أمة في رجل
زاهر بن حارث المحروقي
” 1 ”
قليل من الرجال يمكن أن يوصفوا بأنهم أمة، وقليل هم الرجال الذين يعيشون أكثر من أعمارهم, فكم من إنسان يعيش و إن مات و كم من إنسان ميت وهو بين الأحياء, ومن خط لنفسه طريقا لخدمة الله ولدينه وصل بإذن الله تعالى إلى مرتبة يحس فيها الشخص أنه يعيش في الجنة وهو لا يزال في الدنيا – كما أشار إلى ذلك الشيخ عبد الرحمن حمود السميط رئيس لجنة العون المباشر في محاضرته القيمة التي ألقاها في جامع الإمام الجيطالي بولاية السيب – ، وفي حقيقة الأمر فإن فضيلة الشيخ عبد الرحمن السميط نفسه من هؤلاء القلة التي تنطبق عليهم أوصاف أمة، فمن هو هذا الرجل ؟
” 2 ”
قبل أن يصبح أحد فرسان العمل الخيري، كان طبيبا متخصصا في الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي في مستشفى الصباح أشهر مستشفيات الكويت، ولكنه آثر أن يترك عمله الطبي طواعية، ليجسد مشروعا خيريا رائدا في مواجهة غول الفقر وخطر التنصير في القارة الأفريقية، واستقطب معه فريقا من المخلصين الذين انخرطوا في تدشين هذا المشروع الإنساني، الذي تتمثل معالمه في مداواة المرضى وتضميد جراح المنكوبين ومواساة الفقراء والمحتاجين والمسح على رأس اليتيم وإطعام الجائعين وإغاثة الملهوفين، ولقد تركز جل نشاط الشيخ السميط من خلال لجنة مسلمي أفريقيا بعد أن وضعت أجندة خيرية تنطلق في مسارات عدة منها: من أجل أن تمسح دمعة يتيم مسلم ورعاية قرية مسلمة تعليميا أو صحيا أو اجتماعيا، وحفرأو صيانة بئر مياه للشرب، وبناء وصيانة مدارس، ورعاية الآلاف من المتشردين، ومواجهة الخطر التنصيري الزاحف
وكان اهتمامه بأفريقيا بعد أن أكدت دراسات ميدانية للجنة مسلمي أفريقيا التي تسمى الآن لجنة العون المباشرأن ملايين المسلمين في القارة السوداء لا يعرفون عن الإسلام إلا خرافات وأساطير لا أساس لها من الصحة، وبالتالي فغالبيتهم – خاصة أطفالهم في المدارس- عرضة لخطر التنصير، وقد نتج عن ذلك أن عشرات الآلاف في تنزانيا وملاوي ومدغشقر وجنوب السودان وكينيا والنيجر وغيرها من الدول الأفريقية صاروا ينتسبون إلى النصرانية بينما آباؤهم وأمهاتهم من المسلمين ، ولكن كيف بدأ اهتمام الشيخ عبد الرحمن السميط بأفريقيا ؟
يجيب على هذا السؤال الشيخ نفسه في محاضرتين ألقاهما في جامع الجيطالي وفي الدرج الروماني بجامعة السلطان قابوس أنه حين عاد إلى الكويت في أعقاب استكمال دراساته العليا، حيث كان مسكونا بطاقة خيرية هائلة أراد تفجيرها فذهب إلى وزارة الأوقاف وعرض على المسئولين رغبته في التطوع للمشاركة في الأعمال الخيرية، غير أن البيروقراطية الرسمية كادت أن تحبطه وتقتل حماسه، لكن الله شاء أن تتبرع إحدى المحسنات الكويتيات لبناء مسجد فسلمته المبالغ واقترح عليها أن يبنى المسجد في أفريقيا لأن الكويت لا تحتاج إلى مساجد فقالت له المبلغ معك وتصرف به كيف وأين تشاء ، وهنا كانت البداية إذ سافر إلى ملاوي، فإذا به يجد أن الجهل منتشر بين المسلمين وأن أئمة المساجد لا يحسنون قراءة الفاتحة ، بينما الآخرون يعملون منكرات في المساجد ظانين أن ذلك من الدين كما أنه رأى ملايين من البشر يقتلهم الجوع والفقر والجهل والتخلف والمرض، وشاهد وقوع المسلمين تحت وطأة المنصرين الذين يقدمون إليهم الفتات والتعليم لأبنائهم في مدارسهم التنصيرية، ومن ثم فقد وقع حب هذه البقعة في قلبه ووجدانه وسيطرت على تفكيره
وكان أكثر ما يؤثر في الشيخ السميط إلى حد البكاء حينما يذهب إلى منطقة ويدخل بعض أبنائها في الإسلام ثم يصرخون ويبكون على آبائهم وأمهاتهم الذين ماتوا على غير الإسلام، وهم يسألون: أين أنتم يا مسلمون؟ ولماذا تأخرتم عنا كل هذه السنين؟ كانت هذه الكلمات تجعله يبكي بمرارة، ويشعر بجزء من المسئولية تجاه هؤلاء الذين ماتوا على الكفر.
وعن أبرز التحديات التي تواجه المسلمين في أفريقيا يقول الدكتور عبد الرحمن: ما زال التنصير هو سيد الموقف، مشيرا إلى ما ذكره د. دافيد بارت خبير الإحصاء في العمل التنصيري بالولايات المتحدة من أن عدد المنصرين العاملين الآن في هيئات ولجان تنصيرية يزيدون على أكثر من 51 مليون منصر، ويبلغ عدد الطوائف النصرانية في العالم اليوم 35 ألف طائفة، ويملك العاملون في هذا المجال 365 ألف جهاز كمبيوتر لمتابعة الأعمال التي تقدمها الهيئات التنصيرية ولجانها العاملة، ويملكون أسطولا جويا لا يقل عن 360 طائرة تحمل المعونات والمواد التي يوزعونها والكتب التي تطير إلى مختلف أرجاء المعمورة بمعدل طائرة كل أربع دقائق على مدار الساعة، ويبلغ عدد الإذاعات التي يملكونها وتبث برامجها يوميا أكثر من 4050 إذاعة وتليفزيون، وأن حجم الأموال التي جمعت لأغراض الكنيسة تزيد على 410مليار دولار،- وقد كرر الشيخ السميط هذا الرقم كثيرا لمستمعيه في جامع الجيطالي مشيرا إلى أن حظ أفريقيا من النشاط التنصيري هو الأوفر
وإزاء تلك الأرقام التي قدمها د. السميط عن التنصير فإن الإنجازات التي حققتها لجنة العون المباشر تبدو كبيرة بكل المقاييس إذ وضعنا في الاعتبار تقاعس المسلمين عن أداء واجبهم ، فحصيلة المشاريع التي نفذت في أفريقيا – كما يذكر د. السميط – كانت بناء أكثر من1400 مسجد، ودفع رواتب أكثر من 3288 داعية ومعلما شهريا، ورعاية أكثر من 9500 يتيم، وحفر أكثر من 4000 بئرا ارتوازية ومئات الآبار السطحية في مناطق الجفاف التي يسكنها المسلمون، وبناء 124 مستشفى ومستوصفا، وتوزيع 260 ألف طن من الأغذية والأدوية والملابس، وتوزيع أكثر من 51 مليون نسخة من المصحف، طبع وتوزيع 605 ملايين كتيب إسلامي بلغات أفريقية مختلفة، وبناء وتشغيل 102 مركز إسلامي متكامل، وتقديم مئات من المنح الدراسية للدراسات العليا في الدول الغربية (تخصصات طب، هندسة، تكنولوجيا).
” 3 ”
لقد تحدث فضيلة الشيخ الدكتور عبد الرحمن حمود السميط للعمانيين وقال إن معرفته بعمان تعود إلى أكثر من 30 عاما لما شاهده في القارة الأفريقية من حضارة وثقافة وتأثير للعمانيين ، وحث الأجيال الجديدة على أن تتبع خطوات الأجداد وقال إنه رأى في أدخال أفريقيا قبرا لعماني مكتوب على شاهده بالحروف العربية القديمة غير المنقطة إن صاحب هذا القبر توفي عام 92 هجرية وقال من ضمن ما قال إن دولة موزامبيق ( موسى مبيجي ) أقامها رجل عماني كما أن العمانيين أقاموا دولة في الكونغو وإن أقدم مسجد اكتشف في بيمبا بني قبل أكثر من 1400 عام ، وإن في جنوب أفريقيا أحياء كاملة تسمى أحياء الزنجباريين ولكنها في الحقيقة هي أحياء لعمانيين الذين تحملوا الصعاب وكانت السفن الشراعية هي وسيلتهم الوحيدة للنقل بينما الظروف الآن سهلة ومهيأة
ومن أفضل ما قاله الدكتور السميط وهو يرد على سؤال أحد الحاضرين عندما سأله أيهما أكثر خطرا على الإسلام في أفريقيا الجوع أو التنصير ؟ فقال د. في إجابة دبلوماسية قصيرة جدا ولكنها تحمل كل المعاني ( إن أخطر من الجوع والتنصير هو نقل خلافات الجزيرة العربية إلى القارة الأفريقية )، وهي نقطة جوهرية كبيرة ، فيكف للعالم أن يتقبل الإسلام إذا كان المسلمون أنفسهم يريدون أن يحولوا اقتتالهم باسم المذاهب إلى العالم ؟
وكان الراحل ماهر عبد الله رحمه الله قد طرح سؤالا مشابها للشيخ أحمد القطعاني مدير مركز منارة الصحابة للعلوم الشرعية في ليبيا وهو معهد متخصص في تخريج الأئمة والدعاة من خلال برنامج الشريعة والحياة ، فقال الشيخ : (في وصية للخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه، يقول الخليفة عمر رضي الله عنه: وأوصى الخليفة بعدي بالعرب خيرًا فإنهم مادة الإسلام. ما معنى هذه الكلمة؟ معنى أن العرب هم الذين يمدون المسلمين بالأفكار، ولو أنَّك درست الفرق الإسلامية الموجودة من (معتزلة) من (مرجئة) من (جهمية) من (جبرية) (ماتريدية) من (شيعة)، كل هذه الفرق كلها في الأصل نشأت عند العرب، وأخذها المسلمون عن العرب، وهذا معنى دقيق تفطَّن له الخليفة الراشد عمر بن الخطاب في قوله: “فإنهم مادة الإسلام” ، والذي يحدث – كما يقول الشيخ القطعاني – توجد فرق عديدة على الساحة الآن وجماعات عديدة، وتختلف على أشياء تافهة، واستشهد بالقصة التالية ، ففي غانا على سبيل المثال، حدثت معركة بين مسجدين لأجل اللحية هل من السنة تركها أو حلقها ؟ مع العلم الوجه الإفريقي لا تنبت له لحية، وقد وقع الشجار بين مسجدين لا تنبت اللحية ل90% من الذين تشاجروا ، وكل ذلك لأن العرب نقلوا خلافاتهم من الساحة العربية إلى الساحة الإسلامية
” 4 ”
لقد سعدت جدا لحضور محاضرة الدكتور عبد الرحمن السميط وأسعدني أكثر الحرارة والغيرة التي تكلم بها عن الإسلام وعن دور العمانيين في نشر الدين والحضارة والثقافة العربية والإسلامية في القارة الأفريقية لأن هناك دائما من يحاول طمس هذا الدور وللأسف أن حتى بعض العمانيين يجهلون ذلك الدور وقد يوجد من بينهم من يحاول التقليل منه ؟ فهل كان علينا أن ننتظر فقط شهادة الغربيين ونترك شهادة رجل مثل الشيخ السميط وهو ملك أفريقيا غير المتوج ؟ ثم إن في بالي سؤال آخر ما هو الجهد وما هي المساعدة التي قدمها العمانيون لجمعية الإستقامة التي تقوم بجهود جبارة في نشر الإسلام وحفظ الهوية العربية العمانية المهددة بالاندثار ؟!
كاتب عماني