أحوال القلب

كتب بواسطة إبراهيم بن سعيد

المجموعة الشعرية: قلبٌ مائل للزرقة

مسعى للنشر ٢٠١٧م

 

المجموعة الثانية بعد (سكة مطر) للشاعرة فاطمة أحسان ترسم ملامح أكثر وضوحاً للتجربة الشعرية الناضجة التي تمارس الشاعرة كتابتها، أو بالأحرى رسمها، لأن فنها قائم برهافةٍ وإتقانٍ واضحين، ونضجٍ ونَفَسٍ شعريٍّ طويل، استطاع بحذاقة أن يخلص قصيدته/صديقته من الأحابيل المتعددة التي تعترض الشعر اليوم، فذهب خفيفاً نحو المصب.

 

بخفةٍ ورسوخ في وقت واحد تكتب فاطمة إحسان قصيدتها/ صديقتها عن ذاتها، إذ العالم متجسدٌ في ذات الشاعر، وبافتراق موضوعي يستطيع الشاعر فيه أن يفتت ذاته ويعزل بعضها من بعض:

 

يتنكّر ضعفك أحياناً/ في صورة غريبٍ ما/ يُطِلُّ على نفسكَ من شرفةٍ بعيد/ فقط لأنه يخشى/ خسارتك أو خسارته/ حين تتحدان معاً.

ص٧٠

بتلك الفعالية الشعرية يوصل الشاعر إلى قارئه جوهرة لامعة، كما في الاقتباس، عن الضعف والخسارات، لكن بطريقة لا يجيدها غير الشعر ولا يتلقفها غير قارئ الشعر، وتحفظها الذاكرة التي ترصدها (خفة جارحة) :

ذاكرتي خزان وقود الألم.

ص٦٧

 

إن في تشظي ذات الشاعر وفي تفتتها مكامن مناجم ذهب المعاني، لنرى الوجه معزولاً مثلاً:

 

آه، لولا وجهي/ تلك البقة القابلة للتجعد/ بلمحة جارحة/ لكان بوسع حزني/ أن يلبسني/ فلا يجرح أحدٌ ظله في غيابي/ ولا يتكهّن برائحة روحي أحد. ص٦٤

 

تركز نصوص مجموعة (قلب مائل للزرقة) على هذا التشظي الذاتي وتمسك على الذات عبر تلك العملية الدؤوبة، منذ العنوان: حيث خرج القلب وحده ليعبّر عن ميلانه للزرقة، تلك الزرقة التي سنكتشف في القراءة من يسكن سمائها أو بحرها منذ بدايات المجموعة ص١٥:

حين ترمي غيمة قرطيها في سماء عينيك/ وتلملم لوحدك لآلئ فزعك الأليف الغريب/ ستقول غداً ترضى الأيام عني/ ويضحكُ غرورك المنكمش كجرابِ أرزٍّ فارغ/ على الاستعارة المبتذلة (رضا الأيام)/ ويتمدد.

 

وقد يحاول القارئ رؤية هذا القلب في المجموعة وسيندهش:

العصافير التي أصبحت أصواتها وشوماً/ على جذع قلبك.  ص٥٨

 

الصورة المدهشة جنباً إلى جنب مع الشعور المفارق والمعنى العميق، ألحان متمازجة في عمل فني بارع تجيد الشاعرة فيه لفت القارئ إلى شعرية متجددة وحيوية شابة، قصائد لا تكتفي بالتقليد أو الرتوش أو ملامسة السطح، بل تغوص أعمق في معاني الحياة والشعور بها، والتفتت والتجزئة المستمرة:

كيانٌ حائر/ لم يكن يوماً مرآةً لأي شيء/ ومع ذلك ظلَّ يتمدد، يتشظى/ من فرط رقته/ إلى ذرّات لا تُحصى/ فكان كل شيء/ وكان عدماً. ص٧٧

 

هكذا نتعرف على سبب التفتت والتشظي، من فرط الرقة، ونقرأ التشبيه البليغ بصوته الأنثوي الخاص، كما نجده مثلاً في صورة الحزن ممزوجة بصوت حكمة الفناء:

 

طويلاً كان الحزن الذي أنجبك/ ذابلاً مثقلاً، كحبلٍ لغسيلٍ لا يجف/ ونرجسياً كان/ إلى حد يصور لك فيه كل شيءٍ/ ناقصاً وزائفاً وعابرا/ وينسيك/ أنك محض نقصٍ وزيف وعبور.  ص٧٨

 

بالفعل إن الشاعرة كما التقطت ذاتها في لحظة: أصابعي/ تحيل كل ما تقع عليه/ إلى أبجدية. ص٨٣

 

هذه المجموع الشعرية تجسد لمعات شعرية صادقة حد الجرح أحياناً، وهو الأمر الذي لا نتوقع أقل منه أمام الشعر الحقيقي، كما نجد مثلاً في نص (مسافة النبضة) وكما يضفي شاعريته حتى على (منطق الخاسر):

ستتحرر من عقدة (لو)/ لن تناديك الوردة لتعد على أيديها احتمالات خسارتك/ حين تنتزع قلبك من أطرافه المقمطة وترمي به إلى السماء لن تفكر في إصابة الهدف. ص٩٥

أدب الثالث والثمانون

عن الكاتب

إبراهيم بن سعيد