أن ما نراه اليوم في عالمنا الإسلامي من حروب دموية ونفي للأخر وإقصاء وتهميش للمخالفين لا يساعد على التعايش بل هو يورث الحقد والضغينة بين البشر. وأن أردنا الاستقرار فلابد من أن نترك الاختلافات ونتعايش بالمفهوم الانساني الذي لا يرى في الانسان إلا انسانيته ولا يهتم لما يحمله من فكر او معتقد. فأفكار الإنسان له وهو حر بها ما لم يؤذي بها أحد، واما انسانيته فوجب احترامها.
أن موضوع التعايش مع الآخر بالغ الأهمية لحياتنا اليومية خصوصًا في وقتنا الراهن، والتعايش لغةً هو فعل فيقال تعايش يتعايش تعايشا. والتعايش هو: العيش مع جميع أطياف الناس باختلاف مشاربهم وتوجهاتهم واعتقاداتهم. ويكون التعايش بين الناس قائما على الاحترام المتبادل وتقبل الأخرى. ولا يجوز لأي إنسان كائن من كان أن يحرم الاخرين من حق العيش فالحياة هبة الله تعالى لمخلوقاته. والحياة لم تكن ذات يوم مسموحة لأحد دون آخر .
والتعايش مع الآخر له مسلمات لا يستطيع الناس إغفالها منها:
- التسامح: الحياة في طياتها لا تستمر الا بالتسامح وذلك لأن الانسان من طبعه الخطأ ، لذلك وجد التسامح من أجل أن يستمر التعايش. فحين يخطئ انسان على أخر يجب أن يتحلى الآخر بصفة التسامح لكي يبقى الود بين الناس.
- قبول الاختلاف: الناس دائما ما يكونوا مختلفين وهذه من سنن الحياة وأن الله قد خلق الاختلاف من أجل أن تستمر الحياه ويتبادل البشر أفكارهم ويخدموا بعضهم بعضا ولا يحق لأحد نفي المخالف ولا طمسه ولا قتله ولا تهميشه.
- التواصل والحوار: أن الحياة قائمة على الحوارات فنحن في كل يوم نمارس هذا الفعل الانساني بل في جل أوقاتنا، فما يحدث بين الاخ وأخية هو حوار وكذلك ما يدور بين الاب وابنه هو حوار الى الخ…
وهناك مواقف وأمثله على التعايش سطرها التاريخ لنا، وهي دليل على أن الحياة لا تستمر الا بالتعايش السلمي بين الشعوب. فقد تعايشت الشعوب العربية مع غيرها حتى قبل الاسلام، فقد كانوا يسافرون ويتبادلون التجارة مع الحضارات القديمة في ذلك الزمان. كما هاجرت قبائل من حضارة بلاد الرافدين الى حضارة مجان (عمان حديثا ) مثلا في الالف الرابعة قبل الميلاد. وعاش المهاجرون وتعلموا من شعب أرض مجان ما كانوا علية. والتاريخ فيه دلالات كثيرة على التعايش.
وبشكل عام فأن الدين الإسلامي كان ولايزال مضرب المثل في التعايش مع الآخر وذلك عكس ما نراه في وقتنا الراهن، فقد كان المسلمون يعيشون مع غيرهم من أصحاب الديانات الأخرى دون أذى، بل كانوا يمنحونهم كل حقوقهم ويتيحون لهم ممارسة عباداتهم وإقامة طقوسهم. ولم يكن المسلمون ليهدموا كنيسة ولا ليعتدوا على من لم يعتدي عليهم، وذلك لأن الاسلام أمر أتباعه بأن يعطوا الحرية لغيرهم. قال تعالى (( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)) وعُني بهذه الآية الذين آمنوا بمكة ولم يهاجروا، فأذن الله للمؤمنين ببرهم والإحسان إليهم.
ومن الأمثلة الشاهدة في الإسلام على التعايش هو حين حرر عمر بن الخطاب رضي الله عنه القدس في عام 16 للهجرة بارك الكنيسة ولم يؤذي أحدا من المسيح، ولا ريب في ذلك لأن الاسلام دين سلام وليس دين عداء ودموية كما يشار الية اليوم. وعلى امتداد النفوذ في عهد الدولة الإسلامية كان المسلمون يحكمون الناس بالعدل، ذلك لأن الله تعالى أمرهم بالقسط بين الناس.
واليوم لنا نظره في التعايش السليم في بلادنا عمان ولله الحمد، وسط ما تمر به دول المنطقة من أحداث. فالناس هنا تعيش بسلام على اختلاف توجهاتهم ومذاهبهم واعتقاداتهم ، وربما كان سبب ذلك هو ما عرف عن أهل عمان وانفتاحهم على العالم وعلى الآخر منذ القدم فقد كانوا يسافرون للتجارة ويحملون معهم الدين والحضارة والخلق الحسن ويعودون بالمعرفة.