مسرحية كأسك يا سقراط
المشهد الأول
عبد الرزاق الربيعي
{ يمتلئ المسرح بمجموعة من الكؤوس الكبيرة
وفي وسطها كأس يجلس فيه(سقراط) بعد فتح
الستار يخرج من كل كأس ممثل }
الكأس 1 : ابتدأ الليل
بقتل الإنسان
أخاه الإنسان
أمام عيون الغربان
الكأس 2 : وعلى مر فصول التاريخ
الكأس 3 : ظلّ الجوهر
لم يتغير
الكأس 4 : وتبدلت الأشكال
الكأس 5 : واليوم
تسيل دماء الشمس
على إسفلت الظلمات
بكل مكان
الكأس 6 : فيا سقراط
الوجع المصلوب
على جدران(أثينا) كأسك
الكأس 7 : في البال سؤال
الكأس 8 : كيف غدا الباطل
في ثوب الحق ؟
الكأس 9 : وكيف غدا الحق
يسير بثوب الباطل ؟
المجموعة: أنبئنا بالعلة يا سقراط
أتينا نحضر هذي الليلة عرسك
يا مبتدأ الوجع المتمرد كأسك
إذ حامت حولك شتى الشبهات
علا صوتك في الطرقات الملغومة
سقراط : أعرف نفسك
المجموعة: أنبئنا بالعلة يا سقراط
سقراط : لو كنت
كسائر آثام الليل
لما دار الحبل
على أوداج صلاتي
ما دلقوا في الرمل دواتي
ما أخبرتم عني
لكني….
لا ادري شيئا ًآخر
غير بأني لا أدري
هذا سرّي
المجموعة: كيف غدا الباطل
في ثوب الحق ؟
وكيف غدا الحق
يسير بثوب الباطل ؟
وضح للملأ الآتي
من أقصى
أحزان الكرة الأرضية
ما يجري
أنبئنا بالعلة يا سقراط
أنبئنا بالعلة يا سقراط
{ يدخل أوطيفرون }
أوطيفرون: حين مضى (شريفون)
إلى معبد (دلفي)
يسأل راعية الأحلام
المجموعة: أيوجد أحكم من (سقراط) ؟
أوطيفرون: أجابت :
{ تطل امرأة عجوز من أعلى المسرح}
العرافة : لا يوجد
من تعلو حكمته
حكمة هذا الرجل العارف
كل الأشياء
{تختفي}
سقراط : ما أطيب قلبك يا (أوطيفرون)
فلست سوى
حرف يتهجّى نفسه
ولذاك مضيت
أفتش عن رجل أحكم مني
فأنا لا أدري إلا أني لا أدري
فقصدت إلى الساسة
{يدق أحد الكؤوس}
حاولت أحاورهم
لكن كلا ًمنهم مشغول
بمصالحه الشخصية
أظهرت لهم
ما فيهم من جهل وغباء
انصرفوا عني
واستعرت
في الأفئدة الموبوءة
نيران الغيظ
ذهبت إلى الشعراء
{يكرر نفس الحركة السابقة}
وجدتهم
يلتصقون بأذيال السادة
يسعون وراء
فتات موائدهم
أما الخطباء
{ نفس الحركة}
فقد باعوا
أطباق بلاغتهم للميسورين…..
غدوا خدما ً وعبيدا ً
لذوي المال
ولذا فندت مبادئهم
فمضوا
يدعون الناس إلى شتمي
المجموعة: الموت لسقراط…..
الموت……………!
سقراط : وجاءتني في الرؤيا
امرأة بثياب بيض
قالت لي :
{تطلع امرأة من أحد الكؤوس}
المرأة : ستغيب عن الدنيا
في اليوم التالي
لوصول سفينة (ديلوس)
{صوت سفينة …. تختفي}
أوطيفرون : سفينة (ديلوس) ؟
المجموعة1: يروى في (أثينا)
المجموعة2: في يوم ما
أبحر(تسيوس)
على متن سفينته
وبرفقته أصحاب نحو(أقريطش)
المجموعة1: ولكن كادت عاصفة
أن تغرق أحلام العودة
ولذا نذروا لـ(أبولو)
ليحجنّ إلى (دلفي)
إن عادوا بسلام
في كل سنة
المجموعة2: وغدا ذلك تقليدا ً
واعتبروا فترة رحلتها
من لحظة تكليل الكاهن
حتى العودة
أياما ً حُرما ً
المجموعة1: لا يقتل فيها أحد الناس
وترجأ أحكام الإعدام
لحين وصول سفينة ديلوس
إلى ميناء (أثينا)
سقراط : هذا يعني أني سأعيش
إذا ظلت مبحرة ً
المجموعة : أنبئنا بالعلة يا سقراط
أنبئنا بالعلة يا سقراط
سقراط : رجعت إلى راعية المعبد
أخبرها محزونا ً:
لا يوجد
فجرت ألسنة الناس
على تسميتي
بـ(حكيم أثينا)
ولذا نسجت طائفة
من أسوأ خلق الله
دعاوى باطلة
المجموعة: حان الوقت ..لقد حان
لتنام بأحضان البركان
{ ظلام }
{ سقراط يقف أمام سبورة يتجمع حوله تلاميذ }
سقراط : هيا …هيا يا صبيان
أبيع الحكمة بالمجان
تلميذ 1 : قال الشاعر
حيث يكون الخوف
يكون التقديس
فهل لي أن أعرف
إن كنت توافقه ؟
سقراط : لست أوافق هذا الشاعر
إذ أنّا نخشى الفقر
ولسنا من خشيتنا إياه نقدسه
التلميذ 2 : كيف ترى ذلك ؟
سقراط : حيث يكون التقديس
يكون الخوف
التلميذ 3 : ألست تخاف الناس ؟
سقراط : أؤثر موتا ً
حيث أشاء أنا
عن أن أحيا
حيث يشاءون
{ تدخل زوجة (سقراط) مع أطفالها الثلاثة}
الزوجة : شيخ مجنون
سقراط :ها أنت إذن
ماذا تبغين ؟
الزوجة : أريد طعاما ً وكساء
فلديّ عيال
سقراط : الحكمة لا تشرى بالمال
لهذا أعطي لتلاميذ العلم
دروسي بالمجان
{ الزوجة ترميه بالماء }
الزوجة : يا شيخا ًيهذر
أطفالي التهموا طبق الجوع
وأنت تثرثر
{ تذهب }
سقراط(لتلاميذه): امرأتي مثل سماء العالم
تبرق .. ترعد .. تمطر
تلميذ : هل تنصحني
أن أتزوج لمّا أكبر ؟
سقراط : خذ مني
إن اخترت امرأة طيبة
عشت سعيدا ً
وإذا اخترت شريكة عمر
مثل امرأتي
صرت حكيما ً
{ يضحكون .صوت جرس..يخرج التلاميذ…}
{ ظلام}
{ سقراط مع أطيفرون مع بعض أهالي أثينا }
سقراط : قد أنفى وأشرّد
قد أُصلب يوما ً وأجرّد
من كل حقوقي المدنية
لكن ما أن ينزل بي
حكم الموت
سينزل في جلادي
أقسى وأشد
أطيفرون : يا سقراط
رأى أهل (أثينا)
فيك الرفعة
ولذاك يكنّون لك الحب
سقراط : أهل (أثينا) ؟
أهل أثينا يا(أوطيفرون) قطيع
يحكمه عباد المال
لصوص
ومرابون
{يغادر المكان بعض أهل أثينا متذمرين}
أطيفرون : عهدي بك هادي النفس
سقراط : عفوك ..عفوك
أحنقني
مخلوق تتدلّى ضحكته المسمومة
من منقار غراب أفـّاق
راح يقاضيني
أطيفرون : وبأية تهمة ؟
سقراط : بالإلحاد
أطيفرون : حقراء …. أوغاد
الكفر بآلهة (أثينا)
يعني الموت
سقراط : آلهة أثينا !!
لم أكفر بقداستها
لكن أدعو لإله واحد
ثيوغنيس : ما شأنك يا (سقراط)
بقدسيتها
أتركها هادئة البال
سقراط : عجيب قولك هذا يا (ثيوغنيس)
أآلهة (أثينا) هادئة
تحيا دون قتال ؟
ثيوغنيس : ماذا تعني يا سقراط ؟
سقراط : ألم تأمر(فينوس)(كيوبد) بالقتل؟
{ظلام … بقعة ضوء على جانب المسرح}
كيوبد : أفديك بروحي يا أمي
ماذا تبغين ؟
فينوس : أريدك أن تقتل (سيكه)
كيوبد : من؟
أقتل (سيكه)
محبوبة قلبي الحلوة ؟
فينوس : أقتلها يا ولدي
فلقد ضاهت أمك حسنا ً
كيوبد : لكني ……..
فينوس : هل تعصي أمري ؟
كيوبد : كيف لسهمي
أن يدخل قلب مليكة روحي ؟
فينوس : قلت أقتلها
أقتلها
أقتلها
{ظلام…صرخة..}
{ يعود الضوء إلى سقراط وثيوغنيس}
سقراط : و(أبولو)
أنجب (فيتون) الطائش
والأرعن
إذ أغرق مركبه (جوبيتير)
ثيوغنيس : يكفي …هذا يكفي
سقراط : و(بلوتو)
ظل وحيدا ً
في مملكة الموت
بلا امرأة
فاختطف(بروزربين)
ابنة(سيريس) إله القمح
ثيوغنيس : لا تشتم أكثر
سقراط : و(كروتس)
ألم يقتل والده ؟
ثم مضى يبلع أبناءه
فور ولادتهم
ثيوغنيس : لكن (زيوس) نجا
سقراط : بدهاء الأم
إذ ابتكرت حيلة
{ظلام….}
{يسلط الضوء على بقعة-أم زيوس مع الخادمة}
أم زيوس : ما أجمل ضحكته !!
عينيه الحالمتين !!
أصابعه !!
الخادمة : لكن (كروتس)
سيطرق باب المائدة المنتظرة
أم زيوس : لن أسلمه(لكروتس)
فهذا الطفل
يعز على الموت الوحشي
الخادمة : لن يعدل
عن هذا الأمر بتاتا ً
أم زيوس : سأحاول خدعته
الخادمة : كيف ؟
أم زيوس : لقد هيّأت من الطين
شبيها ً بالطفل
سأستبدله
وألـّف ثياب (زيوس) عليه
الخادمة : وفم (كروتس) ؟
أم زيوس : سيبلع طينا ً ملفوفا ً بقماط
والآن ….
خذي الطفل….
انصرفي
أسمع وقع خطى (كروتس)
{صوت سفينة … ظلام…. يعود سقراط}
سقراط : وفي طروادة
أذكت آلهة (أثينا)
روح التقتيل
إذ انقسمت قسمين
يناصر كل جمعا ً
أية آلهة هذي ؟
{فرجيل من بين الحضور}
فرجيل : لا تجسر أكثر من هذا
واحبس في شفتيك لسانك
أصمت يا سقراط
وإلا حطمنا
في أعقاب قناني البيرة
أسنانك
{يهجم على (سقراط)…يهجم الآخرون عليه}
{أصوات سيارات نجدة …صوت سفينة…..}
{تدخل مجموعة من رجال الشرطة}
الضابط(لسقراط): هل تسمح لي ببطاقتك الشخصية ؟
سقراط : اتركني يا شرطي وشأني
ماذا تبغي مني ؟
{ يخرج الضابط بطاقته}
الضابط : ضابط أمن الموقع
منذ الفجر خرجنا في دورية
نبحث عنك بكل مكان
فتشنا في بيتك
عن صوتك
عن وجهك
ما بين الحيطان
سقراط : عرفتم بيتي ؟
الضابط : أرشدنا أحد الجيران
سقراط : وبعثرتم أوراقي ؟
الضابط : إجراءات روتينية
فلقد أُبلغنا
أنك في البيت تخبئ
منشورات سرية
سقراط : والآن لقد خاب المسعى
اتركني لتلاميذي
الضابط : أحمل أمرا ً رسميا ً
بالقبض عليك
فلقد رفع المدعو (ميلتوس)
عليك قضية
المجموعة : قرأت في كتابي
الموت في أعقابي
ولا مناص منه…..
لا مناص
فعجّلي غيابي
لله يا سفينة الخلاص
{ظــــــــــــــــــــــــــلام}