أصوات لن تسمعها يهود يقولون : الأقصى للمسلمين ونحن لا نريد بناء معبدنا فيه
كاتب المقال : جيرشون باسكن[1] GERSHON BASKIN
نشر المقال بموقع صحيفة Jerusalem Post
قبل البدء في قراءة المقال :
إن ترجمتي لهذا المقال كانت نابعة من رغبتي في سماع الأصوات التي تحجب عنا غالباً. فهل يعقل أن مامن يهودي يؤيد حق الفلسطينيين في الأقصى ، أو ما من فلسطيني يعترف بأن هناك تاريخاً مقدساً لليهود في القدس كالذي يمتلكه وكالذي يمتلكه الأخوة المسيحيين.
بالبحث وجدت أن أحداث الأقصى الأخيرة أثارت في الشارع اليهودي ردود فعل متبانية. لعل ما وصلنا منها هو الإجراءات التسعفية التي قام بها الإحتلال بحد حادثة الطعن في المسجد. ولكن ما لم يصلنا منها هو أن هناك عدداً من الأصوات اليهودية التي تحمل قادتها اللوم وتؤيد عدم التدخل في شؤون الأقصى لأنه حق أصيل للفلسطينيين. من هذه الأصوات ما ستقرأونه هنا. ( مع العلم هذا ليس المقال الوحيد الذي أقرأه ليهودي يدافع عن حق المسلمين في الأقصى ولكن ربما هو أجمل المقالات التي صادفتني).
يقول الكاتب :
أعتقد أن بناء المعبد الثالث سوف يؤدي إلى هدم اليهودية المعاصرة، وسوف يقودنا مباشرة لنشهد نهاية دولة إسرائيل.
لنعترف بأن (الحرم الشريف) ليس بأيدينا، وأنا شخصيًا لا أريده أن يكون بين أيدينا. نعم، صدقوني أنا أدرك القدسيّة التي تمثلها تلك البقعة لليهود، وصدقوني أنا أعلم بأن موقع الحرم الشريف هو الموقع الذي بُني فيه المعبدان: الأول والثاني[1]؛ ولكن أنا لا أريد معبدًا ثالثًا، وإن كنت سأطالب باسترجاعه؛ فإني لا أطالب رئيس الوزراء بذلك ولا حكومته، ولكن أوجه طلبي هذا إلى الله وحده.
صدقوني، ترعرعت مثلكم وأنا أغني: ” سنبني سنبني المعبد” ولكن مساري تغيّر حين صادفت ذلك الحاخام الألترا أرثودوكسي[2] الذي قال لي: ” بعد إنشادك لا تنسَ أن تهمس لنفسك مذكرًا ( سنبني ) ولكن ليس زمني”. هذه العبارة جعلتني أفكر، وخلُصْتُ إلى أنني لا أرغب أبدًا في أن أكون جزءًا من ديانة ما زالت تضحّي حتى اليوم بالحيوانات، فأنا لا أريد لليهودية بأن تتراجع إلى ما قبل هدم المعبد وإلى سلوكياتها الأقرب إلى الوثنية. أنا لا أريد حقًا أن أرى حولي رهبان المعبد وطاقمهم الديني؛ إذ يكفينا ما نعانيه منهم اليوم من فساد وتلاعب بحياة الأفراد الشخصية، وعدم قدرتهم على فصل الدين عن الدولة. وكما أسلفت، إن مشروع بناء المعبد الثالث في موقع الحرم الشريف سوف يؤدي إلى نهاية اليهودية المعاصرة وإسرائيل الحديثة. شخصيًا، أريد أن يبقى الوضع الراهن على ما هو عليه؛ دعوا المسلمين يصلون في الحرم الشريف، ودعوا أوقافهم تدير شؤونه. واليهود دعوهم كذلك يتعبدون كما اعتادوا في الحائط الغربي. ودعونا جميعًا نتفق على الالتزام بهذا الوضع، وأنه ما من فرد ولا حكومة ستغيّره ما لم يكن هناك اتفاق سابق بين الطرفين. بينما إذا كنا نؤمن بأنّ الله يفضّل اليهود ويريد بناء معبدهم؛ فلندع الأمر له لا بأيدينا، ولننتظر كلمة الله وإرادته في هذا الأمر. فأي شخص يفقد حياته باسم مكان مقدس أو باسم إله أو باسم أية ديانة سواء حمل شعار الأقصى أو المعبد المقدس؛ فهو بهذا يهين ذلك الإله وتلك الديانة والتوحيد الذي يؤمن به. علينا جميعًا أن نصلي لحياة تستحق العيش فيها في الدنيا، وأن ندعو الله أن يعوضنا بالجزاء الذي نستحقه في الدنيا أو في الآخرة مهما اختلف إيماننا بها؛ فما من حجر – مهما بلغت قدسيتّه – يستحق من أجله الدماء والموت والدمار، وإن شاء المسلمون يومًا أن يحرقوا ذلك المكان؛ فلن أكون شريكًا معهم في إشعال النار والدمار.
سوف أكتفي باحترام مكانهم المقدس، وأوكل أمري إلى الله وإرادته التي شاءت أن يكون الحرم الشريف ملكًا للمسلمين وتحت سيطرتهم، ولهم الحق في أن يسموه ما شاؤوا، سواءً بالحرم الشريف أو بالأقصى أو بأي اسم يختارونه. وحقًا؛ لا يهمني إن كذّب المسلمون وجود المعبد الأول والثاني يومًا ما بموقع المسجد الأقصى. يكفي إن كنا جميعًا نؤمن بذلك، فتلك المعرفة وذلك الإيمان كفيلنا. فأنا أرى إن قام يهودي واحد بإهدار دمه من أجل تغيير فهم خاطئ أو إيمان يُخالف ما نؤمن به، أو بذل روحه من أجل رغبة دينية أو قوميّة يسعى بها إثبات أن الحرم الشريف ملك لليهود ويجب أن يخضع لسيطرتهم؛ حينها – بالنسبة لي – سيفقد هذا المكان في عيني كل أهميّته وقدسيّته الدينية؛ فالأرواح أهم بكثير من أي شعار ديني أو قومي.
وحتى نصل إلى اتفاق دائم بشأن وضع الحرم الشريف مع الفلسطينيين وسلطتهم؛ علينا أن نعلن بجلاء أن حكومة إسرائيل – وحتى ذلك الحين – سوف تعمل يدًا بيد مع السلطة الفلسطينية لحفظ أمن الحرم الشريف لهم، والمعبد المقدس لنا ولكافة زواره من مختلف الأديان، وأن دولة إسرائيل سوف تظل تمنع كل محاولات اليهود في الصلاة داخل الحرم الشريف إلى أن نصل إلى اتفاق مشترك بيننا وبين السلطة الفلسطينية، فلعلنا نتفق مستقبلًا حول هذا الأمر. وحتى ذلك الحين؛ لتلتزم إسرائيل بعدم حفر أي نفق تحت الحرم الشريف، فإن تهدّم الحرم لا نريد أن يكون للأيادي الإسرائيلية أي ذنب أو دور في ذلك، ولنكتفِ بالصلاة فقط دون أن تمتد أيدينا لإحداث أي تخريب.
وبالعودة إلى صديقي الحاخام اليهودي الألترا أرثودوكسي الذي حدثتكم عنه سابقًا؛ فقد علمني هذا الإنسان درسًا آخر لن أنساه، يتعلق بمعنى كلمة “سنبني” التي كنا نرددها في النشيد. فهذه الكلمة في وجهه نظره يجب ألا تخرج من سياقها الروحي إلى السياق المادي؛ فليس البناء أن تشيد نصبًا فخمًا من الرخام أو أن تضحي بالأضاحي. ما قاله الحاخام في وجهة نظري هو أفضل تفسير وفهم لليهودية، وأفضل دروس الاتعاظ مما حدث في الماضي؛ خاصة في قصة تدمير المعبد الثاني الذي تدمر بسبب الكراهية والفساد والممارسات اللاأخلاقية. فنحن اليوم في أرض أجدادنا، وعلينا أن نمثل نقيض الأقوام البالية، بأن نكون أصحاب أخلاق عالية رفيعة.
برأيي، إن ما قاله هذا الحاخام هو أعظم درس لألفي عام من الشتات، وعلينا أن نسخر أنفسنا لجعل هذه الأرض – عوضًا عن كونها الأرض التي أتينا إليها – تلك الأرض التي نحلم بها.
ديْننا لهذه الأرض نُسدِّده بنشر السلام بيننا وبين الآخرين، الذي يشاركوننا العيش على هذه الأرض.
آمين
____________________
[1] تشير كلمة المعبد هنا إلى هيكل سليمان، الذي يسمونه أيضا بالمعبد أو بيت همقداش – اي بيت المقدس- وقد ورد في الكتاب المقدس أن النبي سليمان ، ولقد تم تدميره للمرة الأولى على يد نبوخذ نصر. وبعد انتصار الفرس على البابليين سمح بإعادة بناء الهيكل، إلى أن دمره الجيش الروماني سنة 70 للميلاد. نقلًا عن موقع موسوعة المعرفة http://www.marefa.org
[2] طائفة يهودية شديدة المحافظة تدعى أيضا بـ ( الهارادي) وتعني بالعبرية من يخشون الرب. تعيش في مجتمع مغلق ويرفضون المشاركة في التجنيد الإجباري، ويرفضون العلمانية، ويقفون ضد تعليم العلوم والمعارف الإنسانية واللغة الإنجليزية. تتميز مجتمعاتهم بمعدلات ولادة مرتفعة، وهذا يفسر تكوينهم لعائلات كبيرة. من كتاب :
Rivlin,P.(2010).The Israeli Economy from the Foundation of the State through the 21st Century. Cambridge University Press