آنى أرنو
ترجمة: سماح ممدوح حسن
أعلنت الأكاديمية السويدية لجائزة نوبل للآدب فى”6 أكتوبر، 2022″ عن فوز الاديبة الفرنسية”آنى أرنو” بالجائزة. والتى ترجمنا لها هذا الحوار.
تعتبر”آنى أرنو” أحد أعمدة الأدب الفرنسى. تأخد على عاتقها، فى كتاباتها، وبشكل صارم، معالحة الإختلافات الاجتماعية وأستقلال المرأة، وناقشت الصراع الصعب من أجل تقرير المصير حاليا وفى الماضى.
س_فى مهرجان فينسيا فاز الفيلم المقتبس عن روايتك “يحدث” بجائزة الأسد الذهبي. الرواية التي تتحدثين فيها عن الاجهاض غير القانوني في فرنسا فترة الستينيات. ماذا تعنى لكِ تلك الجائزة؟
_حقيقة أنا أحب هذا الفيلم. نجح المخرج والممثلة الرئيسية فى نقل شعور الوحدة بشكل جيد جدا، شعور السيف المسلط فوقك. عندما أرى ما يحدث فى تكساس أشعر بأهمية معالجة الموضوع مرة أخرى. أخشى أنها مسألة وقت فحسب قبل أن يُطعن على الحق في الاجهاض مجددا فى بلادنا.
س_فى هذا الكتاب تصفى الشعور بالعجز. العجز عن تقرير مصير ما يتعلق بجسدك ومستقبلك بانفتاح وحشي؟
_أردت تسجيل شعور كونى أمراة ليس لها الحق في تقرير مصيرها. لا تستطيع تخيّل ما كان عليه الحال عندما كان الاجهاض غير قانونى. فلا أحد يساعدك، لا الأطباء ولا الأصدقاء ولا العائلة، الجميع يشيح بنظره عنك. كان الشعور بالوحدة مرعبا، كان الأمر أشبه بجدار من الطوب أقيم أمامي، كما لو أن القانون يقول لي “قفِ، إلى هنا ستصلي وليس أبعد” بعد كل شيء، لم أكن أمتلك المال للذهاب إلى سويسرا كما تفعل الفتيات الاثرياء.
س_نشأتى فى عائلة من الطبقة العاملة في نورماندى، ووصفتى هذه اللحظات كما لو أن جسدك يُعيدك إلى محيطك، ماذا قصدتى بالتحديد؟
_عندما تحاول الهروب من طبقتك الاجتماعية الاصلية، كما حاولت أن بدراساتي، فإنك غالبا ما تسأل نفسك: ما الذى سيضيرني؟ ما الذي سيوقفني؟ وعندما اكتشفت أنى حامل أتضح لي فجأة أن جسدي هو ما سيوقفني. وفي ذاك الوقت كانت المرأة الحامل الغير متزوجة هي مثالا للفقر والعوز. كان ذلك ضمانا لعدم التحرر أبدا. وهذا سينهى كل شيء.
س_لكنك لم ترفضى القيود الاجتماعية فقط بل اردتى التقرير بنفسك كيف تريدين العيش. حتى أنكِ قبلتى باحتمال موتك. فبعد اللجوء لمتخصص أجهاض غير قانوني، أنتهى بكِ الأمر فى الطوارئ؟
_يا الله، كان الأمر فظيعا. متأكدة أن ما حدث كان جنونا. لكنك في مثل هذا الموقف لا تفكر في احتمالية موتك، كما تعرف، تتخلى تماما عن العقلانية. كنت قد فعلتها ولم أكن أعرف أن الحظر القانوني يمنعني، وكنت فخورة في ذاك الوقت.
س_من أين جاءت رغبتك العارمة في تقرير المصير؟
_من أمي. من دونها وبالتأكيد ما وصلت حيث أنا اليوم. التقدم الاجتماعي هو شكل من أشكال المنفى. تترك عالمك بأكمله خلفك، كأنك تودع ذاتك بطريقة ما. هذا صعب، وللقيام بهذا تحتاج لشخص يشجعك، لهذا الشخص الذى يقول، استمر أقفز. شخصا لا يعيقك حتى لو عرف إنك مضطراَ للابتعاد.
س_كيف دعمتك أمك؟
_في قريتنا كانت لدى العديد من الصديقات ممن تقول أمهاتهم دائما”هذا لا شيء بالنسبة لنا” وجعلوا أنفسهم نادرين. لكن أمي لم تفعل هذا ابدا. ودائما كانت تقول”أنت شخصا تستحقين هذا” فمثلا أذكر أحد المرات في ملعب القرية وكنت أرقص كثيرا مع صبي يمتلك والده مقهى فاخرا في المدينة، وفي طريقنا للعودة كانت الأمهات الاخريات يقلن”طريق هذا الولد أثرى وأفخر كثيرا بالنسبة لنا” بينما كانت أمي تقول غاضبة”معذرة، أبنتى متخرجة من الثانوية! ومع كل الشهادات التى ستحصل عليها ستكون مستحقة لهذا الرجل”.
س_صار التعليم هو رخصتك للتقدم الاجتماعي، إذاَ ما الذى دفعكِ للكتابة؟
_كتابين. الأول”الجنس الثاني، لسيمون دى بوفوار” كان وحيا بالنسبة لى، وفجأة فهمت أن النسوية أمرا لا بد منه. الثانى كتاب”امتياز، لعالم الاجتماع بيير بورديو” وكان يتعلق بالاختلافات الثقافية بين هؤلاء ممن ولدوا في طبقة معينة وأولئك ممن وجدوا التقدم. عند قراءة هذا أدركت مدى الهوة بينى وبين محيطى الأصلى، لكنى أيضا لم أنتمى للبيئة الجديدة بحق. وعندها عرفت أن عليّ الكتابة.
س_في كتبك للسيرة الذاتية والتي تسمى”علم الاجتماع الأدبي” وصفتي أيضا كيف شعرتي كفتاة صغيرة بالخجل من أصلك، من أين جاءك هذا؟
_إنها الطريقة التي ينظر إليك بها الاخرون. تلك النظرة القوية التي تتلقها ويُحكم عليك من خلالها. ففي عيون الأخرين إما أن تكون متساويا أو متفوقا او أقل شأنا. كل العلاقات الاجتماعية تضعنا في مستوى أعلى أو أقل.
س_هل لا يزال هذا ساريا حتى يومنا، أم إنكِ وجدتD المجتمع أكثر قابلية للأختلاف عما كان الوضع عليه فى صغرك؟
_الاختلافات الاجتماعية موجودة في فرنسا حتى يومنا هذا. كثيرا من الناس في الطبقة العاملة أو المتوسطة، في الحقيقة، يطمحون للعيش في شيء أكثر مما فعل أباءهم. ولا يزال تقرير المصير والتقدم الاجتماعي صعبا جدا، لكن أيضا لا يزال ممكنا اليوم.
س_اليوم، وبعدما تمكنتي من الصعود لقمة النخبة المثقفة، تعتبرى أهم كاتبة في جيلك، لكنك لا زلتِ تعيشين منذ عقود في أحد ضواحى باريس. كما لو أنك تريدين العزلة والابتعاد عن الاندماج!
_لا أشعر بالراحة في دوائر معينة، ليس مكاني الصحيح إن جاز القول. مثل الاوقات التي أسير في سان جرمان دي برى، وأشاهد المتاجر الفاخرة أرى كيف أن هذا ليس عالمي، هذا ليس عالمي فحسب. فأنا أحب الصمت والطبيعة، أعجز عن رؤية أي أسباب للافتتان بهذا العالم المتطور، أنا فقط لا أهتم بهذا.
س_النجاح فى حياتك، هل جعلك أقل أم أكثر حرية؟
_لا هذا ولا ذاك. النجاح لا يعني الكثير بالنسبة لي. ليس له تأثير يُذكر على ما أفعل أو كيف أرى نفسي، فأنا أعيش للكتابة. أكتب أغلب الوقت هنا في بيتي. أحيانا أتسائل عما إذا كان قد فاتتني أشياء بالخارج بتكريسي لحياتي للكتابة. لكن عندما أقراء الرسائل المتعددة التي يخبرني الناس فيها عن مدى أهمية كتبي بالنسبة لهم وكيف غيّرت حياتهم، عندها أفكر في أن الأمر يستحق، ربما هذا بالتحديد ما أنا هنا لأجله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابط الحوار:
https://www.swisslife.com/en/home/hub/interview-annie-ernaux.html