الأبعاد الأنثروبولوجية للرقم سبعة في الميثولوجيا العربية

كتب بواسطة مجدي ممدوح

عرف العرب الاهتمام بالرقم ( 7 ) منذ العصر الجاهلي، وقد أخذوا ذلك عن الشعوب المجاورة كالفرس والروم . ففي الحضارة الفارسية كان الرقم سبعة يرمز إلى الخصب والنماء، ولم تختلف دلالاته عند العرب كثيرا, فقد أصبح يعني عندهم الكثرة العددية، فعندما يريد العربي التعبير عن الكثرة في شيء ما كان يقول انه سبعة، وهذا يعادل في عصرنا كلمة الألف التي أصبحت تستخدم للدلالة على الكثرة دون أن يكون مقصودا العدد ذاته, وقد اشتق منها الفعل ألّف, أي لبث ألف سنة,

عرف العرب الاهتمام بالرقم ( 7 ) منذ العصر الجاهلي، وقد أخذوا ذلك عن الشعوب المجاورة كالفرس والروم . ففي الحضارة الفارسية كان الرقم سبعة يرمز إلى الخصب والنماء، ولم تختلف دلالاته عند العرب كثيرا, فقد أصبح يعني عندهم الكثرة العددية، فعندما يريد العربي التعبير عن الكثرة في شيء ما كان يقول انه سبعة، وهذا يعادل في عصرنا كلمة الألف التي أصبحت تستخدم للدلالة على الكثرة دون أن يكون مقصودا العدد ذاته, وقد اشتق منها الفعل ألّف, أي لبث ألف سنة, وذلك للمبالغة في المكوث. واستخدم العرب الرقم ( 7 ) للدلالة على الكثرة في ما دون العشرة ( الآحاد ) واستخدموا العدد ( 70 ) للدلالة على الكثرة في ما دون المائة ( العشرات ) واستخدموا الرقم ( 700 ) للدلالة على الكثرة فيما دون الألف ( المئات ).
يصف النص القرآني نمو الحسنة كحبة أنبتت سبعة سنابل في كل سنبلة مائة حبة، ويبدو أن هذا الرقم الذي لا يمكن لأحد أن يتخيل أن يكون هناك إنتاجا حقليا بهذه الضخامة, كان ينظر إليه من باب المبالغة في الكثرة لغايات الترغيب، وإذا ما أخذنا المقاييس التقليدية في زراعة الحنطة والمبنية على الزراعة البدائية التي كانت سائدة في عصر الرسول محمد، صلى الله عليه وسلم، فإن 100 كغم إذا بذرت فإنها سوف تصل في أفضل أحوالها إلى إنتاج طن من الغلال عند حصادها, وهكذا يمكن أن تنتج الحبة عشر حبات. ولكن أساليب الزراعة الحديثة باستعمال الأسمدة والمبيدات استطاعت أن ترفع الإنتاج لتصل إلى إنتاج 10 أطنان من الـ 100 كغم هكذا وصلنا إلى المرحلة الحالية لإنتاج مائة حبة من الحبة الواحدة، ومن غير المستبعد في ظل تطور تقنيات الزراعة واستخدام البذور المطورة أن نصل إلى إنتاج سبعمائة حبة من حبة البذار الواحدة .

ومن الأمور الغريبة والمحيرة والتي تتصل بالرقم ( 7 ) أن الحيوانات مثل الكلاب والقردة لا تستطيع استيعاب أي عدد بعد الرقم ( 7 )، وهو أقصى رقم تستطيع إحصاءه، ففي تجارب متكررة على الكلاب والقرود ثبت أن هذه الحيوانات لا تستطيع العد أكثر من 7 ومن أهم التجارب التي أجريت في هذا المجال تجربة التلباثي بين الإنسان والكلب، حيث كان أحد العلماء يقوم بالإيحاء للكلب عقلياً بالعواء مرة واحدة ثم لمرتين وكان الكلب ينفذ الأمر بشكل سريع ولكنه لم يستطع تنفيذ الأمر عندما تجاوز الأمر العدد سبعة، والأغرب من ذلك أنه استطاع أن ينفذ الأمر عندما طلب منه العالم أن يعوي لأربعة عشر مرة ولكنه نفذها على شكل دفعتين، سبعة لكل دفعة بوجود فاصل زمني طويل بين الدفعتين . وكل هذا يؤشر أن الكلب لا يستوعب أي رقم أكبر من السبعة. وفي تجارب مماثلة على الشمبانزي، كان يعّرض إلى امتحان لردود أفعاله تجاه الأرقام من خلال رصد القردة التي تدخل أحد الكهوف والقردة التي تغادرها, وتبين أن القرد تحت التجربة استطاع أن يحصي العدد بشكل صحيح ولغاية الرقم (7) وليس أكثر من ذلك.
والواقع أن التجارب السابقة تؤشر بشكل واضح العمق الزمني والامتداد التاريخي البعيد لمغزى الرقم (7), فربما أن الإنسان القديم لم يكن يدرك هو الآخر أبعد من الرقم (7), وهذا طبيعي لأن الإنسان بكل تأكيد كان فيما مضى محدود القدرات على صعيد الدماغ قبل أن يشهد دماغه وقدراته العقلية نمواً مضطرداً حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن من الرقي، حيث يبلغ وزن دماغ الإنسان العصري حوالي (1300) غم في حين أنه لم يتجاوز نصف هذا الرقم قبل نصف مليون عام. هكذا نستطيع أن نفهم الجذور الأنثروبولوجية الموغلة في القدم والتي يمكن من خلالها تفسير السبب الذي عدّ الرقم 7 رقماً متكثراً, وتم استخدامه كرمز للدلالة على الخصوبة والكثرة والنماء.
وضمن هذا المنظور وضع العرب كل تراثهم الشعري على هيئة معلقات بلغ عددها سبع ويبدو أن المعلقات السبع كانت تؤشر على كثرة وتنوع النتاج الشعري العربي، هكذا أريد لها أن تكون كثيرة ومتنوعة لعدد كبير من الشعراء المجيدين, ومن الواضح أن عدد المعلقات البالغ سبعة أوحى بذلك. ورغم أن هناك معلقات أخرى كما يروى, إلا أنها كانت إضافية ومكملة للسبعة بحيث أن السبعة بقيت هي الأساس.
عندما تنزل النص القرآني الكريم أستخدم الرقم سبعة للدلالة على الكثرة أو المبالغة في الكثرة فنرى أن الآية 80 من سورة التوبة والتي يخاطب فيها الله سبحانه وتعالى رسوله محمداً قائلاً: “إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم” ويفهم من هذه الآية أن الرسول الكريم لو استغفر لهم كثيراً حتى يبلغ السبعين مرة فلن يغفر الله لهم. وهكذا فإن السبعين تعني هنا العدد الكبير جداً, ونلاحظ أيضاً في الآية 27 من سورة لقمان “والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات ربي”, وهنا نلحظ بوضوح أن المطلوب هو صيغة المبالغة حد التعجيز في كثرة كلمات الله, بحيث أن سبعة أبحر من المداد لا تكفي لكتابة كلمات الله. ويصف الله في الآية 44 من سورة الحجر جهنم بأن لها سبعة أبواب للدلالة على عظمها وسعتها, وذلك من أجل إخافة وترهيب العاصين الذين لا يمتثلون لأوامر الله. ولا أظن أن الرقم سبعة هنا مطلوب لذاته بل لدلالته في الكثرة. وكذلك في الآية 55 من سورة الأعراف ” واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا” وهنا نكرر القول بأن العدد سبعين ليس مقصوداً بل أن المقصود هو الكثرة من الرجال بحيث أنهم يمثلون كافة ألوان وأطياف المجتمع الذي كان يعيش فيه قوم موسى وهم بالتأكيد يمثلون الآن ما يعرف بالرأي العام أو حتى مفهوم البرلمان.
يتكرر الرقم (7) في قصة الطوفان، وسوف تستشهد هنا بقصة الطوفان البابلية كمرجع معتمد لأنها أقدم من قصة الطوفان التوراتية، ومن المؤكد أن كتبة التوراة اطَلعوا بشكل مباشر على هذه القصة البابلية أثناء وجودهم بالأسر البابلي في القرن السادس قبل الميلاد, مع عدم استبعاد توافرهم على مصادر مكتوبة لملحمة الطوفان من أماكن أو أزمان أخرى. وقد وردت قصة الطوفان البابلية في الملحمة الخالدة (جلجامش)، وفي هذه الملحمة نجد الخطوط العريضة لقصة الطوفان كما سترد عند العبرانيين والإغريق وغيرهم من الأقوام, فالله يغضب على الإنسان لانحرافه عن الهدف الذي خلق من اجله فيرسل عليه طوفاناً من الماء ويأمر أتباعه المخلصين بأن يجمع أهله والصالحين من الناس وأنسال الحيوان والنبات ويضعها في السفينة، ثم بعد فترة من الزمن ينحسر الطوفان وتعود الحمامة بالبشرى.
ومن الملاحظ في الملحمة البابلية أن الطوفان يستمر إلى اليوم السابع, تقول بعض المقاطع:
وبات أهل السماء لا يرون أهل الأرض
حتى ذعر الآلهة أنفسهم من هول الطوفان
وهربوا صاعدين إلى السماء (آنو)
جلسوا يندبون وينوحون
وقد غطوا أفواههم
ستة أيام وستة ليال
فمع حلول اليوم السابع
العاصفة والطوفان. خفت وطأتهما
وكانت قبل كأنها لجيوش المحاربة
وتتابع الملحمة وصف الطوفان واستقرار السفينة على الجبل:
ومضى اليوم الأول والثاني والجبل ممسك بالسفينة
ومضى اليوم الثالث والرابع والجبل ممسك بالسفينة
ومضى اليوم الخامس والسادس والجبل ممسك بالسفينة
وعندما حل اليوم السابع
أتيت بحمامة وأطلقتها في السماء
طارت الحمامة بعيدً ولم تلبث أن عادت إلي
لم تجد مستقراً ورجعت
فأتيت بسنونو وأطلقته في السماء
طار بعيداً وما لبث أن عاد إلي
لم يجد موطناً لقدميه فرجع
ثم أتيت بغراب وأطلقته في السماء
فطار الغراب بعيداً ولما رأى أن الماء قد انحسر
أكل وحام وحط ولم يعد
عند ذلك أطلقت الجميع للجهات الأربع وقدمت أضحية
وهنا نلاحظ أن اليوم السابع يعود ليتكرر في مواضع مختلفة من الملحمة, ونلاحظ أيضا أن أسطورة الخلق البابلي قد أوردت قصة الخلق في سبعة أيام, مع وجود تفاصيل الخلق في كل يوم, والتي تتشابه في هيكلتها مع القصة التوراتية. ووردت قصص مشابهة للطوفان في الميثولوجيا البابلية تتحدث عن العقاب الإلهي للبشر ورغبته في إنقاص عددهم الذي, زاد حتى بات يهدد بنقص الأغذية والجوع.
وتدور أغلب هذه القصص عن أمراض ومجاعات تستمر لستة أعوام متواصلة ومن ثم يأتي الفرج في السنة السابعة من الإله, فيعود الناس إلى سابق عهدهم من الازدهار والاكتفاء, ونجد هذا واضحاً في الملحمة البابلية (اتراحيس) حيث يعمد الإله (انليل) إلى تسليط الكوارث على الناس لتقليل عددهم, بعد أن زاد صخبهم وباتوا يزعجون الإله انليل ويمنعون النوم عن جفونهِ، وعندما يرى الإله انليل أن كل الأوبئة والكوارث والمجاعات لم تنقص البشر, بل ازدادوا عددا وانتشارا, وظلوا يقضون مضجعه, يلجا إلى حيلة بارعة وهي إغلاق الأرحام وتوقيف كل عمليات الولادة، ولكن هذه العملية تبوء بالفشل أيضا إذا أن اتراحيس (البشري) يعمد بالاستعانة بربة الولادة (مامي) أو (ماما) التي تجدد الخلق عن طريق أرحام طينية
يقول النص:
تلت ماما التعويذة
(صبتها على ما جمعه من طين)
واقتطعت منهُ أربعة عشرة قطعة
ووضعت سبعاً على اليمين
ووضعت سبعاً على اليسار
وبينهما أقامت قطعة من الآخر
وفتحت لكل منهما سرة في وسطه
سبعة أرحام وسبعة أخر
سبعة أنتجت رجالا
وسبعة أنتجت نساءً

ونلاحظ هنا تكرار الرقم سبعة بشكل ملفت للنظر، ومما لا يشك فيه انهُ استخدم هنا للدلالة على الخصوبة والكثرة والنماء.
وفي الأساطير المتعلقة بالتنين, نشاهد أن الرقم (7) يتكرر في هذه الأسطورة سواءً النسخة التوراتية أو الأوغاربتية أو السومرية, ويدخل في بنى هذه الأساطير بشكل واضح. ونشاهد أيضا أن جلجامش يمضي لصراع وحش رهيب سعياً وراء تخليد اسمه ورفع ذكره , فيعطيه الإله أرنو مخلوقاً ينقسم إلى سبعة جبابرة هم أبناء من أم واحدة، يقول النص
ثم أسلمه سبعة جبابرة أبناء من أم واحدة.
وتستمر الملحمة في وصف المعركة, فبعد أن يضع أوتو الجبابرة السبعة تحت تصرفه, يختار من قومه خمسين متطوعا لمرافقته في رحلته, ويشترط في مرافقيه أن يكونوا بلا بيوت يملكونها, أو زوجات أو أولاد, ثم يمضي إلى الحدادين فيصنعون له ولمرافقيه أجود أنواع الأسلحة, وعندما تكتمل عدته, يسرع في مغامرته, ويقطع جلجامش بجماعته ستة جبال هائلة, وعند عبور الجبل السابع ، يجلس الركب للراحة فيقع جلجامش في سبات عميق

وفي النص الاوغاريتي نجد أن عناه حبيبته لهاعمل تقوم به ايضا بقتل التنين وسحق الحية الملتوية . يقول النص:
أي جوبار واوغارما الذي أتى بكما هنا
أي عد وقد قام في وجهه بعل
أو أي خصم ناهض راكب الغيوم
الست التي محقت يم حبيب ايل

الست التي قضت على نهر الإله العظيم
الست التي أفنت التنين
وسحقت الحية الملتوية ذات الرؤوس السبعة
كما أننا نستطيع أن نرصد الرقم 7 في أساطير الجحيم البابلي

الثاني والسبعون ثقافة وفكر

عن الكاتب

مجدي ممدوح

كاتب في الفلسفة والنقد الادبي في العديد من الصحف العربية، عضو رابطة الكتاب الاردنيين، وعضو الجمعية الفلسفية، صدر له :" المقدس والسؤال الفلسقي
"،" الفلسفة الفرنسية المعاصرة"شارك في العديد من المؤتمرات الفلسفية على الصعيد العربي