جُرْعَة التحفيز

كتب بواسطة عيسى محمد سيف

أخبرني أولاً أنه في الثامنة من صباح يوم الأحد 25 أكتوبر ذهب إلى جماعة مُرشّح الشورى (ب) وسلّم عليهم وأخبرهم برغبته في اختيار مرشحهم كعضو للشورى ممثلا لولايتنا العريقة، وصرح لهم بلا كناية أو مجاز أنه سيحتاج “مُحفزاً” ليفعل ذلك!

التقيت بالصدفة المحضة صديقي القديم (م) فاستقبلني بروح مَرِحة و وجهٍ منبسط، ثم دعاني لعزيمة يقيمها على شرفه الخاص مساء اليوم، وهي رحلة برية دعا إليها الأصحاب والأصدقاء، سألته مستغرباً عن سبب هذا كله، فبادرني بابتسامة ماكرة تنم عن حيلة من حيله القديمة ثم جلسنا نسترجع ما فات، وكان أن حكى لي تفاصيل مغامرته الشيطانية في يوم التصويت لانتخابات الشورى.
(م) هذا شابٌ طائش بعض الشيء، تعود معرفتي به إلى الأيام الخوالي حين كنا نقعد على مقاعد متقاربة أيام الدراسة، وقد بقيت المودة بيننا حاضرةً رغم اختلافاتنا الكثيرة وقلة لقاءاتنا.
ما لا يسع جهله عن صاحبي (م) هو أنه يحسن استغلال الفرص حين تعترضه، فهو يقتنصها بمهارة و دونما تردد، وسترون بيان ما أقول.
أخبرني أولاً أنه في الثامنة من صباح يوم الأحد 25 أكتوبر ذهب إلى جماعة مُرشّح الشورى (ب) وسلّم عليهم وأخبرهم برغبته في اختيار مرشحهم كعضو للشورى ممثلا لولايتنا العريقة، وصرح لهم بلا كناية أو مجاز أنه سيحتاج “مُحفزاً” ليفعل ذلك!
رحّب الجماعة به و وعدوه بـ”محفّز” من فئة العشرين فذهب إلى اللجنة المجاورة و أدلى بصوته ثم عاد لهم و استلم “حقّه”، و ودّعهم بالشكر والامتنان.
في العاشرة من يوم التصويت – أي بعد ساعتين تماماً – يمّم وجهه صوب جماعة المُرشّح (ر) وهناك في مجلس الجماعة كان المكان نشيطاً مزدحماً كخلية النحل، حيث تجري المعاملات المشبوهة على قدمٍ وساق، لم يكن عليه أن يتعب ليأخذ “المُحفّز” هذه المرة، فقد أشار بيده إلى أحد أعوان المرشح “ر” واستقبله الأخير طالباً بطاقته الشخصية، وبعدما تأكد من أن لديه صلاحية التصويت.. أعطاه محفزاً من فئة الأربعين بعد أن أخذ وعده وكلمته بالتصويت لصالح مرشحه.
وبما أنه قد استنفد حقه في التصويت، وأنه “لا شرف بين اللصوص” أصلاً، فقد رجع في الثانية عشرة إلى منزله وأخذ قيلولة أراح فيها رأسه.
في الرابعة عصراً كان يقطع طريقه إلى اللجنة الثالثة، حيث توجه بسيارته إلى مواقف اللجنة وهناك كان أعوان المرشّح (س) في استقباله، وكما فعل مع سابقيه، شق طريقه إلى إحدى سيارات اللاند السوداء التي يتحلق حولها الشياطين الآخرون في لهفة وتعطُّشٍ إلى “جرعة التحفيز”، أخذوا بطاقته وأجروا عليها فحصاً سريعاً بالحاسوب ثم سجلوا اسمه وأخبروه بأن يصوّت ويعود ليستلم جائزته،
ذهب إلى اللجنة واستأذن الموظفين في استخدام دورة المياه، فتح هاتفه ليتفقد رسائل الواتس، ثم بعد مضي دقائق كان قد تسلّم محفّزه الذي بلغ الستين ريالاً، حيث إن قيمة المحفزات – كما شرح لي لاحقاً- ترتفع باقتراب غروب الشمس!
وبعد أن انتهى من رواية خبر مغامرته، قال لي: هل تذكر المثل القائل:
“ضربُ عصفورين بحجر واحد”؟
قلت: بلى..
قال: فهآنذا – يا صاحبي- قد ضربت ثلاثة عصافير “كبيرة” بحجر واحد!
ثم قهقه ضاحكاً وأكمل حديثه:
– المرة القادمة لن أصوت إلا عصراً، فقرب غروب الشمس ترتفع المحفزات!
سألته ولا أزال في دهشتي:
وماذا عن قوانين التصويت الصارمة التي أُعلن عنها في فضائيتنا وعلى الصحف والمواقع؟
ألم يقولوا بأن هذه الانتخابات ستكون خالية من كل شائبة تطعن في مصداقيتها ونزاهتها، وأن أعضاء الشورى هم رجال الوطن الصادقين وخير من يعبر عن صوت المواطنين؟
لقد رأيت بنفسي أن القانون وعد بمعاقبة من يتورط في رشوة أو تزوير بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات، وبغرامة من ألف إلى ثلاثة آلاف…!
ربتَ على كتفي، ونظر إلي بسخرية، ثم أخذ يضحك بصوت عالٍ، وصاح بي وهو يغادر:
“ألقاك الليلة، كن على الموعد”.

الخامس والستون سياسة

عن الكاتب

عيسى محمد سيف