بون شاسع بين واقع الحال وفكر القائد

كتب بواسطة حمد العلوي

برغم ما قاله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية بشجاعته المعهودة، من إن هناك شيء من الترهل أو عدم الكفاءة، قد أصاب أداء الجهاز التنفيذي للدولة، وهذا الاعتراف من شريك فاعل في داخل الحكومة نفسها، فهو كلام ينبغي عليه أن يحدث تغيراً في واقع الحال، فطالما شخّصت المشكلة توجّب عليك علاجها، وإلا شجع ذلك البعض على التمادي

برغم ما قاله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية بشجاعته المعهودة، من إن هناك شيء من الترهل أو عدم الكفاءة، قد أصاب أداء الجهاز التنفيذي للدولة، وهذا الاعتراف من شريك فاعل في داخل الحكومة نفسها، فهو كلام ينبغي عليه أن يحدث تغيراً في واقع الحال، فطالما شخّصت المشكلة توجّب عليك علاجها، وإلا شجع ذلك البعض على التمادي، ولكن ما يزال الوضع يراوح مكانه، والحالة أصبحت أشد قتامة ومرارة بمرور الأيام، والنهج بصورة عامة لا يواكب التوجه الذي أعلن عنه حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه – قبل خمس سنوات مضت، وذلك عندما ترأس افتتاح مجلس عُمان السنوي في مدينة صلالة أكتوبر عام 2010م، وقد أستخدم جلالته – أيده الله – بحكمته المعهودة رمزيتين مهمتّين وهما: (المكان والزمان) ليبشر عُمان قاطبة بانطلاقة جديدة، تتجاوز التأسيس إلى منهجية الدولة الحديثة، القائمة على قواعد قوية متينة، ومتصلة بالوجدان العُماني العميق.
ولكن الذي يؤسف له حقاً إننا اصطدمنا بواقع حال مختلف عن طموح فكر القائد، وإنما واقع يُحاكي واقع الحال المغادر، ألا وهو واقع التأسيس والتنشئة في الأربعين العام الماضية، وقد كان ذلك يؤدى بأشخاص يختلفون كثيراً من حيث القدرة والكفاءة والمهنية، وبصلابة تختلف عن صلابة جيل النهضة الذي وفر له كل شيء حتى الترف، فقد كان عزم أولئك الأوائل وقاداً وقمة عالية في الطموح والعطاء، وبذلك العزم الذي يشق الصعاب، ويتحدى صلد الجبال، شق قائد المسيرة الطريق برغم الصعوبات التي لا تعد ولا تحصى، وقد كان الإنجاز عظيماً، وكان العطاء بلا حدود ولا كلل أو ملل، فلم تقيدهم محدودية الإمكانيات المادية، أو تدني وفرة المستويات العلمية، وقد تم التغلب على بعض الأمور بالاستعانة بالخبرات الخارجية إلى حين.
إذن قد غُطِّي على ضعف المستويات العلمية، بالطاعة والانضباط والتفاني في العمل، وبالشجاعة وحب التضحية، والصدق والإخلاص والأمانة، ولم يشكو أحدهم من نقص الإمكانيات أو انعدام التقنيات كذريعة للتقاعس، فأبتعد الناس عن متاهات الاتكالية والأنانية البغيضة، والفردية وحب الذات، فلم تكن هناك منغصات للعمل الشريف.
ترى هل لنا بعد 45 عاماً من عمر النهضة العُمانية الحديثة الشاملة، أن يأتي لنا بقوم ممن نشأوا مع النهضة، وتغذوا على رحيقها، فيضعون فكر القائد نبراس لعملهم اليومي، ويُنشئون خططاً توصلهم برؤية واضحة إلى أهداف المستقبل؟ وهل لدينا من يستطيع أن يفهم الفكر النير الذي خطه جلالته – أعزه الله – كمنهاج واضح؟ وقد أكد على صوابه خلال الخمسة والأربعين عاماً مضت، فيضعه كخارطة طريق لعمله في وحدته أو مؤسسته التي أوكل إليه إدارتها، وذلك دون انتظار إلى التعليمات السامية التي دأب البعض على جعلها شماعته التي يتدارى ورائها ليخفي فشله.
إن خطب جلالته وأحاديثه السامية منذ توليه مقاليد الأمور عام 1970م، تحتاج اليوم إلى من يقف أمامها، وينظر إليها بفطنة العالم الباحث، فإنه سيجد في كل عبارة، بل في كل كلمة حكمة بالغة الأهمية، فلو كل مسؤول وكل موظف وكل عامل، استنبط حاجته من تلك التوجيهات في العمل، لما ظللنا إلى اليوم ندور في نفس النقطة دون تقدم، وكل واحد منا فاغر فاه، ينتظر التوجيهات السامية، وهي قد وصلته بل وتعدته بمراحل في الأمام، أكانت تلك التي أتت في الخطب السنوية، أو الأحاديث السامية أو في التعليمات التنفيذية، أو في المراسيم السلطانية، والقوانين السارية والنافذة، إن في ذلك إساءة تضر بسمعة البلاد، وتظهرها على أنها بلا تنظيم رسمي، فإن كنتم لا تعلمون فتلك مشكلة، وإن كنتم تعلمون فإنها مصيبة.
إن التخاذل والترهل الذي تتخبّط فيه السلطة التنفيذية اليوم، وحتى غير التنفيذية، إنما يكبِّل الوطن ببيروقراطية بغيضة منغصة ومعطلة لكل أساليب التقدم والرُّقي، ويضع الأمة أمام مخاطر لا يعلم بكنهها إلا الله عز وجل، والسؤال الواجب الطرح هنا هو: ألا نخجل من قائد الوطن الذي أفنى العمر يُعمر، ويُعلم ويُوجه، والنتيجة بعد 45 عاماً من عمر النهضة الشاملة، نجد إن السلطة تتخبط في الخلف مما أحدث فارق وتفاوت في التقدم عن الـ 20 عاماً الأولى، بينما نرى قائد النهضة يسير في المقدمة بفارق 25 عاماً، وهذا هو مجمل سني النهضة الحديثة، إذن بالفعل هناك بون شاسع، وفارق واسع بين الركب الواحد، وليس بوسعنا كمواطنين إلا القول: حفظ الله عُمان وسلطانها المبجل من كل سوء، وألهمنا جميعا الصبر على الانتظار.

الثالث والستون سياسة

عن الكاتب

حمد العلوي