“السيوف الحديدية” تسترجع مطية السلوك اليهودي… القتل والطرد 2/2

كتب بواسطة نبال خماش
كافة الأجزاء والتفاصيل المرتبطة بالحدث الراهن – ممثلا بحرب الإبادة والإعداد لتهجير سكان قطاع غزة – من فعل أو قول، من استدلال ظاهر بالحدث أو يمكن التنبؤ بوقوعه؛ فإن كافة الأجزاء والمكونات تلك تختزن بداخلها إمكانية تحقق الشيء ونقيضه في الوقت ذاته. كل التوقعات والاحتمالات والتنبؤات وكافة محاولات فهم مبررات الحدث ودوافعه باتت مفتوحة على مصراعيها، وبلغت درجة التشابك والتعقد على نحو لم تشهده أي من الأحداث المعاصرة السابقة.
   ورغم حالة التشابك والتعقد تلك، بين ما هو حقيقي وما هو خادع، بين ما هو واقعي وما هو متخيل ومأمول، إلا أن أجزاء في المشهد تبقى عناصر لا تحتمل كثير اختلاف، وإن وجد،  فهو اختلاف في الشكل وليس في المضمون. أولى تلك الدلالات الشاخصة كحقيقة ناصعة، ظاهرة القتل التي يتعرض لها سكان غزة عبر استهدافات مقصودة لذاتها. أما العنصر الثاني فهو الطرد… هناك توافق وتواطؤ إقليمي ودولي على طرد ما لا يقل عن نصف سكان قطاع غزة وتهجيرهم إلى مصر، وكلا العنصرين “القتل والطرد” هما المضمون الأعمق والحقيقة التي لا تحتمل اختلافا أو كثير تأويل في مجريات الحرب الدائرة على أرض قطاع غزة، وهي حاضرة بقوة كذلك  في أدبيات الفكر الصهيوني التي لا ينبغي القفز عن أصولها أو تجاهلها بدعوى أن الأولوية فهم مجريات الحدث، دون التفاتة لمسألة أن كافة تطبيقات السياسة الإسرائيلية في الأمس واليوم وفي الغد، لا تعدو أن تكون استحضارا بشكل أو بآخر لأدبيات الحركة الصهيونية واليهودية بكافة عناصرها. 
                                      *****    
  على الأرجح… فإن غالبية من لديهم إلمام نظري بمستوى معقول حول طبيعة الخطاب الصهيوني وصلته التعاقدية النفعية مع العالم الغربي، وكذلك الحال بالنسبة لغالبية أبناء جيلنا، ممن عايشوا أحداثا عصفت في المنطقة على مدى العقود الثلاث الماضية، على الأقل، وتنامت لديهم ملكة مقاربة تفاصيل تلك الأحداث ونتائجها بعضها ببعض؛ فإن كلتا المجموعتين تشكلت لديهم منذ بداية الحرب على غزة جملة من التوقعات والقراءات العريضة، في مقدمتها أن القوة الصهيونية ومن ورائها قوى العالم الغربي ليست على عجلة من أمرها في حربها على “حركة حماس”، وأنها معنية في هذا الخضم  بإطالة أمد الحرب لمدى متوسط على الأقل، وفي الأثناء يتمكن الطرفان، الصهيو-أمريكي من تحقيق جملة من “الأهداف الثمينة” التي تصب في مصلحتهما، مقابل عنوان عريض لواحد من أهم بنود ذلك التعاقد، الذي يتضمن محتواه مبدأ “القتال مقابل المال”. وكلما احتدم القتال كلما تضاعف المبلغ المرصود، وصولا إلى عشرات وربما مئات المليارات كما أعلن الرئيس الأمريكي في خطابه الأخير للأمة الأمريكية. والمبرر الأساس لهذا الإنفاق السخي، أن هذا الدعم لإسرائيل لا يعدو كونه “استثمار ذكي، سيؤتي ثماره عبر تعزيز الأمن الأمريكي لأجيال مقبلة”، كما أعلن الرئيس بايدن بمنتهى الوضوح وصفاء الموقف السياسي. وتلك حقيقة أخرى، وليست مؤامرة.
   ومن تجليات ما يعد يقينا وثابتا فيما يجري من حولنا، أن الجانب الصهيوني بات يمتلك قدرة واسعة وفائقة جدا على مستوى توظيف العنف وممارسة الإرهاب بكافة صوره وتجلياته لتحقيق أهداف تفضي في نهاية المطاف لصالح مشروعه. في طليعة تلك الأهداف إخضاع السكان والأهالي في فلسطين، وفي مناطق أخرى من الشرق الأوسط لتجارب ترانسفير متعاقبة، والتوسع على حساب المهجّرين، توسعا فيزيائيا وسياسيا وفق طروحات اليمين الديني واليمين العلماني الداعمين لفكرة “إسرائيل التاريخية”، التي لا تكاد تضبطها حدود جغرافية أو آفاق سياسية واضحة.
                                     ****
   وكما ممارسة العنف والإرهاب مظاهر جوهرية في بنية الدولة الصهيونية، كذلك الحال بالنسبة لما يمكن وصفه بـ “الديمقراطية المقيدة” التي يمارسها الكيان الصهيوني كعنصر متمم ومواز لعنصر عنف الدولة وإرهابها، باعتبار أن النسق الديمقراطي لا ينبغي له في نهاية المطاف إلا أن يفضي لنتيجة واحدة تصب لمصلحة الأهداف الاستيطانية للحركة الصهيونية وكسب المزيد من الأرض، لذلك فإن هذا النظام لا يعرف تراخيا في تعامله مع أبنائه ورموز كيانه في حال إخفاق أي منهم في مهامه المرتبطة بالأمن. ورأينا كيف أنهى ذلك النظام الحياة السياسية لرئيسة الوزراء الأشهر غولدا مائير عقب حرب أكتوبر 1973، وكيف واجه مناحيم بيغن المصير ذاته عقب اجتياح لبنان في عام 1982، والنهاية ذاتها كانت تترقب رئيس الوزراء، أيهود أولمرت، بعد فشله في حرب 2006؛ والمصير ذاته شاخص ينتظر بنيامين نتياهو، ولكن بعد انقضاء الحرب وينقشع غبارها، وهذا من أسباب إطالة عمر الحرب وأمدها أطول فترة ممكنة. وباعتباره من أكثر قادة إسرائيل تمرسا في المراوغة وممارسة ألاعيب السياسة، فإن الرهان الذي يعول عليه نتنياهو لإنقاذ نفسه من مصير أسلافه، يكمن فقط في تحقيق إنجاز ينجيه من هذا المصير من خلال إفراط في استخدام القوة لتحقيق هدف سياسي وشخصي في الوقت ذاته. ومن يدري فلعله يخرج من هذا الخضم بهيئة بطل قومي لليهود.
   على المستوى الفلسطيني، وبعيدا عن غيبة أو حضور المحاسبة والمساءلة، فإن مسألة من المفترض ألا تكون مثار اختلاف في حال جرى تحييد الجانب العاطفي مع المسألة، لجهة أن الواقع السياسي لـ “حركة حماس” بعد السابع من شهر أكتوبر الماضي، هو غيره ما قبله. فمن الناحية السياسية، ينبغي الاعتراف أن الدور السياسي لـ “حركة حماس” وفقا لمحددات القوى العالمية المؤثرة قد انتهى نتيجة المقاربة الأمريكية التي توافق عليها النظام الغربي برمته، إضافة للسلطة الفلسطينية والأنظمة العربية الحليفة للولايات المتحدة، باعتبار “حماس” امتداد لتنظيم “داعش” الإرهابي، بل وتفوقت على هذا الأخير. وكما كان تنظيم “القاعدة” ومن ورائه “داعش” في السابق يجسدان عناوين الإرهاب على مستوى العالم، فإن هذا الموقع تفردت به حركة “حماس” وفقا للمنظور الغربي.
    وإذا كان انقلاب العالم الغربي على تنظيمي “القاعدة” و”داعش” وقتالهما من خلال تحالف دولي استمر أكثر من عشرين عاما، قد أسفر عن تبدلات عميقة على المستويين الإقليمي والدولي، فإن تبدلات لا تقل خطورة بانتظار المنطقة وهي تشهد آخر نسخة من نسخ الحرب التي تشنها الدول الغربية على ما تعتبره إرهابا.
   إن مقاربة “حماس” بـ “داعش” تحديدا مؤشر على هوية الحرب القادمة التي ستشهدها المنطقة لمدى زمني متوسط، خصوصا في البعد المرتبط بظاهرة أساسية ملازمة لتلك الحرب هي الخاصة بتهجير السكان والأهالي من أماكن تواجدهم ومواطنهم الأصلية، وإحداث تغيير عميق على مستوى الواقع السكاني والتوزيع الديموغرافي. وتلك سمة مصاحبة للحرب على “داعش” منذ بداياتها، نتيجة ضغوط تمارسها الحركة الداعشية ذاتها في غالب الأحيان، ولكن بإيحاء وطلب من القوى المشغّلة لهذا التنظيم من قوى التحالف الغربي والعربي على السواء.
    صحيح أن منطلقات حركة “حماس” ونظرتها تجاه سكان قطاع غزة مختلفة بشكل كامل عن منظور “داعش” لأهالي المناطق التي كانت تخضع لسيطرتهم، باعتبار أن أعضاء الحركة الفلسطينية في غزة امتداد اجتماعي للمكوّن الغزيّ، وتلك سمة مكّنت الحمساويين من تأسيس وجودهم العسكري داخل التجمعات الأهلية، بكافة مرافقها واستخداماتها المدنية، وتوظيف هذا الواقع باعتباره نموذج من نماذج الردع والاحتماء. فيما استثمرت إسرائيل ذلك الواقع من خلال التوسع في تنفيذ عمليات القصف بذريعة حالة التداخل والاشتباك بين ما هو مدني وما هو عسكري، وأوغلت في هذا الاستثمار وصولا إلى مستوى تنفيذ أبشع عمليات القتل الممنهج للمدنيين العزّل.
    وتحت وقع القصف الإسرائيلي وكثافته، ونتيجة نداءات حكومة إسرائيل للسكان بضرورة النزوح من أماكنهم والتوجه إلى وسط غزة وجنوبها؛ فإن قرابة مليون ومائتي ألف غزّيّ استجابوا لنداء حكومة الكيان وتهديداته، وسلكوا طريقهم نحو الجنوب بأمل بحث عن ملاذات آمنة لأنفسهم وأسرهم، وبذلك يكون ثلثي سكان القطاع قد خضع لتجربة اللجوء ولكن داخل مجاله الجغرافي. وما من شك فإن هذا السلوك الذي اعتمده غالبية سكان شمال القطاع، ينسجم ويتوافق مع الطبيعة الإنسانية، ففي ظل واقع مأساوي تعيشه المجتمعات فترة الحروب، تستجيب الغالبية لنداءات غريزة البقاء وتشرع في مغادرة مواقع الاضطراب واللجوء إلى أماكن أكثر أمانا. وموجات الهجرة واللجوء التي شهدتها المجتمعات الأوربية فترة الحرب العالمية الثانية كانت هي الأكبر والأكثر بروزا ضمن موجات اللجوء التي عرفتها البشرية. إلا أن الفارق بين مسار الهجرة واللجوء الفلسطيني مقارنة بمسارات اللجوء الإنساني، كلها أو غالبيتها، أن المسار الفلسطيني فرض عليه في السابق وسيفرض عليه في الوقت الراهن، السير باتجاه واحد، هو الذهاب بلا عودة، فيما تحظى سائر تجارب اللجوء أو معظمها باحتمالية العودة عقب استقرار الأوضاع في أماكن الاضطراب والتوتر.  
                                      ****
   تردد كثيرا في الأيام الماضية أن من جملة سبب تأخير تنفيذ الجيش الإسرائيلي العملية البرية مرده عدم قدرة الحكومة الإسرائيلية وضع محددات واضحة لأهداف الحرب وغاياتها الختامية وموعد انتهائها، إضافة إلى خشيتها من ظهور مفاجآت أثناء العملية البرية لم تؤخذ بعين الاعتبار. إلا أن واقع الحال يقضي الاعتراف بأن إسرائيل تعلم يقينا ما تريده من حربها على غزة، وحددت أهدافها على نحو واضح لا يحتمل كثير اجتهاد، ولم يأت عنوان حملتها العسكرية “السيوف الحديدية” إلا استجابة وامتدادا لحالة الفهم والوعي تلك. هي تريد إنزال العقاب المميت بأكبر عدد ممكن من السكان المدنيين من جهة، وترحيل العدد الأكبر منهم إلى مصر. وطيلة الفترة السابقة، فإن الحديث المتداول حول النزوح كان يراوح ضمن أطر الترحيل إلى سيناء، إلى أن فاجأنا معهد “ميسجاف” الإسرائيلي لبحوث الأمن القومي والاستراتيجية الصهيونية، وأصدر تقريرا أشار واضعوه أن الفرصة باتت سانحة أكثر من أي وقت مضى لتسوية المشكلة السكانية في غزة من خلال ترحيل العدد الأكبر منهم إلى داخل مصر، حيث تتوافر في منطقتي “السادس من أكتوبر” و “العاشر من رمضان” أكثر من 10 ملايين شقة جاهزة للسكن منذ عام 2017. وأشار التقرير إلى وجود مفاوضات مع الحكومة المصرية لإجلاء قرابة مليون من سكان غزة وامتلاكهم الشقق السكنية تلك، التي تتراوح أثمانها بين 20-30 مليار دولار لم يحدد التقرير الجهة التي ستتكفل بتغطية كلفتها، إضافة إلى إعفاء مصر من ديونها الخارجية كاملة، حيث تعاني مصر من أزمة اقتصادية خانقة. ووفقا لوسائل إعلام أمريكية، فإن الإدارة الأمريكية قررت تخصيص مبلغ 3.5 مليار دولار مخصصة لما أطلق عليه بـ “التهجير المحتمل للفلسطينيين”.
   ولطالما كانت مصر والأردن مجالا نظريا أفرغت فيه العديد من المشاريع الخاصة بتوطين اللاجئين الفلسطينيين فيهما، من خلال منظور نظري يوظف البعدين التاريخي والجغرافي ويقدم من خلالهما تفسيرات وتبريرات لإيديولوجيته العنصرية التي تقوم أساسا على فكرة النفي والطرد. وبالنظر إلى أن مفهوم الحدود لدى الفكر الصهيوني غير مرتبط بالجغرافية بقدر ارتباطه بمفهوم “الأمن” الخاص بالكيان الصهيوني،  فإن الحدود المعترف بها “مؤقتا” وفقا لهذا المفهوم، هو آخر موقع عسكري يوفر للكيان حالة آمنة، يضاف إليه مدى جغرافي واسع كمنطقة عازلة توفر غلافا أمنيا إضافيا. وما من شك فإن توطين الفلسطينيين في مكان قصي عن حدود الكيان يأتي في هذا السياق.
   وفي ظل نهج إدارة الظهر الذي التزمت به القوى المؤثرة في المجتمع الدولي في تعاملها مع معاناة أهل غزة، وتركهم وحدهم يلاقوا مصيرهم أمام بصر البشرية كلها وسمعها، وأمام تفاقم حالة المعاناة للمستوى الذي أعلنت عنه هيئة الأمم المتحدة باعتبار غزة مكانا لم يعد يصلح للسكنى، وفي ظل مواصلة الجيش الإسرائيلي أبشع أعمال الفتك بالسكان المدنيين، وفي ظل وجود الأساطيل الأمريكية قبالة شواطئ غزة في حشد يفوق عشرات المرات ما تقتضيه الحرب على غزة، لا هدف لها، بالدرجة الأولى، سوى بث الطمأنينة داخل المجتمع اليهودي ودعم جيشه على نحو معنوي ومادي مباشر كلما اقتضت الحاجة، في رسالة واضحة مفادها، لا تخافوا نحن إلى جانبكم، وليمضي جيشكم في حربه دون محددات ودون خطوط حمراء وعلى أهل غزة أن يلاقوا مصيرهم الذي اختارته لهم حركة “حماس” إلى أن يصبح الخروج من هذا الجحيم، واللجوء إلى ملاذ آمن تحت ذرائع إنسانية أقصى ما يمكن أن تذهب المنظمات الدولية وعدد من الحكومات إلى اعتماده على نحو واضح. وغالبا فإن البدء بتنفيذ هذا المطلب الدولي ستبدأ ملامحه في الوضوح خلال أشهر قليلة قادمة.
                                      ****    
   على نحو لا إرادي، بدت على وجه المحلل السياسي الإسرائيلي الأشهر، شلومو غانور، ابتسامة ماكرة عندما قال مناظره الفلسطيني في برنامج “مسائية دي دبليو” إنه لا وجود لحركة حماس في الضفة الغربية، وكأن لسان حال شلومو يقول بل هناك وجود ووجود كثيف للحركة في الضفة الغربية. وعلى الأرجح، فإن إسرائيل إذا أرادت المضي قدما في حسم مشروع نقل الفلسطينيين إلى المنافي المجاورة،  فما من ذريعة أكثر ملاءمة لتحقيق هذا “الحلم اليهودي” أفضل من الاستثمار في التواجد الحمساوي داخل أرض الضفة الغربية. هي خطوة لاحقة تتماشى مع السمة البنيوية للكيان الصهيوني، ليبقى إنجازها مرتبط بنجاح إسرائيل والولايات المتحدة في تهجير سكان غزة عن قطاعهم.  
   في الوقت الراهن… هناك حضور واسع لـ “حركة حماس” داخل الضفة الغربية، إلا أن هذا الحضور لم يفعّل ولم يستثمر على نحو واضح من خلال فتح جبهة موازية في الضفة الغربية لنصرة الحركة الأم في غزة، ويبدو أن هناك إرادة ألا يلجأ أعضاء حماس وأنصارها في الضفة الغربية إلى التصعيد وفتح جبهة قتالية، خشية أن تتعرض الضفة الغربية لهجمات وتغدو عرضة للقصف على النحو الذي تتعرض له غزة. وكشكل من أشكال “الحرب الاستباقية” أعلن الجيش الإسرائيلي مع انطلاقة الحرب على غزة، تأهبه بدرجة قصوى لإحباط أية هجمات قد ينفذها مسلحو “حماس” في الضفة الغربية.
   إن افتعال ذرائع مستقبلية لنشوب حالة حرب مع “حماس” في الضفة الغربية، تبقى مرتفعة، ومبرراتها حاضرة بقوة بالنسبة للقادة الإسرائليين، وما من ذريعة أكثر موافقة لإنجاز هذا الطموح من ذريعة محاربة الإرهاب ممثلة بحركة “حماس”، وتحت ستار هذه الحرب يكتمل مشروع التهام الأرض الفلسطينية بالكامل وطرد سكانها منها، ولكن هذه المرة إلى الأردن، الذي يمر بوضع اقتصادي ليس بأفضل من الذي تمر به مصر، وتثقل كاهل اقتصاده مديونية تفوق بمراحل قدرات الدولة على الالتزام بتبعاتها، مما يجعلها عرضة لضغط سياسي لقبول مشروع “الخيار الأردني”، والقبول بتوطين أعداد إضافية من الفلسطينيين.
   ومنذ اليوم الأول للحرب على غزة، أعلن مسؤولون أردنيون وبتنسيق مع نظرائهم المصريين، رفضهم المطلق لأي إجراء إسرائيلي يسعى إلى تنفيذ “ترانسفير” للفلسطينيين، وكانت تلك المواقف في سياق رد كلتا الدولتين على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن شرق أوسط جديد يجري تشكيله اعتبارا من تلك اللحظة. وأخذت نبرة كلتا الحكومتين طابعا يميل إلى الحدة والتوتر في خطابها مع الإدارة الأمريكية، وتنبيه الرئيس الأمريكي إلى الآثار التدميرية التي يمكن أن تخلفها تهجير الفلسطينيين عن أرضهم في حال أفضت الأحداث الجارية إلى تلك النتيجة. وإذا سلمنا بصدقية مخاوف الحكومات العربية من تداعيات التهجير الذي من المحتمل أن يتعرض لها كل من مصر والأردن، فمن البديهي والمؤكد أن الرئيس الأمريكي ليس بحاجة إلى من ينبهه أو يلفت انتباهه إلى تداعيات خطوة بوزن ترحيل مجتمعات في المنطقة وتهجيرها إلى مواطن مجاورة، باعتبار أن آثار وتداعيات البدء في تنفيذ مشروع بتلك الضخامة قد تكون غائبة عن ذهنه، أو أن العملية برمتها لا تحظى برضاه، في الوقت الذي بات الجميع فيه على يقين أن كافة الإجراءات التي تعمد إسرائيل إلى تنفيذها تحظى بموافقة وإرشاد أمريكي بصورة مباشرة.

سياسة

عن الكاتب

نبال خماش

كاتب أردني