“ضجةٌ مفتعلةٌ على حدثٍ لا يستاهل”.. هذا هو توصيفُ ما حدث بعد إعلان انضمام عُمان إلى التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب، بعد مرور أكثر من عام من الإعلان عنه، – وكلمة الإعلان هي الأبلغ من استخدام كلمة تأسيسه، إذ أنه تحالفٌ أقرب إلى أن يكون صورياً -. فقد احتفت بالحدث وسائل الإعلام المختلفة وكذلك الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، فتمَّ فتح صفحات في تويتر تتحدث عن هذا الانضمام، منها صفحة “عُمان تعود للخليج”؛ فيما انبرى كثيرٌ من المحللين في القنوات الفضائية ليتحدثوا عن السياسة الخارجية العمانية وكأنّهم على علم بكواليسها، واعتبروا أنّ انضمام السلطنة إلى التحالف هو صفعة قوية موجهة لإيران وأنه مكسبٌ كبيرٌ للتحالف. وكان أبرز من رأى هذا الرأي هو محمد السلمي رئيس مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية الذي رأى “أنّ التحاق السلطنة بالأشقاء إضافةٌ مميزةٌ وتسجيلُ نقطة عربية جديدة ضد إيران”. بل ذهب إلى أبعد من ذلك عندما أضاف أنّ بانضمام عُمان إلى التحالف فقد “اكتمل عقد دول المجلس كمشاركين في التحالف.. والعقبى للاحتفال الكبير بإعلان الاتحاد”.
وصلت عدد الصفحات المتعلقة بانضمام السلطنة إلى التحالف في مؤشر البحث في جوجل، لحظة كتابتي لهذا المقال إلى 549,000 صفحة تتحدث عن الموضوع، خلاف مواقع التواصل الأخرى وتقارير القنوات الفضائية.
ما بين الترحيب المُبَالغ فيه بانضمام السلطنة إلى هذا التحالف، وبين التخوُّف الشديد من قبل البعض من هذه الخطوة، قد تضيع الحقيقة عند الناس، خاصةً أنّ هناك من اعتقد أنّ انضمام السلطنة إلى التحالف الإسلامي هو انضمامها إلى ما يُسمَّى بالتحالف العربي الذي يقوده الحرب ضد اليمن وأنّ هذا الانضمام هو تغييرٌ في ثوابت السياسة العمانية في ملفات كثيرة والتي تميزت وانفردت بها، مثل الملف اليمني والسوري والإيراني؛ والحقيقةُ هي غير ذلك تماماً؛ فالسياسةُ العمانيةُ ثابتةٌ ولم تتغير، وهي سياسةٌ تنبع من الواقع الجغرافي للسلطنة، لذا حافظت عُمان على علاقات طيبة مع إيران باختلاف الأنظمة التي حكمت طهران، لأنّ الجغرافية فرضت نفسها على الواقع، ولا مجال للدخول في مهاترات سياسية بين البلدين، ولا ينبغي أن تدخل عُمان في صراع مع إيران لحساب الآخرين، ولا مع الآخرين لحساب إيران.. وهي السياسة نفسها التي طبقتها عُمان مع اليمن باختلاف الأنظمة الحاكمة هناك، فكانت علاقات الحكومة العمانية جيدة مع مكوِّنات الشعب اليمني كلها، لأنّ الثابت دائماً هم الشعوب والجغرافيا.
لقد تابعتُ السياسة العمانية أكثر من ثلاثة عقود من خلال عملي كإعلامي، ولم أر أنّها سياسة كيدية أو سياسة رد الفعل، كما تطبِّق ذلك الدولُ العربية، مثلما حصل من البعض عندما اختلف مع الحكومة المصرية، فذهب إلى إثيوبيا وزار سد النهضة نكايةً في مصر؛ ومثلما حصل من الرئيس المصري عندما رد على تلك الزيارة بزيارة أوغندا، وكثير من المواقف الشبيهة بهذه تحدث في الساحة السياسية العربية لدرجة تدمير الأوطان مثل العراق وسوريا؛ لذا فالدخول إلى تحالف يضم إحدى وأربعين دولة هي أعضاء في المؤتمر الإسلامي، لا يُعتبر تغيُّراً في ثوابت السياسة العمانية المعلنة؛ فالعلاقاتُ العمانيةُ الطيبةُ مع إيران مستمرة، والعلاقات مع سوريا مستمرة، والعلاقة مع المكوِّنات اليمنية مستمرة، وكذلك العلاقات الأخوية مع دول مجلس التعاون مستمرة، وتقوم عُمان بدورها الإقليمي خير قيام.
قد يتساءل البعض – وهم محقون في تساؤلهم – إذن لماذا تأخرت عُمان أكثر من سنة حتى تعلن دخولها التحالف..؟ للإجابة عن ذلك نقول إنّ إعلان التحالف العسكري جاء بعد الإعلان عن إنشاء التحالف العربي ضد اليمن، وبعد أن انسحبت منه أكثر من دولة، فاتجهت السعودية إلى الإعلان عن هذا التحالف، وكان رأي السلطنة – وهي التي تقوم بالتوسط بين الفرقاء اليمنيين – أن تتأخر في الانضمام إليه حتى لا يُفسَّر ذلك بأنه دخولٌ في تحالف عسكري قد يضر بعملية الوساطة؛ ففي الأساس إنّ الموقف العماني دائماً هو الوقوف ضد الإرهاب والإرهابيين، وقد أعلن عن ذلك جلالة السلطان المعظم في أكثر من مناسبة، وخيرُ شاهد على ذلك خطابه السامي في الثامن عشر من نوفمبر عام 1994 في ولاية نزوى.
وقد يتساءل البعض – وهم محقون في تساؤلهم – ألا يُعتبر هذا الانضمام تناقضاً مع تصريح معالي يوسف بن علوي بن عبد الله، عندما قال إنّ النظام الأساسي للدولة لا يسمح بمشاركة القوات العسكرية في عمليات خارج مجلس التعاون؟ وفي الحقيقة فإنّه لا وجود لأيِّ تناقض؛ فلم يصرح أحدٌ بأنّ عُمان ستشارك بقواتها في أيِّ عمليات خارج مجلس التعاون، وإنما ستكون المشاركة العمانية هي سياسية فقط وقد تكون رمزية، بعد أن كثر الحديث عند الخواص والعوام بأنّ السلطنة تغرِّد خارج السرب، وهو ما نفاه معالي يوسف بن علوي.
تقول ديباجة التحالف الإسلامي العسكري “إنّ هدفه هو محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره أياً كان مذهبها وتسميتها، ويعمل التحالف على محاربة الفكر المتطرف، وينسق الجهود كافة لمجابهة التوجهات الإرهابية، من خلال مبادرات فكرية وإعلامية ومالية وعسكرية، وترتكز مجهودات التحالف على قيم الشرعية والاستقلالية والتنسيق والمشاركة، وسعيٍ إلى ضمان جعل جميع أعمال وجهود دول التحالف في محاربة الإرهاب متوافقة مع الأنظمة والأعراف بين الدول”. وفي الواقع فإنّ هذا تعريفٌ إنشائي فضفاض، تستطيع كلُّ دولة وكلُّ منظمة وكلُّ حزب أن يفسره حسب رؤيته. والسؤال هو من الذي يُعرِّف الإرهاب؟. فالسعودية مثلاً متّهمةٌ بأنها الأب الروحي لكلِّ الحركات الإرهابية والأفكار المتطرفة، وهناك من شيوخها من يكفِّر بقية المسلمين، فكيف سيكون الأمر؟ ودولُ مجلس التعاون ترى – مثلاً – أنّ حزب الله منظمة إرهابية، وكذلك سوريا وإيران، فيما ترى إيران عكس ذلك، وترى أنّ حزب الله حزبٌ وطنيٌّ مقاومٌ وأنّ سوريا دولة ممانعة صمدت أمام الحجافل التي أتت إليها من أكثر من 80 دولة. هنا السؤال يفرض نفسه: من هو الذي بيده أن يحدد الإرهاب والإرهابيين؟
يذكر موقع “الخليج العربي” ذو التوجهات الواضحة ضد إيران، أنه رغم أنّ التحالف الإسلامي العسكري لم يحقق حتى الآن أهدافه التأسيسية، “إلا أنّ مشاركة عُمان تضيف له زخماً جديداً، باعتباره ذراعاً عسكريةً في مواجهة المخطط الإيراني التوسعي، بما يبعث برسائل ضمنية إلى طهران بتقليص حلفائها بالمنطقة، وازدياد النفوذ السعودي، ومحاصرة مشروعها تدريجياً، وبخاصة في حال تفعيل التحالف وتصعيد خططه العسكرية لتوسيع دائرة الردع العسكري في المستقبل”. وهذا الكلام بقدر ما هو بعيدٌ عن الصحة، فهو يعيد إلى الأذهان كلام معالي يوسف بن علوي في منتدى المنامة عندما قال: لقد تعبت المنطقة من الحروب، وعُمان لن تكون طرفاً في أيِّ حلف يُوَّجّه إلى أيِّ دولة في المنطقة، وهي الجلسة التي أعلن فيها معاليه رفض السلطنة الانضمام إلى الاتحاد الخليجي؛ وهو الإعلان الذي فتح النيران على حكومة السلطنة، فيما الحقيقة تقول إنّ دول المنطقة تؤيد الموقف العماني ولا تملك تلك الجرأة، باستثناء السعودية والبحرين اللتين تؤيدان الاتحاد. أما عن موقف السلطنة من الاتحاد لم يكن مجرد ردة فعل غاضبة من معالي يوسف بن علوي كما اعتقد البعض، فقد أوضح جلالة السلطان المعظم منذ فترة طويلة عندما التقى بالسفراء العمانيين في الخارج عام 1982، وعمر مجلس التعاون عام واحد، عندما سئل هل سيصل مجلس التعاون إلى الاتحاد؟ فكان جوابه “نحن لا نريد أن نحكم أحداً ولا أن يحكمنا أحدٌ”.
عموماً فإنّ الكثيرين علقوا على الخطوة العمانية بأنها عودة للإجماع الخليجي المضاد لإيران وللمواقف السياسية الموحدة لدول الخليج، إلا أنّ تلك مجرد تحليلات فقط. فالسياسةُ العمانيةُ ثابتة وليست كيدية وليست سياسة رد فعل، ولم تخرج عُمان أصلاً عن الخليج وإنما طبقت سياستها التي تميزت بها منذ القدم، فلا ينبغي التهويل بانضمام السلطنة إلى التحالف العسكري الإسلامي، إذ هو مجرد حركة رمزية تفيد في تحسين العلاقات بين الأشقاء، ولا يحتاج الأمر إلى التفسير بأنها سياسة نفعية وقتية، ولا ينبغي أيضاً الخوف من أنّ عُمان قد غيّرت بوصلتها، كما تخوّف من ذلك المحبون للمواقف العمانية والمعجبون بسياستها؛ فالسياسةُ العمانيةُ ثابتةٌ وراسخة.