هل نحن واثقون حقاً من وجود نبي اسمه عيسى عاش بين الناس يوماً ما؟
هذه المادة هي ترجمة لمقال سايمون جاثركول في صحيفة الجارديان البريطانية
إن الحقائق التاريخية لحياة عيسى الناصري[1] تعود نشأتها إلى عهود قديمة وهي مترسخة وواسعة الانتشار. فقد أشارت إليه العديد من الوثائق التاريخية التي كتبها بعد عقود قليلة من وفاته مؤرخين يهود ورومان ومسيحيين. وبمقارنة هذه الوثائق بتلك التي أشارت إلى الملك آرثر[2]، والذي كان من المفترض أنه عاش قرابة السنة 500 بعد الميلاد، نلاحظ انعدام ذكر الأخير في أي من المصادر التاريخية المهمة لذلك العهد. كما أن أول إشارة له كانت بعد 300 إلى 400 سنة من التاريخ المتعارف لفترة حياته.
وبالرجوع إلى المصادر التاريخية التي تشير إلى المسيح نجدها تعود إلى فترات زمنية قريبة من عهده، فلا تعود لحقب زمنية بعيدة كتلك التي ذُكر فيها الملك آرثر.
ماذا تقول الكتابات المسيحية عن هذا الأمر؟
ما يميز الكتابات المسيحية التي ذُكر فيها المسيح أمرين. الأول: إنها مصادر مبكرة. وثانياً: أنها مفًصلة. فأول هذه الكتابات هي رسائل القديس بول Paul. وقد أجمع باحثوا التاريخ أن أوائل هذه الرسائل قد كتب في فترة لا تتعدى 25 سنة من وفاة المسيح. كما نجد أن السيرة المفصلة للمسيح قد كتبت في أناجيل العهد الجديد، والتي كُتبت بعد حوالي 40 سنة من وفاته. كل هذه الدلائل تم كتابتها في حياة الكثير من شهود العيان، كما أنها تحتوي على أوصاف مطابقة لأوصاف المكان من الناحية الجغرافية والثقافية لمنطقة فلسطين في القرن الأول. ومن جانب آخر من الصعب التشكيك في هذه المعلومات. فما هي جدوى أن يقوم المسيحين بابتكار شخصية يهودية كعيسى تلعب هذا الدور البطولي المخُلًص في وقت الأمبراطورية الرومانية التي تكن قدراً كبيراً من الشك تجاه الديانة اليهودية.
ماذا قال غير المسيحيين عن المسيح ؟
لعل أقدم مرجع من خارج الكنيسة يُذكر فيه المسيح هو (تاريخ اليهودية) للمؤرخ اليهودي فلافيوس جوسيفوس Flavius Josephus الذي كتب في السنة 93 بعد الميلاد. وقد أشار إلى المسيح في موضعين من كتابه. أحد هذه المواضع أختلف فيه الباحثون ولا يمكن الاعتداد به؛ وذلك للشكوك التي تحوم حوله، فهم يرجحون أن النسًاخ المسيحيين قاموا بتحريف ما جاء في المخطوط الأصلي وذلك لوجود لمحات واضحة لتجميل مرويات المؤرخ جوسيفوس التي كانت سلبية في الأصل كما يبدو. في المقابل هناك رواية لهذا المؤرخ يمكن الاعتداد والأخذ بها، وهي رواية يرد فيها ذكر أخو عيسى يدعى جيمس[3].
بعد حوالي ٢٠ عاماً من كتابات جوسيفوس كتب كل من تاسيتوس وبلايني Pliny and Tacitus، وهما من أعمدة السياسة في الدولة الرومانية في العقد الثاني بعد الميلاد، كتابات تشير إلى عيسى. فمن كتابات تاسيتوس علمنا عن صلب وإعدام عيسى في عهد المحافظ Pontius Pilate وهو القائم على مقاطعة يهودا الرومانية بين عام ٢٦-٣٦ بعد الميلاد، حيث كان الإمبراطور حينها هو تيبيريوس Tiberius الذي حكم بين ١٤-٣٧ بعد الميلاد. وهذا التاريخ يتوافق مع فترة كتابة الأناجيل. وقد عزّز بلايني – حين كان حاكماً قائماً على شمال تركيا- هذه المعلومات في كتاباته التي ذكرت أن المسيحين يعتبرون المسيح إلهاً ويعبدونه. لم يكنّ الرجلان الحب للمسيحيين. وهذا تكشفه كتاباتهما فنرى على سبيل المثال بلايني يصف عنادهم بتصلب رأس الخنزير، بينما قال تاسيتوس عن ديانتهم أنها كم من الخرافات المدمرة.
هل ناقش الكُتاب الأوائل وجود شخصية النبي عيسى ؟
من المدهش أن نعلم عدم تناول أي من الكُتاب الأوائل لشخصية عيسى الناصري ورسالته الإلهية. ففي الكتابات القديمة لخاحامات اليهود يُذكر عيسى بأنه الابن غير الشرعي لمريم والمشعوذ. أما في الكتابات الوثنية فنجد أن الكاتب الساخر لوسيان Lucian والفيلسوف سيلسوس Celsus رفضا عيسى كداعية ومبلغ لرسالة. ولكن لا يوجد أي من الكتاب الأوائل من شكك في وجود وحياة عيسى.
ما مدى الجدل الحالي حول موضوع حياة عيسى من عدمها؟
في كتاب جديد للفيلسوف الفرنسي ميشل أونفري Michel Onfray نجد الكاتب يتحدث عن شخصية عيسى كشخصية افتراضية ويعتبره مجرد فكرة وليس كشخصية من لحم ودم عاشت ذات يوم.
وفي مشروع آخر أقيم في الولايات المتحدة يعرف باسم ( مشروع عيسى) كان أحد محاوره الرئيسية يتناول وجود وحياة عيسى من عدمه. نجد أن بعض الكُتاب الحاليين يعارضون الفكرة بشكل مضاعف، فهؤلاء يعتبرون أن كلا من يسوع و الناصري شخصيتان من وحي الخيال المسيحي لم يكن لهما أي وجود في يوم من الأيام. في مقابل نجد أن أكثر من وقف ضد هذه الفكرة ونقضها هم ملحدون وأبرزهم موريس كيسي Maurice Casey (أكاديمي سابق في جامعة نوتنغهام) وبارت إرمان Bart Ehrman من (جامعة نورث كارولينا). اللذان انتقدا بشدة المنهج العلمي لادعاءات أسطورية وجود عيسى أو “عيسى الأسطورة” واصفين هذا المنهج بالعلم الزائف. ومع ذلك، نجد في استطلاع حديث أن 40٪ من البالغين في انجلترا لا يعتقدون أن عيسى كان شخصية تاريخية حقيقية.
هل هناك أية دلائل أثرية لوجود عيسى؟
هناك بعض الدلائل الأثرية الغريبة التي تثار بين الحين والآخر ولعل آخرها ادعاء أنّ عيسى هو أحد أحفاد كيلوباترا، وأخرى تقول أن هناك نقوداً معدنية بها صورة عيسى لابساً تاج الشوك المعروف. كما يتداول آخرون أثر كفن تورين Shroud of Turin والذي يعتقد أنه مقر دفن عيسى. وقال عنه البابا بنديكتوس السادس عشر أن الكفن تحفة فنية لا يستطيع البشر صنعها، وأن هذا الكفن هو أيقونة يوم السبت المقدس الذي يعتقد بأن جسد عيسى وُري فيه الثرى.
إلا أنه لا يوجد أي مؤرخ حتى الآن يعترف بهذه الآثار أو بأية أهمية تارخية لها. ولعل الأثر الأكثر أهمية حتى الآن هو ما تحدثنا عنه من مؤلفات الكتاب اليهود والرومان.
وبالأخذ بما توفر لدينا من أدلة سابقة نجد أن الشك يتضائل حول حياة وموت عيسى. إلا أن السؤال الذي يتعدا كل الآثار التاريخية والحقائق الموضوعية هو ما إذا كان عيسى مات ثم عاد إلى الحياة؟
خارج الترجمة:
إن المقال السابق يأتي ضمن مناظرات قائمة ومناقشات مستمرة بين المفكرين وعلماء التاريخ وعلوم الآثار الجيولوجية حول حياة شخصية اسمها عيسى من عدمها. وحيث أن هناك أدلة على حياة هذه الشخصية في المصادر المكتوبة أكثر من الآثار الملموسة كما يقول المقال السابق، إلا أنّ هذه التساؤلات ستظل قائمة إن كان عيسى نبي فعلاً أو شخصية تاريخية تم ابتكارها.
تثار في الوقت الحالي ذات التساؤلات حول النبي محمد وغيره من الشخصيات الفارقة في التاريخ البشري. وهي تساؤلات علمية مشروعة حيث أن إثباتها سيؤدي بشكل تلقائي إلى تعميق الإيمان الديني في نفوس المسلمين وسيُساهم في زيادة الفهم التاريخي للدين الإسلامي بشكل عام.
نلاحظ أن هذه التساؤلات تُقابل في الوسط الإسلامي بالغضب والهجوم والإدعاء بإنها مؤامرة على الدين، بينما نجد أن هذه التساؤلات تثار على أي شخصية تاريخية تكون محوراُ للبحث. فقد أثيرت بحق عيسى المسيح، وأثيرت كذلك في حق شخصيات تاريخية أخرى كالملك داود والملك سليمان في التراث اليهودي -النبي داود والنبي سليمان-.
ماذا يضير لو عرفنا أول ذكر لنبينا الكريم محمد في الوثائق التاريخية لأصحاب الديانات الأخرى، وكذلك أول ذكر له في المصادر العربية؟ ماذا يضيرنا لو عرفنا أيضاً أول ذكر له في كتابات المؤرخين الأوائل؟
بهذه البحوث وغيرها تتراكم المعرفة البشرية ونجد أجوبة تزيد الإيمان إيماناً وتمحق الادعاءات محقاً.
________________________
[1] الناصري : نسبة إلى بلدة الناصرة الواقعة في منطقة الجليل بفلسطين.
[2] بطل تاريخي معروف في التراث الإنجليزي ويحكى أنه حرر إنجلترا من غزو الساكسون في الفترة بين أواخر القرن 5 و أوائل القرن 6 بعد الميلاد.
[3] في عام 2002 تم اكتشاف صندوق عليه كتابات آرامية تقول: ” جيمس، ابن يوسف، شقيق عيسى”. وتختلف الطوائف المسيحية في أمر هذا الشقيق، حيث نجد أن الطائفة الكاثوليكية تؤمن بوجود عائلتين منففصلتين هما: عائلة مريم ويوسف والمسيح في حد، والعائلة الإلهية التي تضم المسيح هو ابن الله وولد من مريم العذراء التي لم تلد أطفالا آخرين. وهذا على نقيض الطائفة البروتستانتية التي تعتقد بأن مريم ويوسف كان لهما عدة أطفال من بينهم المسيح.
https://arabic.cnn.com/world/2015/03/11/fea-jesus-brother-james
رابط المقال: