يصدُر قريبًا للمؤلف مسلم بن أحمد الكثيري عن دار مسعى للنشر والتوزيع والبرنامج الوطني لدعم الكتاب التابع للنادي الثقافي كتاب بعنوان “من الغناء العماني المعاصر” وهو عبارة عن دراسة في ألحان سالم بن علي سعيد وجمعان ديوان. “الفلق” تنقل لكم مقتطفات من الكتاب.
ورد في مقدمة الكتاب: “في الواقع الموسيقي العماني المعاصر أسماء عديدة من الرواد لها مكانة راسخة ودور فني مؤثر تستحق أن يفرد لكل منها دراسة مستقلة، وفي مقدمة هؤلاء كل من سالم بن راشد الصوري، وحمدان الوطني، ومسلم بن علي، وسالم بن محاد وغيرهم. إن دراسة تجارب الموسيقيين العمانيين تشكل من وجهة نظري أهمية كبيرة، ذلك أنها تسد فراغًا معرفيًا في مجال الموسيقى خاصة في هذا الوقت الذي تداخلت فيه الموسيقات شرقًا وغربًا بالواقع المحلي بشكل غير مسبوق، وحاجة الأجيال الموسيقية الجديدة إلى معرفة تراثها، وهويتها، ومنجزاتها الفنية. فحتى الآن لم تنل التجارب الموسيقية العُمانية حظها من التعريف والدراسة والتحليل.”
وورد أيضًا: “إن دراسة تراث الشاعر الملحن جمعان ديوان والملحن والمغني سالم بن علي تتمتع بأهمية خاصة على صعيد مقاربة أثر التطورات الفنية في مجال الغناء العماني في السبعينيات والثمانينات من القرن العشرين. وأقصد بالتطورات الفنية تلك التي حصلت في أساليب الأداء، والانتقال من استعمال الآلات الإيقاعية في معظم الحالات، إلى توظيف أنواع عديدة من الآلات الموسيقى العربية وخاصة المصرية والشامية وأساليبهما الفنية وآلاتهما الموسيقية. من هنا، أخترت في هذه الدراسة عددًا من الألحان لدراستها بهدف استكشاف خصائص هذا الانتقال الفني (إن جاز التعبير) وأثر ذلك على تلبية الاحتياجات الثقافية الفنية والجمالية المعاصرة.”
وقد جاء في فصل “عن الجذور الثقافية” من الباب الأول: “اللغة والشعر والفنون الموسيقية أبرز مظاهر اجتماع سكان الجزيرة العربية ووحدتهم الثقافية قبل وبعد الإسلام. إن الغناء العربي القديم اقترن بالشعر اقترانًا تامًا واحتل مكانة هامة في الحياة الاجتماعية والثقافية ومظاهرهما المختلفة الدينية والدنيوية. والقارئ للتاريخ العربي القديم يلاحظ تعدد الآلات الموسيقية وحب الغناء وممارسته من قِبل فئات عربية مختلفة بما في ذلك رؤسائها من ملوك اليمن وعُمان والحِجاز والعراق والشام.”
كما جاء في فصل “عن الموسيقى في مدينة صلالة في القرن العشرين” : الشائع في صلالة استعمال الآلات الإيقاعية في أداء أنماط الغناء في مختلف المناسبات، والآلات الوترية محدودة بنوعين منها هي: القبوس أو المزهر، والعود التقليدي المعروف. وآلة العود بنوعيها قديمة في الغناء في صلالة ولها أنماطها وأساليب أدائها، وأبرزها: التسميع، والبرعة، والطبل العربي (أو طبل النساء) والشرح. ويمكن رصد الآلات العودية منذ مطلع القرن العشرين حيث استطعنا الحصول على شهادات من رواة مارسوا هذا الغناء وتسجيلات موسيقية متنوعة.”
أما الفصل الثالث: “دراسة في ألحان جمعان ديوان”، فبعضٌ مما جاء فيه: “ترك ديوان تراثًا لحنيًا وشعريًا لا يتوارث في ظفار فحسب، بل وعُمان كلها تقريبًا، وهذه واحدة من أبرز عناصر التفوق. غير أنه في ذات الوقت ظل فنانًا محافظًا للطابع الفني التقليدي للغناء الحضري الظفاري وصيغه الفنية، وتراكيبها اللحنية والإيقاعية الذي أختص به.”
وعن أسلوب جمعان الفني يقول المؤلف: “وفي هذا الشأن استمعت إلى عدد من التسجيلات، وقد لاحظت أنه رغم أميته في القرآءة والكتابة، وعدم معرفته العزف على أي آلة موسيقية، إلا أنه في نفس الوقت تركًا أثرًا قيمًا من الألحان اتسمت تركيباتها بسمات الموسيقى التقليدية، محافظَا كما ذكرت على القوالب الغنائية المعروفة في مدينة صلالة وصيغها الفنية واللحنية والإيقاعية.”
وفي فصل نشأة وتطور التجربة من القسم الثاني الخاصّ بسالم بن علي ذكر الكاتب: ” يتمتع سالم بن علي بمكانة بارزة في تاريخ الغناء العماني المعاصر، وتشكل تجربته الموسيقية، بصمة ثقافية وفنية متميزة جديرة بالدراسة والاهتمام، من قبل الموسيقيين الباحثين والممارسين والطلاب، باعتباره المطرب الأول في عمان، والأكثر انتشارًا داخليًا وخارجيًا، وصاحب أشهر الألحان والأغاني العُمانية في القرن العشرين…”
وأضاف: ” في المقابل تعرضت تجربة هذا الفنان وهو في ذروة عطائه الفني للإهمال والتشويه بقصد أو من غير قصد، فقد واج سالم بن علي صعوبات عديدة في حياته الشخصية والفنية أثرت عليه وعلى نشاطه الفني تأثيرًا بليغًا؛ فقبيل نهاية الثمانينات من القرن العشرين تخلت عنه فجأة شركة سابكو؛ فدخل في أزمات مختلفة وتوالت عليه المصائب المالية، وتضاءلت قدرته على الاستمرار فنيًا بنفس القوة الإعلامية التي كانت مع سابكو. وتعمقت هذه المصائب أكثر مع إقعاده إجباريًا عام 1995م من وزارة الإعلام حيث كان موظفًا في مكتبة إذاعة صلالة.”
وجاء في تطور أساليب الأداء وتنوعها: “من حيث المبدأ يمكن تقسيم تجربة سالم بن علي الفنية إلى مرحلتين أساسيتين؛ تمثل الأولى، البداية بما فيها من محاولات واكتشافات. وفي الثانية، وصلت التجربة إلى مرحلة النضوج الفني في التلحين والأداء اعتمد سالم في بداياته على نفس التلحين والعزف على آلة العود، فيما اتسمت المرحلة الثانية باستعمال الآلات الموسيقية المختلفة وتدخل الموزعين الموسيقيين، حيث تعالم مع عدد من هؤلاء الأساتذة المه9تصين المصريين منذ أواخر السبعينيات من القرن العشرين مثل أشرف السركي، أمير عبد المجيد، وأنور الحريري، وعبد العظيم حليم، وأحمد فودة وغيرهم.”