البعض يأتي إلى هذه الحياة ويغادرها بسرعة، الامتداد بين لحظة القدوم إلى الحياة ومغادرتها يكون قصيرا. المثير أن هذا الامتداد على قصره يكون أحيانا غنيا ومفعما بالحياة، على نحو يفوق بكثير ممن قدر لتجربتهم أن تعمّر أضعاف هذا المدى المختصر والكثيف، فالتجربة بغناها وعمقها وليس بامتدادها أفقيا.
هذه الكثافة في التجربة المختصرة القصيرة نجد لها مثالا ونموذجا في سيرة سعيد الراشدي الذي توفي وعمره نيف وعشرين عاما، ورغم قصر الرحلة في هذه الفانية، إلا أن تجربة سعيد تعد من التجارب الإنسانية المفعمة بالحياة، الأدبية والقيمية الرفيعة.
في زمانه لم يكن الراشدي مغمورا أو شخصية غير معروفة، بل كان ورغم صغر سنه يعد من أفاضل عُمان ومن المقدمين في المذهب لصفاته ومزاياه البديعة، على المستويين الأدبي والخلقي. وصفه ابن بشير السالمي في كتابه “نهضة الأعيان بحرية عمان” قائلا: كان مسارعا إلى الخيرات، معروفا بالسكينة والوقار، تاركا لحظوظ النفس، ومتصفا بالكمالات الإنسانية، مجدا في تحصيل العلم النافع وفي الاستفادة والإفادة منه.
أتقن نظم الشعر وتفنن بهذا المجال، وكان ينهج في قصائده أسلوبا معرفيا تربويا، حيث يعمد إلى مسألة معرفية تكون مثار جدل وخلاف بين الناس، فينظم حولها قصيدته ويضمنها رأيه وموقفه الشخصي من هذه المسألة كما هو الحال في منظومتيه، إحداها في الرد على من يدعي بقدم القرآن الكريم، والثانية في الحث على الجهاد.
أصيب بمرض الجدري وهو ببندر “ميناء” مطرح مستعدا ومتهيئا للحج، فمات بمرضه ودفن بمطرح وتحديدا بمنطقة العريانة.