مقدمة موسوعة القرآن لجين دامن مكاوليف (Jane Dammen McAuliffe) ١/٢

نص المقدمة:

لما يزيد عن مليار مسلم حول العالم، ينتج القرآن المعنى الإلهي الخاص للكلمات الإلهية. وذلك من خلال ترديد هذه الآيات، ورؤيتها مكتوبة في الجدران الكبيرة للمساجد،  وملامسة صفحات النصوص المنقوشة التي تخلق إحساسا ً بحضور المقدس في قلوب وعقول المسلمين.لعدد غير محدود من الأجيال المسلمة، استقبلت العائلات المسلمة الأطفال الجدد بهمس الكلمات القرآنية في آذان الأطفال الرُضع.ولقرون مضت بدء الأطفال الصغار حياتهم وهم يتعلمون القرآن في تعليمهم الرسمي، وهم يجلسون حول المعلم، متعلمين الأبجدية العربية عن طريق تكرار كلمات ومقاطع تعلموها من القرآن.في الثقافة الدينية التي تمُجد التعليم الديني، ولأولئك الأشخاص الذين اكتسبوا معرفة متقدمة بالقرآن والتي منحتهم احتراما ً عميقا ً.ولأولئك الأفراد الذين أحاطوا النص بشكل ٍ عام بذاكرة تبجيلية. في الواقع، التبجيل يدل على تفاعل المسلم مع النص القرآني، وذلك من خلال الصمت في الصلاة، والاستحضار العام في المواقف والدراسات الجادة.

وصف القرآن:

للذين لديهم معرفة بسيطة مسبقة بالقرآن من الممكن أن يساعدهم هذا الوصف لمعرفته بشكل ٍ أفضل. في مكتبات النصوص المقدسة في العالم، يوضع القرآن بوصفه واحدا ً من المداخل القصيرة، مقارنة بالنصوص التقليدية كالقانون البوذي في بالي، والسنسكريتي، والنصوص الصينية المقدسة، حيث يصبح الفرق كبيرا ً من هذه الناحية.حتى الكتاب العبري المقدس (التوراة)، والقانون المسيحي المقدس القديم والعهد الجديد يضم مقتطفات كبيرة. في المقابل، وبإنصاف تام فإن القرآن يوجز النصوص في 114 قسم. كل هذه الاقسام او الفصول تبدأ بمقدمة رسمية واحدة “بسم الله الرحمن الرحيم” حيث تسمى سورة. السورة، في المقابل، تتكون من آيات. تتكون السورة الواحدة من بضع آيات او بضع مئات من الآيات. الاختلاف الملحوظ في الطول والجدير بالملاحظة بسبب استخدام القرآن الطول بوصفه مفهوما ً منظماً. العنوان الاساسي للنصوص يترتب بشكل ٍ تنازلي حسب طول السورة. بكلمات أخرى، السور الطوال تظهر في اول النص، في حين أن السور القصيرة تظهر في النهاية.

مضمون القرآن متنوع وليس من السهل حصره او تصنيفه، ولا يتناسب مع الذين يرتبونه بالنظام العلمي الحديث كما تفضله العقول الحديثة. على سبيل المثال، لن تجد سورة واحدة تُكرّس الرأي اللاهوتي للقانون الاجتماعي والسلوك الشخصي لطقوس وصلاة محددة، أو تتحدث عن الأنبياء السابقين، أو تحذر من يوم القيامة وتصف النار والجنة، والتغيرات الانفعالية المباشرة التي تدفع بأصحاب الاعتقادات الأخرى.ولكنك، مع ذلك، تجد كل هذه المواضيع مثلما الحال في المواضيع الاخرى، محبوكة في السور المختلفة في القرآن.في الواقع، ولدّت المواضيع المتداخلة في القرآن أسلوبا ً أدبيا ً إسلاميا ً يمكن تصنيفه وإستخراجه منها. بعض هذه الأعمال حاولت أن تصنف بشكل شامل المواضيع القرآنية تحت عناوين متعددة، ومواضيع فرعية تندرج تحت مواضيع محددة، كما هو الحال في “ما الذي يقوله القرآن عن النساء؟” او “ما الذي يقوله القرآن عن المجتمع؟”.

وكما هو الحال بوجود مواضيع متعددة في القرآن، نجد هناك أيضا ً تنوع أسلوبي. وبينما يحتوي القرآن على سرديات قصيرة متواصلة مُرتبة بشكل ٍ مألوف لقارئ التوراة والعهد الجديد، فإن اثنا عشر سورة بها مفاهيم استثنائية، فاللغة القرآنية في كثير من الاحيان قوية، ودراماتيكية، وذلك من خلال الصور الحية، وكثرة التشبيهات المذكرة.فالقسم والحوارات الموجودة في النص تتحد مباشرة مع الخطاب الإلهي، بالنسبة للنبي محمد أو لمن يؤمنون برسالته من جهة، أو لإولئك الذين يرفضونها من الجهة الأخرى. وبشكل ٍ مقتضب، توجد لغة قصيرة مع بدائل طويلة وممتعة في النص. فالنبوة والصلوات تختلط وتتداخل مع المحظورات من جهة، والوصفات التي ينبغي أن يتبعها الفعل البشري. 

غير أن هذا القوة البلاغية لا تتوفر لمن يقرأون القرآن بلغة مترجمة، ذلك أن القرآن ينص بنفسه بأنه مكتوب ٍ بلسان عربي، فهو دليل للإيمان والإعتقاد باللغة العربية، فعند ترجمته يتوقف عن كونه “كلمات الله الخاصة” ليصبح بكل بساطة بعد ذلك ترجمة للنص العربي الأصلي. لذلك، ولهذا السبب عندما يستشهد المسلمون في الكثير من الصلوات والطقوس المختلفة فإنهم يقومون بذلك باللغة العربية. ومع ذلك، نجد أن هناك ترجمات كثيرة ومختلفة لمعظم اللغات في العالم بما فيها اللغة الإنجليزية. 

دراسة القرآن:

تعتبر التقاليد العلمية المتعلقة بالقرآن منذ فترة طويلة مؤشرا ً واضحا ً، وجليا ً، على التبجيل الذي يحيط بهذا النص، فعلى الرغم من تاريخ نطقه، ونقله، وعلاقة الآيات بالتأويل في العصور المبكرة، إلا أنها لا تزال محل خلاف، فمما لا شك فيه أن هذه الأسئلة حول النص بحد ذاته وإنعكاسها على معناه، كانت جزءا ً من بيئة القرآن منذ نشأته. وبشكل ٍ غير متوقع، أخذت المسائل اللغوية الأسبقية، كما هو الحال في التأويل والبلاغة وتوفير شرح للمرادفات اللغوية أو لتلك الألفاظ والكلمات غير المألوفة، وغير المستخدمة. وكما هو الحال في النص المدون، ظهرت أصوات متنوعة، مما أدى لتزايد تلك الأصوات الساعية إلى وضع قوانين وتشريعات. في المقابل، فإن المستقبلين أو المستعمين للنص في المراحل الأولى لم يكن بإستطاعتهم أو لم يكونوا مهيأين بشكل ٍ متساو ٍ لفهم طبيعة الكلمات المبنية للمجهول في النص القرآني، فالعبارات الفردية تتطلب جاهزية للتفسير كما هو الحال مع المقاطع السردية ذات الطبيعة غير الواضحة.

في هذا السياق، تنبثق الكثير من الأسئلة بشكل ٍ سريع، مثل: متى وتحت أي ظروف ظهرت بعض الآيات؟ من أو مالمقصود من بعض الآيات والعبارات الغامضة؟ لمن أو إلى ماذا تُشير بعض الضمائر المحددة في النص؟ من الذي يتم مخاطبته بمقطع مُعين ومن يجب أن يُطبق عليه: لجميع المؤمنين، في الحاضر والمستقبل، أم لمجموعة معينة من الأفراد؟ وهل المعنى المقصود للآية أو للآيات مجازي أم هل تُفهم بشكل ٍ حرفي؟ وهل جميع أجزاء القرآن مفهومة بشكل ٍ متساو ٍ أم أن بعض الأجزاء أكثر غموضا ً وتثير إشكاليات مختلفة؟ وهل هناك روابط بين الآيات سواء ً في السورة الواحدة أو عبر أجزاء مختلفة من القرآن؟ وهل يمكن لمقطع معين من النص أن يساعد على توضيح مقطع آخر في النص من خلال محاولة فهمه وفحصه؟ وهل هناك مستويات أو طبقات لمعاني النص يمكن الوصول إليها من قبِل بعض الأشخاص أصحاب المستويات الروحية والفكرية الخاصة؟ 

من الواضح بأن الدواعي أو المحفزات لهذه التعددية التفسيرية كانت أكثر من إهتمام العلماء بالنص المقدس بحد ذاته، ذلك أن الضغوطات الفردية والجماعية من قبِل الأشخاص الذين يبحثون عن إجابات لأسئلة حاسمة ومصيرية، الموجهة لهؤلاء العُلماء كانت سببا ً رئيسيا ً في ذلك. ذلك أن كلمات القرآن، كما هو مفهوم بشكل ٍ عام، قد جاءت بشكل ٍ مبُاشر من الله لتُرشد التعاملات الإجتماعية، والسلوكيات الدينية، الطارئة أو الناشئة في المجتمعات المُسلمة، وهو ما جعل الفهم الكافي للنص ضروريا ً من أجل تطبيقه بشكل ٍ صحيح. ولكن حتى الخطوط العريضة لهذا التاريخ المُبكر للعٌلماء ما زال محل جدل كبير. ذلك أن سؤال “الأصول الإسلامية” فُهم على أنه يتضمن على القرنين الأولين في الحركة الإسلامية الجديدة، وهو ما كان محل خلاف شديد في هذا الحقل من الدراسات. فالمختصين، من المسلمين أو غيرهم، دارت بينهم حوارات وخلافات كثيرة حول الترتيب الزمني، الجغرافي، ومصداقية أو موثوقية الأصول والمصادر. فالتأكيدات والتأكيدات المضادة لها حول القرآن من مختلف الأطراف كانت مركزية لهذه المزاعم. 

فبمخطط توضيحي مختصر حول المراحل المبكرة من نشر القرآن الكريم، والتأويلات المختلفة للقرآن، من الممكن أن يشير إلى هذه النقاشات فقط، دونما الدخول المباشر في تفاصيلها. فالكثير من المختصين والعُلماء يرون بأن المراحل الأولى لإصدار القرآن الكريم وتأويله كانت شفهية، وكانت متصلة في نفس الوقت. ففي منتصف القراءة الجزئية للنص قد يتوقف القارئ للبحث عن مصطلحات مرادفة للكلمات غير المفهومة للمستمع أو المتلقي. أو ربما يبحث عن مساعدة أو يقوم بمقارنة بين نص قرآني وآخر لتوفير شرح مُختصر لبعض المقاطع أو الوحدات النصية التي بدت بأنها مختصرة، ومكتنزة، وتحتاج للشرح. فرواية أو سرد القصص كانت نشاطا ً آخرا ً للأجيال الأولى والتي يبدو أنها كانت في الكثير من الأحيان ترتبط مع الروايات التي إستندت إلى مخزون مشترك من المواد المكتوبة والسير الإسطورية.

فالبحث عن العلاقة بين المرحلة الشفوية ونقلها المكتوب لاحقا ً، والتساؤل حول أنها كانت متزامنة أو لاحقة لها، يثير جميع التساؤلات والإهتمامات التي ذُكرت قبل قليل. فالكثير من الدراسات التقليدية حول هذا العصر إستمدت رؤيتها من مصادر متأخرة عنها لأجيال مختلفة. ذلك أن قلة المواد النصية والكتابية الموجودة والمتوفرة من الممكن أن يعزى بشكل ٍ كبير إلى القرون الإسلامي الأول الذي زاد من تفاقم هذا الوضع. فما رآه بعض العُلماء على أنه حقبة مثيرة من التغير السياسي والديني السريع والتي وصفها المؤرخون المسلمون لاحقا ً، نرى أن علماء آخرين وصفوها أيضا ً بأنها فترة من الصراع الطائفي الحاد الذي لا يمكن الحديث عنه إلا بشكل بسيط، وخافت. كما أن هناك وجهات نظر تقع بين الطرفين.

وبالرغم من ذلك، فمع نهاية القرن التاسع، وصل فهم المسلمين العُقدي والتفسيري للقرآن مرحلة مستقرة، حول إتجاهات الدراسات الأكاديمية عن القرآن والتي كان يُنظر إليها على إنها لحظات حاسمة، ومحورية. فالمناظرات اللاهوتية حول طبيعة القرآن وهل هو مخلوق أم غير مخلوق قد وصلت لمرحلة ٍ من الإستقرار، وتغلبت على الكثير من المصاعب. حيث أنتجت آجيال من التفسير القرآني، الشفهي والمكتوب، تراكما ً كبيرا ً من البيانات التفسيرية، والذي تم إلتقاطه في اللحظات المهمة للتعريف به. فخلاصة تأويل، وشرح، الآيات القرآنية في كتاب “جامع البيان عن تأويل آي القرآن” المعروف بتفسير الطبري البغدادي (توفي 310هـ/923م)، والذي ما زالت طباعة هذا العمل مستمرة، يصل إلى 30 جزءا ً. فهذا الكتاب يعتبر نفسه بأنه تلخيص لكل الأنشطة والجهود التفسيرية السابقة، فمن وجهة النظر هذه فإن الأعمال المماثلة بعد ذلك والتي جاءت بعدها، وحسب العُلماء المسلمون فإنها تعود إلى القرون الإسلامية الأولى حيث من الممكن تتبعها ووضعها في مخطط تفصيلي حسب الأجيال المختلفة. 

وبحسب هذا المخطط، فإن النبي محمد يعتبر نفسه أول مؤول أو مترجم للقرآن. وبعد وفاته، إنتقل هذا الإمتياز لأقرب أتباعه الذين يُطلق عليهم في التاريخ الإسلامي بالصحابة. من أبرز الأسماء في هذا الجيل التفسيري نجد إبن عباس، إبن مسعود، أبيه بن كعب، والخليفة الرابع علي إبن أبي طالب. فهذا الجيل من المؤولين يدين بالفضل لمساعدة وتعاون الأرملة الشابة للنبي: عائشة. الأجيال اللاحقة، أو التي جاءت بعد ذلك وحسب التقاليد الإسلامية تضمنت أسماء مختلفة، مثل: مجاهد بن جابر، عكرمه، سعيد بن جبير، الضحاك، قتاده بن دعامه، وعلي إبن أبي طلحه. فهذه القائمة بالأسماء اللاحقة كانت تعتبر من تلامذة إبن العباس، وأصحابه الذين يعتبرون في التراث الإسلامي مدينين له، ويعتبرونه المحيط في الجانب التفسيري لسعة معرفته.

ما بين هذه الأسماء في المرحلة المُبكرة، وبين خلاصة تفسير الطبري دخلت إضافات جديدة، و أسماء جديدة لحقل التأويل القرآني، منها: الحسن البصري (ت110هـ/728م)، مقاتل بن سليمان (ت 150هـ/767م)، سفيان الثوري (ت161هـ/778م)، سفيان بن عيينه (ت196هـ/811م)، عبد الرزاق (ت211هـ/827م)، سهل التستري (ت 238هـ/896م)، هود بن مُحكم (ت290هـ/903م), ففي خلال العقود الأخيرة أظهرت الطبعات المنشورة التي يُنسب إسنادها إلى هذه الأسماء، وغيرها، التي أثارت الكثير من الأسئلة حول تاريخ تنقيح النص والتي لا تزال تشغل دراسة الأصول الإسلامية. ومع ذلك، فإن إستمرارية العمل النقدي لهذه الفترة التاريخية من شأنه أن يمنح ضمانات أكبر لدقة الإسناد، وفهما ً أكثر دقة لخطوط المؤولين المؤثرين.

وبينما يعتبر الطبري مصدرا ً أساسيا ً، فإن المكتبة التأويلية العربية واصلت نموها بشكل ٍ مستقر في القرون اللاحقة، للمسلمين وغير المسلمين، غير أن هذه الجهود التفسيرية خالطتها الكثير من الآراء المذهبية، والأيديولوجية (الفكرية). وبعيدا ً عن المحاولات الشمولية في هذا الصدد، من المهم هنا ذكر بعض الأسماء التي تساعد قارئ هذه الموسوعة، والذي يعتبر غير مطلع بشكل ٍ تفصيلي على الدراسات القرآنية. فالأكثر إرتباطا ً بنهج ورؤية الطبري نجدها لدى؛ أبو الليث السمرقندي (ت375هـ/985م)، أبو إسحاق الثعالبي (ت427هـ/1035م)، البغوي (ت516هـ/1122م)، إبن عطية (ت541هـ/1147م)، إبن الجوزي (ت597هـ/1200م)، إبن كثير (ت774هـ/1373م)، والسيوطي (ت911هـ/1505م). 

هناك تصنيفات أكثر إنسيابية تُحدد أشكالا ً معُينة من التفاسير على أنها أقل إهتماما ً بنقل الإملاءات التفسيرية في القرون الإسلامية الأولى، وأكثر إهتماما ً بالتعبير عن توجهات لاهوتية، أو فلسفية معُينة. فالتاريخ التفسيري الإسلامي يُسجل بوجود تنوع في إستقبال مختلف التأويلات. منها على سبيل المثال: القاضي عبد الجبار (ت415هـ/1025م)، الزمخشري (ت538هـ/1144م)، فخر الدين الرازي (ت606هـ/1210م)، الذن تم طرح أسئلة عليهم، وإدانتهم. في حين أن إبن حبيب النيسابوري (ت406هـ/1015م)، البيضاوي (ت700هـ/1301م)، الناصفي (710هـ/1310م)، والخازن البغدادي (742هـ/1341م)، تلقوا إستجابة وردود فعل جيدة.

في حين أن قائمة المفسرين الشيعة تتضمن بشكل ٍ عام الأسماء التالية: العياشي (ت320هـ/932م)، القُميّ (توفي منتصف القرن الرابع الهجري، العاشر الميلادي)، الطوسي (ت460هـ/1067م)، الطبرسي (ت548هـ/1153م). فهذه الأعمال لم تستحضر الخط التفسيري التقليدي، حيث أنها إنفصلت عن الخط السُني من خلال تميزها، واختلافها المرجعي المبكر عن طريق أسماء مختلفة، مثل جعفر الصادق (ت148هـ/765م)، وبقية الائمة الشيعة، ومن خلال التركيز على مواضيع، وأنماط تأويلية مختلفة. حيث أن الإسلام الشيعي لا يعتبر متجانسا ً كما هو الحال بالنسبة للإسلام السني، فهناك مجموعات مهُمة داخل الخط الشيعي، مثل الإسماعيلية، والزيدية، الذين يعتزون ويفتخرون بأنسابهم، وبالأنماط التفسيرية التي ينتمون لها داخل مجتمعاتهم.

غير أن هناك شكلا ً أكثر تنوعا ً للتفاسير القرآنية كما هو الحال في الإسلام الصوفي، فمنذ المراحل المُبكرة لهذا التقليد، نجد أنه تم الإشارة بشكل ٍ مستمر إلى سهل التستري، كما أن هناك مفسرين آخرين في هذا الإطار مثل أبو عبد الرحمن السلمي (ت412هـ/1021م)، أبو القاسم القشيري (ت465هـ/1072م)، روزبهان البقلي الشيرازي (ت606هـ/1209م)، كما لا يمكن نسيان إسهامات العالم الصوفي الشهير محيي الدين إبن العربي (ت638هـ/1240م). تسعى التفاسير الصوفية بدرجة ٍ أقل للقيام بتغطية شاملة للنص القرآني مقارنة بالأعمال الأخرى، أو الأنماط التفسيرية الأخرى. ففي كثير من الأحيان فإن كلمات مُعينة من القرآن، عن طريق البصيرة الداخلية، أو الإضاءة الصوفية، تساهم في توليد معان ٍ جديدة، في ذهن المؤلف أو في عقول أولئك الذي يسعون إلى نقل أفكارهم.

في الطبيعة الإنتقائية للتفاسير الصوفية من الممكن أن نجد نظائر لها في الأنواع التفسيرية الأخرى التي تُركز على أجزاء معينة فقط من النص القرآني. 

فالتعليقات أو التفاسير القانونية تهتم بشكل ٍ أساسي بتلك الآيات التي لها آثار سلوكية، والتي تحظر أو تفرض أنواعا ً مختلفة من النشاط البشري. حيث نجد في هذا السياق عددا ً من الأعمال الرئيسية مثل الجصاص (ت370هـ/981م)، إلكيا الهراسي الشافعي (ت504هـ/1110م)، محمد بن عبدالله إبن العربي (ت543هـ/1148م)، والقرطبي (ت671هـ/1272م)، فبالاشارة إلى الأسمين الواردين في آخر القائمة نستطيع معرفة الأسباب الجغرافية و اللغوية واللسانية لإنتشار هذا النوع من التفسير، ذلك أن إبن العربي والقرطبي من الأندلس، وهي منطقة تنتمي للقرون الوسطى الإسلامية التي أنتجت تراثا ً فكريا ً غنيا ً، حيث كتبا باللغة العربية كما هو حال جميع المعلقين أو المفسرين الذين ذكروا إلى الآن.

غير أن التفاسير المهمة عن القرآن لم تُكتب باللغة العربية فقط، فالمساهمات التُركية، والفارسية، تُكملها تلك الموجودة في لغات جنوب وجنوب شرق آسيا وجنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا، وبشكل ٍ خاص في القرون الأخيرة التي أصبح الإنتشار اللغوي لهذه التفاسير أكثر وضوحا ً، وإنتشارا ً. كما شهد القرن العشرين إصدار الكثير من التفاسير والتعليقات باللغة العربية، مثل: محمد عبده، رشيد رضا، سيد قطب، الطبطبائي الفارسي الذي كتب باللغة العربية، بنت الشاطئ، محمد متولي الشعراوي. كما نجد أيضا ً المساهمات المهمة باللغة الأوردية لأبي الأعلى المودودي، أمين أحسن إصلاحي، فضلا ً عن عمل من ثلاثين جزءا ً كتبها الحاج عبد الملك كريم أمر الله المعروف بهامكا في أندونيسيا.

في جنوب شرق آسيا، والتي يقطن فيها ربع السكان المسلمين في العالم، شهدت في الفترات الأخيرة ظهور الكثير من الدراسات القرآنية. فتلاوة القرآن – على سبيل المثال – إتخذت شكل مسابقات محلية، إقليمية، وعالمية، للرجال والنساء على حد ٍ سواء. وبينما تعتبر عروض المسابقات طريقة حديثة لكسب وإبراز الخبرات في الدراسات القرآنية، فإن الرغبة في الإهتمام بالنص القرآني لها تاريخ طويل في الحياة الفكرية الإسلامية. وعلى الرغم من التاريخ المستمر للتفسيرات القرآنية والتي تُمثل جزءا ً مهما ً من ذلك التاريخ وهو عنصر رئيسي، ومهم، مما يدعوه المسلمون “علوم القرآن”، إلا أن هناك الكثير من العناصر المهمة الأخرى في هذا المجال.

ففي جانب التلاوة، نجد أنها بحد ذاتها قد خضعت لتطورات ٍ مختلفة، وتحولت إلى مجموعة معقدة من التخصصات التي يجب إتقانها لضمان دقة النص، وإنتاجه. ففي حين أن الطلاب يرغبون في تطوير هذه المهارات، سواء متحدثين باللغة العربية أو غير ذلك، فإنهم يقضون سنوات في تعلم كيفية نطق كل عنصر صوتي بشكل ٍ مثالي، وصحيح، وكيفية تسريع التلاوة بشكل ٍ صحيح والتوقف مؤقتا ً عند اللزوم أو حسب المقترح، وكيفية تقديم مجموعة معينة من الحروف والإستطالة مع بعض الحروف والمقاطع لإنتاج الصوت والمعنى بشكل ٍ دقيق. وبالإضافة إلى ضرورة إستيعاب قواعد التلاوة، يبدأ الطلاب ايضا ً في حفظ القرآن بما يُمكن الكثيرين في نهاية المطاف من قراءة جميع السور والبالغة 114 سورة إعتمادا ً على الذاكرة، كما فعلت الأجيال السابقة.

وفي مرحلة متقدمة، تتضمن تلاوة القرآن إكتساب معرفة شاملة “بالقراءات” المختلفة للقرآن، فهي تُمثل مجالا ً آخر لعلوم القرآن، وواحدة من الجذور القديمة جدا ً في هذا المجال. وبحسب الروايات التقليدية لتقديس القرآن،  فإنه في البداية ظهر نطاق مقبول من الإختلاف، غير أنه لاحقا ً صادق عليه المجتمع العلمي. وبالرغم من أن النصوص المطبوعة، والمتداولة اليوم من النص القرآني، تعتمد فقط على هذه التقاليد النصية، والعلمية، إلا أن البعض الآخر مازال يعتمد على تقاليد مختلفة في القراءة، مستمرة مع وجود الكثير من الأتباع. ومع إستمرار إجتذاب النص القرآني في التدقيق من قِبل الأجيال اللاحقة من العُلماء، أصبحت الفئات الأخرى داخل النطاق الواسع لعلوم القرآن أكثر تنميطا ً، حيث أنتجت أنواعها المعرفية، والفرعية الخاصة، وآدابها أيضا ً. أدت المحاولات المختلفة لإنشاء أو معرفة السياق التاريخي لبعض المقاطع من الآيات إلى خلق ما سُمي “مناسبة النزول” كما هو لدى الواحدي (ت468هـ/1076م)، حيث ساد الإعتقاد بأن هناك آيات من القرآن تحتوي على عناصر أو آيات تُلغي آيات أخرى، كما أن بعض الآيات تُبطل القوة الإلزامية لغيرها، أو للآخرين، مما ساعد في ظهور جهد تفسيري، وفهرسي واسع النطاق، في أعمال عُلماء سابقين مثل إبن شهاب الزُهري (ت 124هـ/742م)، النحّاس (ت338هـ/949م)، هبة الله بن سلامه المقري (ت410هـ/1020م)، إبن العتيقي (توفي تقريبا ً 790هـ/1020م).

في الجانب الآخر، أدى التدقيق أو الفحص المعجمي إلى أشكال أخرى من التصنيف، حيث تم جمع الكثير من المفردات القرآنية التي تُعتبر “صعبة”، أو “غير مألوفة”، بسبب إشتقاقها أو إرتباطها الجدلي في أعمال مختلفة، مثل إبن قُتيبة (ت 276هـ/889م)، السجستاني (ت330هـ/942م)، والراغب الأصفهاني(ت502هـ/1108م). كما تم التعامل مع المفردات ذات المعاني المتعددة، أو المرادفات من قِبل إبن قتيبة، والدامغاني (ت478هـ/1085م) وإبن الجوزي، والكلمات ذات الغموض الدلالي، والأكثر إرباكا ً، إلى تصنيف أعمال إضافية، ومزيدا ً من التصنيفات والتصنيفات المرجعية، التي تهدف إلى التوضيح المعجمي الدقيق، وربطها بالنص بشكل ٍ دقيق، الأمر الذي يُضفي مزيدا ً من التقديس على النص، ومفرداته، بما يضمن المزيد من الإنخراط الخطابي الذي يُميز علوم القرآن.

فمنذ الفترات الزمنية الأولى أصبح واضحا ً في العقيدة الإسلامية، بأن القوة الدينية، والعقُدية للقرآن، لا يمكن نسخها، أو تكرارها، فالقرآن في وعي المُسلم، لا يُضاهى. حيث ركز النقد الأدبي التقليدي للنص على توضيح هذه المسألة من الناحية العُقدية. كما تطورت لاحقا ً عن طريق عُلماء مثل، الرُماني (ت386هـ/996م)، الخطابي(ت388هـ/998م)، الباقلاني(ت403هـ/1013م)، الجرجاني(ت470هـ/1078م)، بحوث حول الأسباب الأسلوبية، والموضوعية على حد ٍ سواء. أدى ذلك إلى إعتبار القرآن بأنه المعجزة المصدقة على نبوة محمد، لأنه يحتوي على معلومات عن الماضي، المستقبل، وعن علاقة الله بالعالم التي لا يمكن تحقيقها بدون مساعدة ٍ من أحد. كما أن الإيمان بأمية محمد يضيف قوة أخرى إلى الإحساس بالتفوق الأصلي، والمضموني للنص. غير أن وراء هذه المسائل تجاه المحتوى تقبع مسائل جمالية من الممكن التركيز عليها. فالتحليل الحذر، والدقيق للنص، من الممكن أن يعزل بعض الأمثلة ذات الصلة بالأشكال والأنواع الأدبية، وذلك عن طريق فحص أنماط القافية، والإيقاع، عن طريق فهرسة بعض الأمثلة المحددة من الكلمات، وترتيبها. كما أن هذا التدقيق والتحليل إختلط مع بلاغة القرآن المهُيمنة، والتي يمكن العثور على هذه الأمثلة من التشريح المعقد للنص في الأعمال التي تندرج تحت “علوم القرآن”، والتي تأتي كجهود لشرح تأثير تلاوة القرآن على المؤمنين. تجد التجربة الخطابية تجلياتها المكتوبة في المصنفات المتميزة التي أنتجها عُلماء مثل، الزركشي(ت794هـ/1392م)، والسيوطي. حيث أن مسحا ً عاما ً للفصول الثمانين من مؤلف السيوطي في علوم القرآن يمنح المرء إلتزاما ً بالإحترام المتبادل مع وجود مسحة تبجيلية للنص.

في الجانب الآخر، تم إنتاج دراسات عن القرآن من طرف عُلماء وباحثين غير مسلمين، كما هو الحال مع الكُتاب المسلمين الذين اهتموا بالتراث الكتابي لأديان ٍ أخرى، وتحديدا ً باليهودية والمسيحية، حيث أن هؤلاء غير المسلمين كان لديهم إهتمام ذاتي بالقرآن. وبالطبع، فإن الكثير من هذه الإهتمامات عززتها مخاوف جدلية، ومنها صعود عقلية “إعرف العدو” التي أصبحت حادة جدا ً، بشكل ٍ خاص خلال فترة الخصومة العسكرية، والمنافسة الإقتصادية المكثفة. ومنذ فترة مبكرة للغاية، تم إستخدام آيات أو مقاطع من القرآن من قِبل غير المسلمين، ضمن التقاليد العريقة للجدل الديني، وذلك لمحاولة تشويه سمعة الوحي الإلهي من جهة، وإظهار التناقضات الداخلية من الجهة الأخرى. وحتى بدون إقتباس مباشر، أصبحت الحجج الجدلية ضد القرآن شائعة في العصور الوسطى في الخطابات اليهودية والمسيحية على حد ٍ سواء. مثلما هو الحال لدى أسماء بارزة مثل يوحنا الدمشقي (ت749م)، القرقساني (من منتصف القرن العاشر الميلادي)، موسى بن ميمون (ت1204م)، و توما الأكويني (ت1274م) الذي من الممكن ذكره في هذا السياق.

ومع ذلك، فإن فترة العصور الوسطى المتأخرة جلبت نهجا ً جديدا ً، مرتبطا ً ب أبوتي كلوني الشهير ببيتر الجليل (ت1156م)، وبالرغم من أن هذا النهج لا يمكن فصله عن الدوافع الجدلية، إلا أن مبادرة بيتر ساهمت في توسيع حركة الترجمة النشطة التي أنتجت نُسخا ً لاتينية من الأعمال العربية العلمية، والطبية المهمة، التي شملت القرآن والأعمال الأخرى ذات الطبيعة الدينية. وللقيام بذلك، قام بيتر بتجميع فريق من المترجمين بما فيهم المترجم الإنجليزي روبرت كيتون (ت1157م) الذي يرجع إليه الفضل في الترجمة الكاملة للقرآن لأي لغة غربية. وبالرغم من الإنتقادات التي وجهت لدقتها وترتيبها، إلا أنها بقي تقديم روبرت بمثابة التقديم القياسي للنسخة اللاتينية من القرآن لعدة قرون لاحقة. غير أنه سرعان ما إنضم مارك توليدو (ت1216م)، حيث أظهرت الدراسات الحديثة أن كلا المترجمين لم يقتصرا في ترجماتهما على النص القرآني فقط، بل إستطاعا الوصول إلى الكثير من التعليقات والتفاسير، إما بشكل ٍ مباشر أو بشكل ٍ غير مباشر بواسطة راو ٍ إستخدمها بمهارة كبيرة. لاحقا ً تتالت ترجمات مختلفة بعد ذلك، في القرن الثامن عشر الإنجليزي بما في ذلك ترجمة المستشرق الإنجليزي جورج سيل (ت1736م) ومواطنه الذي تحول لاحقا ً إلى الإسلام محمد مارمادوك بكتال (ت1936م).

ترجمة روبرت كيتون من خلال تقديمها بواسطة الإيطالي أندريا آريفابانا والتي صدرت عام 1547م، أثرت لاحقا ً في الترجمة الألمانية الأولى وبعد ذلك الترجمة الهولندية. بالإضافة لذلك، نجد المخطوطات العبرية للقرآن، مثل ترجمة ياكوف بن إسرائيل هاليفي التي ظهرت في البندقية عام 1547م. غير أنه خلال نفس الفترة، ظهرت ترجمات وإصدارت فرنسية ، حيث نشر لودفيكو مرتشي في عام 1698م ترجمة أخرى، ثم سرعان ما شهدت ترجمات نسخ، وترجمات متماثلة بلغات مختلفة وبلغات أوروبية، حيث نشر جورج سيل عام 1734م، ترجمة للقرآن مع خطاب تمهيدي أو مقدمة توضيحية عن الإسلام باللغة الإنجليزية لمدة قرن. 

الترجمة بالطبع ليست الشكل الوحيد لدراسات القرآن من غير المسلمين التي أنتجتها أوروبا في العصور الوسطى وبداية العصر الحديث، حيث أثار الوصول إلى القرآن من خلال هذه الترجمات الكثير من ردود الأفعال المختلفة من اليهود والمسيحيين على حد ٍ سواء. أدى ذلك إلى تزايد الجدل، والتبريرات من خلال أشخاص لديهم معرفة جيدة بالنص، وتحديدا ً عن طريق ريكولودو دي مونتي (ت1320م)، ونيكولاس الكوزاني (ت1464م)، مما أدى لتفنيد بعض الأقلام والحجج. بالعودة إلى القرآن، وبالاستشهاد عن طريق بعض المقاطع، من الممكن أن نجد بعضها في الدراسات اليهودية، والمسيحية في تلك الفترة. كما تم تقسيم أجزاء من نُسخ القرآن إلى الأحرف العبرية، عن طريق استخدام تقنية الجينزا (التي هي عبارة عن أوراق لا يجوز إبدالها أو إتلافها حسب الديانة اليهودية. المترجم) التي وفرت إشارات وعلامات إضافية للدارسين غير المسلمين للنص. لاحقا ً، وفي فترة ما بعد التنوير، ظهرت الدراسات الشرقية كنظام أكاديمي مميز، حيث أن معظم البحوث الموجودة في موسوعة الدراسات القرآنية هذه إعتمدت على العمل الذي بدأ في مراكز البحوث الأكاديمية التي قامت بدراسات “علمية” للثقافات والديانات غير الغربية.

لكن وقبل ذلك،  من الضروري الإشارة إلى أنه تم إنشاء كُليات مُكرسة لمثل هذا النوع من الدراسات في أماكن مختلفة، مثل: لايدن (1593م)، روما (1627م)، وأكسفورد (1638م). كما تم لاحقا ً إفتتاح هذا النوع من الدراسات في جامعات أوروبية رئيسية أخرى، وفي نهاية المطاف تم إفتتاحه في جامعات أخرى في أمريكا الشمالية. كانت اللغة العربية وغيرها من اللغات المحلية الأخرى، مثل الفارسية والتركية، محور التركيز الأساسي للتعليم بسبب الكفاءة اللغوية التي تُعتبر الشرط الأساسي الذي لا غنى عنه لدراسة النصوص والمصادر التاريخية الأخرى. وفي هذا الخصوص، شكل ظهور النظام الناشئ للدراسات الإسلامية على غرار الدراسات الكلاسيكية كما تطورت خلال عصر النهضة وما بعدها. كما أصبح فقه اللغة، الذي يُفهم على إنه دراسة الثقافة من خلال عدسة النصوص التي أنتجتها والتي أصبحت مهيمنة في المناهج الدراسية في الوقت الحاضر. ولأن القرآن يُعتبر كمحور رئيسي ومركزي في تطور هوية وتاريخ الإسلام، الأمر الذي إسترعى إنتباها ً وثيقا ً مما ساهم في ظهور الدراسات القرآنية كفرع دراسات رئيسي في الدراسات الإسلامية. 

وفي مسار تطورها، تأثرت الدراسات غير الإسلامية أو الغربية بعمق بالنظام الأخوي في دراسات الكُتب المقدسة والتي تٌعنى بالدراسة البينية ضمن فضاءات الكتب المقدسة. في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وجدت الكتابات النقدية المتعلقة بالكُتب المقدسة، وعلى الأقل تلك التي جاءت أو هاجرت من العبرية المتأخرة، أو المترهبنه من مصدر جامعي واحد، الطابع الإلهي للكتب المقدسة: اليهودية، والمسيحية. حيث كان هناك إستعداد ورغبة في عصر النهضة لتطبيق مناهج النقد الأدبي، والتاريخي، التي طبقت على النصوص الإغريقية، واللاتينية، أن يتم تطبيقها على النصوص القديمة للحضارات المختلفة، والنصوص المقدسة أيضا ً. فمن منظور عقلاني، سعى بعض العُلماء والباحثين إلى التوفيق بين تعاليم الكُتب المقدسة من جهة وبين المنهج العقلي، في حين أن آخرون ركزوا على التناقضات بين الكُتب المقدسة والمناهج العقلية. في هذا الجانب، تزايدت الدراسات المهتمة بالسياق حيث بحث العُلماء بين الثقافة والخلفيات التاريخية للكتب المقدسة، وذلك من خلال التراث الأدبي الذي نشأ فيه ومتابعة التنقيحات التي أنتجت الشكل النهائي. وبينما درس العُلماء فقه اللغات السامية، واستخدموا المناهج التاريخية النقدية لدراسة الكتاب العبري المقدس والعهد الجديد، موجهين إهتمامهم إلى نص قديم آخر، وهو القرآن، حيث جلبوا معهم نفس الفرضيات العقائدية التي تقتضي بتجاهل الاختلافات بين النصوص. فالقرآن، مثل العهد القديم، تعرض للتحليل النصي واللغوي، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث أن بعض هذه الكتابات ما تزال توجه هذا الحقل لهذا اليوم. في الفترة اللاحقة إنضمت الكثير من الأسماء في هذا السياق، مثل غوستاف ويل، ثيودرو نولدكه، إبراهام جيجر، هارتويغ هيرشفيلد، ثم سرعان ما لحقت بهم الكثير من الأسماء في القرن العشرين أمثال: إغناتس غولدتسهير، جوتهلف برجشتريسر، أوتو برتسل، ريتشارد بيل، آرثر جفري، و ردوي باريت. ومن منظور قريب لذلك، بعض العُلماء وغيرهم الرجوع إلى القرآن واعتباره المصدر الأكثر موثوقية لإعادة بناء حياة محمد وحياة المسلمين في العهد الإسلامي المبكر. 

جين دامن مكاوليف

محررة الموسوعة

جامعة جورج تاون.

لقراءة الجزء الثاني من المقال، اضغط هنا.

السابع بعد المئة ثقافة وفكر

عن الكاتب

علي بن سليمان الرواحي

كاتب وباحث عماني