من سيد قطب إلى داعش

كتب بواسطة صالح البلوشي

نستطيع –إذا أردنا– أن ندّعي بأن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي استطاع في فترة وجيزة جداً أن يكون رقما صعبا جدا في الشرق الأوسط بل في العالم واحتل مساحات شاسعة جدا من سورية والعراق – قبل أن يخسر بعضها مؤخرا بفعل الحملة الجوية الروسية والأمريكية إضافة إلى الضغط العسكري السوري والعراقي– نستطيع أن ندعي بأنه تنظيم وُلد في رحم الاستخبارات العسكرية الصهيونية والأمريكية؛

نستطيع –إذا أردنا– أن ندّعي بأن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذي استطاع في فترة وجيزة جداً أن يكون رقما صعبا جدا في الشرق الأوسط بل في العالم واحتل مساحات شاسعة جدا من سورية والعراق – قبل أن يخسر بعضها مؤخرا بفعل الحملة الجوية الروسية والأمريكية إضافة إلى الضغط العسكري السوري والعراقي– نستطيع أن ندعي بأنه تنظيم وُلد في رحم الاستخبارات العسكرية الصهيونية والأمريكية؛ من أجل تشوية صورة الإسلام والمسلمين في العالم، وكذلك من أجل تفتيت الدول العربية ورسم خارطة سايكس بيكو جديدة في المنطقة، ونستطيع كذلك أن ندعي بأن النظامين السوري والإيراني كانا وراء تأسيس هذا التنظيم من أجل تحريف “الثورة السورية” عن مسارها السلمي وتشويه صورتها أمام العالم، وهو الأمر الذي تحقق فعلا بعد أقل من سنة من عمر الأزمة السورية؛ مما أدى إلى تغيير كثير من دول العالم نظرتها إلى الأحداث هناك؛ وخاصة بعد أن غدا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لاعبا رئيسيا في مسار الأحداث في الأزمة. ولكن من يقرأ البنية الفكرية والأيديولوجية لهذا التنظيم المتطرف وغيره من التنظيمات التي ظهرت في السنوات الأخيرة في العالم العربي يكتشف أن التنظيم لم يأتِ من رحم أجهزة الاستخبارات سواء العالمية أو الإقليمية، وإنما من التراث الإسلامي، كما يستند التنظيم إلى مرجعية فكرية وتنظيمية تمتد إلى ستينات القرن المنصرم، وتحديدا إلى القيادي الإخواني سيد قطب وكتابه الشهير “معالم في الطريق”، الذي يُعتبر “دستورا تعتمد عليه السلفيات الجهادية في مجمل أطروحاتها، حول الرؤية، ومنهج الحركة، وآلية التغيير، والعمل، بناءً على مفهومين تأسيسسن ؛ وهما: ” الحاكمية” و” الجاهلية” ” (1). وقد كان سيد قطب هو أول مُنظّر للحركات الإسلامية الذي قال بأن الشعوب الإسلامية أجمع تعيش في جاهلية أسوأ من الجاهلية التي كان يعيش فيها العرب قبل الإسلام، وقال بتكفيرالحكام بسبب عدم تطبيقهم –برأيه- شرع الله، وقد صرح بذلك عدة مرات في كتابه (معالم في الطريق) منها في مقدمة كتابه ص 9 حيث قال : “إن العالم يعيش اليوم كله في ” جاهلية ” من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها .. جاهلية لا تخفف منها شيئا هذه التيسيرات المادية الهائلة، وهذا الإبداع المادي الفائق ” ثم قال في ص 19 : ” نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم . كل ما حولنا جاهلية.. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيرا إسلاميا.. هو كذلك من صنع هذه الجاهلية”، وفي ص 103 نفى صحة إطلاق تسمية المجتمعات الإسلامية اليوم على المجتمعات التي تدين بالإسلام حيث قال” : ” ليس المجتمع الإسلامي هو الذي يضم ناسا ممن يسمون أنفسهم ” مسلمين” بينما شريعة الإسلام ليست هي قانون هذا المجتمع، وإن صلى وصام وحج البيت الحرام! وليس المجتمع الإسلامي هو الذي يبتدع لنفسه إسلاما من عند نفسه – غير ما قرره الله سبحانه، وفصله رسوله صلى الله عليه وسلم ، ويسميه مثلا ” الإسلام المتطور””. ومن أجل التعامل مع هذا ” المجتمع الجاهلي” ومعالجة الأوضاع التي تعيش فيه يرى سيد قطب في ص 20 أن مهمة الحركة الإسلامية هي ” تغيير واقع هذا المجتمع، مهمتنا تغيير هذا الواقع الجاهلي من أساسه ” ويقول : ” وسنلقي في هذا ( يقصد طريق التغيير ) عنتا ومشقة ، وستفرض علينا تضحيات باهظة ، ولكننا لسنا مخيرين إذا نحن شئنا أن نسلك طريق الجيل الأول . كلا! إننا وإياه على مفترق الطريق ، وحين نسايره خطوة واحدة فإننا نفقد المنهج كله ونفقد الطريق”. وبعد إعدام سيد قطب عام1966 أصبح كتابه وأطروحاته مرجعا لكثير من الجماعات المتطرفة في داخل مصر وخارجها ابتداءً من جماعة ” التكفير والهجرة ” التي أسسها شكري مصطفى ، الذي كان معروفا بعلاقاته الوثيقة مع زعماء ” الأخوان ” ، كما كشف عن ذلك القيادي الأخواني المنشق ثروت الخرباوي في كتابه المعروف ” سر المعبد .. الأسرار الخفية لجماعة الأخوان المسلمين ” ، وكان المسئول أيضا عن اغتيال وزير الأوقاف المصري الأسبق الشيخ محمد حسين الذهبي سنة 1977 ، إضافة إلى التيار الذي عرف باسم ” القطبيين ” المتشدد ، الذي استفاد مُنظّره عبدالمجيد الشاذلي في كتابه ” حد الإيمان وحقيقة الإسلام ” من أفكار سيد قطب ، وخاصة حول تقسيم المجتمع إلى إسلامي وجاهلي ، وانتهاء بتنظيم ” الدولة الإسلامية ” الذي أخذ تعليمات قطب من الشيخ أبو محمد المقدسي الذي وإن أعلن – لاحقا – تحفظاته على وجود تطرف في بعض ممارسات التنظيم إلا إنه لم يعلن تبرؤه منه.
وكان أبو محمد المقدسي – وأسمه الأصلي هو عصام البرقاوي – يعتبر الأب الروحي لتنظيم التوحيد والجهاد الذي تأسس في العراق بعد الاحتلال الأمريكي سنة 2003 بزعامة الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي، وقد كان المقدسي الذي كان يقيم في الكويت – قبل طرده منها بعد تحرير الكويت – منتسبا إلى التيار السروري المنتشر في الكويت والسعودية، الذي أسسه محمد سرور بن نايف زين العابدين في الكويت بعد انشقاقه عن جماعة الإخوان المسلمين في سورية وترحيله من السعودية، ثم اختلف المقدسي مع السروريين، حيث جرى فصله من التنظيم، ليتقرب من جماعة القطبيين -نسبة إلى المنتسبين لمدرسة سيد قطب من المختلفين مع مدرسة الإخوان المسلمين- حيث تأثر بإمام مسجد الخلف في الكويت السيد يوسف عيد، وهو أحد الذين اعتقلوا مع سيد قطب، وأحد الخمسة الذين أشار لهم قطب بسؤالهم عن مواقفه خلال سجنه وذلك في رسالة سيد قطب الشهيرة “أفراح الروح”.في مرحلة لاحقة التحق المقدسي بما عرف باسم جماعة جهيمان العتيبي، وتأثر بعقيدتهم السلفية وتتلمذ على يد عدد من شيوخهم، وكان هذا التقرب أحد الأسباب التي أدت إلى فصله من التيار السروري، ويمتدح المقدسي “جماعة جهيمان” في نشاطها الدعوي وخاصة في المناطق البدوية السعودية وتعليم الناس أسس التوحيد، لكنه يؤكد أنه اختلف معها في بعض القضايا ومنها عدم تكفير من ينتسب للشرطة والجيش، مما أدى إلى ابتعاده عنهم قبل أن تدخل الجماعة في مواجهة مسلحة مع السلطات السعودية داخل الحرم المكي عام 1980.(2). وبعد عودته إلى الأردن أصبح المقدسي المرشد الروحي للتيارات السلفية المتطرفة هناك وخاصة تنظيم ” التوحيد والجهاد ” المتطرف الذي يرأسه أبو مصعب الزرقاوي الذي كان يقاتل القوات الأمريكية وأجهزة الأمن العراقية بعد الإحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 ، ثم وسع الزرقاوي عمليات المسلحة لتشمل المواطنين العراقيين الشيعة ( المدنيين ) بالسيارات المفخخة والتفجيرات الإنتحارية في المساجد والحسينيات حتى نجحت القوات الأمريكية في إغتياله في السابع من يونيو سنة 2006.
وبعد مقتل الزرقاوي تناوب على رئاسة التنظيم إثنان تم قتلهما أيضا وهما: أبو حمزة المهاجروأبو عمر البغدادي، وكان التنظيم قد تحول ليصبح ” مجلس شورى المجاهدين” في ينايرعام 2006 ثم إلى ” الدولة الإسلامية في العراق” في أكتوبر من نفس العام ، ثم إلى ” الدولة الإسلامية في العراق والشام” حتى إعلان الخلافة الإسلامية في يونيو عام 2014 بعد إحتلال الموصل وإعلان أبو بكر البغدادي إن إسم دولة الخلافة الجديد هو ” الدولة الإسلامية “.
لا ينطلق تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش) في أيديولوجيته وأفكاره من فراغ، أو أجهزة إستخبارات إقليمية وعالمية كما يتصور البعض، وإنما يستند إلى كتاب ” مسائل في فقه الجهاد ” لأبي عبدالله المهاجر الذي يرجع إليه التنظيم المتطرف في عمليات الذبح والتترس والعمليات الإنتحارية وتكفير المخالفين للتنظيم سواء من السنة أو الشيعة.
وللأسف الشديد فأنه رغم إعلان كثير من المؤسسات الفقهية الإسلامية مثل الأزهر والزيتونة وهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية تبرؤها من تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) وإعلانها إنها لا تمثل الإسلام، فإنها لم تتصدى حتى الآن بالرد العلمي على أطروحاتها الفكرية والفقهية كما لم نجد فقيها واحدا رد على كتاب ” معالم في الطريق ” لسيد قطب رغم شهرة الكتاب الذي لا يزال محتفظا به إلى اليوم ، كما لم نجدد ردودا على كتاب ” مسائل في فقه الجهاد ” للمهاجر مما يدعم إدعاءات هذا التنظيم المتطرف أنه يستقي “شرعيته” من الأصول الإسلامية من كتاب وسنة وفتاوى علماء السلف، ويزيد من تأثيره الأيديولوجي على الشباب الذين يقدمون البيعة لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي ويتعهدون له بالولاء المطلق حتى لو أمرهم بقتل والديهم وأخوانهم وأقاربهم وهذا ما حدث في الفترة القريبة بالمملكة العربية السعودية للأسف، وأعتقد أن عدم وجود ردودا علمية ونقدية على إدعاءات هذا التنظيم وخاصة قراءاتها المتطرفة للنصوص الإسلامية يجعل من هزيمته أمرا في غاية الصعوبة إذ إن الضربات العسكرية والملحقات الأمنية لا تكفي لوحدها القضاء على هذا التنظيم، وربما تزيد من شعبيته.

المراجع:
1-كتاب: ” تنظيم الدولة الإسلامية – الأزمة السنية والصراع على الجهادية العالمية” لحسن أبو هنية والدكتور محمد أبو رمان / مؤسسة فريدش إيبرت( الأردن) الطبعة الأولى 2015/ غير مخصص للبيع ” ص 167.
2- موقع الجزيرة نت الإلكتروني 27/ 10/ 2014.

الثالث والسبعون سياسة

عن الكاتب

صالح البلوشي

كاتب عماني