مزايا فلسفة سميث الأخلاقية

تتمتع رؤية سميث في كتاب المشاعر الأخلاقية بعدد من المزايا مقارنة برؤى معاصريه. ذلك أن نهجه يسفر عن أحكام أخلاقية أقرب إلى تلك التي نصدرها في العادة، ويبدو أكثر منطقية من خلال تعامله المنصف مع تعقيد كل من الفضيلة والحكم عليها وثرائها. فهو ينتقد هوتشيسون لاختزاله الفضيلة بانحياز مفرط إلى دماثة الخلق، وينتقد هيوم لتركيزه المفرط على المنفعة.

بالإضافة إلى ذلك، لم يطور أي من أسلاف سميث مفهوما ً اجتماعيا ً جوهريا للذات. حيث يرى كل من هوتشيسون وهيوم أن البشر لديهم النزعة لرعاية مصلحة مجتمعهم، ولكن بالنسبة إلى سميث، فإن جميع مشاعرنا، سواء كانت تتعلق بالمصلحة الذاتية أو كانت بدافع المحبة للغير، فهي تتشكل من خلال عملية التنشئة الاجتماعية. ويتصور سميث الإنسانية على أنها أقل قدرة على التفرد والغرور من نظيره هيوم، وهي أقل قدرة على أن تتصف بالأنانية الشاملة التي يجد هيوم، في مناقشته الشهيرة للنسج المعقول، صعوبة في دحضها (هيوم 1777، 81-2). في الوقت نفسه، يجمع سميث بين تصوره الاجتماعي للذات مع احترام عميق لأهمية كل فرد، وقدرة كل ذات على الاختيار الحر المستقل. إن التحول الذاتي الأخلاقي، عند سميث، مستوحى من الضغوط الاجتماعية وتوجيهها، ولكن في نهاية المطاف ينفذها الفرد لنفسه. حيث يبدأ “المتفرج المحايد” كناتج ومعبر عن المجتمع، ولكنه ما يلبث أن يصبح، بمجرد استيعابه، مصدرا ً للتقييم الأخلاقي الذي يمكّن الفرد بصرف النظر عن مجتمعه، من انتقاده. إن السلوك الفردي الحر والبناء المجتمعي للذات منسجمان، عند سميث، يعتمدان على بعضهما البعض.

يمكننا أن نقدر كليا ما هو مميز في فكر سميث من خلال مقارنته بهيوم. حيث تتمحور أفكار سميث حول أفكار هيوم، فلا يكاد يخلو كتاب نظرية المشاعر الأخلاقية أو كتاب ثروة الأمم دون أن يكون هناك نوع من الدلالة أو التخمين حول نظريات هيوم، على الرغم من عدم وجود أي موضوع يتفق عليه سميث تماما ً مع هيوم. فلو أخذنا حديثهم عن التعاطف، على سبيل المثال عندما يصف هيوم التعاطف مع الآخرين، يقول إن العواطف “تنتقل بسهولة من شخص إلى آخر”، مثل حركة وتر متشابك بتساو مع الأوتار الأخرى (هيوم 1739-40، ص 576؛ انظر أيضا ً ص. 317، 605). ثم يبين أننا نحصل على فكرتنا عن مشاعر الشخص الآخر من خلال الاستدلال بالآثار (الابتسامات، والعبوس) أو أسباب تلك المشاعر. في كلتا الحالتين، فإن شعور الآخر، عند استنباطه، يصل مباشرة إلينا، ويعمق خيالنا فكرتنا عن هذا الشعور فقط من أجل رفعه إلى مستوى الانطباع (هيوم 1739–40، ص 576، 319 20). وعلى سبيل المقارنة، يرى سميث أنه يجب أن نضع أنفسنا في مكان الآخر، وأن نتخيل ما الذي سنشعر به لوكنا هناك؟ حيث يعد الخيال ضروريا ً لإنتاج “فكرة” عن مشاعر الآخرين، وأن المشاعر المتعاطفة لم تعد تلك التي يحتاجها الشخص الآخر بالفعل. يشير سميث إلى أن هذا يفسر كيف نتعاطف مع بعض الناس، مثل الرضع المصابين بالأمراض أو الجنون، الذين لا يختبرون بالفعل المعاناة التي نشعر بها نيابة عنهم [نظرية المشاعر الأخلاقية 12-13]. يتيح هذا الحديث لنا الحكم على مشاعر الآخرين على خلفية مشاعرنا المتعاطفة معهم، وبالتالي، فالتعاطف ليس مجرد وسيلة لمشاركة المشاعر مع الآخرين؛ بل إنه يفتح فجوة بين مشاعرهم وموثوقيتنا، وهذه الفجوة تمنحنا فرصة فهم الفكرة الجوهرية في نظرية سميث، بأن بعض المشاعر مناسبة لموقف معين، في حين أن مشاعر أخرى ليست كذلك.

من هذه الاختلافات – البسيطة ظاهريا – عن نظرية هيوم، نفهم أن التعاطف مع الآخرين: أولا: ينتجه الخيال وثانيا: هو استجابة للمواقف بدلاً من كونه حدث عابر، من شخص إلى آخر، وهذا بدوره كان له آثار هائلة على بلورة فكر سميث. فالأول يقوده إلى إعطاء مكانة مركزية لأعمال الخيال في التطور الأخلاقي، ففي كثير من الأحيان يجلب سميث أمثلة من الشعر والدراما لشرح أفكاره أو تقديم أدلة عليها (على سبيل المثال، نظرية المشاعر الأخلاقية 30، 32-3، 34، 177، 227). أما الثاني، فإن سميث يوصي فيه بالقراءة لمؤلفين مثل فولتير باعتباره مثالا على المرشدين الرائعين في بعض الفضائل (نظرية المشاعر الأخلاقية 143، 177)، ويبدو أنه يرى الفلسفة الأخلاقية نفسها كناتج عن الخيال، وهو مشروع يحتاج إلى الاعتماد على الموارد الخيالية، ويهدف بشكل صحيح إلى توسيع وإثراء الخيال الأخلاقي لقرائها (مقارنة جريسولد 1999، الفصل 1)، لذلك،  من المهم بالنسبة لسميث على أي مشروع أن يتسم بالوضوح والحيوية والأناقة ليمثل حجة مقنعة، وكان سميث في الواقع مهتمًا جدًا بإيجاد الخطاب المناسب – والجاذبية المناسبة للخيال التي تزخر بها أعماله (انظر جريسولد 1999؛ مولر 1993؛ براون 1994). حيث أن كلا من كتابيه مكتوبان بشكل جميل، ومليئان بأمثلة واضحة لا تنسى.

وتمكن الاختلافات الثانية مع سميث من أن يكون واقعيا أخلاقيا أكثر من هيوم، حيث يجد سميث طريقة بارعة لاستيراد اهتمام صموئيل كلارك بـ “اللياقات” (كلارك 1703) إلى نظرية المشاعر الأخلاقية. فمن وجهة نظره، نحن نهدف إلى الحصول على هذه المشاعر التي سيحصل عليها المشاهد المحايد فيما لو كان في نفس مواقفنا، حيث إن المشاعر التي نعزوها إلى مثل هذا المتفرج هي تلك التي تناسب هذا الموقف، لذا فإن مشاعرنا لديها شيء تهدف إليه، والتي يمكن عن طريقه الحكم عليها أو قياسها، مما يسمح لـ سميث بالتحدث-كما يفعل من خلال كتابه نظرية المشاعر الأخلاقية- عن “اللياقة” (على سبيل المثال، 149، 159، 165، 305، 311)، وعن المشاعر الملائمة لأهدافها (16-20، 40، 70، 73، 102)، والحديث عن الأشخاص المناسبين للموافقة أو الرفض الممنوح لهم (58، 114، 118، 126). ولذلك، فإنه يضيف معنى أعمق إلى وجهة نظرنا العادية حول إطلاق الأحكام على القيم بأنها صحيحة أو غير صحيحة، لا أن تعزز أو تثبط الأفعال والصفات التي قد تكون مفيدة للمجتمع فحسب. وفي هذه الصدد، فهو يرى أن مشاعرنا أكثر مرونة بدرجة أكبر عن هيوم، وأكثر استجابة للنقد، وكبشر مدنيين بطبعنا، نحن لا نرغب في أشياء معينة لمجرد الرغبة فقط، ولكن نرغب في الحصول على تلك الرغبات التي سيوافق عليها المتفرج المحايد. فما يسمى اليوم ب “الرغبات من الدرجة الثانية”، التي ترافق وتشكل جميع رغباتنا من الدرجة الأولى (110-11؛ قارن فرانكفورت 1971). وهذا يعطي عواطفنا الهيكل الداخلي الذي تحتاجه لكي تكون قادرة على التغيير كاستجابة للمعايير والقواعد.

وفقا ً لذلك، فإن الأمر أكثر منطقية بالنسبة لسميث عن هيوم، أن تكون هناك ضرورة بالنسبة لنا أن نُقيّم مشاعرنا بشكل نقدي. في حين أن هيوم يعترف بضرورة أن نصحح تعاطفنا مع التحيز من خلال تبنيه في الخيال “كوجهة نظر ثابتة وعامة” (هيوم 1739-40، ص 581)، يرى سميث أن هذا الاعتراف يأتي بعد فوات الأوان، حيث ينظر سميث للتعاطف على أنه بناء طموح لجعل مشاعر الفرد تتناسق مع مشاعر الآخرين في تلك المشاعر نفسها. فإذا لم يكن لديهم مثل هذا الطموح فعليا، فلن يكون لدينا أي دافع ولا سبب لتولي “وجهة النظر الثابتة والعامة”. فليس من المنطقي التعامل مع مشاعرنا على أنها ردود أفعال طبيعية غير منطقية، ولكنها – أضف إلى ذلك – قد تحتاج إلى “تصحيح”. فإذا كانت المشاعر هي ردود فعل مجردة طبيعية، فلا يمكن الحكم عليها بأنها صحيحة أو غير صحيحة؛ وإذا كانت غير منطقية، فيمكن أن يكون لدينا سبب-على الأغلب- بأن يبدو أن لدينا مشاعر أخرى غير تلك التي لدينا، لا أن نعمل على تغيير هذه المشاعر. فمن وجهة نظر سميث، فإن الطموح الذي يستحق الموافقة ينتمي إلى مشاعرنا منذ البداية، وبناءً على ذلك، لدينا الدافع والأسباب لتغيير مشاعرنا إذا منعنا من هذا الطموح.

وفي سياق متصل، حسب سميث، وعلى النقيض من هيوم، هناك الكثير لنتعلمه حول المشاعر التي يجب أن نشعر بها. فلا يقضي هيوم – في الدراسة أو التحقيق الثاني – وقتا في التحدث عن كيف يمكن أن نتعلم اكتساب مشاعر جديدة أو نغير المشاعر التي لدينا. فعلى النقيض من ذلك، فإن الأجزاء الخمسة الأولى من كتاب نظرية المشاعر الأخلاقية – ما يقرب من ثلثي النص – مكرسة لتحديد الطرق المختلفة التي نتعلم من خلالها تقييم مشاعرنا، والتي يمكننا فيها تعلم تقييمها من التعبير عنها ببراعة، وتغييرها.

 بالنسبة لسميث، يوجد مكان للتاريخ الأخلاقي أكثر بكثير من الذي يوجد لدى هيوم. إن نسج سميث العميق للأفراد مع مجتمعهم، ونسج التنشئة الاجتماعية مع التطور الأخلاقي، ينبهه إلى الطرق العديدة التي تؤشر فيها المعايير والمثل الأخلاقية إلى الظروف التاريخية (انظر تشليسير 2006). ويظهر ذلك في الروايات التفصيلية التي يقدمها، في محاضراته حول أحكام القضاء، عن كيفية نشوء مفاهيم الملكية والعقد والزواج والعقاب وتغييرها في مختلف المجتمعات. حيث بدأت فكرة تاريخ الأخلاق هاهنا، حيث كان سميث – ومن خلال تلميذه جون ميلار، الذي حضر محاضرات حول أحكام القضاء – مصدرا مهما للروايات الاجتماعية والأنثروبولوجية اللاحقة للتغيير المعياري.

وأخيرا ً، فإن سميث أبعد ما يكون عن النفعية من هيوم، فكلا من المشاعر تمتلك أو تفتقر إلى ملاءمة جوهرية بشكل مستقل عن آثارها، والحجج، في الكتابين الثاني والرابع، هي ضد اختزال اهتمامنا بالعدالة والجمال إلى اهتمامنا بآثارها المفيدة، فهي تهدف إلى مواجهة الميول النفعية في هيوم. إن مفهوم سميث الخاص للحكم الأخلاقي، والتقليل من شأن آثار الأفعال لصالح دوافعها، يبقيه بعيدا عن التبعية، فهو يعتقد أن ملكاتنا في التقييم الأخلاقي موجهة دائما نحو دوافع ورفاهية أفراد معينين في مواقف معينة، وليس إلى السلع التي قد تمتلكها مجموعات من البشر بشكل مشترك، كما يرفض فكرة أن تقييماتنا أو قراراتنا يجب أن تهدف إلى أكبر قدر من السعادة لأكبر عدد من الناس (نظرية المشاعر الأخلاقية 237). بالإضافة إلى ذلك يرى أن السعادة تتشكل من خلال امتلاك التصرفات المناسبة أخلاقيا ً بحيث لا يمكن أن تكون بمثابة هدف غير أخلاقي قد يساعدنا في تحديد تلك التصرفات، كما إنه من الضروري ولحساب التفاضل والتكامل الممتع أن يتم تعريف السعادة بشكل مستقل عن الأخلاق، بحيث يمكنها منح محتوى على الادعاءات الأخلاقية (انظر مكداول1998).  بالنسبة لسميث، يعد هذا الأمر مستحيلا، حيث إنه يرى أن تلبية مطالب المتفرج المحايد أمر جوهري للسعادة، فلا توجد سعادة مستقلة عن الأخلاق.