حوار هادئ مع الكاتب عبد الله حبيب

كتب بواسطة عبدالله العليان

 

 

 

 

قرأت مع الجميع، ما قاله الكاتب العماني/ عبد الله حبيب في الأسبوع الماضي، حيث استعاد التاريخ فيما أسماه بـ (القضية الظفارية/ العمانية)، التي مرت عليها عقود طويلة، وأصبحت تاريخاً تظهر عنها الكتب بين الفينة والأخرى، لكنني وجدت أن البعض توسع في القراءة لما قاله الكاتب وزاد التحليل ، وكأن ما قاله الكاتب حقيقة مسلّم بصحته كله، لكنني أختلف مع الأخ عبد الله في الكثير من الوقائع التاريخية، وأتمنى له الحرية قريباً، لنتناقش معه في أقواله ونبرز له ما نراه صحيحاً في ماضي هذا التاريخ:

 

أولاً: ليس صحيحاً أن ثورة ظفار أو جبهة تحرير ظفار كانت انفصالية، والدليل أن قيادات هذه الجبهة، كانوا أول المباركين والمؤيدين لحركة التغيير الذي قام بها جلالة السلطان قابوس في عُمان، وتوليه مقاليد الحكم، وعشت بنفسي هذه الأحداث وشاهدت الوجوه التي عادت بعد أسابيع من التغيير، وهذا التغيير هو الذي وحدّ عُمان من الشمال إلى الجنوب، وأتذكر ممن عادوا وباركوا التغيير، الشيخ مسلم بن نفل الكثيري، ومعالي بوسف بن علوي بن عبد الله، وعشرات القيادات من جبهة التحرير في الخارج ،ولو كان النظرة الانفصالية عند هؤلاء لما أيدوّ هذا التغيير..

 

ثانياً: لم يغب اسم عمان عن جبهة تحرير ظفار، سواء قبل تأسيسها، أو في بيان إعلان الثورة في 9 يونيو 1965، وورد في هذا البيان فقرة (أهداف الثورة في عُمان). وقبل التحركات لقيام هذه الثورة في بعض دول الخليج أيضاً ،كانت لقيادات الجبهة اجتماعات مع قيادات الإمامة في الدمام، وقدمت لهم المساعدات والتأييد، واعتبرت الإمامة أن الثورة في ظفار، تلتقي مع هدفهم في إسقاط نظام السلطان سعيد بن تيمور، وهذا يعني أن مقولة النظرة الانفصالية غير واردة عند جبهة تحرير ظفار، ولم تكن دقيقة.

 

ثالثاُ: أشار الكاتب عبد الله حبيب إلى التحالفات الثلاثة التي ضمت جبهة التحرير ـ ويقصد (الجمعية الخيرية، وتنظيم القوميين العرب، والجنود الظفاريين) ـ وهذا التسمية ليست دقيقة، لأن جبهة تحرير ظفار قومية ناصرية، وبياناتها تؤكد توجهها القومي الناصري، وهذا ما تؤكده الكثير من الرسائل العلمية والبحثية، ففي كتاب ( تأثير الفكر الناصري على الخليج العربي)..مركز دراسات الوحدة العربية، يرى المؤلف [ نور الدين بن الحبيب حجلاوي] ، إن ” في ثنايا بيان ـ جبهة تحرير ظفار ـ فكر عبد الناصر، بل حتى عباراته، وهذا فإن البيان يعكس بوضوح لا لبس فيه فكر الجبهة العروبي القومي” [ص 310،309]. وآخر الكتب الذي يؤكد الفكر القومي الناصري لجبهة التحرير ظفار، كتاب ( جمال عبد الناصر والحركات السياسية في عمان) صدر في 2016 للمؤلفة رنا بنت حمدان الضويانية، وهى ابنة القيادي المعروف في الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي، حمدان بن سيف الضوياني، الملقب بـ (خلفان الشمج)، وتقول الكاتبة (ص195) إن “بيان 9 يونيو 1965، كان متشّبعاً بالفكر العربي القومي”. وهذا يعني أن وصف الرجعية بجبهة التحرير حسب ما هو معروف عن الفكر القومي العربي، لا يتوافق مع هذا الوصف، إلا إذا كان الفكر اليساري المتطرف كما عرف عنه أنه كان ينعت الناصرية بالرجعية، وعبد الناصر بالبرجوازي الصغير!.

 

رابعاً: قامت الثورة في ظفار ليس من أجل الانفصال، بل قامت من أجل رفع المعاناة والعيش الكريم لسكان ظفار، حيث كان التخلف والجهل والمرض يعشش في كل مناطق ظفار، واضطر البعض للهروب عبر البحر للعمل في دول الخليج العربي، وكلنا نعرف عشرات من شباب ظفار ، غرقوا في البحر من أجل العيش الكريم، ومن أجل التعليم والحياة الكريمة غير المتوفرة في ظفار.

 

خامساً : قال الكاتب عبد الله حبيب، (كيف تم القفز على “عمان” الاسم الجديد للجبهة) ويقصد بعد مؤتمر حمرين 1968، والواقع أن تغيير الاسم لم يأت من القيادات الظفارية، وهى الأكثر عددا في قيادة الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل، إذ بينها كما هو معروف قيادات من بعض دول الخليج، لكن التسمية والتغيير، جاء من القيادة الأم من  فرع حركة القوميين العرب في الكويت كما يرى البعض، لذلك التسمية كانت أوسع من عمان وظفار على وجه الأخص، والجبهة الشعبية محكومة بفكر الحركة على المستوى الأوسع، ولذلك كانت هذه التسمية، والتي جرّت الكثير من المعاناة على العمانيين الذين يعلمون في دول الخليج والقصة معروفة للجميع.

 

سادساً: في قضية إقصاء اسم جبهة تحرير ظفار، الذي لم يأت من فراغ، فإن قيادة تنظيم القوميين العرب في الجبهة ، وهى أحد الأفرع الثلاثة لثورة ظفار، قد أتاحت لها الفرصة ،بعد اعتقال أكثر من  50 من أعضاء جبهة التحرير، والقبض على قيادات منهم في السفينة القادمة بأسلحة من العراق إلى ظفار، في أن تسيطر على قيادة الثورة، وخروج البعض من جبهة التحرير بعد تبني النظرية الماركسية/ اللينينية، بعدها جاء التواصل والتنسيق مع (الجبهة الوطنية الديمقراطية لتحرير عمان)، وهذا التنسيق، جاء بعد الاندماج، ولذلك العمليات التي تمت في شمال عمان كان بعد قيام الجبهة الشعبية، وليس جبهة تحرير ظفار.

 

للأسف ما قاله الكاتب عبد الله حبيب، ليس دقيقاً، لأن اختيار ظفار للعمل المسلّح سواء من القيادات العمانية أو الخليجية، ثم فكرة الدمج ورغبة الجبهة الوطنية الديمقراطية أيضاً في ذلك، كان بسبب الطبيعة الجبلية في ظفار، والصالحة لحرب العصابات، وعبارة ( جبر خاطر) ـ كما قال ـ لهذا الدمج، أعتقد ليس دقيقاً، لكن بعد الأخطاء الكبيرة للجبهة الشعبية في استراتيجيتها في تبني النظرية الماركسية، واستقطاب جلالة السلطان قابوس لمئات المقاتلين في الثورة بعد التغيير في عمان، دفع البعض إلى أن يرمي بالأخطاء على الآخر، لكن ما تحقق بعد التغيير، هو المطلب للثورة ،وهذا هو مربط الفرس.

 

 

 

السبعون سياسة

عن الكاتب

عبدالله العليان