حمود كارلوس

كتب بواسطة نوف السعيدي

تنشر الفلقُ النصوص الفائزة في الملتقى الأدبي والفني الثاني والعشرين الذي أقيم في ولاية البريمي من ٢٠ وحتّى ٢٢ نوفمبر ٢٠١٦. وبالأسفل نورد القصة الفائزة بالمركز الأوّل للقاصّة نوف السعيدي.

كل العوائل التي تسكن محضة لها أقارب أو معارف خلف الحدود، وأحيانا لهم طموحات خلفها. حمود كارلوس كان واحدا ممن يحلمون . بدأ ذلك عندما جاءت لجنة إدارية من نادي العين لاختبار قدرات الشباب الرياضية في مدرسته، لاختيار لاعبين يافعين، تدربهم تمهيدا لضمهم إلى فريق النادي. كان من السهل ملاحظة براعة حمود، كما يسهل ملاحظة الشبه بينه وبين لاعبه المفضل: القامة، السرعة، الركلة القوية بالقدم اليسرى.

كان الجميع يتوقع اختياره من أجل البرنامج، أو “المنحة” كما قال وهو يعرض الأمر على والده ليبدو أن البرنامج لا يغفل التعليم أيضا. الجميع توقع اختيار حمود كارلوس، لكن لا أحد توقع أن يسر والده للخبر. رأى والد حمود في الأمر فرصة لإجبار ابنه على الاهتمام بالدراسة بعد أن فشلت حتى العصا في ذلك: “بتلعب إذا طلعت من العشرة الأوائل”، الأوائل؟ الأوائل؟ يعرف حمود أنه عادة بالكاد ينجح فكيف له الآن أن يتفوق!

بدأ يلاحظ كل شيء، ماذا يفعل المتفوقون؟ ما سرهم؟ كم من الوقت يقضون في المذاكرة؟ في الأسبوع الأول صاحب المتفوقين، بقي لوقت متأخر في المدرسة (كان يستطيع فعل ذلك لأن المدرسة قريبة من الشعبية وهو يذهب إليها عادة مشيا، صحيح أنه كان يحسد سكان الخطوة والجويف الذين يأتون من بعيد عبر الباص، لأنه يمنحهم وقتا للقاء بعد وقبل المدرسة، والأهم يمنحهم أعذار التغيب عندما تقطع الوديان عليهم الطريق، لكنه الآن مرتاح لأن المدرسة قريبة، فمن الصعب أن يوافق والده على السماح له بالمذاكرة مع أصحابه، إنه بالكاد يسمح له باللعب معهم وقت العصر في الإجازات. ليس من أجل الانتباه لدراسته فقط، ولكن الأهم حتى لا يجرجروه للضياع…

كان هذا أسبوعه الأول بعدها فقد حماسه، وبدأ ينسى هدفه ببطئ حتى نهاية العام، الذي كان – بالمناسبة – مناسبة سعيدة، لأنه يترك له مجالا للعب. لسوأ الحظ أصيب في المباراة منذ اليوم الأول لإجازته، وإذا لم يتبق له سوى متابعة كأس العالم من باب التسلية حتى إعلان نتائج السنة الدراسية. وقد جازاه القدر بعد كل ذلك العناء بفوز البرازيل صيف 2002. الجميع يذكر تلك الأيام بكثير من الحنين، حين كانت كل القنوات تبث المباريات، وحين كان الكل يتابعها.

أخيرا ظهرت النتائج. وحمود كارلوس لم يكن الأول على صفه، لم يكن من العشرة الأوائل، لم يكن.. ناجحا. لقد رسب في الرياضيات والعلوم.

لم يكن في ساحة بيتهم أشجار كبيرة، ولكن للغرابة كان فيها عمود كهرباء، إنها الحالة الوحيدة في المنطقة التي يكون فيها عمود الكهرباء داخل سور البيت، جعل ذلك النساء يثنين كثيرا على تعقل الأولاد، لعدم اقترابهم منه، كما جعل بيتهم مثار إعجاب زملائه حين كانوا يمرون بالباص ويلمحونه. في عمود الكهرباء ربطه والده ظهيرة كاملة حين علم برسوبه. هذا العقاب جعله ينجح في اجتياز اختبار العلوم في الدور الثاني، لكنه لم يكن كافيا لاجتياز الرياضيات.

العلامة الحمراء هي كل ما رآه وقتها، إنه حتى لا يعرف أيهما اجتاز وفي أيهما أخفق. طواها بشرود، وأودعها جيبه، فيما كانت قدماه تسوقانه للبيت. لكن قبل بلوغ آخر الطريق غير مساره متجها للجبل. فكر أنه لو صعده وواصل السير بضع ساعات قد ينجح في الوصول للعين، لكن بعد أن بدأت الرجل المصابة تألمه بقوة قرر أن يبقى خارج البيت فقط حتى يجد طريقة تنجيه من غضب والده إذا ما عرف أنه سيعيد السنة. واصل حمود الصعود، وواصلت ساقه الشكوى. وعندما بلغ أولى القمم التفت إلى حيث يتوقع أن يكون بيته، لكنه لم يرى سوى عمود الكهرباء، الذي بدأ يهتز عندما بلغ الألم في ساق حمود أقصاه.

أما أنا فكنت أتخيله يتعثر، فأذهب لغرفة والدي وأخبرهم أني لا استطيع النوم، فيطلبان مني المحاولة من جديد، وعندما أحاول وأفشل للمرة الثالثة، يسمحان لي بإحضار فراشي ومده على الأرض ملاصقا لسريرهما. فأنام، لكني أتأكد من النهوض مبكرا وسحب فراشي مجددا لغرفتنا، حتى لا يعلم أخوتي أني كنت نائما مع والدي.

عند مغرب اليوم السابع لخروج حمود، وحين كانت النساء حول أمه يشاركنها الانتظار، رفعت الأم رأسها لترى مجموعات الطيور تحلق في الجهة الأخرى من الجبل. فيما كنتُ أحلم برجلٍ يسرى تركل كرة لا تصيب الهدف أبدا.

 

 

– تمت –

أدب التاسع والسبعون

عن الكاتب

نوف السعيدي

كاتبة عمانية