الكفاية اللغوية وخاصية التميز البشري

كتب بواسطة هالا مقبل

اللغة بشكل عام وسيلة للتعبير عن الحاجات والأفكار ، ويتم ذلك عن طريق استعمال إشارات ورموز للدلالة على المعاني ، ومن ثم تصبح كل لفظة تدل على معنى في الذهن ، وهذا شيء طبيعي ، وهي بهذا المعنى اتحاد للدال والمدلول ، فالدال هو الإشارة أو الرمز المنطوق أو المكتوب ، والمدلول هو الفكرة أو المضمون ، وقد اختلف المفكرون حول العلاقة بين الدال والمدلول ،

اللغة بشكل عام وسيلة للتعبير عن الحاجات والأفكار ، ويتم ذلك عن طريق استعمال إشارات ورموز للدلالة على المعاني ، ومن ثم تصبح كل لفظة تدل على معنى في الذهن ، وهذا شيء طبيعي ، وهي بهذا المعنى اتحاد للدال والمدلول ، فالدال هو الإشارة أو الرمز المنطوق أو المكتوب ، والمدلول هو الفكرة أو المضمون ، وقد اختلف المفكرون حول العلاقة بين الدال والمدلول ، فمنهم من عدها علاقة توقيفية ، أي وحيا وإلهاما من الله ، ومنهم من عدها توفيقية أي تواضعا واصطلاحا بين الناس ، ورأى قسم من العلماء أنها محاكاة وتقليد لأصوات الطبيعة أو البشر . فقد تبنى أفلاطون وأستاذه سقراط فكرة العلاقة الطبيعية بينهما ، أما أرسطو فقد عدها علاقة عرفية اصطلاحية ودلل على ذلك باختلاف اللغات بين الشعوب ، ومن العلماء العرب من قال بتوقيفية اللغة اعتمادا على النقل في قوله تعالى : ” وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ” ، ويرون أن الله وقف آدم عليه السلام على ما شاء أن يعلمه إياه مما احتاج إلى علمه في زمانه ، وانتشر من ذلك ما شاء الله ، أو أن الله أقدر آدم على وضع اللغة واصطلاحها ، وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغة إنما هو من الأصوات كدوي الريح ، وحنين الرعد ، وخرير الماء وأن كثيرا من ألقاظ اللغات الإنسانية قد انحدرت من تلك الأصوات الغريزية وأصبحت تعبر عن الفكر الإنساني بعد ذلك ، ومن أدلة هذا الرأي أن الطفل في المرحلة قبل الكلامية يلجأ إلى محاكاة أصوات الطبيعة .

ومن هنا نجد أن العلماء لم يتمكنوا من الاجتماع على رأي واحد ، ولم يتوصلوا إلى نتيجة حاسمة في هذه القضية ذلك أن كل رأي له ما ينقضه ويفنده سواء أكانت أدلته عقلية أم نقلية ، والرأي الذي نطمئن إليه أن الله وضع في الإنسان القدرة على اصطلاح اللغة ، وهي مَلَكَة زوده الله بها في الأصل للتعبير عن مدركاته ، فالذي عَلَّمَه آدمَ أعمُّ من أن يكون علمًا ضروريًّا ، وأعم من أن يكون بطريق التلقين فحسب ، أو بخلق القوة الناطقة فيه التي تضع الاسم إزاء المسمى ، أو بالنظر والاستدلال ؛ ذلك أنَّ الله إنَّما يؤهل آدم للتعامُل مع المخلوقات على وجه الأرض ، وللقيام بدور الخلافة فيها ، وهذا مقامٌ يقتضي تأهيلَ القائم به ؛ إذ هو في أول بداية له مع الأرض ومَن فيها ، فهو مرسل لأداء مُهمة في غير المكان الذي خلق به، فيقتضي إلمامه بما يَجب عليه وما يُعينه على

أداء واجبه . فاللغة نشأت من خليط من كل هذه النظريات ؛ بدأت توقيفية وانتهت توفيقية ، وهي تتأثر بالبيئة وتنمو وتتطور ولا يمكن أن تحد بنظرية . والعلامة اللغوية لا توحد الشيء والاسم ، ولكن توحد الفكرة والصورة الصوتية وإن الصورة الصوتية ليست الصوت المادي ، إذ إن الصوت المادي شيء فيزيائي خالص ، لكن الطابع النفسي للصوت هو الانطباع الذي يحدثه في مشاعرنا ، وقد أدى الاهتمام بالعلاقة بين الدال والمدلول إلى ظهور فرع جديد من اللسانيات هو علم العلامات ( السيمولوجيا ) ، فإن مشكلة اللغة سيمولوجية بشكل رئيسي وكل التطورات استمدت أهميتها من تلك الحقيقة المهمة فالرموز تكتسب قيمتها اللغوية من خلال المجتمع ، واللغة في مجملها ظاهرة إنسانية اجتماعية .
والملكة اللغوية خاصية من أبرز خصائص النوع الإنساني ، ومكون أساس من مكوناته ، فإن دراسة اللغة ترتبط بدراسة الفكر البشري ، ومن هنا يتميز الإنسان عن الحيوان ، ذلك أن الحيوان وإن كان يمتلك جهازا صوتيا يصدر من خلاله أصواتا يتفاهم بها مع فصيلته من الحيوانات ، إلا أن لغة الحيوانات تفتقر إلى مفهوم العلامة اللغوية التي يختص بها الإنسان ( سيولوجيا ) ، وهي نتاج القدرة التي أودعها الله فيه ، واللغة ليست وسيلة للتواصل ونقل الأفكار فحسب ، وإنما هي أداة للفكر ، وما القدرة على ربط الدال بالمدلول إلا مثالٌ واضحٌ على عملية فكرية يختص بها الإنسان دون غيره من المخلوقات ، ولا نقصد بالمدلول هنا المسميات والمفاهيم المفردة فحسب ، وإنما يندرج هذا الحكم على الدلالات التركيبية أيضا . فالألفاظ مشتركة بين أهل اللغة جميعا ، في حين يأخذ كل فرد منها ما يشاء ليصوغ أفكاره بطريقته تبعا للفكرة ، وعليه فإن نظم الكلام يقع ضمن الترابط العضوي بين الفكر واللغة ، وهذا يتطلب جهدا فكريا خاصا لتنظيم الألفاظ وفق ترتيبها في النفس .

ونحن إنما نشعر بوجودنا وبحاجاتنا المختلفة ، وعواطفنا المتباينة ، حين نفكر ، ومعنى هذا أننا لا نفهم أنفسنا إلا بالتفكير، ولا نستطيع أن نعرض الأشياء في أنفسنا إلا مصورة في هذه الألفاظ التي نقدرها ونديرها في رؤوسنا ، ونظهر منها للناس ما نريد ونحتفظ بها في أنفسنا بما نريد ، فنحن إذن نفكر بهذه اللغة ، وحتما تتصل اللغة بالفكر ، ولا يمكن تصور لغة دون فكر فكلاهما متضمن الآخر، فالمعاني تستنبط من الكلمات ، والكلمات هي هيئة المعاني ، والعلاقة تلاحمية بينهما ، وهذا ما يميز الإنسان عن بقية المخلوقات ؛ فالفكر خاصية إنسانية ، وهذا يدعم فكرة وحدة اللغة الإنسانية ؛ فاللغة مرتبطة بأرقى خاصية تميز بها الإنسان ، والفكر الإنساني يعمل بآلية واحدة ، ونسق واحد على أساس وحدة الفطرة الإنسانية ، وهذه الفطرة منبثقة عن وحدة الحاجات الإنسانية ، ووحدة الغاية من خلق الإنسان وهي عمارة الأرض ، فلا شك أن أساس اللغة واحد في إطار وحدة الإنسانية ، ووحدة الفكر .

الثاني والسبعون ثقافة وفكر

عن الكاتب

هالا مقبل