عن الرموز وأنظمة التابع والمتبوع في عمان

لاحظنا قدرة الرموز على تحريك الجماهير والزج بها في جهة تخدم جانب دون آخر كما حدث في أحداث الربيع العربي ، وكيف يتم القتل والدمار نتيجة لموقف الرمز الذي شابه في حالات عدة التواطئ مع السلطة والمصالح الشخصية . ورأينا ايضا الرموز وقدرتها على طمس أي بوادر للاختلاف داخل نطاق الجماعة أو المجتمع . بمجرد أن يعلن الرمز موقفه من الآخر، لا تلبث إلا أن تحتشد حوله غالبية الأتباع مؤيدة دون أي مراجعة لموقف الرمز .

لاحظنا قدرة الرموز على تحريك الجماهير والزج بها في جهة تخدم جانب دون آخر كما حدث في أحداث الربيع العربي ، وكيف يتم القتل والدمار نتيجة لموقف الرمز الذي شابه في حالات عدة التواطئ مع السلطة والمصالح الشخصية . ورأينا ايضا الرموز وقدرتها على طمس أي بوادر للاختلاف داخل نطاق الجماعة أو المجتمع . بمجرد أن يعلن الرمز موقفه من الآخر، لا تلبث إلا أن تحتشد حوله غالبية الأتباع مؤيدة دون أي مراجعة لموقف الرمز .

الذي لاحظ ملامح هذا الدور الذي لعبته الرموز في فترة الأحداث العربية الأخيرة ، والدور الذي تلعبه بشكل واضح إلى الآن في تفاعلات المجتمع المحلية ، يدرك أهمية تفكيك ظاهرة الرموز لتقييم موضعها ولتحديد موقف واضح تجاهها . خصوصا في ظل وجود المجتمع في مرحلة انتقالية لإعادة ضبط إطار التعايش فيه . هذا التفكيك لا يتم إلا ببحث ظروف نشأة أهم الرموز ومسار نموها في المجتمع ، وأيضا بدراسة خصائصها و الدور الذي تلعبه في مجالنا الاجتماعي . ولعل أهم سؤال يتعلق ببحث سبب استمرارية الرموز كظاهرة مؤثرة في مجتمعنا العماني ومجتمعاتنا العربية بشكل عام على عكس المجتمعات الغربية كمثال .

أهم عامل يمكن أن يعزى إليه نشأة الرموز واستمرارها في مجتمع دون آخر راجع إلى طبيعة إطار التعايش في المجتمع ، هل هو محكوم بنظام العلاقة مع الآخر أم بنظام فردانية الفرد واستقلاله . الفرد في المجتمعات الغربية ــ كمثال ــ مستقل يعيش مع راوبط ومحددات اجتماعية أقل بكثير عما هي عند العربي ، والأخلاق والنفعية هي ما تضبط علاقته مع الآخر ، على عكس الفرد العربي فهو محكوم بعلاقات تسير معظمها في أشكال هرمية ، من الأكبر إلى الأصغر أو من الرئيس للمرؤوس . والروابط الأجتماعية وتقاليد المجتمع هي من تضبط علاقته بغيره أكثر من أي شيء آخر . النتيجة تظهر في انتشار الطقوس الاجتماعية ومن ثم الرموز التي تظهر كنتيجة حتمية لظهور الطقوس و هيمنة العلاقة مع الآخر على حساب فردانية الفرد . تظهر بعدها الآثار السلبية لانتشار الرموز وقوتها والمتمثلة في عمليات الأدلجة ، انتشار اللاعقلنة ، امتلاك النفوذ للتأثير على الجماهير واستخدامها بما يتوافق وتوجهات الرموز . ولعل الخطر الأكبر يتمثل في اكتساب الرموز قوة غير مشروطة تذهب بالمجتمع لأن يكون أحادي التوجه يعمل على طمس بوادر الاختلاف داخل المجتمع .

في عمان ، للرموز وأنظمة التابع والمتبوع ثلاث حالات بارزة في تاريخنا المعاصر ، الحالة الأولى هي شيوخ القبائل ونظام القبيلة . عمان في ماضيها القريب كانت جغرافيتها البشرية منفصلة غير مترابطة ببناء مؤسسي يجمعها إلى بعضها . لذلك كانت كل قبيلة تحضى بمكان مستقل لصالحها يخضع لمسؤولية إدارتها . الفرد وسط هذا الوضع لم يكن يستطع الاستقلال عن الآخر لأسباب اقتصادية واجتماعية وكان في حاجة لوسيط بينه وبين أفراد القبيلة يضمن به مآربه الاجتماعية والاقتصادية . نشأت الرموز بناء على هذا الوضع لتغطية هذا الدور ، ومن ثم تعاظم نفوذها بعد أن ظهرت الطقوس الاجتماعية المهتمة بوجاهة القبيلة بين القبائل . شاعت الطقوس التي تعظم من الزعامات على حساب الفرد وغابت الفردية والتمايز الذي يعطي للفرد قيمته . وأصبحت الجماعة والرموز على رأسها ،هي غاية وجود القبيلة وفيها يتحدد كل معنى . معاناة الفرد ظهرت في التهميش لصالح ظهور الزعامات ، وأيضا في التضييق والاضطهاد الواقع على الفرد إن خالف الجماعة وأراد حريته الشخصية .

نقطة التحول في نظام القبيلة تم بالدور الذي لعبته الإدارة السياسية في عمان بعد 1970 . استطاعت الحكومة سحب النفوذ بطريقة سلمية على مدار سنوات ، تم ذلك بتوحيد البلاد تحت إدارة سياسية واحدة أولا ، ومن ثم أخذت في سحب الصلاحيات من رؤساء القبائل على مراحل وليس دفعة واحدة ، في البداية أبقت الدولة على صلاحية الرموز ووجاهتهم ، بل وغذتهم حتى تكسب ثقتها ، ثم بدأت في تقليل سلطتها وحصرتها في الوجاهة الشكلية مع بعض المهام البسيطة كاعتماد الصكوك والأوراق الحكومية المتعلقة بالميلاد والنسب . اليوم ومع تغيير الوضع الاقتصادي و هيمنة الدولة دون سواها، خرج الفرد من نظاق القبيلة وأصبحت الأجيال الشابة تكاد لا تعترف بأهمية وقيمة الشيوخ القبلية ووجاهتهم .

الحالة الثانية للرموز هي الرموز الدينية التي ظهرت بفعل مكانة الدين التاريخية للعماني أولا ، وأيضا نتيجة لحاجة الناس لمقومات معنوية وشخصيات ترسم لهم نظام علاقتهم بالله والآخرة . تعاظمت قوة واتساع فئة الرموز الدينية في التسعينات وبداية الألفية الجديدة ، ووصلت درجة من القوة أصبح المجتمع ينتظر من أهل التدين القانون الذي ينظم لهم حياتهم أكثر من السلطة في البلد . الطريقة التي أسست عليها الرموز الدينية قوتها كان بأن انبثقت عن الرموز الدينية الرئيسية رموز ثانوية وأخرى في مرتبة من الدرجة الثالثة والرابعة وهكذا . كل قرية تقريبا برزت فيها شخصيات ولربما جماعة تكون مسؤولة عن إدارة المحاضرات ومراكز الحركة في القرية بما فيها المدراس ، هذه الرموز الصغيرة على مستوى القرية كانت ترتبط برموز من درجة أعلى على مستوى المدينة أو المحافظة ، وهذه الرموز على مستوى المدينة او المحافظة ترتبط بالرموز التي تأتي في مقدمة هذا النظام . رموز وشخصيات بمثل هذا التنظيم والانتشار استطاعت أن تمتلك القوة لإدارة المجتمع اجتماعيا وثقافيا وفق درجة عالية .

نقطة التحول الأهم في عمر الجماعة ورموزها كانت في 2005 حينما شهدت معظم الرموز حملة من الاعتقالات المنظمة قامت بها الحكومة تحت حجة إفشال الانقلاب لإحياء الإمامة . بالرغم من وجود معلومات عن وجود عدد من الأفراد لهم نوايا إقامه الإمامة لكن ردة الفعل من قبل الحكومة كانت لها أهداف أكبر من هدف ردع العدد القليل الذي أراد حمل السلاح ، أهم الأهداف كان سحب البساط من تحت أقدام هذه الجماعة خصوصا بعد أن وصلت لمرحلة كبيرة من القوة تنافس قوة نفوذ الحكومة .
مع عدم تبريرنا لأي إفراط يمكن أن يكون قد حدث لهذه الفئة خلال فترة الاعتقالات ، إلا أن هذه العملية لها مفعول واضح في إعادة الأمور لزمام الدولة ومؤسساتها . ولها فضل إخراج الرموز الدينية من نفوذ الهيمنة على المجتمع إلى دائرة المشاركة حالها من حال بقية القوى الاجتماعية الأخرى . وفي هذا صالح عام يتمثل في أن لا تمتلك فئة قوة على حساب أخرى . أي دولة ذات نظام كانت ستعمد إلى نفس العملية أو عملية مشابه للحفاظ على هيمنة دولة المؤسسات فيها بما يحفظ لمختلف الفئات عدالة المشاركة المجتمعية وفق نفس المستوى.
الحالة الثالثة هي الرموز السياسية ، وقد تكون هي الأضعف من حيث درجة النفوذ الأيدولوجي على الشعب ، إذا ما قارنا الوضع بحالة الرموز الدينية وشيوخ القبائل ، والسبب في ذلك هو أن السلطان هو السياسي الأوحد الذي يكتسب خصائص الرمز . و رمزيته هي اعتراف بالجميل أكثر من أي شيء آخر .

الحادي والستون سياسة

عن الكاتب

محمد عبدالله الهنائي