“الربيع العربي” بين مطرقة الأعداء وسندان المثقفين ح6 

ما هو الحل للخروج من هذا النفق المظلم ؟

في ظل كل تلك المعطيات، ترى هل تبقّى ثمة أمل في إصلاح ما أفسده الدهر في أوطاننا وبين “الحكام والمحكومين” فيها؟

نعم؛ هناك أمل وأمل كبير في الإصلاح والتغيير والتطوير، فليس (سوى الخلود الجسدي في الحياة) من شيء اسمه المستحيل أمام الإرادة الإنسانية، شرط وجود الرغبة الصادقة والعزم الأكيد والإخلاص في النية لدى كل من الحاكم والمحكوم بتجاوز المحنة والنهوض من الكبوة والتسامي فوق الجراح للصعود من درك الحضيض الذي وصلت إليه بلداننا. إن الحل الأمثل للخروج من هذا المأزق الوجودي والنفق المظلم الذي تمر فيه هذه الأمة يكمن في وعي كل من الحاكم والمحكومبحتمية التغير والتبدل والتطور، وتحكيم العقل والضمير في فهم طبيعة وأبعاد الصراع والوجود الذي يعيشه العالم بوجه عام والعالم العربي بوجه خاص.  فعلى الحكام والماسكين بزمام الأمور أن يدركوا بأنهم يعيشون بأفكارهم ورؤاهم والكثير من قيمهم وسلوكياتهم خارج دائرة الزمن الذي يعيشون فيه، فعهود الإقطاع ومعاملة الشعوب كقطيع من النعاج أو الغوغاء والرعاع، والحكم الأوتوقراطي والوراثي ومصادرة الرأي الآخر وحرمان الشعوب من المشاركة السياسية، كلها أمور قد ولت واندثرت ولم يعد لها وجود أو صمود أمام الزحف الحضاري والفكر العصري المستنير؛ فهذه أمريكا، مثلاً، إمبراطورية العصر، يقف اليوم على أعلى سلطة سياسية فيها شخص من “فئة الزنوج” الذين هاجر بهم البيض يوماً من إفريقيا ليخدموهم كعبيد، وكانوا يزدرونهم ويحتقرونهم حتى الأمس القريب؛ وهذه الأخرى “لندن” عاصمة الإمبراطورية التي كانت لا تغيب عنها الشمس، لم ير غضاضة سكانها الإنجليز الأصليون (المشهورون بعنجهيتهم والصلف)  أن يكون [Text Wrapping Break]”صادق خان الباكستاني المسلم الفقير” عمدةً لعاصمتهم العتيدة. إنها “الديمقراطية” التي تحدث عنها عبد الرحمن منيف في كتابه الديمقراطية أولاً الديمقراطية دائماً” التي آمنوا بها كحَلٍ لكل معضلاتهم المستعصية في بلدانهم، فغلبوا العقل ومصلحة مجتمعاتهم وبلدانهم على كل شيء عداها، واحترموا الكفاءات من أي نوع وأية جنسية كانت وقدروها ، ومنحوها فرصة المشاركة الفاعلة في الريادة والقيادة والبناء والتطوير .[Text Wrapping Break]إن مشكلة الشعوب العربية ليست مع رموز السلطةأياً كانت مسمياتهم أو ألقابهم، ولكنها مع العقلية والمبادئ البالية المتحكمة في هذه الرموز، فالرمز- النواة أمر لابد منه لأي بلد، تلتف حوله الناس، التفاف اللحم حول العظم، ولكن كيف يكون حال اللحم إن كان العظم منخور البنيةً فاسداً؟ فبصلاح الحاكم يصلح البلد، وبفساد فكره ومبادئه يفسد البلد، “فإذا صلح الرأس، كما قيل، صلح الجسد”، والعكس بالعكس صحيح على مقولة علي ابن أبي طالب للخليفة عمر بن الخطاب يوم أن جاءت الأعراب تكدس أمامه غنائمها من إيوان كسرى : “عففتَ فعفوا، ولو رتعتَ لرتعوا”؛ والدروس في ذلك كثيرة، ففي زماننا المعاصر؛ هناك “أباطرةوبلدانهم في قمة التقدم والتطور والرخاء “كإمبراطور اليابان”، والكل يعرف من هي اليابان اليوم، وهناك “ممالك عتيدة” كممالك الدول الإسكندنافية، الدنمارك والنرويج والسويد، والمملكة البلجيكية، ودولها تعيش أوج التقدم العلمي والحضاري والازدهار الاقتصادي، وذلك لأن ملوكها تخلوا عن استعباد شعوبهم وعن الاستبداد بالثروة والسلطة، وصارت ممالكهم ممالك دستوريةتحتكم إلى الديمقراطية الحقيقية في تسيير أوضاعها السياسية والاقتصادية.[Text Wrapping Break]فلا ينبغي لهؤلاء الحكام، حكامنا، أن يستمروا في الاتكاء والاتكال على القوى الاستعمارية أو أن يستمرئوا التعامل مع شركاتها الأمنية، مثل “Black water” وغيرها من الشركات المماثلة التي لا عمل لها سوى “الوقيعة” بينهم وبين شعوبهم، والدفع بهم إلى “القطيعة” معها، ومن ثم إيراد البلاد موارد الهلاك والدمار الذي نراه اليوم في كثير من بلداننا العربية المغدورة؛ وبالتالي عليهم التوقف والكف عن النفخ في مزامير الطائفية والمذهبية والقبلية والجهل، وألّا يدفعوا بشعوبهم إلى شفير الهاوية أو حد السكين، بل الأخذ بيدها نحوآفاق التقدم والتطور والحياة الحرة الكريمة، التي ستضمن لكل من الحاكم والمحكوم الطمأنينة وديمومة البقاء طوال العمر بعيش كريم، بعيداً عن القلاقل السياسية والآفات الاجتماعية في أوطانهم العزيزة.[Text Wrapping Break]وفي المقابل على الشعوب العربية وقواها الوطنية الفاعلة “أن تحافظ على المكاسب  -مهما كانت ضئيلة- التي تحققت لها في أوطانها، بنضالاتها العتيدة وتضحياتها الجسيمة، وبخيرات هذه الأوطان، التي هي في الحقيقة حقوقها المشروعة، وليست منَّةً من أي حاكم أو تفضلاً من أية حكومة، وألاّ تسمح لأي كان أن يعيدها إلى المربع الأول في سلم الحضارة، كما أن عليها في الوقت ذاته ألاّ تقنع بما تحقق من مكاسب، وألاّ تصدق الشعار الذي ترفعه السلطة بأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، وإنما عليها الإيمان بأن هناك دائماً إمكانية تحقيق ما هو أروع  وأفضل في هذه الحياة؛ وبالتالي عليها ألاّ تستسلم أو تستكين للشعارات المثبطة لها الداعية لبقاء الأوضاع على ما هي عليه، فليس أمامها إلّا السعي جاهدة لتطوير أوضاعها بالعمل الصبور والدؤوب على نيل حريتها وحقوقها السياسية والاقتصادية المشروعة، ولكن “بالطرق السلمية العلنية” أي “بالنضال السلمي المفتوح” الذي يتوجب عليها أن تصنع وتفعّل أدواته وقنواته، وعلى رأسها “فتح قنوات الحوار الهادف البنّاء” من أجل خلق “ميثاق عمل وطني” -كما أشار أحد الكتاب- مع الأنظمة والحكومات الموجودة في بلدانها، وأن تعمل هذه القوى الوطنية على تكوين تنظيمات المجتمع المدني المستقلة في كل قطاع خدمي عام أو خاص، كالنقابات العمالية والمهنية والاتحادات الطلابية، وأن لا تخشى عواقب هذه “المطالب السلمية” التي قد تصل يوماً إلى حد العصيان المدني، مهما بلغت معارضة أو رفض السلطات لها، فما ضاع حق وراءه مطالِب، و”الحقوق -كما قال المثل العماني- تريد حلوق“؛ كما أن على هذه الشعوب وقواها الطليعية أن تدرك في الجانب الآخر أن “عصر الأيديولوجيات” بشتى مسمياتها قد سقط وانتهى، وأن الأوطاناليوم هي الأيديولوجيا، حبها والإخلاص لها والعمل والتضحية في سبيلها من أجل تطويرها والرقي بها بعيداً عن أية عقيدة عداها، هوالمطلوب. فتلك هي “كلمة السر” التي التقت عليها كل بلدان النهضة المعاصرة في اليابان وسنغافورة وتايوان وماليزيا واندونيسيا وتايلاند وتركيا ومنظومة الدول الأوروبية بوجه عام.

ذاك هو”طريق الخلاص” الذي أراه ولا أرى سواه، الذي سيضمن لأمتنا  العربية مكانة بين الأمم في التقدم والتطور والازدهار، والارتقاء بشعوبها عن واقع المهانة والمذلة والتخلف، والنأي بها وبأوطانها الحبيبة عن الجحيم الذي هي فيه الآن.

فهل يا ترى من مستجيب؟! أم أن ما قلته هنا سيبقى مجرد أحلامٍ وأمانٍ تذروها الرياح كما ذرتْ قبلها الآلافَ من الرؤى والأفكار الوطنية النافعة الجميلة، التي لو استُثمِرت واستُغلت، لكانت أوطاننا بألف خير وسلام، كما قال يوماً كاتبنا البديع سعود بن علي الحارثي في مقاله الرائع “أفكار ورؤى قيمة تضيع في غياهب الأدراج والسنين” (* 4)؟

الأيام وحدها هي الكفيلة بالجواب، فإما إلى مواكبة الركب الحضاري بالعلم والحِلم والعقل الرصين، وإما إلى المزيد من التردي في الحضيض بتغليبنا للجهل والحُمق والحقد الدفين، الذي قد تستمر ناره في جسد هذه الأمة المئات من السنين .

 

زهران زاهر حمود الصارمي 

14 / 7/ 2016

هاتف 99206716

abu-shamsan@windowslive.com

(*1)” أبي ذر الغفاري، الصحابي الجليل صاحب مقولة عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، ألا يخرج على الناس شاهرًا سيفه ” 

(*2) أنظر مقالة الكاتب سعيد سلطان الهاشمي التغيير في عمان : بين سلطة الدولة ودولة السلطة المنشور بمجلة السفير في 28 يناير 2016

 ( *3 ) ( المصدر : خلود رمضان 21/11/2014 في مقال ما الفرق بين اليهود الأشكناز واليهود السفارديم واليهود المزراحيين m3loma3lmashiblog.blogspot.com/2014/11/blog-post_8.htm

( *4)  صفحة آراء من جريدة الوطن العمانية 2/11/2014

التاسع والسبعون سياسة

عن الكاتب

زهران بن زاهر الصارمي

abu-shamsan@windowslive.com
99206716