الانتفاضة الفلسطينية الثالثة.. مؤشرات و دلالات

كتب بواسطة زهير قواس

اعتبر خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالأمم المتحدة في الثلاثين من أيلول الماضي في البعد السياسي أنه وثيقة إعلان نهاية لمرحلة أوسلو، وهو المطلب الذي أجمعت عليه معظم الفصائل الفلسطينية. ففي الأول من تشرين الثاني ( نوفمبر) بدأت الأحداث تتصاعد في الضفة المحتلة، حيث قتل في هذا اليوم مستوطنين إسرائيليين بهجوم نفذه فلسطينيون على سيارتهما قرب مستوطنه ( ايتمار) .

اعتبر خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالأمم المتحدة في الثلاثين من أيلول الماضي في البعد السياسي أنه وثيقة إعلان نهاية لمرحلة أوسلو، وهو المطلب الذي أجمعت عليه معظم الفصائل الفلسطينية. ففي الأول من تشرين الثاني ( نوفمبر) بدأت الأحداث تتصاعد في الضفة المحتلة، حيث قتل في هذا اليوم مستوطنين إسرائيليين بهجوم نفذه فلسطينيون على سيارتهما قرب مستوطنه ( ايتمار) .
وفي الثالث من تشرين الأول ( أكتوبر) قام الشاب مهند الحلبي في بلدة سردا الفلسطينية بطعن مستوطن يهودي في باب الأسباط بالقدس القديمة واستولى على سلاح كان معه، وأخذ يطلق النار في كل الاتجاهات، الأمر الذي أدى إلى إصابة أربعة من الصهاينة لتستقر الحصيلة على قتيلين وثلاثة مصابين بجروح متفاوتة، ومنذ ذلك التاريخ أخذ ينظر للأحداث الجارية ويجري التعامل معها تحت شعار”ثورة السكاكين”. وفي السابع من تشرين الأول ( أكتوبر ) قام عناصر من وحدة المستعربين باختطاف ثلاثة فلسطينين اثناء المواجهات الدائرة على مدخل مدينة البيرة الشمالي . بعد إطلاق النار عليهم من مسافة قريبة، الأمر الذي أدى الى تصعيد في الأحداث القائمة. حيث قتل في التاسع من تشرين الأول ( أكتوبر) ستة فلسطينيين في قطاع غزة أثناء مواجهات مع القوات الإسرائيلية شرق وجنوب القطاع، كما قتل في مدينه الخليل مواطن فلسطيني وأصيب (290) وفقا للهلال الأحمر الفلسطيني آنذاك.
وبطبيعة الحال لم تأت هذه الأحداث مصادفة، فمن جهة أشارت معلومات صحفية إلى التقرير الصادر عن وزارة الداخلية الإسرائيلية الذي حذرت فيه من استمرار حالة الجمود والشلل السياسي وتعطل استئناف المفاوضات الفلسطينية/ الاسرائيلية لبحث قضايا الوضع النهائي، واعتبرت ذات المعلومات الصحفية أن الادعاء الإسرائيلي بجمود ما يسمى “عملية السلام” ، سيكون هو السبب الرئيسي الذي سيؤدي الى تحويل هذه المواجهات الى انتفاضه شاملة، معتبرة بأن فكرة الترويج لمفاوضات اوسلو طوال عقدين سقطت في قمة كامب ديفيد منذ عام 2000، حيث أن العرض الإسرائيلي الذي قدم انذاك لم يتعد اقتراح قيام كيان فلسطيني ممزق ليبقى من الناحية الفعلية تحت السيطرة الإسرائيلية، وبالتالي القضاء على أية آمال أو أوهام بان المفاوضات في ظل موازين القوى القائمة ممكن أن تؤدي إلى إنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال للشعب الفلسطيني.
ورغم كل هذه المخاوف والتحذيرات من انهيار المفاوضات الثنائية بشكل مطلق، إلا أن فكرة استمرار المفاوضات ظلت قائمة على المستوى السياسي لأسباب عديدة منها خوف السلطة الفلسطينية من مواجهة جديدة مع الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى عجز القيادات الفلسطينية من وضع إستراتيجية متكاملة تسقط فعليا عملية التفاوض من حساباتها.
أسباب مباشرة
ولعل من بين أهم الأسباب المباشرة لاندلاع الانتفاضة الحالية هو استمرار الجانب الإسرائيلي وقيامه بالعديد من الخطوات الاستفزازية ضد الفلسطينيين، وبخاصة تجاه المسجد الأقصى، ففي شهر أيلول (سبتمبر) وتحديدا في التاسع منه، اصدر وزير الدفاع الاسرائيلي قرارا بحظر مصاطب العلم والرباط في الأقصى، وفي الرابع عشر م الشهر ذاته، اقتحم وزير الزراعة الإسرائيلي ” اوري أرئيل ” المسجد الأقصى وبرفقته أربعين إسرائيليا، كما اقتحمت وحدات خاصة وعناصر المستعربين باحات الأقصى بعد حادث الاقتحام بثلاثة أيام، حيث قام عشرات من شباب حزب الليكود ( الحاكم ) باقتحام المسجد الأقصى.
بجانب هذه الاعتداءات فقد صدر عن الجانب الإسرائيلي عدد من التصريحات السياسية التي عززت من الإحساس بغياب الثقة بل وانعدامها بين طرفي الصراع، وذلك بسبب اشتراط حكومة نتنياهو اعتراف الفلسطينيين بيهودية دولة إسرائيل، حيث انه منذ مطلع عام 2014 كانت المفاوضات متوقفة، وتوجهت السلطة الفلسطينية للانضمام لمحكمة الجنايات الدولية وانتزعت اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية في ظل رفض إسرائيلي، باعتبار أن التحرك وما نجم عنه جاء نتيجة تحرك أحادي. كما أن حكومة نتنياهو اليمينية استمرت بطرح عطاءات توسيع البناء في مستوطنات الضفة ألغربيه، ولم تستجب لطلب وشروط السلطة من اجل العودة إلى طاولة المفاوضات شريطة تجميد الاستيطان والإفراج عن الأسرى في السجون الإسرائيلية وتحديد زمن محدد لانهاء المفاوضات، حيث ساهمت هذه الأسباب مجتمعة، بالإضافة إلى تردي الوضع السياسي والاقتصادي في اندلاع الانتفاضة، التي وجدت قبولا وحماسا من جهة المواطنين الفلسطينيين، فبحسب استطلاع للرأي نشر في الضفة الغربية تبين ان 57% من الفلسطينين يدعمون اندلاع انتفاضه فلسطينيه مسلحة.
ويعتبر محمد عايش من صحيفة القدس العربي بأن “هذه الانتفاضة تحمل جملة من الدلالات المهمة التي يجب أن لا تغيب عن ذهن أي متابع، مبينا بأنها شعبية تأتي في ظروف استثنائية، ليس فقط في الأراضي الفلسطينية وإنما بالمنطقة العربية برمتها، وأبرز هذه الدلالات:
أولاً : تأتي هذه الهبة الشعبية الفلسطينية الجديدة متزامنة مع ما أسماه الكاتب بموجة التشاؤم و اليأس التي يشهدها العالم العربي، مبينا بأن الفلسطينيين لم يعودوا بانتظار التغيير في العالم العربي وأنهم يخوضوا معركتهم بأيديهم، وبان اليأس والقنوط السائد في العالم العربي لا يمكن أن ينسحب على الشعب الفلسطيني الذي يقارع الاحتلال منذ 67عاما.
ثانيا : الانتفاضة الفلسطينية الجديدة تمثل تصديا لمحاولة إسرائيل الاستفادة من الوضع العربي المتردي، حيث يعمل الإسرائيليون على التصعيد بالاستمرار في بناء المستوطنات والاعتداء على المسجد الأقصى، الأمر الذي يعني أن إسرائيل كانت تقرأ المشهد في المنطقة العربية على انه الفرصة التاريخية الاهم والاكبر من اجل الانقضاض على الأرض والإنسان في فلسطين، هذه القراءة تظهر الأحداث عدم صحتها لسبب أن الفلسطينيين قادرون على القول( لا ) رغم تردي أوضاعهم.
ثالثا : تؤكد الانتفاضة الفلسطينية اليوم أن الأجيال في فلسطين تتعب لكنها لا تموت، فجيل انتفاضة الحجارة تعب وتنحى جانبا، لكن سرعان ما صعد الجيل الثاني في انتفاضة عام 2000 ليأتي اليوم الجيل الجديد من الشباب الفلسطيني الذي يتصدى للاحتلال، وهو ما يعني أن القمع الإسرائيلي لا يمكن ان يجلب أمنا، ولا يمكن ان يكون حلا نهائيا لان فلسطين قد تتعب ولكنها لن تستسلم.
وفي فلسطين اليوم ثمة غليان غير مسبوق وثمة اعتداءات إسرائيلية تستهدف الإنسان والأرض والمقدسات، وأن إسرائيل تحاول استغلال حاله التردي في العالم العربي والانقسام الفلسطيني، و هو ما يعني اننا امام جيل فلسطيني جديد وأمام هبة جديدة، حيث لا احد يمكن أن يتوقع الى متى يمكن ان تستمر هذه الانتفاضة.”
وفي 21 تشرين أول (أكتوبر) ردت الفصائل الفلسطينية، على عمليات الإعدام التي ينفذها جيش الاحتلال ضد الشبان والفتية الفلسطينيين، وأكدت بان الرد الفلسطيني قادم، وذكر آنذاك مصدر في حركه الجهاد الاسلامي معقبا على إعدام الفتيان في مدينة الخليل، معتبرا ذلك جريمة تنفذ بدعم وحماية جيش الاحتلال الذي يحاول أن يزيف الحقائق بهدف التغطية على جرائمه، وأضاف المصدر في حركة الجهاد الاسلامي بان الرد على هذه الجريمة قادم، وأن شعب الشهداء والتضحيات لن يقبل أبدا ان تضيع دماء أبنائه هدرا، كما دعا الشعب الفلسطيني للتصدي لجيش الإرهاب الاستيطاني وتصعيد الانتفاضة، معتبرا الجريمة حلقة في مسلسل العدوان الإرهابي الذي يقوده نتنياهو، كما وصفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جريمة إعدام جنود الاحتلال الطفلين من عائلة الجعبري في مدينه الخليل بالجريمة البشعة، وبأنها تظهر فاشية وإجرام هذا الكيان.

تراجع الموقف الإسرائيلي :
من ناحية أخرى اضطرت إسرائيل التراجع عن تقديراتها السابقة، حيث أشارت تقديرات جيش الاحتلال في شهر أكتوبر وجهاز مخابراتها ( الشاباك ) إلى أن الأحداث ستستمر لبعض الوقت، حيث بدأ يتحدث عن إمكانية استمرارها لعدة شهور، الأمر الذي دفع برئيس الاركان لجيش الاحتلال الإسرائيلي لوضع خطة عسكريه تقوم على اساس استدعاء آلاف جنود الاحتياط، لإفساح المجال أمام وحدات الجيش النظامية لتنخرط في تدريب مكثف لمواجهة أية حرب محتملة في المستقبل .
كما اعترف موقع (واللاه) الإسرائيلي بأن شرطه الاحتلال اعتقلت خلال الأسابيع الماضية 80 فلسطينيا بتهمة نشر منشورات ضد اليهود، وبأن هذه الاعتقالات تمت نتيجه لتوجهات وحدة( السايبر) الشرطية التي تتابع التحريض المزعوم من قبل الفلسطينيين على اليهود بالتعاون مع جهاز المخابرات (الشاباك)، فلقد ذكر المحامي الفلسطيني محمد المحاميد لموقع (واللاه ) بأن تسعة قرارات بالاعتقال الإداري صدرت في الأيام الأخيرة بسبب منشورات الفيس بوك، الأمر الذي دفع الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال فرع فلسطين لاعلان استعدادها للدفاع القانوني عن الاطفال المعتقلين لدى الاحتلال بدون مقابل، حيث أعلنت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في فلسطين عن استعدادها التام للدفاع القانوني عن المعتقلين الأطفال دون الثامنة عشرة عاما سواء أمام المحاكم العسكرية أو المدنية الاسرائيلية دوم مقابل، ودعت الحركة أهالي الاطفال المعتقلين الى التواصل معها باسرع وقت للحصول على معلومات موثقة للبدء بإجراءات الدفاع عنهم .
ومما يجدر ذكره بان الانتفاضة مع دخولها الأسبوع الثالث فلقد بدأت الأوساط الصهيونيه بالاعتراف بحجم الخسائر المادية التي يتكبدها الاحتلال، فلقد ذكرت صحيفة (مكورريشون) في الثامن عشر من تشرين أول (أكتوبر) بان هذه الخسائر ستبلغ خلال شهر واحد من الانتفاضه ما يقارب (5) مليار شيكل من الدخل القومي، وغالبيتها ستكون من قطاع السياحة الذي تلقى ضربة قاسية في القدس المحتلة مع انخفاض الحجوزات الفندقية بنسبة وصلت إلى 50% منذ بدايه شهر تشرين أول الحالي.

واعتبرت الصحيفة بأن ثمن عمليات الطعن و الدهس واطلاق النار قد يوصل الخسائر الصهيونيه الى 10.5 مليار شيكل إذا ما استمرت الانتفاضة الحالية خلال الشهرين القادمين، الأمر الذي يهدد بادخال الاقتصاد الاسرئيلي بفترة ركود على خلفية الوضع الأمني المتدهور.

السادس والستون سياسة

عن الكاتب

زهير قواس