمانيين في معركة مرباط 19 يوليو 1972

(1) حاليا كتيبة جنوب عمان.

(2) وقع في الأسر 11 مقاتلا من جيش التحرير الشعبي اغلبهم جرحى جراحات تعيقهم عن المشي.

(3) تحتاج مهارة الرمي المدفعي الماما بالقراءة و الحساب و مصحح رمي في الخط الإمامي و هو ما افتقر إليه جيش التحرير الشعبي.

(4) لم تكن الهزيمة ناجمة عن نقص في بسالة الثوار أو ضعف في مهارتهم التكتيكية (بيد ان الجبهة بشهادة المراقبين نقصتها ستراتيجية عسكرية) فقد كانوا أفضل رجال حرب عصابات عرفهم العالم في تاريخه المعاصر و شهد بجلدهم و بشجاعتهم منقطعة النظير و ببراعتهم التكتيكية الأعداء (بما فيهم الضباط البريطانيين أنفسهم) قبل الأصدقاء. بل ان اللواء (كوران بوردون) الذي قاد قوات السلطان المسلحة فترة (1967-1970) (ضابط معار) كتب عنهم قائلا في مذكراته: ( إنهم رماة بارعون. و المهارة الميدانية لهذا العدو الجبلي لم أرى مثلها قط طوال خدمتي العسكرية كلها) كتاب List The Bugle، ص 192. و هي لعمري شهادة ذات وزن إذا أخذنا في الاعتبار ان الشاهد قاتل أثناء الحرب العالمية الثانية في صفوف الكوماندوز البريطاني و شارك في الغارة الشهيرة على الحوض الجاف التي تستعمله البحرية الألمانية في (سانت نيزير) على ساحل فرنسا و أصيب أثناء هذه الغارة الناجحة و وقع في أسر القوات الألمانية و منح نظير شجاعته، بعد تحريره من الأسر على يد قوة أمريكية، وسام الصليب العسكري MC )وسام الشجاعة الذي يقلده قائد رفيع في الجيش البريطاني و ليس الملكة، وسام الشجاعة الذي تقلده الملكة فقط هو الصليب الفكتوري VC ) كما انه قاد القوات البريطانية في حربها الناجحة في سرواك ( جزء من ماليزيا حاليا) ضد الثوار الماويين و قاد لاحقا، حتى تقاعده، القوات البريطانية في الشرق الأدنى. خسارة الجبهة الحرب لها عدة أسباب رئيسية ليس هنا موضع بسطها لكني قد ابسطها في مقال لاحق. لكن من نافلة القول ان أهمها: تولي صاحب الجلالة السلطان قابوس السلطنة و إطلاقه برنامجا ضخما للتنمية الاجتماعية و الاقتصادية و العاملان الآخران المهمان هما تبني الجبهة النظرية الماركسية نهجا فكريا (و هي عقيدة تتصادم مع الإسلام دين الشعب و تعاديه حيث يعتبر الماركسيون الدين أفيون الشعوب) و الإعدامات واسعة النطاق التي نفذتها بحق المواطنين.

(5) بلغت خسائر لواء المظليين الإيراني في الحرب : 105 قتيل، من بينهم طيار مقاتلة فانتوم -4 أسقطت فوق مدينة حوف الحدودية أثناء غارة جوية. سأعرج على هذه الغارات الجوية التي بدأت من أواخر ديسمبر 1975 حتى مارس 1976 في مقال لاحق كما وعدت. توقفت غارات سلطان عمان الجوي و سرب الطائرات الإيرانية داخل الأراضي اليمنية بعد عقد اتفاق لوقف إطلاق النار بين البلدين بواسطة سعودية.

الحادي والستون سياسة

عن الكاتب

محمد عبدالله العليان

إعلامي عماني و عضو الرابطة الدولية للكتاب العلميين ISWA