اطلّع أحد أبنائي على مقال «الماسونية في عُمان» لفاطمة بنت ناصر المنشور في مجلة «الفلق» الرقمية؛ بتاريخ: 30/ 6/ 2019م، https://www.alfalq.com/?p=10943، وقد سألني عن رأيي في الماسونية، وعن المقال، وقد رأيت أن أجيبه برد في المجلة نفسها، أولاً.. مساهمة متواضعة مني بدفع الحراك الثقافي الذي تقوم به هذه المجلة الرائدة، والتي لها حقوق علينا؛ فقد كانت ولا زالت تفتح أفقها للكلمة الحرة وللرأي بمختلف توجهاته، ثم تقديراً للكاتبة العزيزة، التي ينشط قلمها في الساحة الثقافية بما يحرك الراكد المعرفي ويستحضر زوايا أصابها النسيان بظلاله.
وأبدأ برأيي حول الماسونية نفسها، ثم أردفه برأيي عن مقال الكاتبة، وتحريري هنا يحاول أن يتجاوز المزايدات التي صُوّرت؛ بل استُغلت فيها الماسونية كأداة لمواقف سياسية ودينية؛ وأحياناً اجتماعية واقتصادية، وأن يطرح المسار المنطقي للماسونية؛ نشأةً وتطوراً ومآلاً.
النشأة
نشأت الماسونية في بريطانيا في خضم الصراع بين الكنيسة والعلمانية بأوروبا، وقد أحدث هذا الصراع تشظياً كبيراً في المجتمع الأوروبي؛ على المستوى الديني والاجتماعي والسياسي والفلسفي، وكان من أهم مناطق التشظي المعتقد الديني، فبعد أن رأى كثير من المفكرين والفلاسفة أن العقيدة المسيحية؛ خاصة الكاثوليكية لا تملك تماسكاً منطقياً؛ ذهبوا إلى إنكار أن تكون إلهية المصدر، مما أدى إلى وجود تيار منكر لمفهوم الألوهية بحسب المعتقد المسيحي؛ وقد وصم هذا التيار بأنه «مهرطق وملحد»، وبين التمسك -لحدِّ التعصب حينها- بالمعتقد المسيحي وبين موجة «الهرطقة والإلحاد» هذه؛ ظهر توجه حاول أن يستوعب المذاهب الدينية الموجودة في المجتمع، ويكتفي من الإنسان أن يؤمن بأن لهذا الكون خالقاً عظيماً، وأن يسعى إلى عمل الخير بين الناس، ففتحوا المجال بينهم لمن يؤمن بوجود الله، بغض النظر عن معتقده؛ كاثوليكياً أكان أم بروتستانتياً أم من أي مذهب آخر، وذلك.. تجنيباً للمجتمع من تفشي الإلحاد، وتخفيفاً من حدة التعصب المذهبي، ولكي يتحقق ذلك تبنوا قيم الإنسانية والإخاء والتسامح والتعاون بين المؤمنين.
ثم تطورت الفكرة لوضع أول مقرّ ماسوني في بريطانيا عام 1717م، كما وضع جيمس أندرسون كتاب «دستور الماسونية» عام 1723م، ويُعتبر هذا التأريخ هو الولادة الرسمية للماسونية، وقبله لا وجود رسمي لها، وإنما معظمه ضرب من الافتراضات التي لا تملك سنداً تأريخياً، أو حرب إعلامية بين الماسونية وخصومها.
مبادئ الماسونية
يمكن تحديد مبادئ الماسونية؛ في الآتي:
– الحرية الدينية؛ ومن هنا جاء اسم الماسونية بمعنى البنائين الأحرار، لأنها جاءت رد فعل على التعصب الديني الحاصل في أوروبا؛ لا سيما بين الكاثوليك والبروتستانت، فحاولت الماسونية أن توجد بديلاً بأن تعترف بجميع الأديان، لكيلا تتعادى فيما بينها.
– القيم الأخلاقية؛ كالتعاون والتسامح والأخوة، بل أنشأت لها «أخوية»؛ أي رابطة تقوم على الأخوة الإنسانية، وهي ليست تنظيماً ابتدعته الماسونية لنفسها، وإنما نهج كان قائماً في زمن انتشار «الأخويات» في أوروبا.
– التعاون الإنساني؛ ويقصد به أن كل من يلتحق بالفكر الماسوني يكون مستعداً لخدمة زميله الذي يؤمن بفكرته، وقد عوّلت الماسونية كثيراً على هذا الجانب، وكأنها جعلته واجباً أخوياً على الإنسان، فكان الماسوني يخدم أخاه الماسوني بغض النظر عن معتقده الديني أو توجهه السياسي.
والسؤال: هل التزم الماسونيون بهذه المبادئ؟
كأي فكر.. عانت الماسونية من الفجوة بين المبدأ والتطبيق، ولذلك.. لا يعني أن كل ماسوني هو ملتزم بهذه المبادئ، بل وُجِد من يستغل الماسونية لمصالحه الشخصية أو السياسية أو الاقتصادية، سواءً على مستوى الفرد أو الجماعة أو الدولة. بل وجد من حوّل الماسونية إلى إيديولوجيا، وضخّم ما تقوم به؛ إيجاباً أو سلباً، بحسب موقعه فيها، أو موقفه منها.
الماسونية والدين
وُصِمَتْ الماسونية بتهمتين أساسيتين:
– معاداتها للأديان؛ وهي بالأساس جاءت لأجل الحرية الدينية، ولكن كما هو معتاد بين البشر؛ بأن من يتبنى الحرية الدينية يتهم بمعاداته للدين، بينما لم تكن الماسونية تسمح بانضمام الملاحدة إليها، وإنما حصل ذلك في وقت متأخر من القرن العشرين؛ بعد ضعفها، وتحت ضغط الناشطين في حقوق الإنسان وحرية المعتقد.
– حكم العالم بالخفاء؛ وهي تهمة لم تثبت، فالواقع يقول عكس ذلك، فمنذ قيام الماسونية حتى الآن قامت عشرات النظريات السياسية؛ كالشيوعية والنازية والفاشية والصهيونية، ومنها ما دخل في صراع مع الفكر الماسوني، بينما لم تقم قائمة سياسية للماسونية.
الماسونية ابنة مجتمعها
الماسونية -كما قلت- نشأت بداية في بريطانيا، ولذلك.. انعكس عليها الوضع الاجتماعي، بمحاولة الخروج من الصراع الديني الديني، والصراع الديني العلماني. وتشكلت كذلك في تجمّع «أخوي»، وانتشرت بداية بين المسيحيين، فكل المؤسسين الأوائل للماسونية هم مسيحيون، وغالباً من المسيحين التنويرين. كما أنها لم تسمح بانضمام اليهود إليها، بسبب النظرة الاجتماعية السلبية اتجاههم حينها، وهو ما حصل مع الملاحدة والنساء والعبيد، فلم يسمح لهم بالانضمام إليها، مما ضيّق انتشار الماسونية في أول أمرها، وواجهت لأجل ذلك حرباً؛ معظمها تشويهية.
وعندما خرجت الماسونية إلى خارج بريطانيا كفرنسا وألمانيا؛ تأثرت بواقع تلك المجتمعات، وهكذا.. عندما تمددت خارج القارة الاستعمارية، لاسيما في العالم الإسلامي؛ أخذت طابع البلاد الإسلامية وفكرها.
بل أكثر من ذلك.. فقد كانت تقوم صراعات وعداوات بين بعض المحافل الماسونية، انعكاساً للوضع السياسي والاجتماعي الذي تعيش فيه وتعاني منه الدول والمجتمعات التي وجدت فيها.
الماسونية والإسلام
لقد تحولت الماسونية إلى مذهب كغيرها من الأفكار العملية، ولكنها لم تكن مذهباً دينياً، وحتى الآن لا يوجد دليل معتبر على أنها مذهب ديني.
وبالنسبة للإسلام.. فلم تتخذ الماسونية عند تأسيسها موقفاً منه، لأن البيئة التي ولدت فيها لم يوجد بها الإسلام حينها، ولكن عندما خرجت من أوروبا زمن الاستعمار الغربي؛ كان المسلمون يرفضون فكرياً كل شيء قادم من الغرب كالاستشراق والداروينية والرأسمالية، دون تمحيص ما هو مقبول أو مرذول، لأنهم لا توجد لديهم حينها مناهج بحث قادرة على تمييز الأفكار ومآلاتها؛ بالإضافة إلى ضعف مصادرهم عمّا يجري في الغرب، فاعتمدوا في رفضهم لها على ما تصدّره الكنيسة ورجال الدين المسيحيين من مواقف. وبالمقابل.. أيضاً مَن قَبِل الماسونية من المسلمين؛ فإنما قبلها مجاراة للواقع وتأثيره، وليس تمحيصاً لها.
وبناءً عليه.. فأكثر المنتسبين إليها دخلوا ليحوزوا لهم اسماً فيظهروا بأنهم إنسانيو النزعة أخلاقيو السلوك، ومعظم المتبنين للماسونية من المسلمين كانوا يتبعون المحفل الشرقي؛ ويقصدون به -غالباً- الإسلامي، وذلك تجنباً عن الوصف الديني بحسبما درجت عليه الماسونية، ولا توجد بالضرورة علاقة هيكلية بين المشرق والمغرب؛ إلا من حيث المبادئ العامة للماسونية.
الماسونية والصهيونية
بالأساس.. لا علاقة للماسونية باليهودية، بل كانت الماسونية ترفض انضمام اليهود إليها، وقد نشأ الربط بينهما -غالباً- بعد نشأة الحركة الصهيونية، في ظل الصراع بين الصهيونية والمسيحيين في أوروبا أولاً، ثم بين الصهيونية والمسلمين عندما بدأت في حشد اليهود إلى فلسطين، ثم الشروع في احتلالها، فلأجل ذلك.. كان من أدوات الحرب ضد الصهيونية، أو ضد الماسونية، الربط بينهما، وقد وجد المهاجمون في تشابه معتقدات اليهود وبعض الماسونيين تكأة لهذا الربط، كالدعوة إلى الدين الإبراهيمي والإيمان بأنبياء بني إسرائيل وبأسفار التوراة والاعتقاد بهيكل سليمان، بيد أن هذه المعتقدات ليست من الماسونية، وإنما لأن الماسوني مؤمن بها بالأساس من معتقده المسيحي الذي يعتمد بعض أسفار التوراة.
وربما تجد كاتباً صهيونياً أو ماسونياً يذهب إلى وجود علاقة بين الصهيونية والماسونية؛ وكل ذلك ينبغي فهمه في سياق الصراع على النفوذ بالأفكار.
الماسونية والسرية
هل الماسونية حركة سرية؟
الماسونية.. في أصلها لم تكن حركة ذات أهداف إيديولوجية، بل هي توجه نحو الأخوة والتعاون والتسامح، ولكن كأية فكرة عندما تنزل على أرض الواقع يصيبها ما يصيب غيرها من المواجهة والمعارضة، ولذلك.. قد يكون الماسونيون في مبتدأ أمرهم لجأوا إلى السرية حتى لا يعرضوا أنفسهم للاضطهاد في وسط ديني متعصب، وهذا ما يفعله الكثيرون في مبتدأ أمرهم، بما في ذلك أصحاب الدعوات الدينية، ولما ضاق الحال بالماسونية لجأت إلى تشكيل تكتل لها عبر اتخاذ «محفل أخوي»، ثم سلك كل تكتّل الوضعَ الذي يناسبه في كل دولة ومجتمع؛ واصطدامه بأرض الواقع جعل منه: إما متسامحاً أو متشدداً، يعمل حراً تارة، وفي تنظيم تارة أخرى، في العلن حيناً، وفي السر حيناً آخر.
لا يمكن نفي السرية عن بعض محافل الماسونية، ولكن لا يمكن تعميمها على المحافل كلها، وكذلك.. بالنسبة للطقوس؛ فالماسونية.. بالأساس ليست طقوسية، وإن وضعت لنفسها شعاراً، فالشعارات عامة؛ في حياة الإنسان والأعمال البشرية. وما وجد في بعض محافلها من طقوس؛ فهي تمثّل ذلك المحفل، ولا يعمم على جميع أعضائها ومحافلها.
وأما بالنسبة للممارسات الماسونية المنتقدة.. فتمارس بعض المحافل في ظروفها الاجتماعية والسياسية العنف والاستغلال والفساد والإقصاء، إلا أن كل ذلك وضع اجتماعي، أكثر مما يتعلق بالمبدأ والفكرة الأساسية.
الازدهار والانحسار
بدأت الماسونية في بداية القرن الثامن عشر الميلادي؛ وتوهجت خلال القرن التاسع عشر، وأخذت في الخفوت مع بدايات القرن العشرين، ومن ناحية فاعليتها العملية فهي لم تتجاوز منتصف القرن العشرين، لتبقى محافل زهيدة تصارع من أجل البقاء وتعاني خطر الزوال، مع بقاء شيء منها في بعض البلدان، وربما أفضل أحوالها الآن في بريطانيا بلد المنشأ، بيد أنها تعاني كثيراً.
لقد أصبحت الماسونية حركة متخلّفة بعد أن كانت طلائعية؛ رغم العنصرية التي رافقتها من عدم قبول اليهود والنساء والعبيد فيها، وفي حال التخلّف يكون معظم تصرفاتها كذلك، وتهتم بأمور ليست أساسية، وتحاول أن تثبت وجودها قدر الإمكان؛ وإنْ كان بما يخالف فكرة قيامها. ولذلك.. هي فكرة قد تجاوزها الزمن، وغير صالحة للمستقبل، بل لا أمل لها فيه، وهي كغيرها من الأفكار والمذاهب والتوجهات التي لم تعد لها صلاحية عملية، وإنما حقها أن تدرس في تاريخ الأفكار والحركات، وربما ما بقي منها قد يستغله البعض في تدافعه أو صراعه مع الآخرين في قضاياه؛ كتشويه السمعة. وأكثر من هذا فلا أظن أن لها رصيداً من الانبعاث.
الماسونية في عمان
بعد هذا العرض المختصر.. أناقش مقال «الماسونية في عمان» للكاتبة فاطمة بنت ناصر، ومع أخذ الاعتبار بما ذكرته أعلاه.. أضع ملاحظاتي في النقاط الآتية:
1. الكتابة حول الماسونية ليست شيئاً جديداً، ولا سيئاً، فضلاً أن يكون محظوراً، وما لم يكتب عنه اليوم سيكتب عنه في قادم الأيام، لاسيما أننا دخلنا زمن الفضاء المفتوح، وللكاتبة السبق في الكتابة عن «الماسونية في عمان» بحسب اطلاعي.
2. المقال صحفي، ولا تتوفر فيه الشروط المطلوبة من التحليل الموضوعي للبحث التاريخي، وهذا يمكن تفهمه من خلال المنطقة التي تشتغل عليها الكاتبة.
3. من واقع الكتابة الصحفية؛ فإن الكاتبة أتت بمعلومات يمكن للباحث أن ينطلق منها، دون أن يعتبرها حقائق تاريخية نهائية.
4. برأيي.. أن الكاتبة وقعت في الصورة النمطية عن الماسونية؛ والتي عابتها بنفسها، مثل: (الماسونية.. ليست مجرد اجتماعات سرية؛ ولكنها تهدف إلى تكوين أشخاص ينشرون الخير ويبنون المجتمعات في شتى المجالات، ومن هنا جاءت تسميتهم بالبنائين الأحرار. وهم كما يعرفهم أحد أشهر أعضائها Manly P. Hall هم مجموعة من الأفراد الذين نذروا أنفسهم لخدمة الشؤون الأخلاقية والعلمية والإنسانية، وأظن أن جزءاً كبيراً من النظرة السلبية اتجاه هذه المنظمة ناتج عن سرية الطقوس ليس أكثر)، فهذا تعميم.. إذ إن الماسونية نشأت أولاً للخروج من مأزق التعصب الذي أصاب أوروبا عموماً، وبريطانيا خصوصاً، ولم تكن تهدف إلى تكوين أشخاص ولا بناء مجتمعات، لكن في تحولاتها التاريخية جعلتها بعضُ السياقات تسلك ذلك. وليس هناك هيكل عام انبثقت منه محافل، وإنما كل محفل كان ينشأ بحسب المجتمع الذي يوجد فيه، فكانت السرية أمراً ظرفياً، وليست مبدأً يُنطلق منه.
5. وقعت الكاتبة في مسألة «الحشد» الذي يجمع كل معلومة يُتَصور أنها تفيد المقال، وهذا من حقها في سياق الرؤية الصحفية التي تنطلق منها، ولكني.. من منطلق البحث التأريخي وتحليله، لم أقرأ في قصة «حادثة شواطئ مسقط» ما يدل على أن العمانيين ساعدوا أصحاب السفينة بسبب «الإشارة الماسونية»؛ مما قد يشير إلى معرفة الوسط العماني العام بالماسونية، والباحث عليه أن يحلل الحدث في سياقه التاريخي، وهو ما لم تفعله الكاتبة. فمن أين للعمانيين حينذاك فهم الإشارات الماسونية؟ كل ما في الأمر أخذتهم «سجية فعل الخير» لإنقاذ البحّارة، لا أقل من ذلك ولا أكثر، ونحن أدركنا شيوخاً في الفقه والقضاء كانوا لا يميّزون بين الشيوعية والشيعة؛ مع أن أولئك ملاحدة وهؤلاء مسلمون، فما بالكم بأولئك الكادحين؛ في معرفتهم بالماسونية، وربما هذا من أوهام راوي القصة الماسوني بانتشار فكرهم عالمياً.
ويأتي في سياق «الحشد» كذلك.. ذكر جون جريج سفير الولايات المتحدة في مسقط، وإلا فهذا عمل دبلوماسي يخضع للمواثيق الدولية، وليس للأفكار والمعتقدات، أتفهم أنها ربما تريد أن تقول بأن شخصية دبلوماسية كبيرة بهذا الحجم ينبغي ألا تمر علينا دون دراستها، ولكن السياق الذي ذكرت فيه القصة لا يدل على ذلك، فهناك عشرات البشر غيره مروا على عُمان يحملون العديد من المعتقدات؛ الدينية وغير الدينية، بيد أن معتقداتهم أمر والعمل أمر آخر، ما لم يثبت أن لفكرهم دوراً مؤثراً على عملهم، أو المجتمع الذي يعملون فيه، ومقال الكاتبة لم يتطرق لذلك.
وكذلك.. «الملازم» محمود جمعة، فالغالب في ذلك الوقت أنه غير عماني، فالرتب العسكرية حينها غير موجودة بالنسبة للعمانيين، أو ربما هو «تاجر» -كما يذكر المصدر- وغالب التجارة النافذة حينذاك بيد غير العمانيين، وعدم استقرار المصدر على وظيفة هذا الرجل يدفع بالشك إلى مداه بكونه عمانياً. والوثيقة بحسب المقال تقول: (Mahmoud Jumah)، وإضافة «بن» جاءت من قِبَل الكاتبة.
6. ضعف التحقق من قيمة المرجع، فهي نقلت عن حلمي النمنم بأن سيد قطب كان منتسباً للماسونية، وأنا هنا لا أريد أن أنفي عن قطب ذلك، أو أثبته، حيث إني درست شخصيته وتقلباته الفكرية والوجدانية، فهو لم يكد في مسيره المعرفي يثبت على حالة فكرية بعينها، فقطب.. إن كان له من خصلة لم ينفك عنها حتى لقي ربه؛ فهي التحولات من أقصى هذا الطرف إلى أقصى الطرف الآخر، لكن النمنم «كاتب غير محايد» تجاه سيد قطب، مع الاعتراف بالمعلومات المهمة التي حفل بها كتابه «سيد قطب.. سيرة التحولات»، ولذلك.. يحتاج هذا الكتاب أولاً إلى تقييم بذاته، ثم تقييم المعلومة التي ترد به.
هذا.. مع البيان بأن انضمام سيد قطب وغيره من مفكري الإسلام وسياسييه -وغيرهم- إلى الماسونية ليس جريمة ولا خطيئة، ما لم يمارس الإنسان ظلماً وفساداً عبرها.
7. غياب التحليل التاريخي؛ فالتحليل التاريخي يقوم على ثلاثة عناصر مهمة؛ وهي: الوثيقة والمقارنة وسياق الحدث، فإذا غاب عنصر منها تضعف قيمة التحليل أو يسقط من أساسه، فمثلاً نقلت عن (السيد تركي): (تم عرض طلب انضمام للماسونية من قِبَل السيد تركي، وقد تم إدراجه ضمن قائمة المتغيبين)، فهل هذا يحقق التحليل التاريخي حتى نقول إن (السيد تركي بن سعيد حاكم عمان) كان ماسونياً؟ مع العلم بأن الكاتبة أوردت اسمه كما نقلته من المرجع (السيد تركي)، فمن هو هذا السيد تركي؟ هل هو الحاكم أم غيره؟ وهل هو عماني أو غير عماني؟ وهل لقب «سيد» حينها في العالم مقتصر على حاكم عمان؟ قد توجد الإجابة على هذه الأسئلة في المراجع، ولكن غيابها من المقال يجعل المعلومة تفتقر القيمة المطلوبة علمياً في التحليل التاريخي، والتحليل قد يضعنا على أقل تقدير في شك تأريخي من الواقعة أو تفاصيلها.
وفيما لو ثبت تاريخياً انضمام أحد العمانيين أو أحد حكامهم إلى الماسونية، فالانضمام ذاته ليس عيباً ولا جريمة -وهذا ما تذهب إليه الكاتبة أيضاً- وإنما يحاكم الإنسان بأفعاله وأعماله، ويكفي دليلاً على ذلك أن محمود جمعة -بحسب المرجع- طلبوا له القرآن لأداء مراسم الانضمام.
وختاماً.. شكراً لمجلة «الفلق» التي تحرص على نشر الفكرة والفكرة الأخرى؛ اتفاقاً واختلافاً، وشكراً للكاتبة فاطمة بنت ناصر التي دفع مقالها إلى أن أبدئ رأيي فيه وتلخيص رؤيتي عن الماسونية، والذي اتفقت معها في جوانب واختلفت معها في جوانب أخرى، وما ذلك إلا لكي نصقل أفكارنا، ونعيد النظر فيها باستمرار، وهو ما لمسته بوضوح في تطور الخط الفكري للكاتبة الفاضلة.
مصدر الصورة: https://2u.pw/DOgOV