استعد: بجوارك مسؤول

جرت العادة والعرف أن يحتل صدارة المجالس، دينية كانت أو مجالس عزاء أو أعراس أو علم أو غيرها، أناس يتمتعون بواحدة أو أكثر من الأسباب التالية: مكانة علمية عالية، نسب عريق، مكانة اجتماعية استثنائية أو مكانة وظيفية مرموقة. ونحن في عمان والحمد لله من أكثر الشعوب مراعاة للتقاليد والعادات والأعراف، لذا نجد في كل مجلس ما أن يطل عليها شخص يمتلك واحدة من الصفات التي ذكرناها آنفا إلا ويتم اصطحابه وبكل احترام إلى صدر المجلس من قبل القائمين على أموره.

جرت العادة والعرف أن يحتل صدارة المجالس، دينية كانت أو مجالس عزاء أو أعراس أو علم أو غيرها، أناس يتمتعون بواحدة أو أكثر من الأسباب التالية: مكانة علمية عالية، نسب عريق، مكانة اجتماعية استثنائية أو مكانة وظيفية مرموقة. ونحن في عمان والحمد لله من أكثر الشعوب مراعاة للتقاليد والعادات والأعراف، لذا نجد في كل مجلس ما أن يطل عليها شخص يمتلك واحدة من الصفات التي ذكرناها آنفا إلا ويتم اصطحابه وبكل احترام إلى صدر المجلس من قبل القائمين على أموره.

إلا أنني هنا – إذا سمح لي القارئ – سأدعو إلى وقف العمل بهذا العرف مع العينة الأخيرة من المستحقين لهذه المعاملة الخاصة ألا وهم “أصحاب مكانة وظيفية مرموقة”. ليس لأنهم لا يستحقون هذه المعاملة لا سمح الله، وإنما أدعو إلى ذلك لغاية في نفس يعقوب. فإذا وصل أحد من هؤلاء إلى المجلس ولم يجد من يصطحبه إلى صدرها، سوف يضطر إلى الجلوس في أي مكان شاغر، وهنا بيت القصيد.

فجلوس هؤلاء المسؤولين وأصحاب الوظائف المرموقة بجانب أي مواطن عادي سوف يفسح المجال لكثير من المتطفلين من أمثالي لأن نهمس في آذان هؤلاء بأمور لا تصل إلى مسامعهم ولا تنقل إليهم عن طريق حجابهم حول معاناة المواطنين البسطاء الذين لا يحلمون بالمرور من جانب مكاتب هؤلاء ناهيك عن مقابلتهم. أما المسؤول فلن يضره الجلوس بعيدا عن صدر المجلس وقد قيل إن المرء إذا عرف قدر نفسه فلن يؤثر فيه أين يكون مكان جلوسه.

فمثلا لو قدر الله وأنعم على الفقير لله من أمثالي بجلوس أحد المسؤولين في البلدية إلى جانبه فلا شك أنني سوف أطل معه من خلال عيني على شوارع عاصمتنا الجميلة وهي كذلك بدون أدنى شك، وأعترف له بأن القائمين على أمرها مهتمون كثيرا بجمال المدينة وهذا شيء حسن وجميل ومرغوب فيه ويشكرون عليه. ولكني بالطبع سوف أنهي إلى مسامعه القول أن التركيز على تحقيق جمال المدينة من خلال مشاريع يتحمل أعباءها المادية المواطن فقط فردا كان أو مؤسسة أمر غير مقبول، فالمواطن مطلوب منه أن يركب البلاط المتداخل (إنترلوك) أمام منزله وإلا فإن نجوم السماء أقرب إليه من الحصول على إباحة إكمال البناء وبالتالي الحصول على الماء والكهرباء. ولكي يحافظ المواطن على جمال مدينته، فإن عليه الالتزام بجميع قرارات البلدية التي تفرض عليه كل حين وآخر، على سبيل المثال تغيير اللوحات على واجهة المحلات والشركات من مخطوطة إلى مضيئة إلى ثنائية الأبعاد والآن إلى ثلاثية الأبعاد (أبعدكم الله من شر تكلفتها التي يستنزفها التجار من جيب المستهلك من خلال رفع أسعار بضاعتهم).

وبلا شك سوف أثمن جهود مرؤوسيه واهتمامهم بجمال المدينة ولو على حساب غيرهم، ولكنني سوف أذكره أيضا بحق هذا المواطن الذي لا يتردد في اتباع التعليمات المتتالية وإن كانت على حسابه، أن لا يجد نفسه عند تساقط بعض حبات من المطر مضطرا لأن يجلس على سطح مركبته في انتظار إذن من المياه التي تجري أمامه حتى يتمكن من العبور بسيارته إلى الجهة المقابلة، لأن إدارة هذا المسؤول التي تلسع ظهر المواطن بالضرائب ورسوم المخالفات ما لم ينفذ قراراتها، لم تكلف نفسها طوال أربعة عقود بإيجاد حل لمشكلة بسيطة كهذه وكأن الساعات الطويلة المفقودة من إنتاج المئات من الأشخاص المبتلين بهكذا موقف لا قيمة لها عندهم، وقد يدفع هذا الوضع البعض لأن يكفر بنعمة الله (المطر) التي تتحول بالنسبة له من نعمة إلى نقمة لما تسببه لهم حالة الطرق من معاناة.

ولأنني سوف أتوقع منه أن يذكرني بحقيقة أن الدولة من خلال المؤسسات المعنية غير مقصرة في ربط مختلف مناطق البلاد وليس مسقط فحسب بشبكة طرق حديثة على الرغم من تكاليفها الباهظة نظرا للطبيعة الوعرة لتضاريس البلاد، فمن المؤكد أن أعترف له بذلك، ولكن من الطبيعي أن الفت انتباهه إلى حقيقة أن مرؤوسيه المكلفين هذه المهمة لم يعملوا للأسف بالحديث النبوي الشريف الذي ضمنته الدولة في مناهج الصفوف الابتدائية ألا وهو: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”، فرموا بهذا الحديث الشريف وراء ظهورهم فهم بالطبع عملوا ولكن بدون إتقان وإن كنا واقعيين فلنقل بدون ضمير.

ولأن الحقيقة دائما مرة كما يقال فقد يتهمني بالافتراء عليه وعلى مؤسسته، وفي هذه الحالة لن أتردد طبعا بأن أذكر له أسم شارعين أو ثلاثة من الشوارع حديثة الإنشاء، حيث أن عينا المواطن تكاد تخرج من مقلتيها وهو يقود مركبته فيها فلا يخرج من حفرة إلا ويسقط في أخرى حتى ينتابه إحساس بوجود مصلحة ما بين القائمين على تنفيذ مشاريع الطرق وأصحاب ورشات تصليح المركبات. والأسوأ من ذلك هي طريقة الترقيع المتخلفة التي يتم بها معالجة هذه الشوارع مثل تلك المعمول بها في أرياف الدول المتخلفة بحيث يبدو حالها بعد ترقيعها أسوأ من الطرق التي بناها الاستعمار البريطاني في بعض الدول التي استعمرها والتي لا زالت تعمل حتى تاريخه ربما بأداء أفضل من بعض طرقنا الجديدة.

أما إذا حالفني الحظ وطالت مراسيم الجلسة، فلن اتردد بأن أنقل إليه أن المتردد على المناطق التجارية في مسقط يشعر وكأنه في مزارع للسيارات تحيط بالمباني من كل جانب وفي كثير من الحالات يضطر الكثير من مرتاديها بعد اللف والدوران إلى العودة من حيث أتوا، أو إيقاف سياراتهم على أحد مساري الشارع متسببين بخلق أزمة مرور إلى جانب أزمة مواقف. وقد أسأله إن كان على علم بأن هذه المشكلة تتزايد يوما بعد يوم نظرا لقيام أصحاب بعض قطع الأراضي التي كانت مهجورة وتستخدم كمواقف، بإعمار تلك القطع وبذلك يتقلص عدد المواقف في تلك المناطق ويسبب أزمة مواقف حقيقية. وفي الختام سوف أستميحه عذرا لو تجرأت بمطالبته التكرم ببذل جهود جدية لإيجاد حل لهذه المشكلة المتجهة نحو التفاقم بسرعة صاروخية.

وبلا شك فإن السعادة لن تسعني فيما لو أكرمني الحظ وتشرفت في مناسبة أخرى، بمسؤول من شرطة عمان السلطانية يحتل مقعدا بجانبي. وبالطبع سأكون ناكرا للجميل لو لم أبدأ حديثي معه بعد تبادل العلوم والأخبار، بنقل امتنان وتقدير المواطن والمقيم للجهود الجبارة والتضحيات الغالية التي تقدمها أجهزة الأمن بصورة عامة وجهاز الشرطة بصورة خاصة وبالأخص في أوقات الأزمات والأنواء المناخية وحفظ الأمن. وقد أتردد قليلا قبل أن أنقل له ما يتداوله البعض همسا من اقتراح بإعادة تسمية الإدارة العامة للمرور التابعة لهذا الجهاز بالإدارة العامة لجباية مخالفات المرور أو بالأحرى مخالفات ضبط السرعة. وهذا نابع من إحساس البعض أن الأخوة في هذه الإدارة لا يرون إلا في السرعة الزائدة فقط سببا في حوادث المرور نظرا لتدني تكاليف إدارتها ووفرة إيراداتها وقلة المجهود المبذول فيها.

وهذه الحقيقة تعكسها أجهزة ضبط السرعة الثابتة منها والمتحركة، بأشكالها المتنوعة التي تزدان بها جميع شوارعنا وفلاشاتها تلمع حتى في رابعة النهار وهذا إنجاز محمود تشكر عليه هذه الإدارة. ولكن قد يكون من المفيد لفت انتباهه إلى أنه نظرا للدقة الفائقة التي تتمتع بها أجهزة ضبط السرعة التابعة لإدارته، فإن باستطاعتها القيام بخدعة بوليسية يتم بموجبها تبادل لوحات الأرقام بين السيارات المخالفة والغير مخالفة، وربما يكون على علم أنه بفضل هذه التقنية المتقدمة تكاد مقلتا عيني المواطن أو المقيم تخرجان من محجرهما عندما يذهب لتجديد ملكية المركبة ويطبع له الموظف المسؤول كشف مخالفات السرعة سجلت في مواقع لم يزرها بل وحتى لم يسمع بها وفي أوقات ربما كان ينعم فيها بأحلام ألف ليلة وليلة.

قد أوافقه إذا قال لي أن هذه سلبيات التكنولوجيا وليس لإدارة المرور أو لرجل المرور ناقة فيها ولا جمل، ولكن بالطبع سوف أخبره بما يتعرض له المراجع عندما يحتج على ما ينسبه إليه الحاسب الألي من مخالفات فيطلب منه الذهاب إلى مبنى آخر لمراجعة القسم المعني، بعد أن يكون قد أمضى وقتا طويلا انتظارا لدوره، والحقيقة أن حقه لا يضيع لأن الصور تكشف الحقيقة وتضمن حقه، ولكن المصيبة أن عليه العودة وانتظار دوره مرة أخرى. وتفاديا لضياع وقتهم في هذا الإجراء الروتيني الغير مبرر، يفضل الكثيرون دفع ما يقرره الحاسب الآلي من مخالفات ضدهم دون مناقشة وإن كانوا متأكدين أن مؤشر السرعة في مركباتهم لم يتعدى منذ حصولهم على رخصة السياقة سرعة الـ 80 كيلومترا في الساعة وأن الأماكن التي تم ضبط جريمتهم المزعومة فيها لا يستطيعون الإشارة إليها على الخريطة حتى باستخدام العدسة المكبرة، وفي الوقت نفسه يفلت المخالف الفعلي من العقاب.

وقد أتوجه إليه بسؤال بريء ألا وهو، إنه في ظل الثورة التكنولوجية التي تتسابق جميع أجهزة الدولة بالانخراط فيها وتحصد نتيجة امتلاك هذه التكنولوجيا جوائز عالمية واحدة تلو أخرى تتباهى بها في وسائل الإعلام، لماذا لا يتم تطويع برنامج الحاسب المعني بهذه الحالات بحيث يسمح بالتأكد من صحة المخالفات من نفس النافذة التي يتم منها تجديد الملكية، حتى لا نعطي للبعض فرصة للصيد في الماء العكر واستغلال هذه السلبية في النظام للإساءة إلى الخدمات الجليلة التي يقدمها هذا الجهاز وذلك بالقول أن التكنولوجيا يستفاد منها حتى النخاع فيما إذا كان الأمر يتعلق بجباية الضرائب والمخالفات وتصبح لا ضرورة لها فيما إذا كان الأمر يتعلق بمصلحة المواطن أو المقيم.

ولست أدري ماذا سيكون رد فعله لو قلت له أن المواطن محق فيما لو ذهب إلى الاعتقاد السابق، فهو يرى بأم عينيه الاختفاء شبه التام لدوريات المرور من شوارع مسقط بحيث أن الواحد منا حتى في أوقات الذروة وطوال قيادته لمسافة 30 كيلومترا أو أكثر لن تصادفه أية سيارة مرور تردع استهتار بعض السائقين وهم يتحدثون عبر هواتفهم النقالة أو يتبادلون أطراف الحديث مع من يجلس بجانبهم، أو يقعون أسرى لفضولهم وهم يصرون على معرفة سبب وقوف سيارتين على جانب الطريق لربما أصحابها أصدقاء وقفوا للسلام على بعضهم وبالتالي ترى هؤلاء السائقين يقودون مركباتهم بأقل من سرعة السلحفاة مشكلين خلفهم سلاسل من المركبات لا تقل طولا عن سور الصين العظيم. أو أولئك الذين يحسبونها بطولة وشهامة عندما يستفزون عشرات السائقين غيرهم وهم يحاولون تغيير مسارهم عند عنق الزجاجة معتدين على حقوق الغير ومسببين اختناقات مرورية لا مبرر لها غير عابئين بآلاف ساعات العمل التي تضيع بسبب تصرفاتهم هذه مستغلين الغياب التام لدوريات الشرطة، في الوقت الذي يمكن بتواجد عدة سيارات دورية في بعض الأماكن ولساعات محدودة وربما ليس بشكل يومي، القضاء على هذه المشكلة إلى أقصى حد إن لم يكن بشكل كامل.

وهنا وحتى أخفف من أثر وقع كلامي عليه، فسأصارحه بالقول إن الإدارة العامة للمرور ليست الجهة الوحيدة التي تحتاج إلى إضافة مزيد من السلاسة على إجراءات تخليص معاملات المراجعين، وإنما كما يقول المثل “وعماتك مثلك”. فوزارة التجارة والصناعة والقوى العاملة والبلدية وغيرها، جميعها تحتاج إلى إعصار تكنولوجيي لمعالجة سلبيات مبالغتها في الاستفادة من الثورة الإلكترونية. وللأسف لا نجد في وسائل إعلامنا إلا الإشادة وامتداح محاسن العروس على لسان أمها بل ومتفوقة عليها. وياحبذا لو تجشمت وسائل الإعلام نفسها النزول إلى مواقع تقديم الخدمات في مختلف الأجهزة الإدارية في الدولة لتنقل معاناة المراجعين نتيجة التغلغل الغير منسق للتكنولوجيا في خدمات هذه الأجهزة. أما لماذا اقتصر حديثي على الإدارة العامة للمرور فلسبب رئيسي وهو أن الوضع السلبي هناك يؤثر أيضا على جيب المواطن بالإضافة إلى عامل إضاعة الوقت والذي تتسبب فيه أغلب مؤسسات الدولة المصابة بتخمة الحوسبة.

جميل جدا أن نجد في الدولة من يحرص على سلامة أرواح المواطنين والمقيمين. ولذا فإنه على الرغم من كل ما جاء في الخطاب السابق، فإن الإدارة العامة للمرور تستحق أن نرفع لها القبعة تقديرا لدورها في انخفاض عدد الوفيات الناتجة عن حوادث المرور بنسبة 48% منذ العام 2012 الذي سجلت فيه 1139 حالة وحتى نهاية العام 2015 الذي سجلت فيه 975 حالة حسبما جاء في أحدث إحصائية صدرت عن الإدارة العامة للمرور. أما بعض الهفوات هنا وهناك فلا تفسد للود قضية، ولكن إذا تركت دون معالجة فإنها قد تؤدي إلى إفساد الطبخة كلها.

سيكون من محاسن الصدف لو نظرت إلى يميني أو شمالي وتشرفت بمعرفة أنني أجاور مسؤولا بوزارة الصحة، فلن أتمالك نفسي بأن أسأله عن الحكمة من إصدار قرار له انعكاسات سلبية على موظفين مهمين في المؤسسة ثم يُلغى هذا القرار بعد يومين أو ثلاثة، قبل أن أضطر إلى إضافة حبة ضغط إضافية إلى جرعتي اليومية عن تلك التي أضفتها بعد قراءتي لبيان معالي وزير الصحة ومتابعتي لردوده على أصحاب السعادة أعضاء مجلس الشورى. هذا ما حدث في وزارته عندما أصدر أحد المسؤولين قرارا بخفض درجات موظفين معللا ذلك بخطأ في عملية تسكينهم التي تمت بموجب قرار وزاري صادر قبل سنتين تنفيذا لمرسوم سلطاني سامي صادر قبل أربع سنوات. سوف أطلب منه أن يتخيل معي رد فعل هؤلاء الموظفين وانعكاس ذلك على عملهم خاصة إذا علمنا أن المقصودين هم أطباء يتحملون مسؤولية سلامة أرواح البشر تحت ظروف عمل مضغوطة وهي بالأساس مجحفة في حقهم. والمفرح لهؤلاء الأطباء، والمبكي لمسيرة النهضة الإدارية التي نعتز ونفتخر بها، أن يتم وقف العمل بهذا القرار بعد ثلاثة أيام فقط من صدوره.

وربما لن أجد عذرا في التردد في سؤاله عن قنبلة أخرى موقوتة تزرعها وزارته في كيانها عندما تخير عشرات الخريجين الجدد من الأطباء ما بين الجلوس في منازلهم محتضنين شهادات تخرجهم، أو العمل (فترة الامتياز) بدون راتب نظرا لعدم توفر شواغر مالية، في الوقت الذي تعلن فيه الوزارة في دول أجنبية عن وجود شواغر بحجة أن البند المخصص لتعيين الوافدين فيه درجات شاغرة. ألا يوجد في لوائح الخدمة المدنية ما يسمى بالمناقلة من بند إلى بند عند الضرورة؟، وهل هناك ضرورة أهم من احتضان الكوادر الوطنية مهما كان تخصصها؟. يا ترى كيف سيكون شعور هؤلاء وأهاليهم الذين عقدوا آمالا كبيرة على اللحظة التي يستلم فيها أبناؤهم وظائفهم ورواتبهم ويتحرروا من عبء التزامات أبنائهم بعد سنوات صعبة وطويلة من الانتظار والمعاناة، خاصة وأنه بالأمس القريب تم تعيين زملاء لهم في هذه المرحلة براتب. وأعتقد أنني سوف أتمنى ان ينتهي المجلس سريعا حتى لا أصدع نفسي وجاري بالحديث عن سعر الدواء وتأخر المواعيد وتأخر مشاريع الخدمات الصحية وجودتها ووو … الخ.

لقد حضرت بنفسي احتفالين في جامعة السلطان قابوس لتخريج دفعتين من طلابها، وأقسم بالله أنني لم أتمكن من كبح جماح دموعي وأنا أشاهد دموع الفرح تنهمر من مآقي أولياء الأمور قبل أبنائهم الطلبة وهم يشاهدون الثمار التي زرعوها قد أينعت وحان وقت قطافها. أدعو ألله أن لا يضع المسؤولين في موقف بعض من هؤلاء وهم يجدون أحلامهم وأحلام أبناءهم تتحطم على جدار سوء التخطيط الإداري فيصبحون كشموع أريد لها أن تنير دروب النهضة المباركة فإذا بها تفقد وهجها بحيث لا تستطيع شع نورها إلى أبعد من ظلها. أليس مثيرا للاستغراب أن نعلن عن خطط للتنمية تغطي مشاريع عقدين أو أكثر ونحن لا نستطيع تحديد احتياجاتنا من مخرجات الجامعات والكليات للسنة القادمة. أرجو أن لا نتساهل في تقدير آثار هذه القنبلة الموقوتة التي نصنعها بأيدينا فيما لو انفجرت لا قدر الله. وهذا الكلام موجه لجميع المؤسسات دون تحديد، خاصة وأن مولانا حضرة صاحب الجلالة حفظه الله ورعاه وأنعم عليه بموفور الصحة والعافية، لا يفوت فرصة إلا ويركز على حقيقة أن كافة خطط التنمية يجب ان تضع في مقدمة أولوياتها الاهتمام بالمواطن وتوفير الخدمات الضرورية له وتوفير فرص العمل له.

لذا فإن تذرع البعض بالوضع الاقتصادي الحالي كما يحلو لهم لتبرير تقصير مؤسساتهم في تنفيذ خططها غير مقبول، فهو وضع آني وحديث، في حين نحن نتحدث عن مسيرة أكثر من خمسة عقود وصل سعر النفط في بعض مراحلها إلى 140 دولارا للبرميل الواحد سجلت فيها إيرادات الدولة فيوضات لا بأس بها وبنت احتياطيات محترمة لو استخدمت بإخلاص وعلى الوجه الصحيح لكنا في وضع أفضل بكثير مما نحن فيه الآن ولكانت برامجنا التنموية تنفذ حسب المخطط لها دون تأخير، ولكنا أول من يبادر إلى اصطحاب كل معالي أو سعادة أو فاضل، وبكل احترام وتقدير إلى صدر كل مجلس ونتشرف بالجلوس بين يديهم.

الحادي والسبعون سياسة

عن الكاتب

عيسى عبد الحسين اللواتي