من أفسد العيش؟

كتب بواسطة جمال النوفلي

أدري أننا جميعا حانقون وغاضبون جدًّا لأننا محاصرون من كل جانب؛ محاصرون بالضرائب وبالغرامات، ومحاصرون بالمخالفات المرورية ونقاط التفتيش عند أعتاب أبواب منازلنا، ومروّعون من قبل الحكومة بتهديدات شديدة بخفض رواتبنا ورفع أسعار كل شيء ورفع الدعم عن كل شيء: عن الماء المغشوش، عن الكهرباء المتلاعب بفواتيرها، عن التعليم السيء، عن العلاج المميت، عن الغذاء الفاسد، عن اللباس الرخيص، عن الأمان المخيف، عن الهواء الملوث. عن كل شيء سوف يرفعون الدعم، وسيتركوننا عراة للزمن.

أدري أننا جميعا حانقون وغاضبون جدًّا لأننا محاصرون من كل جانب؛ محاصرون بالضرائب وبالغرامات، ومحاصرون بالمخالفات المرورية ونقاط التفتيش عند أعتاب أبواب منازلنا، ومروّعون من قبل الحكومة بتهديدات شديدة بخفض رواتبنا ورفع أسعار كل شيء ورفع الدعم عن كل شيء: عن الماء المغشوش، عن الكهرباء المتلاعب بفواتيرها، عن التعليم السيء، عن العلاج المميت، عن الغذاء الفاسد، عن اللباس الرخيص، عن الأمان المخيف، عن الهواء الملوث. عن كل شيء سوف يرفعون الدعم، وسيتركوننا عراة للزمن.

لهذا نحن غاضبون جداً، وحانقون جداً، ونحمل في أيدينا حجارة نريد أن نرمي بها كل من تسول له نفسه أن يمس عيشنا أو أمننا لنفلق بها جمجمة رأسه المهترئة، أياً كان، لكن .. هل نحن فعلاً نريد أن نعيش في دولة قانون يحمينا؟ أم نريد أن نعيش في دولة الفوضى والفساد؟ هل نريد أن تصدر الحكومة قراراتها حسب الأنظمة الصالحة والعادلة؟ أم نريدها أهواء وآراء شخصية ومصالح؟

 

عليه هل نقبل أن يُشّهر بِنَا في جريمة منسوبة ظلمًا إلينا؟ أم نود أن تكون هناك محاكمة عادلة لكل جرم ينال فيها المتهم حقه في الدفاع والرد عن نفسه؟ وما أكثر الاتهامات الباطلة  في هذا الزمان!

 

هل تقبلون أنتم أن يُعرّض بكم وبعوائلكم، ويُطعن في نسبكم ووطنيتكم وانتمائكم قبل أن تثبت التهمة وتنالون حقكم في الدفاع؛ لأنّ بعض الناس لا يحبونكم ويظنون أنّكم مخطئون ومجرمون؟

 

هذا ما نحن فعلناه ظالمين أنفسنا ووطننا عندما وجهنا الشتائم والكلام السيء إلى أحد رجال الأعمال العمانيين، حين وُجِّهت أصابع الاتهام إلى إحدى مؤسساته التجارية العاملة في مجال تعبئة وبيع العيش، ولم نستطع أن نتمالك أنفسنا قليلاً لننظر بعين الإنصاف إلى هذه الحادثة ونتمحّص الباطل من الحق فيها، بل خرجنا جميعًا في صفحاتنا الإلكترونية وجلساتنا اليومية وجروباتنا الواتسابية نكيل الشتائم ونزمجر ونخوّن بعضنا البعض: خوّننا كل رجال الأعمال الكبار، وكل أعضاء مجلس الشورى، وكل القضاة، وكل الحكومة، عن بكرة أبيها، خوّنناها. حتى العمالة الوافدة الفقيرة لم تسلم من الخيانة، وعلّقنا عليها كل مصائبنا وهزائمنا وفشلنا، فمن بقي في هذا البلد الصغير بسبب جونية العيش هذه لم نخونه؟!

 

ليت شعري ألم يتساءل واحد منا عن جواني العيش هذه إلى أي بطون ذهبت؟ وفي أي مطابخ فتحت؟ ومن كان يستخدمها؟ ومن كان يتضرر منها؟ وكيف تم ضبطها؟ وأين ولماذا وهل تمت كل تلك الإجراءات وفق القوانين الصحيحة والمعقولة؟ دعوني أتناول هذا الموضوع في عدة أسئلة بسيطة تتعلق بما تم نشره من حماية المستهلك ومن التلفزيون العماني وبإمكانكم بعد الإجابة عليها أن تحددوا من هو الشيطان الأكبر الذي أفسد علينا العيش!

 

أولاً، أين هؤلاء الأفراد الذين يستخدمون هذا النوع من العيش؟ لماذا لم يشتك أحدهم ولم ينشر لنا فساد العيش لديه، وتغيّر لونه رغم أنه ظاهر الفساد والخراب من النظرة الأولى، كما لاحظنا في الصور المنشورة ؟

 

ثانياً، هل وجود عمال في المزارع وفي المخازن وفي المصانع أمر مثير للشبهة، ودليل قاطع على وجود جرائم ترتكب في ذلك الموقع؟ أم أنّ الأصل هو وجود العمال في هذه الأماكن؟ أليست المخازن والمصانع هي الأماكن الطبيعية لتعبئة العيش وفرز الصالح منه والفاسد؟ وهي المكان الطبيعي لوجود العيش الفاسد المعزول عن الصالح؟!

 

ثالثاً، هل يمكن أن نقول أنّ أحدًا غشّنا ببضاعة هو لم يعرضها علينا أصلا في محلاته؟ ولم يبعها لنا؟ ولم يشترها منه أحد من الناس؟ إن كانت حماية المستهلك واثقة أنه يبيع المنتجات المغشوشة والفاسدة للناس، فلماذا لم تقم بضبطها في السوق أو عند المستهلكين أنفسهم؟

 

رابعاً، هل عدم وضع تاريخ الانتهاء على جواني العيش جريمة مع وجود تصريح من الحكومة ذاتها بذلك؟

 

طيّب، لو افترضنا أنّ العيش مغشوش، ألا يمكن أن تكون هذه الجريمة بفعلة فاعل أراد نشر فضيحة والانتقام من أحدهم أو تشويه سمعة البلد وضربه أثناء أسوأ حالاته الاقتصادية؟! 

 

ولو افترضنا جدلاً أنّ العيش مغشوش، هل يُعاقب في ذلك المستثمر في الشركة أم مديروها التنفيذيون؟ هذه مسألة قانونية فيها تفاصيل، لكن ببساطة تصوروا لو أننا استثمرنا أموالنا في شركة مطاحن كبيرة، ثم جاءت حماية المستهلك وضبطت جواني من الطحين المغشوش، هل سنتقبّل عندها أن نُخوّن ونُشتم ويُشّهر بنا ونُعَاقب بالسجن والإعدام لأن بعض موظفي الشركة غشّوا جواني الطحين؟!

 

أخيراً، لماذا نُشهّر بالناس دون أن تثبت الجريمة عليهم؟ أما كُنّا نحتّج، قبل فترة قصيرة، على دول شهّرت بالعمانيين لاتهامهم ببعض الجرائم فيها؟ ولماذا هذا التشهير بالناس رغم أنهم قالوا بملء أفواههم أنهم بريئون من الجرم المنسوب إليهم؟ ولماذا أيضًا لا نستطيع أن نُفرّق بين ارتكاب الجريمة والاتهام بارتكاب الجريمة؟ حيث لا يلزم بالضرورة أن يكون المتهم بالغش غاشًّا، كما لا يلزم بالضرورة أن يكون المتهم بالقتل قاتلاً، أو المتهم بالكذب كاذبًا، أو المتهم بالتغيّب عن العمل متغيبًا عن العمل؟ لهذا وُجدت مؤسّسة تُسمّى بـ القضاء، مؤسّسة تنظر بعيون الحكمة، وتنصت بآذان الإنصاف، وتقول كلمة العدل. هناك ستتم الإجابة عن كل تلك الأسئلة التي قد لا يريد البعض الإجابة عليها، أو لا يستطيع، ليكشف لنا في نهاية القضية من أفسد العيش؟

الحادي والسبعون سياسة

عن الكاتب

جمال النوفلي