الشيخ خلفان العيسري .. فارس المنابر

“الشيخ خلفان بن محمد العيسري” من الخطباء القلائل الذين يصلون إلى عقول وقلوب مستمعيه وذلك بما يحمله من رسالة في كل خطبة يلقيها، لذا فهو يشد الحضور من أول لحظة يعتلي فيها المنبر وحتى نهاية الخطبة لأنه لا يعتمد على صف الكلام – كما هي العادة –  وإنما لأنه صاحب رسالة ورؤية ومشروع للأمة، ومن هنا فإن رسالته تصل إلى المتلقي أيا كان.

وقد فكرت أن أكتب عن الشيخ “خلفان العيسري” منذ فترة طويلة وعن النشاط الدعوي الذي يقوم به، وكيف استطاع أن يجعل من جامع “أبي الحسن البسيوي” في الحيل الجنوبية منارة ربانية حيث يتزاحم المصلون خاصة من فئة الشباب لأداء فريضة الجمعة وبقية الصلوات وكذلك كيف يمتليء مصلى النساء بالمصليات، وما يقوم به الجامع من دور في المجتمع من خلال مساعدة المحتاجين وإقامة حلقات التدريس للنساء، وكيف أن الشباب هم عماد صلوات التهجد في الجامع خلال شهر رمضان المبارك، إلا أن الوقت لم يسعفني في ذلك، حتى علمت أن الشيخ “خلفان” ينام الآن في المستشفى شفاه الله وعافاه وأعاده إلى أهله ومنبره سالما، فكان هذا المقال، وهو قليل في حقه.

لا يخفى الآن أن كثيرا من الخطباء لديهم عامل طرد أكثر من عامل جذب للمصلين وقد أدى هذا إلى أن يفقد المنبر فعاليته لأنه أصيب بالجمود وأصبح أي أحد يرتقي المنبر حتى إن لم يكن مؤهلا لذلك، فأصبح الخطباء مجرد مؤدين يرددون ما هو مكتوب لهم، ومع ذلك يقعون في أخطاء كثيرة، وهذا مؤشر خطير لأن رسالة الخطبة لا تصل إلى الناس، حتى وإن كانت الدولة تريد توجيه رسالة ما إلى المواطنين فإن الرسالة تضل طريقها، لأن كل الحضور يكونون في سبات عميق أو أن أفكارهم تكون بعيدة عن الجامع، كأن يحسب أحدهم الديون المتراكمة عليه، وكم عليه أن يسدد من الفواتير وما شابه ذلك، لكن الشيخ “خلفان” – شفاه الله وعافاه – استطاع أن يخط لنفسه طريقا آخر غير ذلك فأعاد للمنبر هيبته لأنه يعلم تمام العلم أن المنبر هو طريق لتغيير واقع المسلمين إلى الأفضل، لذا نجده يركز كثيرا على الشباب من خلال غرس قيمة العلم وقيمة الأخلاق وقيمة العمل والإنتاج، ويركز على مبدأ تثقيف الذات مع الاهتمام على الحث على القراءة المفيدة، ويتميز بأسلوب شائق سهل ممتنع بحيث يصل إلى عقل وقلب كل الحضور لأنه يتكلم عن أشياء معاصرة نعايشها جميعا ونعلمها ولا يخاطبها عن الماضي فقط الذي حفظناه ومللناه، فهو قادر على قراءة الواقع قراءة سليمة من خلال متابعة ما يحدث في المجتمع ويصف الداء ثم يقدم الدواء.

 يتعامل الشيخ “خلفان العيسري” مع الأحداث من خلال البحث عن المشكلة ومحاولة وضع الحلول لها، لذا فنجده دائما يحث على بناء شباب عماني مسلح بالثقافة والأخلاق والعلم والمعرفة ويحثهم على العمل المنتج داعيا الشباب إلى الإبتعاد عن كلمته المشهورة وهي ( الشاي والشيشة والشاشة )، ويرى أنك إذا أردت أن تقيس تقدم الأمة من تأخرها فانظر إلى شبابها في ثلاثة أمور هي: ثقافة الشباب وإنجازاتهم وكيفية استغلال أوقات فراغهم، ويرى أن المسؤولية تقع على الجميع في مساندة الشباب وتوجيههم، وكثيرا ما يركز الشيخ “خلفان” في خطبه على أوضاع الأمة الإسلامية، ويرى أن الأمة تفتقر اليوم إلى الأساسيات فأصبحنا في المؤخرة بين الأمم في العلم والصناعة والإختراعات والتجارة وحتى في المعاملات وهذا مؤلم، لأن الأمة أصبحت مشغولة في اقتناص هفوات الآخرين في وقت يتحدث فيه الكل عن المثالية في الأخلاق، فأهملت الأمة إصلاح الذات وبناء القدرات فتخلفت بين الأمم، ويقول في إحدى خطبه:” نعم نتألم عندما تخلفت الأمة عن العلم وجادة الصواب والبحث والإكتشافات والإختراعات … نتألم عندما تكون الأمة مستهلكة لا منتجة، تابعة لا متبوعة”.

أما عن الإصلاح، فيرى الشيخ “خلفان” أن على المصلح أن يراعي جوانب كثيرة في الإصلاح مثل الطبيب الماهر في وصف العلاج والمدة الزمنية، فنحن نجد في سيرة معلم البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، نماذج كثيرة في الدعوة والإصلاح باللين وبالتي هي أحسن، وهذا ما يميل إليه الشيخ “خلفان” دائما ويبتعد عن الغوغائية وعن إثارة مشاعر الناس خاصة الشباب ويركز على بناء الوطنية الإيجابية بعيدا عن السلبيات، وفي حادثة الأوبرا أشار الشيخ “خلفان” في خطبة الجمعة تلميحا، أن أحدهم قد يمر على الشباب وهم في منكر ولا يتكلم، ويرى الآخر في بيته منكرا ولا يتفوه بكلمة، ويجلب الآخر لأهله المنكر إلى البيت ولا يخاف، فإذا أخطأت جهة مسؤولة ثارت ثورته، ويرى أنه مؤلم جدا عندما يكون طلب التغيير بأفكار وأساليب غريبة عن ديننا ومجتمعنا وأخلاقنا، فالتغيير ليس بالعواطف ولا بالشعارات، بل بإصلاح الذات أولا، لأن الكثير يفكر في تغيير العالم ولكن القلة ممن يفكر في تغيير نفسه “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

وبعيدا عن المنبر فإن الشيخ “خلفان” يتميز بالعديد من الصفات التي جعلت منه داعية مخلصاً حتى ذاع صيته وبات معروفا داخل البلاد وخارجها، ويتحدث عن نفسه في هذا الجانب قائلا: ” لقد رزقني الله عز وجل بعض الصفات التي أحاول استغلالها في حياتي اليومية وأحث عليها الآخرين، فأنا والحمد لله إيجابي في حياتي ومتفائل دائما ولا أحب التشاؤم أو السلبية، بل أعتبرها من الأمراض التي فتكت بأمتنا الإسلامية وأوصلتها لما هي عليه اليوم، كما أنني أتمتع بسعة الصدر وطول البال وعدم استعجال النتائج”

ويبين “نصر بن غالب بن خليفة البوسعيدي” مؤلف كتاب “المنهج الدعوي عند الشيخ خلفان بن محمد العيسري” الأنشطة الدعوية التي يمارسها الشيخ محليا وعالميا، ويقول: للشيخ “خلفان العيسري” عدة طرق ووسائل في مجال الدعوة منها: الحوار الصريح والمباشر مع الآخرين وذلك من خلال لقائه بمختلف الشعوب والجنسيات في الزيارات التي يقوم بها، والتأثير في الآخرين من خلال تطبيق سلوكيات وأخلاق وآداب المسلمين الصحيحة والابتعاد عن كل ما يسيء إلى الإسلام والمسلمين، والمحاضرات والخطب التي يحرص على إلقائها في المناسبات المختلفة وبلغات مختلفة بما فيها خطبة الجمعة ( مع الإشارة إلى أن الشيخ يتكلم 6 لغات بطلاقة)، والمقابلات واللقاءات الإعلامية المختلفة، وكذلك استغلال وسائل الاتصالات الحديثة، وكل ذلك قد أتى أكله حيث أسلمَ على يدي الشيخ “خلفان” أكـثر من 300 فرد من جنسيات مختلفة ومنهم أصحاب مراكز ودرجات علمية عليا، وله نشاط دعوي محمود في جامع السلطان قابوس الأكبر مع الجاليات الأجنبية.

نسأل الله أن يشفي الشيخ “خلفان بن محمد العيسري” ويعافيه ويعيده سالما إلى أهله ومحبيه ومنبره، وأختم المقال بقوله وهو “إن قوتنا في شيئين اثنين، ومجدنا سيعود من خلالهما: اتباع أول آية نزلت ( اقرأ )، واستغلال الأوقات في المفيد من خلال إصلاح الذات ورفعها الى معالي الأمور”.

السادس والثلاثون ثقافة وفكر

عن الكاتب

زاهر بن حارث المحروقي

كاتب وإعلامي عماني
Zahir679@gmail.com