باب حمراء العبريين بعدسة المصور العماني سالم الوردي www.swardi.com
جون بيسنت يتحدث (الجزء الثاني)
حاوره: بدر العبري
تنويه:
كما ذكرتُ في الجزء السابق، فقد أشرت في أول رسائلي لـ”جون بيسانت” إلى قيام بعض المثقفين العمانيين بصياغة عريضة يهدفون من خلالها مطالبة جلالة السلطان بإجراء تغييرات جذرية في نظام الحكم بحيث يكون هناك دستور تعاقدي في البلاد. وقد كان الهدف بدايةً هو كسب اهتمام “بيسانت” ليقوم بالإجابة على رسالتي وبقية تساؤلاتي، وتدريجياً قمت بمناقشة القضايا المتعلقة بنظام الحكم وبجلالة السلطان معه، وهي ذات القضايا التي نطرحها في هذا الجزء.
بقيّ التنبيه إلى نقطة أخيرة وهي إنني أقوم هنا فقط بعرض آراء “بيسانت” بغض النظر عن مدى اتفاقي أو اختلافي معها، لإيماني بضرورة التزام الحياد في عرض الآراء، وربما أعرض رأيي الشخصي في مناسبة أخرى.
الدستور ونظام الحكم:
عندما سألت “بيسانت” عن رأييه في مطالبة بعض المثقفين بدستور تعاقدي للبلاد قال:
” من المثير للاهتمام أن يقرأ المرء أن هنالك مجموعة من المثقفين العمانيين يرغبون من جلالته – السلطان قابوس – أن يقوم بسنّ دستور حكم لسلطنة عمان. وإن تطلع الشعب لدستور مكتوب – وخصوصاً في حالة وجود تركيز متزايد وغير مقبول أو مرغوب من السلطة التنفيذية في عمان- هو نتاج تطور طبيعي تماماً. وقد كان ذلك واضحاً في عمان خلال الأشهر الأولى التي تلت إنقلاب الثالث والعشرين من يوليو لعام 1970م الذي أطاح بقوة بالسلطان سعيد بن تيمور من عرش عمان.
وفي الواقع، فإن كتابة الدستور بالإضافة إلى تعيين رئيس لمجلس الوزراء سيؤدي بدوره لتطبيق مبدأ المسؤولية الجماعية من أجل الحكم الرشيد في سلطنة عمان. وقد كان هذا هو طموح السيد طارق بن تيمور أول رئيس وزراء في ظل العهد الجديد. وبذلك تتحول الدولة من “سلطنة مسقط وعمان” إلى ” سلطنة عمان” حيث يأخذ السلطان الجديد، قابوس، دور الملك الدستوري.
إلا أن هذه الاستراتيجية البعيدة المدى أدحضت من قبل أولئك المقربين من السلطان الجديد، فقد رأوا في تعيين السيد طارق رئيسا للوزراء تهديدا لطموحاتهم الشخصية وسيكون بمثابة “متحكم و كابح” لتأثيرهم على السلطان قابوس وأنشطتهم المالية المربحة.
إن التخلي عن مشروع رئيس الوزراء كان قضية محزنة ومؤسفة لأنه كان من الممكن أن يجعل من عمان نموذجاً للحكومة الدستورية ويعرّف بالدولة على الصعيد العالمي كدولة رائدة في العالم العربي والإسلامي التي امتلكت الحكمة والشجاعة لمواجهة ما كان وما يزال لا مفر منه.
بصراحة تامة، يجب أن أؤكد على أن العديد من أولئك المقربين من السلطان قابوس والذين شجعوه على التخلي عن منصب رئيس الوزراء كانوا راغبين حقيقةً في إثراء أنفسهم على حساب السلطنة، وهم في حقيقة الأمر بريطانيون من رفقائي. ولمزيد من الصراحة عليّ أن أؤكد أيضا أن كلاً من المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية ليس لديهما دستور مكتوب ( فقد تطور الدستور الحالي على مدى القرون!) ولكن هناك نشاط لتوثيقه حالياً. “
وحول إن كان جلالته سيعود لممارسة الحكم عبر رئيس وزراء أوضح بيسانت:
” فيما يتعلق بسؤالك عما إذا كان السلطان سيعاود ممارسة الحكم عبر رئيس الوزراء أم لا ( رئيس الوزراء والسلطة التنفيذية الذي سيحكم معه جنباً إلى جنب ) فالإجابة يجب أن تكون قائمة على سبيل الاحتمالات المتوازنة بأنه سيقوم بذلك (كونه حاكماً يمتلك مهارة سياسية حذقه)، وفي الحقيقة فإنه مع تنامي الوعي والجرأة لدى العمانيين فإن هذا الإجراء كان يجب أن يتخذ منذ سنوات خلت.
في مثل هذه الحالة لابد أن يؤخذ بعين الاعتبار أنه وبحلول شهر يوليو سيكون قد مر على جلالته وهو على عرش عمان 40 عاماً ، وبما أن الوقت ليس سلعة متوفرة بغزارة، ففي النهاية سينفد منه مثلما نفد من والده، ولكني آمل على الدوام أن يكون إرثه التاريخي الرئيسي في كونه هو الذي أوصل بلده وشعبه إلى حالة الحكومة الدستورية.
إن السلطان قابوس يستحق أن يكون له إرث إسطوري ذا صيت، وإذا كان هناك من شعب يستحق أن يؤتمن على حرية دستورية مماثلة فهو شعب عُمان بكل تأكيد. “
وأضاف “بيسانت” لاحقاً أنه لا يتوقع أن يفشل جلالته في وضع نظام حكم دستوري قائم على أساس أن يكون لدى الشعب الحق في نقض الحكومة، بل إن هذا – والكلام لبيسانت- سيكون أفضل “إرث” لشعب عُمان بل ولمنطقة الخليج كلها.
ومن الطبيعي أن يبرز تلقائياً سؤال حول سبب “احتكار” جلالته للسلطة وقد علّق “بيسانت” على هذا:
” أما عن سؤالك عن سبب احتكار السلطان قابوس للسلطة لنفسه فهو وحده من يستطيع الإجابة عليه. و لكن ما يجب تذكره هو أنه أصر منذ بداية حكمه على الحفاظ على سيطرته على إدارة السياسية الخارجية و المالية ومبيعات النفط والدفاع, وهذا المطلب يعد جزءاً مهما ً لسبب الخلاف بينه وبين رئيس الوزراء السيد طارق.
و في الحقيقة … إذا كان رئيس الوزراء لا يؤتمن على مثل هذه المهام الحاسمة بالنسبة للحكومة ، فما الذي تبقى لرئيس مجلس الوزراء من الأمور ذات الشأن ليعالجها ؟
بالطبع , كان معروفاً أن لاندن , (وآخرون) هم من حثوا السلطان على اتخاذ هذا الإجراء التراجعي.” و لكن هنالك عامل مهم لا يمكن التغاضي عنه وهو لمزاولة السلطة المطلقة بشكل واقعي والمثير للرغبات والنزوات إلى أقصى الحدود يعاود طرح وبشكل طوعي ونادر مصداقية حقيقية كونية ألا وهي حب التملك وحب الذات.
وحول أوجه التشابه بين صاحب الجلالة والمرحوم والده أبدى “بيسانت” قلقه من أن ينفد الوقت عن جلالة السلطان قبل أن يقوم بالتغييرات اللازمة مثلما حصل مع والده وأشار إلى أن أبرز أوجه الاختلاف بين الرجلين هو توفر المال بغزارة لدى جلالته:
“.. الوقت قد نفد من والده وبالرغم من أن هذا يعكس صورة محزنة عن الماضي ، إلا أنه من الممكن أن ينفد الوقت منه أيضاً. وبالإمكان اعتبار أن هذا هو أكثر تشابه محتمل بينه وبين أبيه.
ولكن الشيء الغير مشترك بينهما بالتأكيد هو حقيقة أن قابوس كانت لديه القدرة المالية على بناء البنية التحتية للدولة الحديثة بينما لم يكن هذا متوفراً لدى والده بكل بساطة. إنه فعلا غريب، ما الذي يستطيع المرء فعله عندما تتوفر لديه الموارد المالية اللازمة!؟ “
عائدات النفط في عُمان:
وحول عائدات النفط في عمان وإلى من تذهب كان لي سؤالان، أولاهما متعلق بجلالة السلطان والنسبة التي يأخذها من عائدات النفط فكانت إجابته:
” فيما يتعلق بسؤالك عما إذا كان السلطان نفسه يحصل على نسبة مئوية من عائدات بيع النفط في البلاد ، فيمكن الإشارة إلى أنه خلال مرحلة البحث والتحضير لكتاب “صدمة شل – أسرار وغزل عملاق نفطي” ( “ماينسرتيم” Mainstream – 2005، و “فيرشينا” Vershina (روسيا) 2009) فقد ذكر أحد التنفيذيين السابقين في شركة شل أن جلالته لا يحصل فقط على نسبة مئوية “ضخمة “من عائدات بيع النفط بل إنه بعد انقلاب 23 يوليو من عام 1970 مباشرةً اجتمع مع تنفيذيي شركة شل خلال زيارة خاصة إلى لندن وتفاوض معهم من أجل الحصول على نسبة أعلى بكثير من تلك المتفق عليها مع والده السلطان سعيد بن تيمور.
وقد تم اتخاذ القرار بعدم إدراج مثل هذه التفاصيل في النص لأنه أصبح معروفاً أنه قد ظهر قلق شديد جداً في مسقط حول النشر لكتابٍ لاحق وعد بتسليط الضوء على طريقة الحكم في البلاد.
وفي وقت سابق و أبان فترة نشر كتاب ” سلطان في الجزيرة العربية … حياة خاصة” وصف أحد أفراد عائلة السلطان قابوس الذي كان في زيارة لبريطانيا حالة “الحنق” التي سببها نشر هذا الكتاب بصفة خاصة .
قد لا يصدق ناقدي هذه الحقيقة ولكن مع عيشي في عمان لأكثر من عشر سنوات -تكونت خلالها مودة راسخة مع الشعب والأرض- فإنني ترددت في نشر مثل هذه الممارسات ( مثلاً أخذ “العمولات الغير شرعية” من الصفقات الكبرى) وهذه الممارسات فعلياً واضحة ورائجة عالميا.
على أية حال … ولتوضيح ما لا يحتاج إلى توضيح، فإذا لم يكن جلالة السلطان يستمد هذه الثروات الهائلة من النفط فمن أين كان يستمدها؟ الحقيقة التي يجب ألا تنسى أبدا هي أن هناك العديد من أجزاء العالم تعتبر هذه المدفوعات كممارسة معتادة و أنها تجري على نطاق واسع لعدم وجود أبعاد أخلاقية. وعلى كل حال فإن الحقيقة تبقى واضحة و إذا كانت هناك أي ممارسة غير أخلاقية فلا يمكن أن تكون صحيحة أبداً من الناحية السياسية. “
وأما حول تيم لاندن وإذا ما كان هو، ومن ثم ورثته، يأخذون نسبة من عائدات النفط فقد قال:
” لاندن في الواقع تلقى نسبة من عائدات النفط في سلطنة عمان (فقد كان يسجل سنويا ضمن قائمة الأغنياء في صحيفة “سنداي تايمز ” the Sunday Times كواحد من أغنى الرجال في بريطانيا) وقد قال أحد كبار الشخصيات وهو مصدر موثوق أن هذه النسب قد أعطيت إليه من قبل السلطان من المبيعات إلى جنوب أفريقيا. ونظراً إلى أن لاندن, إلى جانب عمر الزواوي, كانا مسؤولان بصورة رئيسية عن تحدي السلطنة لحظر الأمم المتحدة على مبيعات النفط إلى جنوب أفريقيا فإن هذا يبدو محتملاً. ولكن ما يزال مجهولا عما إذا كان وريثه آرثر, الذي يواصل علاقة والده الطويلة والخصوصية مع جنوب أفريقيا , يأخذ نسبة من مبيعات النفط في عمان , مع ذلك لا يزال الابن مقربا من السلطان.”
عمان وبريطانيا:
من أهم الأمور التي حاولت مناقشتها مع “بيسانت” هي علاقة السلطنة مع بريطانيا، ولذلك كان بدايةً سؤالي حول سر إصرار بريطانيا على “الالتصاق” بعمان، وهو سؤال وصفه “بيسانت” بأنه ليس من السهولة الإجابة عليه ولكن يمكننا أن نلخص إجابته في جملة واحدة نقتبسها منه:
” إن بريطانيا لديها عدد محدود من الأصدقاء في العالم العربي والإسلامي وذلك بسبب سياستها الخارجية الفاشلة، لهذا السبب نجد بريطانيا مهتمة بعلاقتها مع عمان التي تعتبر بمثابة صديق وحيد في وسط منطقة معادية. “
وكأن “بيسانت” أدرك لاحقاً أن إجابته لم تكن مفصلة بما فيه الكفاية فأضاف في رسالة لاحقة:
” ..على كلٍ و بعد إعطاء المسألة الكثير من التفكير ( وبعد العودة إلى مادة بحثي 1998\1999 ) , فإن سؤالك الممتاز عن سبب مواصلة البريطانيون لسياسة” الالتصاق” والتمسك بالسلطان قابوس , على حد تعبيرك , يستحق إجابة أكثر جوهرية من التي أعطيت سابقاً. أحيانا يكون احترام الماضي وتشريفه ( كما ورد سابقاً) عاملاً مهماً في الممارسة البريطانية ( في بعض النواحي!) من خلال استمرارها في الوقوف مع حلفائها السابقين.
ويبدوا واضحا ً من خلال بحثي الذي أجريته قبل 12 عاماً أنه عندما تم استجواب عدد من كبار المسؤولين البريطانيين حول هذا الموضوع، أشاروا إلى أن لندن اعتبرت قابوس ثروتها الثمينة و الوحيدة في سلطنة عمان, لذا فإنه يجب أن يتلقى الدعم طالما أنه لا يزال على عرش السلطنة. وقد أشار مسؤول سابق بوزارة الخارجية : ” وضعناه هناك في عام 1970 و قررنا البقاء معه حتى عندما أدركنا بأن عمان, وبمعرفة السلطان الكاملة وموافقته بل ومشاركته, كانت ترسل النفط إلى جنوب أفريقيا و”روديسيا” و التي عرفت فيما بعد بـ “زيمبابوي” وذلك على الرغم من الحظر المفروض على نظامي الدولتين من الأمم المتحدة على تصدير النفط لهما, وفي الحقيقة فإن هذا هو سبب رفض نيلسون مانديلا زيارة مسقط في أول زيارة له لمنطقة الخليج. لقد كانت المشاركة في ذلك بمثابة مغامرة شديدة الخطورة للسلطنة وكانت في الواقع مشينة تماماً حيث عملت على إتلاف اسم السلطنة دولياً, وبالطبع كان ذلك كل ما يمكن فعله من أجل كسب مبالغ ضخمة وهائلة من المال, وقد اشترك قابوس مع لاندن وعمر الزواوي في القيام بأنشطة غير شرعية, من ناحية القانون الدولي, لتجاهل هذا الحظر الدولي. ” “
خاتمة إلى حين:
مع “بيسانت” كان لي حوار في نقاط أخرى كثيرة، ولكني اكتفي بعرض ما ورد في هذين الجزأين إلى حين وذلك لأن الكثير من تلك النقاط إما أنه قد تم تناولها في كتبه وقام “النسر” بترجمتها في “الحارة العمانية”، أو أنها تستحقُ اهتماماً أكبر وبحثاً عن مصادر أخرى لتصبح مقالات مستقلة بحد ذاتها. ولكن في كل الحالات فإن الأمر الوحيد المؤكد أن تلك النقاط سيتم سردها لاحقاً.
كذلك يجب عليّ القول أن الحوار مع “بيسانت” لم يكتمل بعد في الحقيقة، فهناك مجموعة كبيرة من الأسئلة لم يجب عليها الرجل منذ ما يقارب الشهر بسبب انشغاله الشديد، ونظراً لأن التأخير أكثر في طرح هذين المقالين كان من الممكن أن يفسر على أنه “عدم جدية” اللقاء أو “عدم مصداقيته” فإنني ارتأيت طرح هذه النقاط حالياً على أن يتم طرح البقية لاحقاً.
هذا وأقدم جزيل الشكر مجدداً لكل من ساعدني في كتابة الحوار أو ترجمته أو تعديل أخطاؤه التي تكاد أن لا تنتهي، وأخص بالذكر منهم الأستاذ “النسر” الذي له الفضل الأكبر – بعد الله عز وجل- في إكمال هذا الموضوع.
وليحفظ الله عمان وأبناء عمان.