عمانُ دولةُ مدنية

كتب بواسطة سعود الزدجالي

 

يظهر في مقطع متداول من برامج قناة الصفا المعنية بمراقبة البشر، ومحاسبتهم في معتقداتهم، وتصنيفهم إلى المهتدين الذين هم على قول “السلف” والضالين المنحرفين، ومن ثم توزيعهم إلى أهل الجنة وأهل النار؛ مساعدة لله تعالى قبل يوم القيامة لعله يعجز عن حساب مليارات البشر؛ تعالى الله عمّا يصفون؛ يظهر حوار بين مذيع، وشيخ لا أعرفهما، وكان الحوار هذه المرة بعد الانتهاء من كل قضايا الفرق الإسلامية ومذاهبها عن سلطنة عمان؛ متمثلا في الآتي:

– أن أهل السنة وهم يمثلون الغالبية العظمى في السلطنة حسب إحصاءات المذيع ومصادره تسيطر عليهم الإباضية سيطرة تامة؛ بحيث إنهم لا يستطيعون الحصول على بعثات دراسية من الحكومة لاستكمال دراساتهم، ولعلهم يقصدون البعثات الخاصة بتفريخ السلفية، وتدريبهم على مناهج الإقصاء والتصنيف.

– أن الإباضية وهم أقرب الفرق إلى أهل السنة كان يفترض منهم عكس ما يصنعون مع أهل السنة في السلطنة.

وإذ يفترض من الإعلامي أو المذيع أن يتمتع بأعلى درجات المهنية والمحايدة والموضوعية؛ بحيث يكون نائبا عن المتلقي الغائب؛ إلا أنه يمثل كما يبدو أيديولوجية يقتاتُ منها خبزه على حساب الحقائق والموضوعية؛ فكان يحرّض ضيفه، وكأنه على وشك إثبات نتائج في قضية محددة عبر مقدمات مضللة قد يظنّها المتلقي العاطفي حقائق؛ إذ يزعم المذيع:

– أنه قد حصل على معلومات إحصائية دقيقة حول نسبة الوجود السني، والوجود الإباضي، والوجود الشيعي في سلطنة عمان؛ فيتخيل الغريب عن السلطنة أنه أمام بقعة جغرافية يتوزع عليها السكان حسب مذاهبهم، توزيعا متمانعا، وكأن القضية المذهبية في الأوساط العمانية هي الشغل الشاغل، ولا أدري كيف لمذيع أن يستقي معلومات عبر اتصال بصديق، ثم يبني عليها الأوهام التي يظن أنها المسلمات والحقائق، وكيف يعتقد أن دولة مدنية تسعى إلى تصنيف إحصائي على أساس ديني؟

– يزعم أن قناة الصفا قناة موضوعية لا تنطق عن الهوى وهي في المستنقعات الطائفية، فيفاخر المذيع أنه قد هاجم “الأشاعرة” وغيرهم، في الوقت الذي يدّعي فيه شيخه أن الإباضية هم أقرب المذاهب إلى السنة؛ فإذا كان الأشاعرة وهم الشافعية والمالكية، والبقية حنفية ماتريدية قد هاجمتهم القناة؛ فمن بقي من أهل السنة الذين يرى شيخه بأن الإباضية أقرب المذاهب إليهم؟

ينطلق هذا المقال من هدفين ومسلمة؛ أمّا الهدفان فهما: الأول: إبراز أن السلطنة في تشريعاتها وممارساتها دولة مدنية لها نظام أساسي مبني على علاقة المواطنة؛ وإن كان ثم أخطاء في التطبيق أو الممارسة فإنها تعدّ شأنا داخليا تستطيع السلطنة عبر مؤسساتها أن تتجاوزه والثاني: الكشف عن التضليل الإعلامي الذي تمارسه التيارات السلفية مؤثرة في أوساط الشباب المتحمس، وأما المسلمة فهي: أنه لكل إنسان عماني حريته في الاعتقاد والتفكير؛ فله أن يكون حنبليا أو إباضيا أو حنفيا أو شافعيا أو شيعيا أو أي شيء مما يكبر في أذهانكم بشرط ألا يتجاوز القانون في ممارساته فيضر النظام العام للدولة.  وقبل الدخول في مناقشة هذا الطرح ومساءلته، كنتُ أود أن أطرح بعض الأسئلة التي تجعلنا نستعيد وعينا أمام هذا الترويج الإعلامي:

– إذا كانت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي تروم عبر مجلسها إرساءَ قواعد الأخوة والتعاون والتلاقي عبر المشتركات الثقافية، ووحدة المصير؛ فكيف تتغذى مثل هذه القنوات الطائفية عبر أراضيها؟ ما القوى السياسية والاقتصادية الداعمة لعوامل الشقاق المذهبي والطائفي؟ بعبارة أخرى: هل سيجد المذيعُ مرتعا للحصول على راتب شهري وامتيازات مالية عبر تقطيع عوامل الأخوة لولا العامل المادي الداعم والراعي لهذه القناة؟ والسؤال موجه إلى قادة دول مجلس التعاون في ظل بناء النظريات السياسية ومواثيق حقوق الإنسان والتعايش، فأين ميثاق التعاون الخليجي؟ ألا يستطيع قادة دول الخليج حماية الشعوب من هذا الهذيان الطائفي؟

– وإذا كان المذيع يعترف بأنه يهاجم الجميع، ومن بينهم الأشاعرة الشافعية والمالكية، والشيعة وما الحنفية عنهم ببعيد؛ فما المقصود بمصطلح أهل السنة والجماعة إذا كان هؤلاء خارج الدائرة؟ ألا يحتمل أن يكون هناك مفهوم خاص لهذه القناة وشيوخها وطاقمها لأهل السنة والجماعة؟ فإن أثبتُّ ذلك للقارئ فإلى أي مدى تمارس قناة الصفا التضليل الإعلامي على المتلقي؟

– وإذا كانت القناة قد جعلت مهمتها الأساسية النيابة عن الله تعالى في الحساب والمناقشة والتصنيف؛ فذلك يعني أنها قد وضعت معيارا بنيويا لمحاسبة الجميع في انحرافها عن البنية والمعيار، فما معيار القناة أن الأشاعرة من الشافعية والمالكية، والماتريدية الحنفية، والإباضية قد انحرفوا عن الحق المبين حتى أصبح المذيع وكأنه القاضي يناقش القضايا الكلامية ويصنف البشر في عقائدهم؟

ينطلق المذيع في إثبات افتراضاته من مغالطة منطقية؛ فنسبة المواطنين عنده هي الموجه لسلطة الدولة، وتلك مغالطة تنم عن جهل بمنطق الحجج وسذاجة لا يمكن لإعلامي حقيقي أن يمارسه؛ فالإعلامي من أهم معارفه الإلمام بالنظرية السياسية للدولة موضوع الحوار؛ إذا كان يطرح قضايا كهذه، إذ نفترض أن نسبة مذهب ما تتجاوز (99%) إزاء حضور المذاهب الأخرى، أو العكس؛ فهل يعني أن الغالبية المذهبية هي التي تدير سلطة الدولة؟ إن أهم مسألتين في التيارات الدينية ومذاهبها وعلى المواطن العماني أن يدركهما، ويتسلح بمحاربة أفكارهما هما: (1) مسألة الإقصاء للمسلم الآخر، أو الإنسان المختلف بسبب دينه وأفكاره، و(2) مسألة الرغبة في بناء دولة دينية على شاكلة القرون الوسطى بعد نُضج النظريات السياسية وثقافة التعددية وحقوق الإنسان والقانون؛ وحينما يهتم فردٌ لا بالقضية الجوهرية التي تتمثل في نوعية الحياة التي نعيشها، وإنما باعتقاد الآخر، ودينه، ومذهبه، وعرقه، ويريد منه أن يكون تابعا له خلافا لحريته وكرامته لمعتقداته التي يراها حقائق؛ فتلك معضلة على المواطن العماني أن يتنبّه إليها فلا ينساق وراء التضليل الإعلامي الذي يجعل العاطفة الدينية دائما طعما لمزيد من الخلافات، كما أن هذه المغالطات ترتكز على المفردات اللغوية أو المصطلحات التي تسافر عبر التاريخ والتي يعتقد المتلقي أنها متماسكة المعنى؛ مثل مصطلح أهل السنة والجماعة (مثلا) فيظن الظانّ أن مجموعة البشر يعتقدون اعتقادا واحدا هم أهل السنة والجماعة، ولو انتبه إلى ما يطرحه المذيع سيجد أن ما كان يعتقده هو نوع من الوهم؛ فالإجماع الاعتقادي لا وجود له حتى داخل المذهب الواحد؛ لأنه لا بد أن يشذ عالم من العلماء في قضية ما فيخالف البقية في ما ذهب إليه أصحابه؛ فالاختلاف سنة إنسانية.

وإزاء هذه المغالطات والمسائل التي يروج لها المذيع وشيخه، يتم تغييب قضية جوهرية تتعمّد التياراتُ الدينية إخفاءها؛ ليضمنوا الأتباع لمعتقداتهم؛ ويمكن إيجازها في أمرين:

– مدنية الدولة؛ فمذهب الدولة هو “لا- مذهبيتها”، وسلطنة عمان دولةٌ مدنيةٌ يحكمها القانون وفق منطق العدالة وتكافؤ الفرص والمساواة أمام الحق؛ وبما أن للسلطنة دستورا يتمثل في نظامها الأساسي فعلى المذيع وشيخه، وعلى كل التيارات الدينية الإقصائية وغير الإقصائية، في السلطنة، وخارجها أن تقرأ بتمعن المادة (17) من النظام الأساسي للدولة: “المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي”؛ وبناء عليه فإن المادة (12) ضمن فقرتها الأولى تنص على أن “العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين العمانيين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة”، فإذا استوعب الإنسان العماني ذلك؛ فعليه أن ينتبه جيدا وهو يتابع القناة الطائفية إلى المادة (14) في فقرتها الأولى: “السلام هدف الدولة، وسلامة الوطن أمانة في عنق كل مواطن”؛ فلا يمكن للمواطن العماني أن يضحي بأمنه واستقراره وحياته من أجل قضايا تاريخية يقتاتُ عليها المذيع وشيخه؛ إذ لا مكان في تشريعات السلطنة لمصطلح السني، ولا الإباضي، ولا الشيعي، ولا غيرهم، ولكنَّ المكانَ لمصطلح واحد هو “المواطن”؛ فإذا استوعب الإنسان العماني تلك القضايا فعليه أن يرمي بالنسب الإحصائية للمذيع في عرض البحر.

– وبناء على المدنية من منطلق التشريعات في النظام الأساسي للدولة؛ فالمواطن العماني يتمتع بحرية الاعتقاد والعبادة؛ إذ نصت المادة (28) على أن “حرية القيام بالشعائر الدينية طبقا للعادات مصونة على ألاّ يخل ذلك بالنظام العام أو ينافي الآداب”، والمادة (29) على أن “حرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون”؛ فالدولة المدنية تحمي جميع المواطنين في ممارسة حقوقهم وأداء واجباتهم ولا تؤيد سلطة دينية أو مدرسة محددة على مدرسة أخرى، ولا تدعم النزعات الطائفية؛ وتفسح المجال للحوار والنقد في حدود التقاليد العلمية.

لا أدري كيف يعتقد المذيع أن أنظمة الحكم تقوم على مفاهيم غريبة كالأقليات والأكثريات؛ إذ لا يمكن لدولة تحترم ذاتها أن تؤسس نظامها على الأهواء؛ كما أن التجانس المذهبي واللغوي والعرقي يعدّ خرافة، على أنني أعتقد أن القناة تتحرك في فضاء الطائفية والتدخل في شؤون الآخرين، وتشتغل على “تضليل” الآخر استغلالا للعاطفة الدينية والمذهبية؛ فينشغل الإنسان العربي بمثل هذه التفاهات، لتُستغل مساحات الخطأ، أو الرؤى الخاصة في المجتمعات لتجعلها مدخلا للتفكيك؛ ولعل أبرز قضية تضلل بها القناة المتلقين في منطقة الخليج العربي بسبب ضعف المتلقي الثقافي والعلمي أمام تراثه وتاريخه ومذاهب أئمته هي مصطلح “أهل السنة والجماعة”، ويمكن للقارئ أن يقف على النقاط الآتية:

١. إذا كان المذيع وشيخه يعتقدان أن دائرة أهل السنة والجماعة دائرة واسعة، لا تنحصر في التيار السلفي، أو تيار محدد في المذهب الحنبلي لا سيما بعد أبي عبدالله بن حامد البغدادي الورّاق (ت403هـ)، والقاضي أبي يعلى الفراء الحنبلي (ت458هـ)، وابن الزّاغوني أبي الحسن علي بن عبيدالله الحنبلي (ت527هـ)؛ فلماذا يهاجم الأشاعرة والصوفية إذاً؟ أليس هذا يعني أن لمصطلح أهل السنة عند قناة الصفا معنى خاصا وهو حصره في السلفية؟ ومثل هذه الحقائق التاريخية غائبة عن عموم الناس بسبب انشغالهم عن التراث الكلامي في المدارس السنية، وعدم اطلاعهم على ردود أئمة السنة على ما وقع فيه هؤلاء من التشبيه والتجسيم، ومن أبرز من ردّ عليهم ابن الجوزي (ت597هـ)؛ إذ يقول عن الثلاثة: “فصنّفوا كتبا شانوا بها المذهب، ورأيتهم قد نزلوا إلى مرتبة العوام فحملوا الصفات على مقتضى الحس”[1]، وبسبب غياب الحقائق الكلامية والتاريخية تحولت فئات كثيرة من عموم الناس إلى التيار السلفي في السلطنة وخارجها فروجوا عبر الإعلام وجعلوا صورة أهل السنة محصورة في التيار الحنبلي الذي أشرت إليه، ومارسوا الإقصاء والتشويه؛ فأصبح الناظر في أحوال من يدعون بأهل السنة في الخليج العربي وبعض الدول الإسلامية لا يميز المدارس الأصيلة عندهم كالشافعية والمالكية والحنفية من التيار السلفي.

٢. بناء على التشويه والتضليل الإعلامي قد يعتقد الشباب العُماني السنّي، وغيرهم أن أهل السنة هم هؤلاء السلفية الصفاتية، وإنني على يقين أن هذا التيار لا يرضى أن يجعل الأشاعرة من الشافعية والمالكية، ولا الماتريدية الحنفية في دائرة أهل السنة؛ ولذلك ستجد هجوما منهم على الأئمة وأتباع المذاهب الأصيلة وقد وقع المذيع في سقطات لسانية تظهر هذا الانحراف الإقصائي؛ علما بأن هذا التيار السلفي بدأ دخوله في السلطنة في عقد الثمانينيات بسبب العمل في بعض الدول المجاورة في فترة ما يسمى بالجهاد الأفغاني وحرب الخليج الأولى، وبسبب النشاط الدعوي والإعلامي للوعاظ حتى فرّخ طائفة كبيرة من الإقصائيين داخل المجتمعات، لأن الظروف الثقافية والدينية والسياسية كانت مواتية لمثل هذه التطورات عبر ما يقارب أربعة عقود من جهود الإعلام الأيديولوجي، ولم تستوعب بعض دول الخليج هذه الدروس حتى هذه اللحظة.

٣. يصنّف التيار السلفي المسلمين من الدائرة نفسها أعني دائرة أهل السنة التي يستخدمها السلفية شعارا للترويج الإعلامي الظاهري؛ فإذا دخل المتابع في التفاصيل يكتشف بما لا يدع مجالا للشك أن أهل السنة بمفهومهم هم السلفية أتباع السلف حسب زعمهم، وأما الأشاعرة والحنفية فهم أهل ضلال وباطل فضلا عن الشيعة والإباضية؛ وعقيدتهم تشكل انحرافا عمّا كان عليه أصحاب النبي (ص)؛ لذا تجد في أوساطهم نوعين من العقائد بمعيارهم ولا ينبؤك مثلُ خبير؛ وهما: العقيدة السلفية، والعقيدة الخلفية، وهم حيال تصنيفاتهم تلك صُدموا بجهابذة الأمة مخالفين لعقائدهم كالحافظ ابن العسقلاني والنووي صاحب المنهاج[2]، وبالغوا في هذه الفترة من التصنيفات الإقصائية علاوة على نشاطهم المشبوه عبر القنوات، وحتى لا يتهمني البعض بالتقول عليهم؛ فدونه هذه الكتب الإقصائية لإخراج المدارس السنية الأصيلة من الدائرة؛ مثل: الفتوى على موقع الإسلام سؤال وجواب حول سؤالهم: من هم الأشاعرة وهل هم أهل السنة، وهل حقا أن كثيرا من العلماء يتبع المنهج الأشعري كالإمام النووي؟؛ وسيجد القارئ حقيقة التفكير السلفي الإقصائي، أو براءة الأشاعرة من مذهب أهل السنة والجماعة لسلطان بن عبدالرحمن العميري على موقع الدرر السنية، ويمكن للقارئ العودة إلى الفتوى رقم (10400) حول الأشاعرة والماتريدية على موقع إسلام ويب؛ أو  كتاب عداء الماتريدية للعقيدة السلفية لشمس الدين الأفغاني السلفي المتشدد الذي لا يتورع عن الإقصاء والشتم لمن يخالفه؛ إذ يقول في كتابه عن الحنفية: “وهذه الرسالة حربٌ شعواء على الماتريدية، وسلاحٌ فتّاكٌ وقنبلةٌ سلفيةٌ ذرية”[3]؛ فإذا كان المؤلف يعادي الحنفية وهم يشكلون 50% من العالم الإسلامي بسبب انتشار المذهب في بقاع آسيا فمن يبقى من المسلمين؟ وأنا أدعو القارئ لقراءة مقدمة هذا الكتاب الإقصائي ليدرك حقيقة الطائفية التي تنطوي عليها الدعاوى السلفية في قنواتهم وجامعاتهم وعند دعاتهم ووعاظهم، أو كتاب نقض عقائد الأشاعرة والماتريدية لخالد الغامدي، أو الأشاعرة في ميزان أهل السنة لفيصل الجاسم، أو منهج الأشاعرة في العقيدة لسفر الحوالي، أو منهج أهل السنة والجماعة ومنهج الأشاعرة لخالد نور، أو نقض عقائد الأشاعرة لتوفيق علوان وهذه مجرد إضاءات ولي عودة إلى المسيرة الإقصائية للتيار السلفي؛ لذا على الشباب أن ينتبه لتضليلاته.

٤. وفي حال اعتبار أن الأشاعرة والحنفية الماتريدية خارج دائرة أهل السنة؛ فكيف تعدّ الإباضية أقرب الطوائف إلى أهل السنة والسلفية يخرجون أهل الدائرة خارجها؟ ألا يعني ذلك وجود مغالطات وأغراض طائفية؟ هل الإباضية أقرب المدارس الكلامية إلى السلفية أم إلى الأشاعرة والماتريدية؟ ومن غير شك أن الإجابة أنهم أقرب المدارس إلى الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة والشيعة، وهم أبعد المدارس من الصفات الحسية والتشبيه؛ لأن هذه المدارس كلّها تجتمع على أصل التنزيه وتخالف المعاني الحسية في الصفات؛ فلماذا إذاً يزعم المذيع ذلك الزعم؟ لعل الإجابة تتضح في موقف السلفية من هذه المدارس عبر موقفها من المدارس الشيعية، فالسلفية تحدد إحداثياتها عبر موقفين:

– الموقف الأول: أنهم يدخلون كلَّ من يتميز مقابل الشيعة كالمعتزلة والأشاعرة، ولكن ذلك لا يعني أنهم خارج أهل البدع والضلالات؛ لأن هذا الحكم حكم مؤقت، فهم يضمونهم إلى صفوفهم ويجيّشون عامتهم لمحاربة الآخرين وإقصائهم، ومن هنا فلا بأس بضم الإباضية إليهم؛ لأنهم على ذات المنهج مع الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة حيث تنزيه الإله، حتى يكونوا صفا واحدا ضد إخوانهم الشيعة.

– الموقف الثاني: عند توضيح ما يرونه حقا وتمييز منهجهم في الأسماء والصفات؛ فإن السلفية هم وحدهم “أهل السنة حقيقة هم السلفُ الصالح الذين اجتمعوا على السنة وأخذوا بها، وحينئذ يكون الأشاعرة والمعتزلة والجهمية ونحوهم ليسوا من أهل السنة بهذا المعنى”[4] وبهذا فلا بأس أن يكون الإباضية ضمن الجيش الفكري الذي يحارب الآخرين في زمن التعددية والمدنية، كما أسلفت قبل قليل، وقد يغيب ذلك على الناس ولا سيما أتباع المدارس السنية الأصلية فضلا عن غيرهم.

٥. أن الكتابات التاريخية، والكلامية ومدونات أصول الفقه من التراث الأشعري والماتريدي ومدونات المعتزلة، والمدارس الفقهية عند الحنفية والشافعية والمالكية وغيرهم تُثبت بما لا يدع مجالا للشك أن هذا التيار السلفي الذي يجعل نفسه الممثل الرسمي لأهل السنة لا علاقة له بأهل السنة وأصولهم في تنزيه الباري جل وعلا؛ لأن أهل السنة يطلقون على أتباع هذا المنهج الصفاتي التشبيهي “الحشوية”، وهم يزعمون بأن المصطلح أطلقه عليهم أعداؤهم بيد أن صفحات التاريخ وعلوم الكلام تبين عكس ما يدعون، وقد ورد المصطلح في أقدم المصادر الكلامية وكتب الفرق كالناشئ الأكبر (ت293هـ) أي في القرن الثالث الهجري؛ إذ يجعلهم الناشئ فرقتين من الفرق الأربعة لأهل الحديث والحشو، وهما: (1) البغداديون الذين لا يثبتون إمامة علي، منهم ابن معين، وأبو خيثمة وأحمد بن حنبل ومن أبرز أتباعهم إسماعيل الجوزي إمام الحشوية، و(2) الفرقة الأخرى منهم هي الوليدية أتباع وليد الكرابيسي[5]؛ ولا تهمنا المقالات والمضامين، بقدر ما تهمنا حقيقة الافتراق التاريخي الذي يجب أن ينتهي عن ممارسة الإقصاء للآخر بسبب الرأي.

٦. أن مصطلحات الفرق وتقسيم البشر إلى فرق ومذاهب إنما هي مصطلحات سياسية ليست بريئة؛ ولذلك فعلى المسلمين أن يستوعبوا هذه القضية؛ ويدرسوا المقولات الكلامية في ظروفها التاريخية وخارج سجن الفرقة الناجية إن أرادوا الخروج من مأزق الإقصاء والتكفير إلى رحابة التعددية والدولة المدنية؛ وعليهم أن يدركوا بأن مصنفات علمائهم تعد عطاء إنسانيا قابلا للنقد، ويعبر عن شخصياتهم ولا يعبر بالضرورة عن مدرسة كاملة.

ومصطلح أهل السنة والجماعة الذي يتغنى به السلفية مصطلحٌ سياسي روّج له الأمويون، ولا يخلو من الأوهام التاريخية والتضليل، ولقد كانت الفرق الكلامية تتوسّل بالسياسة وسلطة الدولة كلما سنحت لهم الفرصة بحسب أهواء أرباب السياسة والمقالات؛ فالعوامل التاريخية هي الحاسمة في تشكيل الفرق الكلامية وتمييز الضال منها والمهتدي حسب معايير كل مذهب يدّعي أنه صاحب الحق والجنة؛ فالأمويون همّشوا المدارس الفقهية خارج منطقة الحجاز إذ كان النصّ للحجازيين مصدرا رئيسيا للإفتاء بعيدا عمّا يجري في العراق وما وراء النهرين، ولو نلاحظ أن السلطة السياسية في كل حقبة من الحقب التاريخية تقرب مدرسة كلامية كما حدث للمعتزلة في عهد المعتصم، وما حدث للأشاعرة في عهد القادر وإصدار بيانه، وما حدث لحفاظ الحديث ونقلته في عهد المتوكل، ما حدث للماتريدية في عهد العثمانيين، وما حدث للوهابيين والحنابلة في عهد الدولة السعودية الأولى، أو ما حدث باختلاف الأقاليم في الحقبة التاريخية الواحدة مما يدلك على التدخل السياسي في الدين ومذاهبه.

على القارئ أن يدرك تماما أن القانون، والدولة المدنية هي ملاذنا وملاذ الدين نفسه وحمايته من أهواء النصوصيين، والسلفية وترهاتهم، وأن كل مذهب من مذاهب المسلمين يحمل في طياته بذور الإقصاء إذا ما أتيحت له الفرصة، وأن الدين علاقة شخصية مع الله، وليس وسيلة لمعاداة البشر وتهميشهم واحتقارهم.

 

[1] ابن الجوزي، دفع شبهة التشبيه، تحقيق محمد زاهد الكوثري، القاهرة: المكتبة الأزهرية للتراث،1998، ص.6

[2] راجع الفتوى المنشورة بتاريخ 31/7/ 2008، على موقع الإسلام سؤال وجواب وهو تحت إشراف محمد صالح المنجد؛ بعنوان موقف علمائنا من الحافظين ابن حجر والنووي؛ من جراء المواقف السلفية المتشددة جدا منهما

[3] شمس الدين الأفغاني، عداء الماتريدية للعقيدة السلفية، أو الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات، الطائف: مكتبة الصديق، 1998، ص. 11

[4] محمد بن صالح العثيمين، الشرح الممتع على زاد المستنقع، الرياض: دار ابن الجوزي، 1426هـ، جـ11/ص. 306

[5] الناشئ الأكبر، مسائل الإمامة ومقتطفات من الكتاب الأوسط في المقالات، تحقيق يوسف فان إس، بيروت: دار فرانس، 1971، ص. 65- 67

الثاني والثمانون ثقافة وفكر

عن الكاتب

سعود الزدجالي