حنانيكم أيها المزايدون على الأديبين عبدالله حبيب و سليمان المعمري

لمثقفين بأي بلد في العالم ثلاثة أنواع ؛ نوع مع السلطة على طول الخط ، فليس لهم من عمل سوى التهليل و التطبيل و إلباس الباطل، بفذلكاتهم الكلامية، ثوب الحق، و الحق ثوب الباطل؛ و هؤلاء هم من يسمون ” فقهاء أو مثقفي السلطة “، و هم في حقيقة الأمر يضرون السلطة، من حيث تعتقد السلطة أنهم يخدمونها، لأنهم يتعاملون معها من وحي مصالحهم الشخصية الآنية الضيقة القائمة على الانتهازية و الرياء و النفاق و التملق، و ليس بدافع إخلاصهم أو غيرتهم الحقيقية على الدولة و الوطن،

تابعت بألم في وسائل التواصل الاجتماعي بعض التعليقات الساخرة و المؤنبة للأستاذين الجليلين عبدالله حبيب و سليمان المعمري على ما كتباه بعيد إطلاق سراحهما عن تجربة الاعتقال، و ما سرداه من انطباعات ” أمينة ” عن تعامل جهاز الأمن معهما خلال فترة الاحتجاز و التحقيق .
و بدايةً أقول بأن ما كتباه هذان الأديبان الرائعان هو عين الصواب، لأنهما لم يقولا سوى حقيقة ما كان معهما من معاملة من قبل الجهاز، فكانا في طرحهما مثال الصدق و الأمانة للكلمة التي لا أرى إمكانية تزويغها أو فبركتها عن تعمد من قِبَلهما ، لأننا لم نعهد عنهما في كتاباتهما السابقة سوى الصدق و الأمانة في الطرح و التزامهما بشرف الكلمة؛ و هو أمر، بكل صراحة، يثلج الصدر من قبل الطرفين
” السجين و السجان ” أو ” المحتجَز و المحتجِز ” ؛  السجين/ المحتجَز على شجاعته و أمانته في طرح ” معايشته للحدث ” بكل صدق و شفافية و بكل دقة و تفصيل على الملأ؛ و السجان/ المحتجِز على تعامله ” المسؤول ” معهما، و توجهه ” المأمول ” نحو أخذه الأمور ” بالتي هي أحسن ” و حرصه على عدم قطع شعرة معاوية مع كل من يختلف معه  في الرأي و الفكر.
و لقد كانت تلك التعليقات الساخرة أو الناقدة تنم عن ضيق أفق و قصر نظر لدى أصحابها الذين صدرت عنهم ؛ فهل من مصلحة البلاد أو الوطنية في شيء، استعداء جهاز الأمن، و جعله الخصم اللدود الذي يحسم أمره ” بالكرباج ”  مع كل مخالف له أو مع كل حر شريف في هذا الوطن ؟ أم أنه من ” الأماني الجميلة للشعوب ” أن تتحول هذه الأجهزة الأمنية من حالة ” القمع و القهر و الاستبداد بالرأي ” إلى حالة تكون فيها ” حلقة الوصل ” بين الشعب و قواه الفاعلة المؤثرة، من جهة، و بين الدولة و قياداتها الحاكمة المسؤولة، من جهة أخرى، و تكون بمثابة ” الطاولة المستديرة ” التي تقيم عليها أجهزة الحكم الحوارَ الهادئ و الهادف البناء مع أصحاب ” الرأي الآخر” و الاصغاء إليهم ، بل و ربما الاستفادة من أفكارهم و آرائهم ، في تقويم و تصحيح بعض المسارات و الممارسات الخاطئة، بغية تجنيب البلاد الوصول إلى الطريق المسدود، و قيادة سفينتها، من ثَم قيادةً سلسة سليمة توصلها إلى بر الأمان في سلام ؟
إن المثقفين بأي بلد في العالم ثلاثة أنواع ؛ نوع مع السلطة على طول الخط ، فليس لهم من عمل سوى التهليل و التطبيل و إلباس الباطل، بفذلكاتهم الكلامية، ثوب الحق، و الحق ثوب الباطل؛ و هؤلاء هم من يسمون ” فقهاء أو مثقفي السلطة “، و هم في حقيقة الأمر يضرون السلطة، من حيث تعتقد السلطة أنهم يخدمونها، لأنهم يتعاملون معها من وحي مصالحهم الشخصية الآنية الضيقة القائمة على الانتهازية و الرياء و النفاق و التملق، و ليس بدافع إخلاصهم أو غيرتهم الحقيقية على الدولة و الوطن، فهم أصحاب الزيف و الباطل ” و إن الباطل كان زهوقا ” كما وصفه الله في كتابه الكريم . فحبل الرياء و الدجل ضعيف و قصير لا يصمد طويلاً أمام مطارق الحقائق و المنطق … و هناك نوع آخر من المثقفين، يمثلون ضمير الأمة الحي و لسانها الصادح بالحق، لا يعنيهم سوى تسمية الأشياء بمسمياتها و صفاتها الحقيقية ، فالحق حق و الباطل باطل، و لا يخشون فيما يقولونه لومة لائم، طالما أنهم لا ينشدون سوى إظهار الحقيقة لمن يجهلها في أي مجتمع يعيشون فيه، رضيَ من رضيَ بما يقولونه، و كَرِهَ  من كره،  فتلك هي رسالتهم في الحياة و أمانتهم التي يجب أن يؤدوها بأي مكان و أي زمان . و هؤلاء المثقفون هم من أشرت إليهم ذات يوم في مقال لي بعنوان ” إلى طلائعنا الأدبية الواعدة ” حين قلت :
” فالكتّاب في أي زمان كانوا وأي مكان هم في نهاية التحليل من يرسم ويشكل الخلفية الثقافية والفكرية لشعوب بلدانهم , وهم من بيدهم صحوة الضمير أو موته ومن بيدهم بالتالي وقوف الشعوب على أقدامها شامخة كالطود أو نومها على الأرصفة في انسحاق وانكسار وخنوع , فهم بهذا رواد كل نهضة وتقدم في أي بلد من البلدان ”
و قَدَرُ هذه الفئة من المثقفين أن يكونوا ” حَمَلة الشعلة ” التي تنير الدروب المدلهمة للشعوب، و أن تمثل ” الرقم الصعب ” الذي لا يمكن تجاوزه أو تغافله من قبل أية قوة أو جهة بأي وطن . و بالتالي ليس لهم إلا الاستمرار في هذا الطريق الشاق، طريق التوعية و التثقيف و التنوير لشعوبهم و كشف المعيب المستور في أوطانهم، و تسليط الضوء على الفجوات و الحفر التي تكتنف الدروب التي تسير عليها مسيرة النماء و التطور في بلدانهم، و أن يوطنوا أنفسهم على تحمل تبعات هذا ” الالتزام بشرف و أمانة الكلمة ” ؛ و على الأجهزة الأمنية ، في المقابل ” ألا تصب الزيت على النار، و ألاّ تعمل على تكميم أفواه هؤلاء الشرفاء” ، فليس لها من سبيل على ذلك، فهم كالماء الجارف سيجدون المسالك التي يتدفقون منها و يمضون إلى وجهتهم تحت أي ظرف كان . فمن الخير كل الخير إذن للأمن و الوطن، إقامة جسور الحوار معهم و معرفة ما يدور في أخلادهم و محاولة الاستفادة من أفكارهم و آرائهم الواقفة على الطرف الآخر؛ حتى وإن كان فيها شيء مما يؤلم ، فالحق مغضبة ، و لكنه حق في نهاية التحليل، و الشكر واجب لمن ” أهداني عيوبي ” إذا كنت حقاً أنشد الخير و الصلاح في الحياة .
و إن حدث أن شطح الخيال بأي كاتب، و حادَ به حيناً، عن جادة الصواب، فالحجة لا تُقرع بغير الحجة ، و زلّة القلم أو اللسان لا تقوّم بالقيد و السنان، بل بقوة المنطق الذي يفرض احترامه لدى كرام القوم من بني الإنسان .
أما النوع الثالث من المثقفين فهم سكان ” الأبراج العاجية ” الناطقين باللغات السنسكريتية و الهيروغليفية و السريالية، تراهم يهرفون و يهرطقون، و في كل واد يهيمون، و يعتقدون أنهم وصلوا القمة ، و الواقف على القمة يرى الناس صغاراً و يرونه صغيراً. فهم في ” الشأن الوطني ” لا في العير و لا في النفير، يقفون على هامش الأحداث يتفرجون عليها لا يعنيهم المسير و لا المصير .
فحنانيكم أيها المزايدون على وطنية الشرفاء الوطنيين، فما عادت الوطنية شعارات و مزايدات و رفع للعقيرة ، بقدر ما هي اليومَ فكرٌ و رأيٌ و حوارٌ هادئ رصين و صريح في الهموم الكبيرة و الصغيرة مع كل من يعنيهم أمر أمن و سلامة و استقرار و نماء و تطور الأوطان ؛ هي ، أي الوطنية،  حوار بالصورة التي وصفها الله في محكم آياته ” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ – الآية (125) من سورة النحل …  و  ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ”
فذاك خير لنا و لأوطاننا الحبيبة من طوفان الجحيم !!

الحادي والسبعون سياسة

عن الكاتب

زهران بن زاهر الصارمي

abu-shamsan@windowslive.com
99206716