أصدر مركز دراسات الأمن القومي في إسرائيل دراسة حول التداعيات الإستراتيجية للتعاون ( المصري – السعودي ) على إسرائيل وتحديداً مسألة نقل السيادة على جزيرتي تيران وسنافير في خليج العقبة على البحر الأحمر من مصر إلى السعودية.
الدراسة من إعداد الدكتور يؤال جوزفسكي والعميد الاحتياط شلومو باروم، الأول كان يشغل منصب رئيس قسم العلوم الإستراتيجية في مكتب رئيس الوزراء الذي يهتم بالموضوع الإيراني والأمن القوي الإسرائيلي وأمن الخليج واستراتيجيات الشرق الأوسط، وله كثير من الكتب السياسية باللغة الانجليزية، وكتابه الأخير صدر بعنوان “دول الخليج العربي وإيران”.
أما باروم ، فكان يشغل منصب رئيس هيئة التخطيط الاستراتيجي في مكتب رئيس الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، وتتركز أبحاثه ودراساته حول العلاقة مع الفلسطينيين والعقيدة الأمنية لإسرائيلية، وله العديد من الكتب من بينها “التوازن العسكري في الشرق الأوسط”.
وفيما يلي ترجمة كاملة للدراسة :
وَقعّتْ المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية على اتفاقيات مهمة واستراتيجية خلال الزيارة التي قام بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر.
وكانت الاتفاقيات ذات موضوعات متشعبة، وتركزت حول ضرورة التنسيق الأمني وتفعيل سُبل العلاقة بين الرياض والقاهرة، حيث وصل حجم الاتفاقيات الموقعة بين الدولتين إلى ما يقارب (25) مليار دولار.
إن المحور الأساس في التداعيات الإستراتيجية للتعاون (المصري – السعودي ) على إسرائيل يتمثل بصورة مباشرة حول نقل السيادة لجزيرتي تيران وسنافير في خليج العقبة على البحر الأحمر من مصر إلى السعودية، ويمكن فهم تلك الخطوة في مصر والعالم العربي كاستحقاق للمساعدات السعودية الضخمة لمصر، ومن المتوقع مقابل تلك الخطوة التي تتمثل في المساعدات السعودية لمصر أن تبقى مصر تدور في الفلك السعودي وتحديداً في المجالات السياسية.
وبالرغم من حجم الاتفاقيات التي وقعت بين مصر والسعودية والزيارة الملكية لمصر وحجم المساعدات الاقتصادية، فإن لتلك الخطوات تأثيرات سلبية على مكانة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سواءً في مصر أم في العالم العربي، فرغم ظاهر العلاقة الذي يوحي بأن الدولتين: مصر والسعودية، قد أصبحتا في تحالف وثيق، فإن خلافات ليست طفيفة لا زالت حاضرة تتمثل في المسألتين السورية واليمنية ومسألة العلاقة مع حركة الإخوان المسلمين، ومع ذلك وفي ظل الحركة الصاعدة للعلاقة بين البلدين فمن المؤمل أن تتلاشى تلك الخلافات.
خلافات سياسية وتصادم مصالح بين الدولتين:
هناك مواقف متباينة بين مصر والسعودية فيما يتعلق بالموضوع السوري، فمصر لا تعارض بشكل مطلق استمرار النظام السوري برئاسة بشار الأسد، بينما السعودية تعمل بوتيرة متصاعدة لاستئصال شأفة النظام السوري كشرط حاسم لكل تسوية سياسية في سوريا.
فيما ترى مصر أن النظام العلماني في سوريا هو الأقل سوءاً مقارنة مع البدائل الأخرى الممكنة في سوريا مثل تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) أو أوساط إسلامية أخرى تنتمي إلى التنظيمات الإسلامية الجهادية، لذلك لا يؤمن المصريون على
ما يبدو بوجود بدائل ( علمانية – ليبرالية ) لنظام الأسد.
أما فيما يتعلق بالموضوع اليمني، فلا يوجد حماس مصري للتدخل العسكري السعودي في اليمن على الرغم من أن المصريين قدموا مساهمة عسكرية ورمزية في تلك الحرب.
إن الصخرة الكأداء الأخرى في مسألة الخلاف بين القاهرة والرياض تتمثل في مسألة التدخل الروسي في سوريا، ويعتبر التدخل الروسي في سوريا بالنسبة إلى الرياض كمحاولة لحماية النظام السوري والحيلولة دون سقوطه، حيث تحولت روسيا إلى لاعب حيوي في المنطقة في الوضع الراهن في خضم الوهن الأمريكي، أما القاهرة من جهتها فقد باركت التدخل الروسي في سوريا.
وبالإضافة لكل ما سبق فإن وجهتي النظر السعودية والمصرية ليستا متطابقة تماماً تجاه حركة الإخوان المسلمين، فالنظام السعودي هويته الأساسية هي الهوية الدينية الإسلامية المتشددة القائمة على أساس المذهب الحنبلي الذي يشكل ركناً أساسياً في التيار السلفي الإسلامي، ولذلك فالنظام السعودي يحظى على الأقل بالتقدير والاحترام من قبل أصحاب أيديولوجية حركة الإخوان المسلمين، والسعودية اليوم مستعدة أكثر من أي وقت مضى للتوصل إلى تفاهم مع حركة الإخوان المسلمين.
وبالمقابل يرى النظام المصري العلماني برئاسة عبدالفتاح السيسي أن
حركة الإخوان المسلمين هي حركة تخريبية وتدميرية وتشكل تهديداً وجودياً للنظام في دولته.
ترى السعودية بأن إيران تمثّلُ تهديداً حقيقياً للمنطقة وأن هذا التهديد يتزايد ويتعاظم، وحسب وجهة النظر السعودية فإنه من أجل بلع حبة الدواء المرة “الإخوان المسلمين”، فإنه لا بد من العمل لمحاولة إيجاد جبهة سنيّة موحدّة ضد إيران الشيعية. ولذلك يبدو المشهد أكثر وضوحاً، حيث تتسارع وتيرة التقارب السعودي مع قطر وتركيا اللذين يعتبران حسب الرؤية المصرية بأنهما من أكثر الدول المؤيدة لحركة الإخوان المسلمين.
وفي تسلسل منطقي للأحداث، كانت هناك حاجة وضرورة لقيام الملك سلمان بن عبدالعزيز بزيارة إلى تركيا في ختام زيارته إلى مصر في محاولة للتوسط بين مصر وتركيا، وإلى الآن لا تبدو أي فرصة ايجابية لإزالة الخلاف بين أنقرة والقاهرة.
المصالح المشتركة بين مصر والسعودية:-
على الرغم من حالة التنافس الطبيعي بين مصر والسعودية في لعب دور مؤثر بمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، باعتبارهما وعلى نحو أكثر تحديدا يُمثلان الإسلام السنّي في المنطقة، فإنه من الضرورة بمكان وجود تعاون وتفاهم بينهما كشرط حاسم للواقع الملموس، ما يستدعي تجسيد تفاهم بينهما لجلب أفضليات مهمة لكلا الطرفين.
وبسبب وجود دور بارز ومهم لمصر كدولة عربية كبيرة فإن مصر ليست على استعداد لإلغاء بشكل مطلق مصالحها أمام السعودية، ولكنها بالمقابل ملتزمة بشكل دقيق وحاسم لقيام آليات تعاون وتنسيق وثيق مع السعودية في محاولة لتخفيف حدة الخلافات بينهما والحيلولة دون تصاعد وتيرة الخلافات بينهما في المستقبل.
إن التنسيق الممكن بين مصر والسعودية أولاً وقبل كل شيء ينبغي أن يُركّزُ على تقليص فجوة الخلافات، فالمسالة هنا تتمثل في ضرورة تعزيز العلاقات
بينهما.
تعاني مصر من أزمة اقتصادية حادة، ولذلك فهي بحاجة لاستمرار الدعم الاقتصادي بشكل كبير من السعودية إلى جانب شقيقاتها من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وتحديداً الإمارات العربية المتحدة والكويت، حيث يتوجب أن تحوّل لمصر مساعدات اقتصادية ضخمة، وحتى لو أن تلك المسائل لا يتم التعبير عنها بشكل علني، فإن دول الخليج العربي ستقوم كما هو متوقع أن تتلقى مقابل المساعدات المالية لمصر توظيف الموارد العسكرية والمواقف السياسية لمصر دعما مصالحها.
فالسعودية من جانبها محتاجة إلى مساعدات عسكرية ودعم سياسي مصري، ذلك أن مصر هي الدولة العربية القائدة من الناحية الرمزية، وكانت مصر والسعودية يعتبران خلال السنوات الماضية كقطب الرحى في المعسكر العربي المؤيد لأمريكا والذي يتميز بالاعتدال وله وزن فاعل ضد المحور الإيراني.
وعلى ضوء الفهم المشترك لمصر والسعودية اليوم، فهناك انسحاب وتقهقر بالتدخل الأميركي بالمنطقة، كما أنّ هناك أيضاً خشيةً من التقارب (الأميركي– الإيراني ). فمن الناحية الواقعية تجد مصر والسعودية نفسيهما ولأول مرة في ضرورة اتخاذ وبلورة سياسات مستقلة تتميز بشكل أساس بالتحرر من الهيمنة الأميركية، واستناداً إلى هذا التوجه السياسي فإن فرص تعزيز التنسيق الثنائي بينهما آخذة بالتعاظم. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن مصر تشعر بالإهمال من قبل الولايات المتحدة، ولذلك فهي تطمح لترسيخ علاقاتها مع روسيا كحليف جزئي وربما بالأساس كوسيلة ضغط على الولايات المتحدة. أما السعودية فمن جانبها فقد حاولت تقديم تعويضات مالية لروسيا وذلك لإقناعها بالتخلي عن إيران والنظام السوري، لكنها فشلت في ذلك، ولذلك فهي ترى روسيا باعتبارها جزء من المحور المعادي لها.
مواقف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي:
إن الضعف المركزي في الاتفاق ( المصري – السعودي ) هو الإضرار بمكانة الرئيس السيسي وفي مسألة استقرار حكمه، وبالأساس يدور الحديث عن المصالح الإسرائيلية الكبرى. وعلى ما يبدو فإن الرئيس المصري قد عقد صفقة جيدة، فمقابل المنطقة (جزيرتي تيران وسنافير) اللتان لم تكونا مصريتين بالأساس فقد ظفر بحبل نجاة اقتصادي.
حقاً فإن الجمهور المصري يشعر بخسارة كبيرة لدوره الإقليمي، من هنا أخذت صيحات الانتقادات الحادة للرئيس المصري بالتصاعد من الداخل، حيث يتملك المصريون إحساس أن دولتهم فقدت أفضليتها باعتبارها الابنة الكبرى للعالم العربي لصالح الأخت الكبرى ( السعودية ). وفي هذه المرحلة من الصعب التقدير إلى أي مدى تصل الحملة المسعورة في الداخل المصري المتمثلة بمعارضة نقل السيادة المصرية لجزيرتي تيران وسنافير إلى السيادة السعودية وعن حجم الأضرار التي سوف يتلقاها النظام كتداعيات لذلك.
قام النظام المصري بحملة إعلامية في مواجهة تلك الانتقادات تهدف إلى اقناع الجمهور المصري بأن جزيرتي تيران وسنافير لم تكونا أبداً ضمن السيادة الإقليمية المصرية، حيث ذكرت الحملة الإعلامية بان الجزيرتين قد أصبحتا تحت السيادة المصرية بموافقة السلطات السعودية في عام 1950 وذلك لضرورة الحرب ضد إسرائيل.
ترتب على اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل التزامات فيما يتعلق بحرية الملاحة في الجزيرتين، حيث أكدت السعودية ومصر بان تلك الالتزامات لن تُمس ولذلك فقد تم مخاطبة إسرائيل بهذا الشأن وعلى أساس تصريحات وزير الخارجية السعودي وفحواها بأن بلاده سوف تحافظ على كل الالتزامات المصرية الموقعة مع إسرائيل حول حركة الملاحة في الجزيرتين، وجاءت التصريحات السعودية لتخفيف وطأة القلق المحتملة في إسرائيل.
وأخيراً ، وإضافةً لما سبق فإن لإسرائيل مصلحة كبرى وحيوية في تعزيز وتقوية العلاقات ( المصرية – السعودية ). إن تعزيز العلاقات ( المصرية – السعودية ) من شأنه أن يؤسسَ لتعاون كبير لإسرائيل مع دول الكتلة العربية السنية البراغماتية الماثلة أمام المحور الإيراني الشيعي المعادي لإسرائيل .
وبناءً على ما سبق … فعلى إسرائيل أن تنظر بايجابية للتعاون ( المصري – السعودي ) بما في ذلك نقل السيادة لجزيرتي تيران وسنافير إلى السيادة السعودية .