بالتزامن مع معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته العشرين يقام معرض فني صغير نسبياً في صالة ستال للفنون والتي ترعاها مؤسسة السركال الإماراتية ويشترك في المعرض ستة فنانين شباب: احمد الملاهي، ريه الرواحي، ليلى المصري (فلسطين)، وضحى المسافر، استبرق الأنصاري (العراق)، ومزنه المسافر؛ ويبدو ان اسم الصالة ستال نسبة لقرية ستال التي ينسب اليها الشاعر العماني الستالي ان لم أكن مخطئاً.. ويستمر المعرض الى نهاية هذا الأسبوع..
تنتمي الاعمال الفنية المعروضة للفنانين للفن المعاصر فهي متعددة التجهيزات بين فن الفيديو والتجهيز السمعي والتصوير الفوتوغرافي والفيلم القصير.. يعرض الفنان احمد الملاحي عمله (التحديق) موزعاً بين اشتغالين فيديو وصور فوتوغرافية أعاد تحريرها لتحقق ثيمة التحديق فيما الفنان نفسه يمثل الموديل.
ترسم ليلى المصري الفنانة الفلسطينية على الجدار في عملها حول الثقافات وجوهاً مختلفة على الجدار مباشرة، خارجة من اللوحة ومؤقتة، وقابلة للإمحاء بالخطوط السوداء المفرغة، فيما يمثل عملها اختلاف الوجوه والثقافات..
تعرض وضحى المسافر عملها في عدة لوحات عبارة عن صور فوتوغرافية لأطفال جبليين في المناطق العمانية النائية فيما يبعث بثيمة الماضي القديم الفقير المتقشف في ظل الحاضر المعاصر الباذخ ظاهرياً وتلتقط الصور لحظات الطفولة البريئة المزنرة بقساوة أثر الطقس والمناخ على الملامح والخدود، فيما عيون الأطفال وابتساماتهم وحتى صراخهم وخوفهم وقلقهم وريبتهم ولعبهم تشع كزهور وأعشاب وأشجار جبلية.
اما العراقية استبرق الأنصاري فتقسم عملها (عمانيون تحت الماء) قسمين صور فوتوغرافية من تحت سطح البحر لشباب عمانيين رجلان وشابة بالزي التقليدي العماني للرجال. والقسم الثاني فيديو تحت ماء البحر لشابة بملابسها التقليدية، فيما يبدو العمل كله قويا وذو اثر عميق في الانطباع القائم في إغراق الانسان في مائه، وتصويره بثيابه التقليدية وخطواته تحت الماء، فيما عين الكاميرا كعين سمكة أو كائن بحري ثابتاً مكانه ينظر لجسم يتحرك، في وطنها في وطنه أيضاً، بمفارقة فنية بارعة..
تعرض المخرجة مزنه المسافر في المعرض المشترك فيلمها القصير الحائز على جائزة مهرجان الخليج بدبي لأفلام الطلبة القصيرة (نقاب) وهو فيلم قصير يتناول ثيمة بشكل والهوية ويختتم بلقطة جميلة للامحاء بالنقاب والإظلام وتؤدي المخرجة نفسها دور ممثلة العمل..
العمل اللافت الجذاب الذي تركته للنهاية هو عمل ريه الرواحي (الحياة الوجود والموت) عبارة عن عمل فني حول العلاج الكيماوي للسرطان منقسم لصور فوتوغرافية لأدوات طبية (كمامات، سقايه، شعر مقصوص، كابل مقبس كهربائي متدلي) وثلاث تسجيلات صوتية فريدة وممنتجة بإتقان وممزوجة بحس فني عالي مكون من أصوات الأطباء والأهل والدعوات الدينية وصوت الأجهزة والمؤثرات الصوتية، والعمل بأكمله عبارة بالفعل عن مماسة ملاصقة وقريبة حد الأثر الغائر في المتلقي للعلاج الكيماوي الذي يتلقاه عادة المصابون بالسرطان، لهذا التعليق المرضي للوجود بين الحياة والموت، عمل الفنانه ريه يمس بشكل قوي ومباشر كل المشاعر المختلطة القوية تجاه موضوع العلاج الكيماوي المنتشر في مجتمعنا، والعالم ايضاً، بسبب الازدياد الخطير بعدد للمصابين بالسرطان سنوياً.. ونتمنى أن نشاهد المزيد من الأعمال لهذه الفنانة الواعدة بالكثير.
بهذا العمل الأخير، دون أن بخس بقية الأعمال قيمتها، فإن زائر المعرض حظي بحصة فنية جميلة وومتعة وباقية الأثر..
ربما يعيب المعرض عدم اهتمامه باللغة العربية فمعظم الاعمال منفذة ومرفقة بتعليقات وشروح بالانجليزية في خطأ فادح لا يكترث بنشر الفن في المجتمع والتماس المباشر مع المكون الحقيقي للمجتمع بلغة المجتمع لا مع المكون الطارئ متحدث الانجليزية فقط.. وهذا خطأ فادح جرت وتجري ممارسته بتكرار فيما يجعل المجتمع الحقيقي معزولاً عن انتاج الفنانين فلا يمد الفن جذوره في المجتمع ولا يجرب التعاطي معهم بل يبقى في حيزه السطحي وهامشه السجين المعتمد على المتلقي الأجنبي المؤقت العابر..